الاثنين، 28 يونيو 2010

آلهة الاغريق /2/ عصر آلهة الأولمب : حسن عبد العال

آلهة الاغريق /2/

عصر آلهة الأولمب
حسن عبد العال *

29-6-2010م

ألهة الأولمب الكبرى والصغرى :

يبدأ تاريخ آلهة الأولمب مع بداية العصر الذي دشن بانتصار زيوس على كرونوس وعلى التيتان الذين انقلبوا على عرش زيوس الذي تمكن ، بعد حرب طاحنة دامت عشرة أعوام، من إلحاق الهزيمة بالتيتان والزج بهم في أعماق تارتاروس (1)-. ويعتبر آلهة الأولمب الكبرى ، أو آلهة الأولمب الأثنى عشر ، بمثابة الآلهة الحقيقيين، لأن عصرهم هو العصر الشمولي ، وتاريخهم هو تاريخ النظام وعلاقة الآلهة الخالدة بالكون والبشر الفانين . ولقد حرص الإغريق الأوائل على تقسيم آلهة الأولمب إلى طبقتين . الأولى هي طبقة آلهة الأولمب الكبرى الأرفع منزلة وشأناً ، تليها طبقة آلهة الأولمب الصغرى ، وهي طبقة أدنى من سابقتها منزلة وشأناً . وتنحصر طبقة آلهة الأولمب الكبرى بقائمة من اثنى عشر إلهاً وإلهة تدين بالولاء والطاعة للآله الأعظم ورب الأرباب جميعاً زيوس Zeus ابن ريا وكرونوس ، الإله السياسي الذي احتل عن جدارة ومقدرة منزلة أبيه كرونوس ، ووسع كرسيه السماء والأرض ، وبقي خالداً على عرشه متجنباً بحكمة ودهاء المصير الذي لحق بأبيه كرونوس وجده أورانوس ، بفضل نجاحه في ايقاف دورة عجلة العنف الملكي التي كانت تجبر الإله الملك على إضطهاد أبنائه باعتبارهم يشكلون خطراً كامناً على مستقبل عرشه ، وتجبر بالتالي أبناء الإله الملك الطامحين إلى الحرية على قتل أبيهم أو عزله عن عرشه بالقوة . ولهذا يعتبر عصر زيوس عصر النظام والاستقرار الكوني والسياسي . ولقد شارك زيوس ، كبير الآلهة ورب السماء والأرض والبشر الفانين ، فريق من آلهة الأولمب الذين عنوا في ظله، وتحت زعامته ، بتسيير نظام الكون وتنظيم الجوانب المتعددة من حياة الآلهة الخالدة والبشر الفانين . وكان يتلوزيوس منزله ومقاماً بين آلهة الأولمب الكبرى شقيقه مزلزل الأرض بوسيدون Poseidon الذي اختص بالوهية البحار التي كانت مقصورة وقتها على بحري ايجة والمتوسط . وشقيقه الأخر هاديس Hades الذي اختص، بموجب قسمة تركة كرونوس بين أبناءه الذكور الثلاثة زيوس وبوسيدون وهاديس، بشؤون مملكة الظلمات (2) [ هوميروس : الإلياذة - النشيد الخامس عشر ] . أي بشؤون العالم السفلي ( تارتاروس ) الذي كان يبعد عن سطح الأرض مسافة تعادل المسافة التي تفصل بين الأرض والسماء. وحسب تقديرات أغارقة الجيل الخامس ، جيل هوميروس وهسيودوس ، فإن سقوط سندان برونزي من الأرض كان يحتاج لوصوله إلى تخوم العالم السفلي عشرة أيام بلياليها [ هسيودوس : ( الثيوجونيا ) ] وكانت تليهم منزلة وشأنا ً الربة هيراً Hera ابنة كرونوس وريا ، وشقيقة زيوس وبوسيدون وهاديس ، التي أصبحت بفضل زواجها من شقيقها ملك الأولمب زيوس تحتل المنزلة الأولى بين ربات الأولمب ، وتبسط سيطرة وسطوة أوسع من السيطرة المنوطة بها أصلاً كإلهة حامية للإسرة وضامنة للزواج الشرعي عند الآلهة الخالدة والبشر الفانين (3) . أما الربة هستيا Hestia ابنة كرونوس وريا و ذات الدور المتواضع، قياساً بدور أشقائها وشقيقاتها من آلهة الأولمب الكبرى ، فقد عنيت إضافة إلى وظيفتها الأساسية كربة للشعلة العامة والموقد العام برعاية شؤون المشردين واللاجئين (4) وبتدفئة منازل البشر الفانين ورعاية مواقدهم . أما السبعة المتبقين من ألهة الأولمب الكبرى فهم جميعاً من أبناء زيوس وهيرا ، ومن أبناء زيوس من ربات غير هيرا . ومن هذا الجيل من آلهة الأولمب الكبرى أريس Ares ابن زيوس وهيرا الذي اختص بشؤون الحرب ( إله الحرب ) وهيفستوس Hephaestus ابن زيوس وهيرا  الذي تملك النار واختص بشؤون الصناعة والفنون الحرفية . والربة أثينا Athena ابنة زيوس من زوجته الأولى حورية البحر الأوقيانوسية ميتيس Metis التي أصبحت إلهة للحكمة والعقل الراجح .(5)وأفروديت Aphrodite ابنة زيوس من حورية البحر الأوقيانوسية ديوني Dione ، والتي أصبحت لشدة سحرها وجمالها ربة للفتنة والجمال *. وارتيميس Artemis ابنة زيوس من سليلة التيتان ليتو Leto ، والتي عهد أليها بعالم الصيد والبراري( الهة الصيد ) . وأبولو Apollo ابن زيوس من ليتو والشقيق التوأم لأرتيميس ، الذي أصبح إلهاً للشعر والموسيقى وكل الفنون ،وإلهاً للنبوءات وعلاماً بالغيوب . وأخيراً هرمس Hermes ابن زيوس من البليادة مايا Maia الذي اختص بألوهية التجارة والفصاحة واشتهر كرسول لزيوس في المهمات الصعبة . أما بقية الآلهة من ساكني الأولمب فيعدون من آلهة الأولمب الصغرى التي تضم قائمة طويلة من الأرباب والربات أكثرهم من نسل زيوس الإله الشبق الذي اقترن بعدد كبير من الربات والحوريات الخالدات والنساء الفانيات ، وأقلهم من نسل بقية الآلهة . ومن هذا الجيل الذي سكن الأولمب يذكر في البداية ربة الصبا والشباب هيبي Hebe الذهبية التاج ابنة زيوس وهيرا، ومضيفة آلهة الأولمب الذين كانوا يتلقون منها في المآدب والحفلات العامرة حاجتهم من الأمبروسيا (6) Ambrosia والنكتار(7) Nectar قبل اقترانها من الأله الخالد هرقل Heracles ابن زيوس من الكميني (8) Alcmene . وايروس Eros إله الحب وابن سيدة العشق والجمال أفروديت من عشقيها الأول (9) إله الحرب أريس Ares . وربة الفتنة والشقاق ايريس Eris ابنة هيرا ، التي اشتهرت في الميثولوجيا الإغريقية من خلال دورها كمثيرة للفتن داخل الأولمب ، ومن خلال دورها في التحريض على الحروب والنزاعات إلى جانب إله الحرب أريس (10) . والربة قوس القزح إريس Iris الرشيقة ابنة توماس واليكترا التي كانت تجمع بين مهمتها كرسولة لرب الأرباب زيوس ، ووظيفتها المخملية كوصيفة أولى لسيدة الأولمب الربة هيرا . والإله الصغير هيمينيوس Hymeneus إله الزفاف المراسم الخاصة بحفلات زواج الآلهة ، وهو ابن الربة أفروديت من عشقيها الثاني إله الخمرة والكروم ديونيزيوس Dionysus . وإلى جانب هيمينيوس ومن زمرته كان يسكن الأولمب الإله الصغير كوموس Comus ، إله الموائد العامرة ومباهجها من سكر وعربدة ومجون . وموموس Momos ، ربة التسلية والسخرية التي كانت تحل على الدوام ضيفاً على موائد رفيقها كوموس . ومن أبرز ساكني الأولمب من طائفة آلهة الأولمب الصغرى بنات زيوس من عمته منيموزيني Mnemosyne ابنة أورانوس وجيا ، وهن طائفة من رباب الإلهام والفنون اللواتي عرفن باسم الموسات Muses ،وعددهن تسع ربات، وتضم هذه الطائفة الإلهية من ربات الإلهام والفنون الأولمبية ، الربة كليو Cleio التي اختصت بفن التاريخ ، ويوتربي Euterpe ربة الموسيقى والشعر الغنائي . وثاليا Thalia ربة الكوميديا.وميلبوميني Melpomene ربة التراجيديا . وتربسيخوري Trpsichore ربة الرقص والغناء الجوقي . وايراتو Erato ربة الشعر الغزلي . وبوليهمنيا Polyhmnia ربة الأناشيد البطولية والدينية وفن التمثيل . وأورانيا Urania ربة الفلك .وكاليوبي Calliope ربة الشعر الحماسي التي كانت تحتل موقع الزعامة بين ربات الإلهام والفنون ( هسيودوس : الثيوجونيا ). وإلى جانب ربات الإلهام والفنون الأولمبية اللواتي سكن الأولمب ، إضافة إلى قمة جبل هليكون المقدس ، كانت تسكن الأولمب بدورها ربات اللطافة ( الخاريتس) Charites ، أجليا Aglaea ،ويوفروسيني Euphrosune ، وثاليا Thalia .وهن ثلاث بنات من نسل زيوس ويورينومي ( ابنة تيثيس واوقيانوس ) اللواتي كان يشع الحب من عيونهن الساحرة ، وكن من فريق افروديت ربة الفتنة والجمال ومقربات من طائفة الموسات .كما كانت تســكن الأولمب ربات الفصول ( الهوراي ) Horae ، يونوميا Eunomia ربة الحكم العادل .وديكي Dike ربة الجزاء العادل . وإيريني Eirene ربة السلام ، وهن مجموعة من بنات زيوس من الربة ثيميس (ابنة أورانوس وجيا ) كن يشغلن وظيفة حارسات على مداخل الأولمب . وهذه المجموعة بدورها كانت مثل اللطائف مقربة من ربات الفنون ، كما كن ملحقات بأبيهن زيوس ويسكن على مقربة من القصر الملكي الذي شيده إثر زواجه من شقيقته وزوجته الأخيرة هيرا ابنة كرونوس وريا . وعلى مقربة من هذا القصر الملكي أيضاً جمع الحب بين هيبي ابنة زيوس من هيرا ، وهرقل ابن زيوس من الكمين ، الذي وجد راحته وسط آلهة الأولمب بعد مرور عمر مديد وكفاح طويل توج بأعماله البطولية الأثنى عشرة . ومن ساكني الأولمب نيكي Nike ( النصر) وزيلوس Zelus ( الحماسة ) وكراتوس Cratos ( السلطان ) وبيا Bia(القوة) وهم جميعاً من أبناء الربة ستكس Styx ابنة أوقيانوس التي كرمها سيد الأولمب زيوس إثر وقوفها مع ابنائها إلى جانبه في حربه مع التيتان ، وأصبحت بمثابة القسم الذي ينطق به الآلهة. كما كرم ابناؤها الأربعة من خلال منحهم حق الإقامة إلى جانبه في الأولمب [ هسيودوس : ( الثيوجونيا ) ] وكان هذا الفريق الأخير من أبناء ستكس مقرباً ً من سيد الأولمب زيوس لكونه يرمز إلى أربعةمن مظاهر تجلياته وخصاله . آلهة الشتات : لم تقتصر تجمعات الآلهة في العصر الأولمبي على آلهة الأولمب الكبري الذين كانوا في الغالب يعيشيون ويمارسون وظائفهم واختصاصاتهم على مقربة من قصر سيد الأولمب زيوس ، ولا على آلهة الأولمب الصغري الذين كانوا يعيشون ويمارسون وظائفهم واختصاصاتهم على مقربة من أجنحة ومقرات آلهة الأولمب الكبرى . فإلى جانب تجمع الأولمب ، وهو التجمع الأهم لآلهة الإغريق، انتشرت الآلهة ذكوراً وإناثاً ، أفراداً وجماعات ، وبحسب اختصاصاتها في البحار وأعماق البحار، وفي البحيرات والأنهار ، وقرب الينابيع والجداول والشلالات ، وفي الغابات والوديان، وعلى التلال والطرق ،وفي أعماق العالم السفلي، وأيضاً في أعالي السماء . وهذا التوزع الكوني، الذي فرضته على الآلهة طبيعة وظائفها واختصاصاتها ، شمل بدوره أيضاً آلهة الأولمب .أو بتعبير أدق، العديد من آلهة الأولمب الكبرى التي أقامت في قصور ومنتجعات وسط ساحات عملها واختصاصاتها . فآلهة الأولمب ليسوا جميعاً من ساكني الأولمب ،فالبعض منهم كانوا أصحاب أجنحة ومراكز يشغلونها خلال زياراتهم للأولمب الذي كانت أبوابه مفتوحة على الدوام للإلهة القادمة من بعيد ،وبلا استثناء ،شريطة وجود مبرر أو هدف من وراء زيارة أي رب أو ربة من آلهة الشتات للأولمب، أو لأحد أجنحته الخاصة بإحدى الرباب ، أو أحد الأرباب  . وحسب الميثولوجيا الإغريقية فإن الآله هاديس ملك العالم السفلي الذي كان يحتل إلى جانب شقيقه بوسيدون المنزلة الثانية بعد زيوس مباشرة في قائمة آلهة الأولمب الكبرى ، لم يكن من ساكني الأولمب ولم يقدم على زيارة مملكة زيوس في الأولمب سوى لعدة مرات ، ودائماً استجابة منه لضرورة قاهرة كانت تستدعي ذلك ،كما في حالات استجابته لبعض الدعوات التي وجهت إليه لحضور الاجتماعات الدورية، أوالطارئة ، لمجلس الآلهة الذي كان يدعو إليه ويتزعمه رب الأرباب جميعاً وسيد الأولمب زيوس ابن كرونوس . واستعاض عن جناحه الخاص به في الأولمب ،بقصر ملكي بناه في أعماق العالم السفلي ، ليكرس عزلته عن التجمع الرئيسي للإلهة في الأولمب ، واستطاب فيما بعد عزلته وسط مملكته تارتاروس إثر نجاحه في اختطاف برسيفوني Persephone ، ابنة ديميتر Demeter وزيوس ، التي آنست وحشته بعدما استطاب لها العيش في قصره ، واســـتطابت لها حياتها الجديدة ، كملكة وإلهة للعالم السفلي، إلى جانب زوجها هاديس ابن كرونوس (11) .كذلك الأمر كان حال الإله بوسيدون ، مزلزل الأرض وإله البحار، الذي شيد وسط أعماق بحر إيجه قصراً فخماً، واتخذه مسكناً لنفسه ولزوجته الحورية امفتريتي Amphitrite ، ابنة نيريوس الإله القديم الذي حكم البحر في عصر التيتان . وكذلك الأمر يتبين من خلال الميثولوجيا الإغريقية بأن الإله أبولو إله النبوءات ، اتخذ من " سرة الأرض " (12) في دلفي Delphes مسكناً له . كذلك الأمر يتبين من خلال نصوص الميثولوجيا الإغريقية بأن الربة ديميتر Demeter ، شقيقفة زيوس وأبنة ريا وكرونوس ، لم تكن مثل أشقائها وشقيقاتها من ساكني الأولمب ، ولا حتى من عداد آلهة الأولمب رغم أن نسبها ووظيفتها كربة كبرى ،وإلهة للغلال ، كانا يتيحان لها أكثر من غيرها السكن في أعالي الأولمب واحتلال المركز الرابع أو الخامس في قائمة آلهة الأولمب الكبرى بعد زيوس وهاديس وبوسيدون (13) ، كما يتبين من خلال النصوص المذكورة بأن الربة ذات المنزلة الرفيعة، ديميتر ،فضلت الأرض على أعالي السماء . كذلك الأمر كان حال إله الخمرة والكروم ديونيزوس Dionysus ، ابن زيوس من سليلة الآلهة سيميلي Semele ، فهو مثل الربة ديميتر من آلهة إخصاب الأرض، ويعد أحد الأرباب الأكثر بروزاً والأوسع انتشاراً ، ويعتبر مثل ديميتر أهم من بعض الأسماء التي تندرج ضمن قائمة آلهة الأولمب الكبرى ، مثل هستيا وهرمس ،وصاحب دور يتســــــاوى في أهميته، وأحياناً يزيد ، بالمقارنة مع أهمية دور بعض الأسماء الأخرى التي تندرج ضمن قائمة آلهة الأولمب الكبرى، مثل أبولو وأرتيميس وهيفيستوس وأريس وأفروديت . هذه المنزلة التي كان يتحلى بها ديونيزيوس ، ابن سيميلي وزيوس، لم تمكنه من احتلال الموقع الذي يليق به ضمن قائمة آلهة الأولمب الكبرى ، ولم تؤهله لحيازة جناح خاص به في أعالي الأولمب وبقي من ساكني الأرض ومن الجوالين في أرجائها . ومن طائفة الآلهة الثانوية من آلهة الشتات التي سكنت البحر، طائفة النيريديس Nereides ، وهن آلهة حوريات من بنات نيريوس الخمسين اللواتي سكن في أعماق بحر أيجه والمتوسط ، ومثيلهن طائفة الأوقيانوسيات Oceanides وهن أيضاً مثل طائفة النيريديس ،مجموعة آلهة من حوريات الماء اللواتي سكن بدورهن في أعماق بحر ايجه والمتوسط وفي البحيرات العذبة والأنهار . ويقابل هاتين الطائفتين من آلهة الشتات الثانوية التي سكنت البحار ، طائفتان من آلهة الشتات الثانوية التي سكنت السماء البعيدة ، أولهن الهياديس (14) Hyades ،وهن مجموعة حوريات من بنات أطلس تحولن بمساعدة رب الأرباب زيوس إلى نجوم متلئلئة في السماء ، وثانيهن البلياديس (15) Pleiades ، وهن أيضاً مجموعة أخرى من بنات أطلس تحولن بمساعدة من زيوس إلى سبعة نجوم متلئلئة في السماء وشكلهن الثريا . ومن آلهة الشتات الثانوية مجموعة الهاربيس Harpies، ايلو Aello ، وأوكيبيتي Ocypete وكيلاينو Calaeno ، وبودارجي Podarge ، ونيكوثوي Nicothoe ، وهن مجموعة إلهية كاسرة من بنات توماس واليكترا ، لها أجسام مجنحة مخيفة الشكل ، ورؤوس عذاري بمخالب طيور كاسرة ،وكانت تسكن وسط جزر البحر الايوني . ومن آلهة الشتات الثانونية أيضاً الأورياديس Oreades ، وهن مجموعات من حوريات الجبال والتلال المقربات من ربة الصيد أرتيميس، ومثيلاتهن النياديس Naides ، وهن مجموعة من حوريات الينابيع والبحيرات والجداول . ومن آلهة الشتات الثانوية أيضاً مجموعة الميلياديس Meliades وهن حوريات غابات البلوط والدردار اللواتي خلقن من الدم الذي تدفق من الإله اورانوس أثناء خصيه[ هسيودوس :(الثيوجونيا )]، ومن هذا الدم أيضاً خلقت الايرينيات Erinyes ، الشديدات البأس بدروعهن اللامعة ورماحهن الطويلة ، وهن ثلاث من ربات الانتقام كن مكلفات من قبل زيوس بمطاردة الخارجين عن شرعته في الأرض وفي مملكة الظلام، في الحياة وبعد الموت ، وهو دور يكمل الدور الذي كانت تقوم به في أرض الشتات ربة الانتقام نيميزيس Nemesis التي اختصت في مجال الاقتصاص العادل . ومن هذه العينات من ربات الشتات مجموعة المويراي Moerae ، أي الحظوظ ، وهن ثلاث من بنات زيوس وثيميس أولهن كلوثو Clotho ، وثانيهن لاخيسيس Lachesis ، وثالثهن أتروبوس Atropos منحهن زيوس شرفاً عظيماً عندما أوكل اليهن الحق في توزيع وتخصيص الخير والشر، والعناية بمسائل القدر والقسمة والنصيب عند الآلهة والبشر أجمعين . ومن ربات الشتات ايضاً مجموعة الهيسبيريدات Hesperides ،وهن ثلاث ربات حوريات من بنات الليل ،عملن في خدمة سيدة الأولمب الربة هيرا التي خصتهن بحراسة تفاحاتها الذهبية الثلاث التي كانت تزين حديقة الجنة في أقصى الغرب . ومن آلهة الشتات البارزة الربة هيكاتي Hecate ، التي كرمها وكرم عبادتها رب الأرباب زيوس، الذي منحها أيضاً امتيازات في الأرض والبحر والسماء . والربة الحورية ستكس Styx ، كبرى بنات أوقيانوس، التي مجدها زيوس وسط آلهة الأولمب والشتات ، والتي كانت تعيش بمعزل عن تجمعات الآلهة في بيتها العظيم الذي كانت تحيط به الصخور الهائلة من كل اتجاه، والمدعم من جميع جوانبه بأعمدة فضية شاهقة تكاد تلامس السماء [ هسيودوس : ( الثيوجونيا )] . إضافة إلى هيكاتي وستكس ، يعتبر من آلهة الشتات أيضاً طائفة هامة من الآلهة كالنوم، والموت ، والنزاع واللوم، والقضاء، والألم، والمنازعات ، والمعارك ،والقتل ،والاغتيالات ،والصداقة، والكراهية ،والحظ العاثر، والخداع، والنسيان، والقحط ،والكروب، والعصيان، والخراب .. الخ وإلى جانب هذه القائمة الطويلة من الآلهة المسماة بأسمائها ، كان لرب الأرباب والبشر أجمعين، زيوس ابن ريا وكرونوس، جيش من الآلهة فوق سطح الأرض الطيبة يقوم بحراسة البشر ومراقبة أحكامهم وأعمالهم العنيفة . وكان تعداد هذا الجيش الذي يجوب مسالك الأرض متنكراً على شكل رذاذ يربو على الثلاثين ألف إله خالد [ هسيودوس : ( الأعمال والأيام ) ] .
* كاتب فلسطيني








الهوامش 1- يذكر هسيودوس في " أنساب الآلهة " بأن أبناء أورانوس التيتان حاربوا أبناء كرونوس المتمترسين فوق أوليمبوس ،لأنهم لم يقبلوا بحكمهم وحكم زعيمهم زيوس . واستمرت الحرب الضروس عشرة أعوام لم يحقق من خلالها أحد الفريقين المتحاربين نصراً على الآخر . وأخيراً في محاولة منه لتثبيت عرشه وقهر التيتان المتمردين قام زيوس بتحرير الجبابرة الثلاث ، برياريوس ،وكتوس ، وجاييس ، الذين سبق وزج بهم أبيهم أورانوس في أعماق تارتاروس ، خلال فترة حكمه السابق على عهد كرونوس ،لأن أشكالهم المقرفة كانت تسبب له الهم والغم . وكان للجبابرة ،المطلق سراحهم من قبل زيوس ،الدور الأعظم في نصرته على أعدائه التيتان ،نظراً للقوة الخارقة التي كان يمتلكها هذا النوع من الجبارة المزود كل واحد منهم بخمسون رأساً ومائة ذراع . وبعد انتصار زيوس في حربه مع اعدائه التيتان ،التي بلغت درجة من العنف اهتزت بفعلها الأرض ،قام زيوس بزج التيتان المهزومين في جحيم تارتاروس .2- حسب القسمة التي تمت بين ورثة كرونوس ، تفيد الأسطورة الإغريقية بأن القسمة تمت بين أبناء كرونوس الذكور زيوس الذي ملك السماء، وهاديس الذي ملك العالم السفلي، وبوسيدون الذي ملك البحار. أما بالنسبة لبنات كرونوس، هستيا، وهيرا ، وديميتر، فكانوا خارج القسمة التي انحصرت بالأبناء الذكور دون غيرهم. وحسب الأسطورة ذاتها فإن الأرض التي بقيت من حق الأبناء الذكور الثلاثة، استحوذ عليها زيوس الذي أصبح فيما بعد ملكاً على السماء والأرض أيضاً . وكان استحواذ زيوس على الأرض، وتنصيب نفسه ملكاً عليها وعلى القاطنين فيها من مخلوقات وبشر فانين ، مدعاة لاستنكاره إلاله بوسيدون الذي انتقد احتكار زيوس للأرض وبسط سيطرته المطلقة عليها . ووجد فيه تحجيماً لسلطانه وسلطان هاديس وخروج على الشرعية . 3- لم تشتهر الربة هيرا من حيث وظيفتها المتواضعة كربة للنساء وللأسرة والزواج الشرعي، وانما اشتهرت كملكة متوجه ، إلى جانب زوجها رب الأرباب زيوس ، رغم أنها لم تكن مخولة بمقاسمته السلطان . كانت هيرا شخصية يحسب لها الآلهة ألف حساب ، بمن فيهم زوجها رب الأرباب زيوس ، الذي كانت تعامله معاملة الند للند ولم تخضع لإرادته كزوج وكرب للأرباب إلا في المسائل التي كانت تتفق فيها معه . أما في المسائل التي كانت تختلف فيها معه، فكانت تتخذ منه موقف المعارضة المتشددة التي كانت تصل إلى حد المجابهة في بعض الأحيان . كانت هيرا ، المحاربة القوية الصلبة، ربة في غاية الجمال، وكانت تتغنى بحسنها وجمالها رغم طبيعتها المحاربة، كما كانت تعتبر نفسها الأجمل بين الربات جميعاً بمن فيهم أثينا وأفروديت .4- تمتاز الربة هستيا عن غيرها من الأرباب والربات من خلال صورتها كربة مسالمة ودافئة ترمز إليها وظائفها كربة للموقد الذي يرمز إلى اهتمامها بتدفئة المنزل وبأمور معيشة القاطنين به. وكربة للموقد العام، وللشعلة العامة ، التي تقع في مركز ومنتصف المدينة - الدولة وترمز إلى عزها وإلى أمنها واستقرارها . أما وظيفتها كربة إغاثة لشؤون المشردين واللاجئين ، التي تعتبر امتداداً لوظيفتها الأساسية كربة راعية لبيت الأسرة ، فعلى الأغلب انها تعود في تاريخها إلى مرحلة الغزو الدوري القادم من الشمال، الذي تعرضت إليه أواسط وجنوب بلاد اليونان خلال القرن الحادي عشر السابق على الميلاد، وأدى إلى تدمير المدن والمقاطعات وتشريد سكانها من أيونيين وآخيين ،وغيرهم من القبائل الإغريقية، وتحويلهم جميعاً إلى مشردين ولاجئين في أصقاع الأرض ، بدءأ من جنوب إيطاليا وصقلية ،إلى جزر بحر إيجه وشواطىء البحر الأسود وشواطىء آسيا الصغرى الواقعة على البحر الأبيض المتوسط 5- حسب الأسطورة الإغريقية فإن الربة أثينا ابنة زيوس وميتيس ، لم تولد ولادة طبيعية ، أي من رحم أمها، وانما ولدت من رأس أبيها . وتفسر الأسطورة ذلك اللغز برواية تفيد بأن زيوس ابتلع زوجته الحامل ميتيس ،وحبسها في جوفه، إثر ظهور نبوءة تقول بأن أقدار ميتيس، زوجة زيوس الأولى ، تشير إلى أنها ستنجب غلاماً ذكراً يفوق أبيه بأساً وقوة . وحسب الأسطورة ذاتها فإن ميتيس أنجبت ابنتها أثينا وهي محجوزة وسط جوف زيوس ، وبأن الربة المولودة " أثينا " استقرت قرب دماغ أبيها زيوس وبدأت تتغذى منه إلى درجة تسببت فيها لزيوس بالآم مبرحة في الرأس . وظل زيوس على هذه الحالة ، التي تسببت له بالصرع ،حتى جاء الوقت الذي أخضع فيه زيوس للجراحة، وتم شق رأسه بواسطة بلطة عظمية من صنع هيفيستوس حررت أثينا وأراحت زيوس . 6- الأمبروسيا مزيج من العسل والطيب والسوائل الفواحة واللذيذة المذاق ، تصنع للآلهة فقط لأنه يضمن لمن يتناوله الشباب الدائم والخلود معاً . لذلك منعت الأمبروسيا عن البشر الفانين ، لأن استخدامه وسطهم يقلب الموازيين، ويجعلهم كالآلهة خالدين . إضافة إلى وظيفته كطعام للآلهة كانت الربات تستخدمنه في التطيب والاغواء، ويذكر هوميروس في الإلياذة ( النشيد الرابع عشر ) بأن الربة هيرا كانت عندما تريد إثارة زيوس ، واذكاء نار الحب في داخله، تمسح كامل جسدها بالأمبروسيا قبل الدخول إلى مخدعه 7- النكتار شراب الآلهة ، يؤخذ مع الأمبروسيا ولا يصرح بتناوله إلا للآلهة الخالدين . وهو مكون من عصير مقطر مأخوذ من عدة أنواع من الأعشاب النادرة 8- كانت هيبي آخر زوجات هرقل ابن زيوس وألكميني ،وكان الزواج بقرار من زيوس الذي أراد إسكان ابنه وسط الأولمب ، وضمان حياة مستقرة وهانئة له ، بعد عمر حافل بالمشقات ،والأعمال البطولية ،التي عجلت بشيخوخته . وحسب الأسطورة فإن هرقل ابن الكميني قضى في الأولمب مع زوجته هيبي سنواته الأخيرة حيث نقل بعدوفاته إلى جزائر السعداء . وكان زواج هرقل من هيبي تتويجاً للمصالحة التي تمت ، وفقاً لإرادة زيوس ، بين هرقل وزوجة أبيه الربة الناقمة هيرا ، التي بقيت متمسكة بعدائها لهرقل ابن الكميني منذ يوم مولده وحتى مرحلة ما قبل زواجه من ابنتها هيبي واستقراره في الأولمب . 9- كانت أفروديت متزوجة من إله الصناعة هيفيستوس،ولها عشاق كثر بين الآلهة أبرزهم وأولهم الإله أريس ،إله الحرب ،وهنالك اسطورة شهيرة تتحدث عن ضبط هيفيستوس لكل من أفروديت وأريس وهما في حالة الجماع ، وسوقهما بالأصفاد وهما عاريين تماماً إلى ساحة الأولمب حيث أدينا بجريمة الزنا .أنجبت أفروديت من عشاقها العديد من الأبناء ، ذكوراً وإناثاً ،لكنها لم تنجب من زوجها الشرعي هيفيستوس. 10- إيريس إبنة هيرا ، ولكنها ليست ابنة لزيوس . وحسب الأسطورة الإغريقية السائدة عن ولادة إيريس ، فإن الربة هيرا وضعتها من غير ضجوع ، وجعلت منها توأماً لأبنها الذكر أريس ، وكان هدفها من وراء ذلك إغاظة زوجها زيوس الذي خلق الربة أثينا من دماغه 11- تقول الأسطورة الإغريقية عن هاديس وبرسفوني ، بأن الإله هاديس أقدم على اختطاف العذراء برسفوني ، ابنة شقيقته ديميتر وشقيقه زيوس ، وفر بها إلى معقله في العالم السفلي . وبأن برسفوني ، التي رفضت في البداية الإقتران من خاطفها البغيض هاديس ، رضخت للأمر الواقع إثر تدخل زيوس ،الذي نجح في إبرام تسوية بين هاديس والأم الغاضبة ديميتر تنص على حق الأم في استعادة ابنتها ثلثي كل عام ، وحق الزوج في استرداد زوجته خلال الثلث الثالث من كل عام . كما تفيد الأسطورة ذاتها بان العذراء الوديعة برسفوني ، التي رضخت في البداية لإرادة خاطفها هاديس ، أصبحت فيما بعد شريكة لزوجها البغيض في إدارة وحكم العالم السفلي . وخلال هذه المرحلة الملكية أصبحت برسفوني تظهر في الميثولوجيا الإغريقية بصورة ملكة بغيضة تقوم بالإشراف على أعمال القهر والتعذيب ، وأصبح اسمها يدب الرعب في القلوب . 12- دلفي ، هي حسب الميثولوجيا الإغريقية " مركز الأرض " . وهذا التحديد قائم على أسطورة تقول بأن زيوس وضع في دلفي حجراً مستديراً أبيض اللون عرف باسم حجر أومفالوس "Omphalos " حدد فيه موقع دلفي كسرة للأرض . وحول هذا الحجر الذي يشـير إلى " سرة الأرض " أقام أبولو مركزاً لعبادته ، ومن هذا المركز كان يطلق نبوءاته . 13- لا تذكر الميثولوجيا الإغريقية سبباً لأسقاط اسم ديميتر من قائمة آلهة الأولمب رغم أنها ، مثل هستيا وهيرا ، من بنات كرونوس ولها الحق مثل أشقائها وشقيقاتها بالحصول على هذا الأمتياز ، واحتلال هذه المنزلة الملكية الرفيعة في أوساط الآلهة . والسبب في إسقاط اسم الربة ديميتر من قائمة آلهة الأولمب لا يعود إلى وظيفتها وطبيعة دورها كربة للغلال مضطرة لأداء وظيفتها في الأرض لا في السماء ، لأن صفة الإله الأولمبي لا تطلق على ساكني الأولمب وانما إلى أصحاب المنزلة الملكية والأمتيازات في أوساط الآلهة . فبوسيدون كانت وظيفته تحتم عليه العيش وسط مملكته البحرية ،وهاديس كانت وظيفته تحتم عليه أيضاً العيش وسط مملكته السفلية . وحسب الأسطورة أيضاً فإن الربة ديميتر ، التي لم تكن من آلهة الأولمب ، سكنت الأولمب بعد زواجها من شقيقها زيوس ، وانجابها منه لابنتها برسفوني ، ثم غادرت الأولمب نهائياً بعدما هجرت زوجها زيوس ، إثر اكتشافها لمؤامرة زوجها وتواطئه مع شقيقه هاديس الذي حصل على موافقته قبل إقدامه على أختطاف برسفوني 14- الهياديس ، سبع حوريات من نسل أطلس هن امبروسيا ، ويودورا ، وبيديلي ، وكورونيس ، وبولوكسو ، وفوتو ، وديوني . رفعهن زيوس إلى السماء وشكل منهن مجموعة نجمية ممطرة . ويعود سبب تكريم زيوس للهياديس إلى دورهن في احتضان ابنه ديونيزيوس ، ابن سيميلي ، الذي فقد أمه قبل ولادته . وهنالك أسطورة أخرى تقول بأن زيوس رفعهن إلى السماء ، وحولهن إلى مجموعة نجمية ، بعدما فجعن بمقتل شقيقهن " هياس " وبقين رغم ذلك يذرفن الدموع حتى سمين بـ " الممطرات " . 15- البلياديس ، سبع حوريات من نسل أطلس ، كن مرافقات لأرتيميس ربة الصيد . أشهرهن أليكترا ومايا . أما البقية فهن تاوجيتي ، وألكووني ، وستيروبي ، وكيلانيو ، وميروبي . وهن شقيقات للهياديس ، وتقول الأسطورة بأن زيوس رفعهن إلى السماء ، وشكل منهن الثريا ، لإبعادهن عن مطاردات الصياد العملاق أوريون الذي تحول بدوره إلى نجمة في السماء .



حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:(00963944094429)

الجمهورية العربية السورية - حمص ص । ب 1156،
هاتف 264016 ، فاكس 486634- 486635-31-0963
موبايل ( 094429-0944 )

آلهة الاغريق /1/ عصر الآلهة التيتــان: حسن عبد العال

آلهة الاغريق /1/

عصر الآلهة التيتــان

حسن عبد العال*

29-6-2010م

في مؤلفه الذي عني بالبحث والتقصي في أصول وأنساب آلهة الإغريق ( الثيوجونيا) (1) theogony )) يتحدث هسيودوس عن المعتقدات الاغريقية التي وحدت بين الكون والآلهة عبر تجسيمها كل مظهر كوني ، شكل، أو معنى إلهي (2). فالبحر إله، والأرض إلهة ، والسماء إله، والشمس إله، والقمر إلهة . وحسب هسيووس الذي عني في مرحلة ما بعد هوميروس بتدوين شجرة أنساب آلهة الإغريق بأسلول شعري لا يخلو من منهجية مبكرة في البحث ، فإن الكون كان في البداية يتشكل من كاوس Chaos ، أي من فراغ كوني لا متناهي ، ومن هذا الفراغ الكوني الذي خرجت منه عناصر الكون الأولى تشكلت جيا Gaea ، أي الأرض الواسعة الصدر والرحبة الأرجاء . وتارتاروس Tartarus، أي مجاهل العالم السفلي العميق الغور تحت سطح الأرض . وإروس (3) Eros ، أي القوة الخلاقة ، قوة الانتاج والتوليد التي عملت على إحداث عملية التمازج بين أجزاء السديم الكوني الأول وجعلتها تتآلف وتندمج وتتوالد . وبفعل دور إروس الذي بدأت أطيافه المحببة تزور كل جزء من أجزاء السديم الكوني الأول نشأ من كاوس " Erebus " ، إريبوس ، أي عالم الظلمات . ومن عالم الظلمات هذا نشأ الليل . ومن اقتران اريبوس بالليل الحالك أنجب الليل كل من الأثير Ether والنهار Himera أما جيا الرحبة الصدر الواسعة الأرجاء فقد انجبت بدورها في بداية الأمر مخلوقها الأول أورانوس Uranus ، أي السماء التي أصبحت بمساحتها الواسعة ،التي تعادل مساحة الأرض ،تطبق من فوق على خالفتها جيا من جميع الجهات، وتنيرها بنجومها المتلئلئة . إضافة إلى مخلوقها الأول ، أورانوس ، أنجيبت جيا من ذاتها، وبغير ضجوع أو حب، البحر بونتوس Pontus. ثم اقترنت بعد ذلك بمخلوقها الأول أورانوس السماء وأنجبت منه زمرة من الآلهة التيتان ، وهم جيل من المردة مكون من ستة ذكور ( تيتان ) Titanes وست إناث ( تيتانيد ) Titaneds ، أولهم وأكبرهم أوقيانوس Oceanus النهر المحيط العميق الغور ، يليه كيوس Coeus، وكريوس Crius، وهيبريون Hyperion، وإيابيتوس Iapetus ، وثيا Theia ، وريا Rhea وثيميس Themis، ومنيموزيني Mnemosyne ، وفويبي Phoebe ، وتيثيس Tethys، وأخيراً كرونوس Cronosالإله الداهية وكان أصغر التيتان سناً ( هسيودوس : " الثيوجونيا " ب116 - ب 153 ) . كما أنجبت الإلهة الأم جيا من أورانوس ذرية من العمالقة الكيكلوبس  Cyclopes يتكون من ثلاثة من الجبابرة هم برونتيس ، وستيروبيس ، وأرجيس ، وذرية أخرى من العمالقة الهيكاتونخيريس Hecatonchires يتكون من ثلاثة عمالقة آخرين كانوا أعظم شأناً من اشقائهم الكيكلوبس، وهم كتوس ،وبرياريوس ،وجاييس . وحسب ثيوجونيا هسيودوس فإن أورانوس السماء أصيب بالهم والغم وأصبح كارهاً لذريته الغريبة من كيكلوبس وهيكاتونخيريس . وبالأخص لذريته الأخيرة ، لأن الكيكلوبس كانوا يشبهونه ويشبهون أبناءه التيتان في كل شيء ما عدا جباههم التي كانت تتوسطها عين واحدة مستديرة الشكل . أما الهيكاتونخيريس كتوس ،وبرياريوس، وجاييس، فقد كانوا يتصفون، إلى جانب قوتهم البدنية التي تفوق كل وصف، بقباحة وهيئة مرعبة تفوق الوصف أيضاً ، فكل واحد منهم كان يحمل فوق كتفيه خمسين رأساً ،وتتدلى من أكتافه مائة ذارع . وكانت هذه الهيئة المنكرة مدعاة إخفاء أورانوس لهذا النوع الكريه من ذريته وحشرها بعيداً عن النور وسط مجاهل العالم السفلي. وبدوره كان هذا الاجراء القاسي مدعاة لاستنكار الإلهة الأم جيا، التي قررت التخلص من زوجها الأول أورانوس بواسطة منجل مثلم عظيم الشأن صنعته بنفسها من حجر الصوان الرمادي (4) ، وتمكين أبنائها التيتان والكيكلوبس من تخليص اشقائهم الهيكاتونخيريس والتخلص من أبيهم الطاغية أورانوس . وكانت عملية خصي إلاله الطاغية أورانوس على يد أبنائه التيتان تتويجاً لإنقلاب التيتان، وأمهم جيا، على أورانوس ( السماء ) وبداية عهد كرونوس ( الزمن ) ، أصغر ابناء الإله المغدور أورانوس، والأقرب إلى نفس أمه جيا، التي حرصت على تمكينه من الحصول على شرف خصي أبيه بواسطة منجلها العملاق ، ثم مكنته فيما بعد من كسب ود ودعم أشقائه التيتان الذين مكنوه بدورهم من عرش أبيهم أورانوس وتوجوه ملكاً عليهم جميعاً . بعد خصي أورانوس والاطاحة بعرشه ، أقترنت جيا بمخلوقها الثاني عملاق البحر بونتوس Pontus الذي أصبح يرمز إلى ألوهية أعماق البحار، وأنجبت منه شيخ البحر نيريوس Nereus الذي اقترن بحورية الماء دوريس Doris التي أنجبت منه خمسون حورية ، سكن وسط مياه وأعماق البحر المتوسط وبحر ايجه ، وعرفن باسم نيريديس Nereides .ومن هذه الطائفة من حوريات البحر، اللواتي كن يظهرن على مرأى من البحارة بشكل فتاة بذيل سمكة، نذكر على سبيل المثال حورية البحر أمفتريتي (5)Amphitrite التي أقترنت مع بداية عهد آلهة الأولمب بإله البحر الأولمبي بوسيدون Poseidon .و حورية البحر ثيتيس (6) Thetis ، الأحب إلى قلب آلهة الأولمب، والتي أشتهرت في الميثولوجيا الإغريقية من حيث كونها والدة ملك المرامدة وبطل الحرب الطروادية أخيل قلب الأسد . وجالاتيا Galatea التي اقترنت من السيكلوب بوليفيموس polyphemus ، ابن بوسيدون، وأنجبت منه ثلاثة أبناء ،بعد وقوعها في حب الراعي الشاب اكيس Acis الذي قتل على يد بوليفيموس الغيور حسب رواية اغريقية متأخرة (7). ومن هذه الطائفة مهدئتا الرياح العاصفة والأمواج العاتية الحوريتان كيمودوكيCymodoce، وكيماتوليجي Cymatolege، وجلا وكونومي Glauconome المتيمة بالضحك ، وأليميديAleimede المجيدة الهامة، ومينيبي Menippe المقدسة، ونيميرتيس Nemertes ذات الغرائز الشبيه بغرائز أبيها الخالد نيريوس، الذي كان يلقبه البشر الفانين بالشيخ ،لأنه أمين وطيب ومتمسك بقوانين العدالة وذو تفكير قانوني عادل وراجح [ هسيودوس : ( الثيوجونيا ) ].إضافة إلى نيريوس الفاضل الذي كان يلقب بشيخ البحر ، أنجبت جيا بفعل اقترانها من صنيعتها عملاق البحر بونتوس، لكل من ثوماس Thaumas ، وفوركيس Phorcys ، وكيتو Cyto ، ويوريبيا Eurybia . وشهد هذا العصر اقتران فوركيس من شقيقته كيتو التي أنجبت له دينو Deino ، وبيمفريدوpemphredo ،وانيو Enyo ، وكان يطلق عليهن من قبل الآلهة الخالدين والبشر الفانين اسم " الجراياي " (8)Graiae .. كما أنجبا ميدوزا Medusa وشقيقاتها الجورجونات (9) Gorgons يوريالي Euryale ، وسثينو Sthenno ،اللتين كانتا خالدتان على عكس شقيقتهما الفانية وذات الحظ التعيس ميدوزا التي لاقت سوء المصير على يد قاطع رأسها برسيوس Perseus بعد تلقيه الدعم والمشورة من الآلهة . كما أنجبت كيتو من زوجها فوركيس أفعواناً ذكراً كان يحرس التفاحات الذهبية في أقاصي الأرض . كما شهد هذا العصر زواج ثوماس من حورية الماء اليكترا (10) Electra، ابنة أوقيانوس ،التي انجبت منه الهاربيس (11) Harpies أمثال أيلو Aello المجنحة التي تسابق الرياح ، وأوكيبيتيس Ocypetes التي تسابق الطيور . كما أنجبت اريس Iris الرشيقة وسريعة العدو التي أصبحت مع بداية العصر الأولمبي رسولة رب الأرباب زيوس ووصيفة أولى لسيدة الأولمب الربة هيرا . أما يوريبيا الجميلة والصلبة القلب فقد اقترنت من كريوس Crius ابن جابا واورانوس وانجبت منه استريوس Astraeus، وبالاس pallas،وبرسيسPerses وحسب هسيودوس كان هذا الأخير من أشهر حكماء عصره . أما بالنسبة لأبناء الربة الأم جيا من أورانوس السماء ، فقد نجم عن زواج هيبريون من شقيقته ثيا ولادة هيليوسHelios العظيم إله الشمس ، وسيليني Selene الساطعة الهة القمر، وايوس Eos المشرق إله الفجر الذي يشرق كل يوم على ساكني الأرض وساكني السماء . كما نجم عن زواج النهر المحيط أوقيانوس Oceanus من شقيقته تيثيس Tethys ولادة الأوقيانيديس Oceanids وهن طائفة من حوريات البحار والبحيرات والأنهار . ومن هذه الطائفة من حوريات الماء اللواتي سكن في أعمال البحار، ووسط البحيرات والأنهار ، نذكر على سبيل المثال  الحورية دوريس ]Doris التي اقترنت من شيخ البحر نيريوس وأنجبت منه طائفة من حوريات البحر اللواتي عرض باسم النيريديس Nereides ،وحورية الماء اليكترا Electra التي اقترنت من ثوماس، ابن جايا وبونتوس، وأنجبت منه الهاربيس ،واريس السريعة . ومن أشهر حوريات هذه الطائفة حورية البحر الشهيرة كاليبسو Calypso التي كانت تسكن وسط جزيرة أوجيجيا، والتي حسب رواية هوميروس في الأوديسة استضافت أوديسيوس Odysseus التائه في قصرها سبعة أعوام (12) وأنجبت منه خلالها، حسب هسيودوس في " الثيوجونيا " ، غلامان ذكران هما ناوسيثوس وناوسينوس . ومن هذه الطائفة الحورية كاليرهوى Callirihoe التي جمع الحب بينها وبين خرايزاور Chrysaor العظيم وأنجبت منه جيريونيس Geryones الجبار ذي الرؤوس الثلاثة الذي قضي على يد هرقل ابن زيوس و الكميني . ومن شهيرات هذه الطائفة أيضاً الحورية ديوني Dione التي اقترنت بسيد الأولمب الاله زيوس وأنجبت منه حسب هوميروس في الياذته ربة الحسن والجمال أفروديت (13). وايضاً من شهيرات هذه الطائفة من الأوقيانيديس نذكر الحورية الأشهر ستكس Styx التي اقترنت من بالاس ابن يوريبيا وكريوس ،وأنجبت منه نيكي Nike ( النصر ) وزيلوس Zelus ( الحماسة ) وكراتوس Cratos ( السلطان ) وبيا Bia ( القوة ) . وخلال عصر ألهة الأولمب، وإثر انتصار زيوس على خصومه التيتان ، كرم سيد الأولمب الحورية ستكس التي ناصرته مع ابنائها في حربه بأن جعلها بمثابة القسم العظيم الذي يحلف به آلهة الأولمب والآلهة أجمعين . ويذكر هسيودوس في الثيوجونيا بأن شريعة زيوس كانت تنص على فرض عقوبة قاسية بحق كل إله يحلف باسم ستيكس الخالدة ويتبين بعدها أنه كاذب ، حيث يحرم من الحياة لمدة عام يفصل بعدها تسعة اعوام عن مجالس ومنتديات الآلهة الخالدين . واخيراً من شهيرات هذه الطائفة من الأوقيانيديس الحورية الفاتنة الجمال كليميني Clymene التي اقترنت من التيتان ايابيتوس Iapetus ، ابن جيا وأورانوس، وانجبت منه أطلس(14) Atlas أبو طائفتي الهياديس Hyades والبلياديس Pleiades الذي انضم إلى حلف الجبابرة المعادين لسيد الأولمب زيوس وعرض نفسه لعقاب زيوس المنتصر الذي خصه بعقوبة حمل قبة السماء على كتفيه العريضين، وبروميثيوس (15) Prometheus العاقل والداهية الماكر الذي ساوى بين ذكاؤه وذكاء سيد الأرباب زيوس الذي خشي على مركزه ومستقبل عرشه من ابن كليميني وايابيتوس الذي تعرض من جهة سيد الأولمب لأقسى عقاب حيث صلبه زيوس الناقم على صخرة جبارة في أعلى قمم جبال القوقاز، وقيده بسلاسل حديدية من صنع هيفيستوس ، وسلط عليه نسراً كاسراً ظل لعدة أجيال ينهش من كبده الهائل الذي كان يعوض في الليل القسم الذي كان ينهشه نسر زيوس في النهار . ومن أبناء كليميني من ايابيتوس إضافة إلى اطلس وبروميثيوس ، العملاق مينويتوس Menoetius العظيم المجد الذي استخدم قوته وجبروته في مواجهة سيد الأولمب الذي نجح في شل قوة مينوتيوس بواسطة صواعقه المدمرة وزجه جحيم تارتاروس ، وابيميثيوس Epimetheus المشوش والتائه الفكر الذي ارتبطت اسطورته باسطورة باندورا ( 16) Pandora ،صنيعة الالهة وأول مخلوقه من جنس النساء[ هسيودوس :(الثيوجونيا ) و( الأعمال والأيام)]. ومن أبرز سلالات هذه العصر المبكر ، عصر الالهة التيتان ، سلالة الاله كرونوس ذCronos، ابن جيا وأورانوس ،الذي اقترن من شقيقته ريا Rhea التي أنجبت منه الأرباب والرباب هستيا Hestia ، وديميتر Demeter، وهيرا Hera ، وهاديس Hades وبوسيدون Poseidon ، وزيوس Zeus . وكانت هذه السلالة من نسل كرونوس مصدر خشية للإله المتوج الذي تنبأت له الأرض والسماء بأن مركزه الملكي سيفلت من يده وسيُغلب على أمره ،رغم قوته وبأسه، على يد المولود الأخير من أبناءه . وبسبب من هذه النبوءة الشؤم قام كرونوس على التوالي بابتلاع أبناءه من ريا ، بدءً من هستيا وانتهاءً ببوسيدون ، مروراً بديميتر وهيرا وهاديس، ولم ينجو من هذا المصير البائس سوى زيوس، أخر أبناء كرونوس ،لكونه وقتها كان جنيناً في أحشاء أمه ريا التي حرصت على وضع طفلها الأخير داخل مغارة بعيدة وسط جزيرة كريت ووسط حوريات الجزيرة اللواتي ساعدنها بعد الولادة في رعاية الإله الصغير زيوس الذي ترعرع سراً بين مربياته اللواتي حافظن على سره وسط الغابات الكثيفة لجبل إيدا . وعندما شب زيوس وقوي ساعده ، في غفلة من أبيه كرونوس الذي كان يجهل سر ابنه الأخير ، هيأته أمه ريا لخلافة أبيه وقدمت له الدعم الكفيل بتمكينه من الاطاحة بأبيه الطاغية كرونوس وإنقاذ أشقاءه وشقيقاته من الأسر . وهو نفس الدور الذي سبق وقامت به الإلهة الأم جيا مع ابنها الأصغر كرونوس عندما مكنته من إنقاذ أشقاءه وشقيقاته من جحيم أبيهم أورانوس وعزله عن عرشه ،وحسب الأسطورة الإغريقية عن نهاية عهد كرونوس ،فإن زيوس أصغر أبناء كرونوس وريا قام بالإقتصاص من أبيه بنفس القدر الذي سبق لأبيه كرونوس الأقتصاص من أبيه أورانوس، وإنقاذ أشقاءه وشقيقاته من جحيمه ، حيث قام زيوس بتقييد أبيه الطاغية كرونوس وأجبره على تقيء اشتقاءه وشقيقاته هاديس ،وهيرا ،وهستيا، وديميتر، وبوسيدون، بواسطة شراب مقيء حصل عليه بمساعدة من مربياته الكريتيات ، وأول ما تقيأه الملك المقيد كرونوس كان حجراً ملفوفاً بقماط ملكي . وهو الحجر الذي ابتلعه كرونوس المخدوع بعدما خطفه من أحضان الأم الماكرة ريا ظناً منه أنه وليدها الأخير زيوس (17) ، كما تمكن بفضل دعم أمه ريا من عقد حلف مع اشقاءه المحررين الذين دعموا انقلاب زيوس المنقذ ومكنوه من الاطاحة بعرش أبيهم كرونوس وتنصيبه على رأس عرش والدهم المخدوع . وهكذا حسب رواية الإغريق الأوائل عن تاريخ آلهتهم، فإن دورة العنف التي أدت إلى إقدام كرونوس على خصي أبيه أورانوس الذي تنكر لذريته، عادت من جديد لتعصف بمملكة كرونوس الذي ذاق من نفس الكأس الذي سقاه لأبيه أورانوس . وبنهاية عصر كرونوس (الزمن) ينطوي من كتاب آلهة الإغريق سفر الأرباب التيتان، ويبدأ عهد زيوس وآلهة الأولمب الكبرى .
* كاتب فلسطيني







الهوامش 1- الثيوجونيا Theogony أو " أنساب الآلهة " أول قصيدة في الأدب الإغريقي القديم تناولت ديانة الإغريق وأنساب آلهتهم بطريقة لا تخلو من منهجية مبكرة . والثيوجونيا عبارة إغريقية مركبة من كلمتين Theos بمعنى إله و Gonos بمعنى نسب أو أصل  . وما تزال الثيوجونيا كأقدم وثيقة عن ديانة الإغريق وأصل آلهتهم أهم مرجع للباحثين في هذا المجال، ليس لكونها من وضع الشاعر الإغريقي هسيودوس ( ق 7 ق .م ) الذي لا يقل شأناً عن سابقه الشاعر الأغريقي هوميروس ( ق 8. ق. م ) وإنما لكونها وثيقة لم تكن من نسج خيال الشاعر ، بل مادة تاريخية استمدها الشاعر هسيودوس من الأساطير الإغريقية التي عبرت عن عقائد الناس ، والتي سادت في عصره والعصور السابقة عليه، بعد تشذيبها وتحقيقها وإعادة ترتيب موضوعاتها ترتيباً منطيقاً - لم يخلو من بعض الثغرات - وبطريقة منهجية مبكرة قريبة من أدوات البحث التاريخي التي سادت بلاد الإغريق في العصر اللاحق عليه وعلى عصره . وتتألف قصيدة هسيودوس ( أنساب الآلهة ) من حوالي ألف بيت 2- لم تقتصر ديانة الإغريق على تصوير مثل هذا التجسيد الذي وحد بين الآلهة وكل مظهر كوني في الأرض والبحر والسماء ،وأنما وحدت بين آلهة الإغريق والمعاني والقيم غير المحسوسة . فالحب يجسده إله ، كذلك الأمر بالنسبة للقدر، والحكمة ،والعدالة ، والجمال ، والانتقام ، والعقاب ، والآخرة، والزمن ، والنوم ، والموت ، والخصوبة .. الخ . كما وحدت بين الآلهة والشغل والفنون بأنواعها . فللصناعة إله ،وللزراعة إله، ولرعي الماشية إله، وللصيد إله ، وللحرب إله ،ولكل شكل من أشكال النشاط والفعل والإبداع إله أو إلهة . ويندر وجود أي مظهر من مظاهر الحياة الإغريقية لم يكن مجسداً أو متمثلاً بإله أو إلهة ، حتى السفاهة والنميمية كانتا مجسدتان بإلهة أو إله 3- إيروس Eros هنا هو الحب الكوني، وهو أحد الألهة الأُول التي انبثقت مع بداية تشكل الكون وعملت على تزاوج عناصره الأولى ، كتزاوج الأرض والسماء الذي تم بفعل إيروس - في الميثولوجيا الإغريقية هنالك أيروس Eros أخر هو إله الحب عند الإغريق وهو ابن ربة الفتنة والجمال أفروديت من عشيقها الأول إله الحرب أريس 4- حسب الأسطورة الإغريقية القديمة التي تفرد بذكرها هسيودوس في " الثيوجونيا" عن خصي أورانوس وقلب عرشه . فإن الربة الأم جيا التي ابتكرت حجر الصوان الرمادي لتصنع منه منجلاً عظيماً لاستخدامه كسلاح في مواجهة زوجها الطاغية أورانوس ، اجتمعت بأبنائها جميعاً وطالبتهم بمعاقبة أبيهم على أفعاله المشينة وإيقافه عند حده . ولكن الأبناء جبنوا جميعاً، باستثناء أصغرهم كرونوس ، الذي تعهد لأمه بمعاقبة أبيه في الوقت الذي تحدده بنفسها .وعند قدوم الليل الذي يهبط فيه أورانوس ليطبق فوق جيا وينشر طياته فوقها نشراً تاماً ، قام كرونوس ،مسلحاً بمنجل أمه الطويل ذو الأسنان المثلمة، بنصب كمين لأبيه أورانوس الذي كان يقترب بهبوطه من الأرض . وعندما لامس أورانوس الأرض قام كرونوس من موقعه الذي اختاره بدقة بقطع الأعضاء التناسلية لأبيه ورشقها بعيداً في اتجاه البحر 5- حسب الأسطورة الإغريقية عن حورية البحر امفتريت، كان إله البحر بوسيدون مغرماً بها ، وكان يلاحقها ويتعرض لها باستمرار، وكانت في كل مرة تفلت من يده بفضل سرعتها ورشاقتها وتغيب عن الأنظار . وبعد العديد من المحاولات اليائسة سلط عليها سيد البحار دلافينه السريعة التي أمسكت بها ومكنته من اغتصابها . وحسب الأسطورة فإن بوسيدون الذي أحب امفتريت ، قرر بعد تمكنه منها الإقتران بها ، وبني لها قصراً ملكياً في أعماق مياه بحر إيجه حيـــث أنجبت مـن بوسيدون ابنها " تريتون " الذي أصبح إلهاً للبحارة ، ولسكان الجزر اليونانية في بحر ايجه ، الذين تصوروه وصوروه في صورة جسم انسان في نصفه العلوي وذيل سمكة في نصفه السفلي .6- كانت حورية البحر ثيتيس من أجمل وأرق بنات جنسها، وقد تعلق بها وهام في حبها زيوس وبوسيدون والعديد من الإلهة ، وكادت أن تصبح من نصيب رب الأرباب زيوس الذي قرر الاقتران بها ، وامتلاكها له وحده ، لولا إقدامه قبيل التقدم بطلب الزواج منها على إستشارة ربات الأقدار اللواتي أجبنه بواسطة الربة " كلوثو " بأن خيوط الأقدار تقول بأن الحورية ثيتيس إذا قدر لها الزواج ستنجب ولداً ذكراً سيقدر له التفوق على أباه والإستئثار بملكه وامتيازاته . وكانت هذه الاستشارة مدعاة لخوف زيوس ،الذي خشي على عرشه من مولود زوجته المقبلة ثيتيس ،فاقلع مضطراً عن فكرة الزواج منها وأغراها بالزواج من مجنون ثيتيس ملك المرامدة " بيليوس " ورضخت ثيتيس لمشيئة حبيبها زيوس بعدما وعدها الأخير بأن سيزفها بنفسه إلى بيليوس . وسيعد لها زفافاً أولمبياً لا سابقة له، يكون فيه العازفين والمغنين والراقصين من أرباب وربات الأولمب . وصدق زيوس بوعده لثيتيس التي زفت إلى الحالم بها الملك بيليوس وحظيت بزفاف اسطوري أثار حسد هيرا وأفروديت . 7- تقول الأسطورة بأن السيكلوب بوليفيموس تعلق بحب الحورية جالأتيا، التي بادلته حبه لها بنفور منه ومن قباحته ، فعمد إلى إنشاد الأغاني العذبة التي تتغنى بحبه لها لعلها ترأف بحاله. وتذكر الأسطورة بأن بوليفيموس العاشق، الذي لم يكن قادراً على بُعد جالاتيا، ضبطها مرة في جزيرة صقلية مع الراعي الوسيم أكيس الذي اختارته حبيباً لها، ففرت جالاتيا من أمامه. أما اكيس سيء الحظ فقد رماه بوليفيموس الغاضب بصخرة سحقته، ومن دم أكيس المهراق نشأ نهر أكيس في صقلية.وحسب الأسطورة فان جالاتيا التي كانت تنفر من بوليفيموس اقترنت به فيما بعد إثر اكتشافها بأنه إبن إله البحر بوسيدون 8- " الجراياي " ، هن ثلاث بنات من نسل فوركيس وكيتو ، أولهن " دينو " وثانيهن " بيمفريدو " ، وثالثهن " انيو " كن قبيحات الشكل على هيئة عجائز شمطاوات شعرهن أبيض ، لا أسنان لهن ولا عيون ، باستثناء سن واحد وعين واحدة كن يتبادلنها من حين لأخر . ارتبطت اسطورة الجراياي باسطورة برسيوس قاتل الجرجونة " ميدوزا " .وحسب الأسطورة فان برسيوس ،وهو في طريقه إلى معقل ميدوزا ،وصل خفية إلى معقل الجراياي الذين يحمون طريق اخوتهن الجرجونات الساكنات على مقربة من عالم الظلمات في أقصى الغرب ، وانتظر حتى غلب عليهن النعاس وسلب منهن العين والسن. ولم يعد لهما ما سلبه منهن إلا بعدما ارشدنه إلى الطريق الذي سيوصله إلى معقل ميدوزا ، وحسب الرواية ذاتها فإن الجراياي أرشدنه أيضاً إلى الأسلحة والأدوات التي يتوجب عليه استخدامها في صرع ميدوزا . وحسب رواية أخرى فإن الآلهة هي التي قدمت له المشورة والأدوات التي مكنته من قتل ميدوزا . 9- " الجرجونات " ،هن ثلاث من بنات فوركيس وكيتو ،أولهن " ميدوزا " ، وثانيهن " ستينو " - أي القوية - وثالثهن " أوريالا " - أي ذات الخطوة الواسعة - كن قبيحات ومرعبات الشكل لهن رؤوس تتدلى منها خصل من الأفاعي السامة ، ولهن أيضاً مخالب وأنياب قاطعة ، وأجنحة تساعدهن على الطيران ، وأعين جاحظة قادرة على تحويل كل مخلوق تبصره أو يبصرها إلى كتلة من حجر ، وكانت أخطرهن الجرجونة ميدوزا . وحسب اسطورة مصرع ميدوزا ، فإن البطل برسيوس ،ابن زيوس من الأميرة الأرجية دانايي، نجح في تخليص البشر من شرور ميدوزا بفضل مساعدة الإله هاديس الذي زوده بالقبعة التي تخفي معتمرها عن الأنظار، والربة أثينا التي زودته بترسها المصقول كالمرآة والذي بفضله استطاع مراقبة ميدوزا من دون أن يقع نظره عليها والأقتراب منها وقطع رأسها .10- هنالك في الميثولوجيا الإغريقية أكثر من اليكترا واحدة : - هنالك اليكترا ابنة اوقيانوس وتيثيس الواردة في النص - هنالك أيضا اليكترا ابنة أطلس وبليوني ، وهي من مجموعة البلياديس اغتصبها زيوس أثناء زيارتها لمعبد الربة أثينا في الأولمب وأنجبت منه جازيون، وداردانوس المؤسس الأسطوري لمدينة طروادة - هنالك أيضاً اليكترا ابنة اجاممنون وكليتمنسترا وشقيقة أورست وايفيجينيا 11- "الهاربيس"، مجموعة من خمسة نساء كواسر أولهن " ايلو "، وثانيهن " أوكيبيتيس "، وثالثهن " كيلاينو "، ورابعهن ، " بودارجي " ، وخامسهن " نيكوثوي " . سكن وسط جزر بحر ايجه وكانت لهن أشكال مخيفة قادرة على الطيران، ورؤوس فتيات لهن مخالب طيورة كاسرة . وكانت الهاربيس تحت سلطة الآلهة التي كانت تستخدم الهاربيس في مطاردة ومعاقبة البشر.12- خلال إبحار اوديسيوس في رحلة العودة إلى الوطن ، بعد سقوط طروادة ، تاه وسط البحر الذي جرفته تياراته نحو جزيرة أوجيجيا القريبة من أعمدة هرقل، وكانت تحكمها الحورية كاليبسو . اختارت كاليبسو أوديسيوس زوجاً لها وأرغمته على البقاء معها سبع سنوات، ولم تسمح له بالعودة إلى جزيرته إلا بعد تدخل رب الأرباب زيوس ، الذي أرسل لها برسوله الإله هرمس الذي أبلغها بدوره بمشيئة رب الأرباب في عودة أوديسيوس إلى وطنه 13- في الميثولوجيا الإغريقية هنالك روايتان عن ولادة وخلق الربة أفروديت ، أولها رواية هوميروس الذي ذكر في الإلياذة بأن أفروديت هي ابنة زيوس وديوني ،وهي الرواية الإغريقية الأقدم المعتمدة عن أصل الربة أفروديت في الميثولوجيا الإغريقية والأدب الإغريقي القديم ، وأيضاً في الدراسات والمعاجم التي تناولت الميثولوجيا الإغريقية .الرواية الإغريقية الثانية ،التي لا تقل عن سابقها انتشاراً ، هي رواية هسيودوس الذي ذكر في " الثيوجونيا" بأن الربة أفروديت خلقت من دم أورانوس ، مثلها مثل الأرينيس والميلياديس . وحسب هسيودوس فإن الإله كرونوس ،بعد إقدامه على خصي أبيه أورانوس بواسطة منجل أمه الربة جيا ، قام برشق الأعضاء المبتورة من جسد أبيه من فوق الأرض إلى البحر المتلاطم الذي دفعت أمواجه بأعضاء أورانوس المبتورة نحو جزيرة كيثيريا، ثم نحو جزيرة قبرص ، ومن الزبد الأبيض الذي تجمع في مياه كيثيربا وقبرص حول اللحم الإلهي الخالد خلقت الربة أفروديت الزبدية ( لأنها خلقت من الزبد ) ويذكر هسيودوس بأن الآلهة والبشر كانوا يطلقون عليها ايضاً ، إضافة للقب الربة الزبدية ، ألقاباً أخرى مثل " الكيثيرية"، حيث بدأ نموها في مياه كيثيريا ، "والقبرصية" لأنها ولدت وسط مياه قبرص ، وفيلوميديس ( فيلوميديس= محبة الأعضاء) لأنها خلقت من الأعضاء المبتورة 14- أطلس ابن ايابيتوس وكليميني ، وأبو طائفتي الهياديس والبلياديس ، شارك مع اشقاءه المردة في غزو الأولمب لتحريره من سلطان زيوس ، وعوقب من قبل سيد الأولمب " زيوس " بحمل قبة السماء على كتفيه .وكان أطلس يؤدي عقوبته في أقصى الغرب ،ويشرف على مدخل المحيط الذي سمي باسمه ، وعلى حدائق الجنة التي كانت تحرسها الهيبسبيريدات . وتذكر الأسطورة بأن برسيوس ، ابن زيوس ، التجأ إلى أطلس بعد نجاحه في قتل الجرجونة ميدوزا ، وطلب المكوث عنده عدة أيام . ولكن أطلس الذي ظن بأن هدف برسيوس هو سرقة التفاحات الذهبية التي تزين حديقة الجنة ،رفض استضافة برسيوس الذي رد على إهانة اطلس برفع الغطاء على رأس ميدوزا المقطوع . وعندما وقعت أنظار أطلس على رأس الجرجونة تحول إلى جبل أطلس 15- شارك بروميثيوس إلى جانب زيوس في حربة المضادة للتيتان المهددين لعرشه، وبات مقرباً من سيد الأولمب الذي أصبح يخشى على مستقبل عرشه من الذكاء المتقد لحليفه بروميثيوس الذي ساوى بين ذكاءه وذكاء رب الأرباب ، وكان يسعى للإستحواذ على العديد من جوانب سلطانه. وحسب الأسطورة الإغريقية فإن بروميثيوس المتمرد على احتكار زيوس للسلطة، وتركيزها في يده ، قرر إقامة العدل وكسر احتكار الألهة للنار، وتقديمها للبشر الفانين المحرومين منها بقرار من سيد الأرباب زيوس . وكان هذا الكسر لشريعة زيوس سبباً لعقاب بروميثيوس ،الذي ظل مصلوباً على قمة من قمم جبال القفقاس وعرضه لنهش نسر زيوس لكبده عدة أجيال، حتى خلصه من معاناته هرقل، ابن زيوس ، بتوجيه خفي من أبيه الذي كان يرغب في إيصال ابنه إلى منزلة الإلهة . 16- خلال العهد الأول من عصر زيوس كان جنس البشر الفانين مقتصراً على الرجال ، حتى أمر رب الأرباب زيوس إله الصناعة هيفيستوس بصنع امرأة من طبيعتها الكذب والمكر والخداع ، بهدف دسها وسط البشر الفانين لتقلب حياتهم رأساً على عقب ، عقاباً لهم على مبادرتهم في قبول النار الإلهية من يد المتمرد بروميثيوس واستخدامها في حياتهم اليومية . وكانت " باندورا " التي ساهم في صنعها إلى جانب هيفيستوس كل من الربتان أثيا وأفروديت ، والإله هرمس ،موضوعة وسط جرة مقفلة أرسلها زيوس الماكر هدية إلى ابيميثيوس الذي فتح الجرة ، رغم تحذير شقيقه بروميثيوس الذي أرشده إلى مكيدة زيوس . وحسب الأسطورة الإغريقية التي أوردها هسيودوس في ( الأعمال والأيام ) ،فإن فتح ابيميثيوس للجرة قد نجم عنه نهوض باندور التي بعثرت بنهوضها المحتويات التي وضعها زيوس في الجرة ،وهي كافة أنواع الشرور والأوبئة والأثام التي تسببت بشقاء البشر الفانين الذين كانوا يعيشون ، قبل بعث باندورا ، حياة هادئة مستقرة ويحصلون على أقواتهم بعرق جبينهم 17- هنالك رواية تقول بأن حجر اومفالوس المقام في معبد دلفي والذي يرمز إلى " سرة الأرض " ، هو ذاته الحجر الذي قدمته الربة ريا إلى كرونوس على أنه ابنها زيوس ،والذي أجبره زيوس فيما بعد على تقيأه . وبحسب هسيودوس في " أنساب الآلهة " فإن زيوس، قام بنفسه بوضع الحجر في أرض " بيثو ". وبيثو هي التسمية القديمة للأرض المذكورة التي أطلق عليها ابولو فيما بعد اسم " دلفى " .


حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

مغامرات زيوس في الميثولوجيا الإغريقيــــة : حسن عبد العال

مغامرات زيوس في الميثولوجيا الإغريقيــــة

حسن عبد العال

29-6-2010م

إمتاز عصر الآلهة الأول منذ بداية تشكل الكون بزواج الأم من وليدها ، كما حصل مع الإلهة الأم جيا التي اقترنت من وليدها أورانوس وأنجبت منه ستة مردة ذكور ( تيتان ) Titans وست إناث ( تيتانيد ) Titaneds ، إضافة إلى العمالقة الهيكاتونخيريس Hecatonchires والكيكلوبس Cyclopes. وكما حصل أيضاً مع جيا التي أنجبت من ذاتها الإله بونتوس ، واقترنت من وليدها المذكور وأنجبت منه نيريوس، وفوركيس ، وكيتو ، وثوماس . كما امتاز عصر التيتان كرونوس ، ابن جيا وأورانوس، بزواج الأشقاء من شقيقاتهم وأخواتهم حيث شهد هذا العصر زواج أوقيانوس من أخته التيتانيد " تيثيس " ابنة جيا وأورانوس ، التي أنجبت له خمسون حورية من عرائس البحر اللواتي اشتهرن باسم الأوقيانيديس . وزواج هيبريون ، ابن جيا وأورانوس ، من شقيقته التيتانيد " ثيا " التي أنجبت منه هيليوس إله الشمس ، وايوس إلهة الفجر، وسيليني ربة القمر . كما توج هذا العصر بزواج كرونوس ، ابن جيا وأورانوس ، من شقيقته التيتانيد " ريا " التي أنجبت منه الأرباب والربات هستيا، وهيرا ، وديميتر ، وهاديس ، وبوسيدون ، وزيوس .أما في العصر اللاحق على عصر كرونوس وماتلاه من عصور (1) فقد اتصف بدوره باستمرار تقليد زواج الأرباب من شقيقاتهم، أو بأكثر من شقيقة، وزواج الربات من أشقائهن ، أو بأكثر من شقيق، ووصل الأمر إلى حد تكريس زواج الإله من عمته أو خالته ، أو من إحدى بنات أو حفيدات شقيق له، أو حتى من إحدى بناته أو حفيدات حفيداته . ولقد دشن هذا التقليد رب الأرباب الإله زيوس الذي اقترن من الربة التيتانيد " ثيميس " شقيقة أبيه كرونوس وأمه ريا ، والتي أنجبت منه رباب القدر ( المورات ) قبل اقترانه من شقيقته هيرا . كما ارتبط فيما بعد بعلاقة عشق دامت تسعة أيام بلياليها مع ربة الذاكرة " منيموزيني " شقيقة أبيه كرونوس وأمه ريا، وأثمرت هــــذه العلاقة عن ولادة منيموزيني برباب الفنون ( الموسات ) Muses ، ثم ارتبط بعلاقة جنسية مع شقيقته " ديميتر " ربة الغلال والخصب ، التي أنجبت منه " برسفوني " المدللة، التي تعرضت بدورها للإغتصاب من قبل أبيها زيوس الذي اغتصبها في الحقل وهو متنكر بهيئة ثعبان وأنجبت منه زاغريوس Zagreus الذي تعرض للقتل على يد زوجة زيوس الربة الناقمة هيرا (2) . كما ارتبط بعلاقة جنسية مع ابنته " إريس " ، ربة الشقاق ، التي أنجبت منه أتي Ate ربة الإثم ، التي طردت خارج أسوار الأولمب لسوء سلوكها وسمعتها . كذلك الأمر فقد ارتبط رب الأرباب زيوس بعلاقة جنسية مع حفيدته سيميلي Semele ابنة هارمونيا ( إبنة أفروديت من عشيقها إله الحرب أريس ) والتي أنجبت منه ديونيزيوس إله الخصب والخمرة والكروم. خارج هذا الاطار العريض من عماته وخالاته وشقيقاته وبناته وبنات زوجاته وحفيداته ، فقد ارتبط الإله زيوس بعلاقة جنسية مع الربة الحورية مايا Maia ابنة أطلس وبليوني وأثمرت هذه المعاشرة الجنسية عن ولادة ابنهما الإله هرمس الذي أصبح بعد جهد جهيد وطول انتظار من عداد آلهة الأولمب الكبرى . كما ارتبط زيوس بعلاقة جنسية مع الربة التيتانيد ليتو Leto ، ابنة التيتان كووس والتيتانيد فوبي ، وأثمرت هذه المعاشرة الجنسية بين زيوس وليتو عن ولادة التوأم الإلهي " أبولو" و " أرتيميس " اللذان أصبحا من عداد آلهة الأولمب الكبرى . ويذكر هذا الصعيد من علاقات زيوس الجنسية مع الربات ، علاقة زيوس مع بعض شقيقات زوجته الأولى الحورية ميتس Metis التي رزق منها بابنته المميزة أثينا التي احتلت منزلة رفيعة وسط مجالس آلهة الأولمب . ومن هذه العلاقات نذكر علاقته مع شقيقة ميتس عروس البحر الأوقيانوسية ديوني Dione التي أنجبت منه الربة " أفروديت " التي تربعت على عرش الحب والجمال واحتلت منزلة رفيعة في عالم آلهة الأولمب الكبرى . وعلاقته أيضاً مع شقيقة زوجته الأولى ميتس عروس البحر الأوقيانوسية يورينومي Eurynome التي اقترن بها فيما بعد والتي أنجبت منه اللطائف أو " الخاريتس " charites . ومن أكثر الروايات التي حيكت عن مغامرات الإله زيوس إثارة قصة اغتصابه للبليادة أليكترا ، ابنة أطلس وبليوني . وحسب الأسطورة الإغريقية فإن الإله زيوس الذي هام بنجمة السماء البليادة أليكترا ، تمكن منها أثناء زيارة قامت بها النجمة المغدورة إلى الأولمب بهدف ملاقاة إحدى الرباب ، أو لطلب مشورة أو مساعدة من الأرباب ، وهي زيارة كانت مألوفة وقتذاك من قبل العديد من أرباب وربات الشتات للأغراض نفسها أو ما شابه. وخلال زيارتها لتمثال البالاديوم (3)- المقدس الذي نصبته الربة أثينا فوق إحدى قمم الأولمب ، أنقض عليها الإله زيوس كما ينقض الوحش الكاسر على فريسته ، بعد طول تربص ومناورة ، ورمى من شدة هيجانه وشبقه بتمثال البالاديوم الذي كانت تحتمي خلفه اليكترا المذعورة ، واغتصبها في مكانه . وكان من نتائج حادثة اغتصاب زيوس للبليادة اليكترا ، التي انتهت مع لحظة سقوط البالاديوم فوق أرض فريجيا البعيدة ، وعند الموقع الذي شيدت حوله فيما بعد مدينة طروادة ، إنجاب اليكترا من مفترسها رب الأرباب زيوس للتوأم " إياسيون " Iasion الذي اقتــــرن فيما بعد من ديميتر ربــــة الغلال والخصب (4) . و" داردانوس" Dardanos المؤســس الأســطوري لمملكة فريجيا والجد الأول للملك الطروادي بريام (5) .باستثناء قصة اغتصاب زيوس لنجمة السماء البليادة أليكترا ، تعتبر مغامرات رب الأرباب مع الآدميات الحسان أكثر إثارة من مغامراته مع الربات اللواتي زدن من عدد الآلهة والربات من نسله الذي أصبح النسل الطاغي بين آلهة الأولمب . وسبب عامل الإثارة عائد إلى الصورة التي صورت فيها الميثولوجيا الإغريقية رب الأرباب زيوس كإله شبق وزير نساء يغازل ويطارد ويغتصب كل ما يستهويه من جنس الحسان اللواتي ينتسبن إلى الجنس الأدمي الفاني . ومن أشهر القصص التي حيكت عن هذا الجانب من المغامرات العاطفية والجنسية للإله زيوس ، قصص إغتصابه لنساء متزوجات ، وحوريات مستأنسات ، وعذارى أدميات ، بفضل استغلاله لقدراته الإلهية التي تجعل منه قادراً على إتخاذ الهيئة التنكرية التي تيسر له تحقيق غاياته ومآربه في افتراس كل ما يستهويه من عذارى ونساء متزوجات . ومن أشهر هذه القصص التي حاكتها المخيلة الإغريقية حول رب الأرباب زيوس ، قصة استغلاله لفترة غياب القائد امفتريون عن قصره لأسباب تتعلق بشؤون الحرب ، ودخوله وهو متنكر بهيئة الزوج الغائب إلى مخدع زوجته ملكة طيبة الكميني Alcmene ، ابنة ايليكترون ملك مسينا، ومضاجعتها على سرير الزوجية . وكان من ثمار مضاجعة زيوس للملكة الفاضلة ولادة الكميني للمولولود الذكر هرقل ابن زيوس(6) [هسيودوس : ( درع هرقل )] . ومن هذه القصص أيضاً قصة ولع الإله زيوس بالملكة الحسناء ليدا Leda ابنة ملك ايتوليا ، وزوجة ملك اسبارطة تنداريوس ، حيث كان من عادة الإله زيوس عندما كان يرغب بلقاء محبوبته الحسناء، اتخاذ شكل ذكر البجع الأبيض الذي يهبط من السماء ، ويحط في قصر ليدا ، وينفذ من شرفتها إلى حجرة نومها ، ويلقي بنفسه بين أحضان الملكة الحسناء ، التي بدورها أحبت ذكر البجع الأبيض ، وأحبت معاشرته وطريقة مضاجعته لها على سريرها ، من غير أن تدري أن طائرها المعشوق هو بعينه رب الأرباب الماكر زيوس . ولقد نجم عن معاشرة ذكر البجع الأبيض، زيوس ، للملكة الحسناء ليدا ، انجاب الأخيرة من زيوس بأجمل ما أنجبته بلاد الإغريق من نساء . وهي الحسناء الأفروديتية " هيليني " Helene التي اقترنت في سن الزواج بالملك منيلاووس ، وتسبب خطفها ، بعد سنوات من زواجها ،على يد الأمير الطروادي باريس ابن بريام ، بإندلاع حرب طروادة التي دامت عشرة أعوام . وإضافة إلى هيليني فقد أنجبت ليدا من زيوس ابنهما الخالد بولوديوكيس (7) . ومن قصص مغامرات زيوس وأكثرها إثارة ، قصة مغادرة رب الأرباب زيوس لأعالي الأولمب ، وتوجههه الخاطف نحو شاطىء فينيقيا البعيدة ، بهدف اصطياد العذراء الفاتنة أوروبا Europ ، ابنة أجينور ملك صيدا ، بعدما رصدها زيوس من أعالي الأولمب وهي تسرح وتمرح مع وصيفاتها على مقربة من الشاطىء . وحسب الرواية الإغريقية عن مغامرات كبير آلهة الأولمب فإن الإله زيوس ، الذي قرر اقتناص عذراء فينيقيا الأميرة أوروبا واغتصابها ، اجتاز المسافة البعيدة التي تفصل الأولمب عن شاطىء صيدا ببضع خطوات من خطواته التي تعادل سرعة الخطوة الواحدة منها سرعة انتقال البصر (8) . وعندما وصل على مقربة من قصر الملك ، اندس بين قطيع من ثيران الملك اجينور، واتخذ كعادته شكل وهيئة ثور أبيض ، حتى يتخلص من مراقبة زوجته الغيورة هيرا ، التي كانت تستعين بالشمس والقمر والنجوم في مراقبة التحركات المريبة لزوجها الفاسق . وعندما عادت عذراء فينيقيا أوروبا ابنة أجينور من الشاطىء القريب، وقع بصرها على الثور الأبيض ، ولشدة ما استهواها قررت أن تمتطيه حتى قصر أبيها الذي لم تصله قط ، لأن الإله الثور زيوس طار بها إلى جزيرة كريت واغتصبها بين وديان الجزيرة الغناء . وكان من نتائج اغتصاب زيوس لعذراء فينيقيا انجاب أوروبا المغدورة من مقتصبها رب الأرباب زيوس ، لثلاث توائم ذكورهم رادامانثوس Rhadamanthus الحكيم ورجل الشرائع ، وساربيدون Sarpedon الذي عاش ثلاثة أجيال (9) حسب تقدير أبولو دوروس ، ومينوس Minos الذي أصبح ملكاً على جزيرة كريت وارتبط إسمه بحضارتها التي أصبحت تعرف باسم ( حضارة مينوس ) (10) التي ازدهرت خلال الفترة التاريخية الممتدة من عام 1600 ق . م إلى عام 1400 ق . م . ومن قصص المغامرات التي أرخت أيضاً للحياة العاطفية والجنسية لرب الأرباب زيوس ، قصة اغتصابه للعذراء انتيوبي Antiope ، ابنة نيكتيوس ملك طيبة ، وهو متنكر بهيئة قنطور (11) Centaur للإفلات من مراقبة زوجته هيرا ونجم عن فعلته المشينة هذه انجاب المغدورة أنتيوبي للتوأم أمفيون وزيتوس . ومعاشرته للحورية بلوتو Plouto التي أنجبت منه تانتال Tantale ملك ليدا . ومعاشرته للعذراء أيجينا Aeagina ، ابنة إله النهر أزوف ، التي أنجبت منه أياكوس Aeacus ملك جزيرة ايجينا والجد الأول للمرامدة (12) Mermdon . واغتصابه للأميرة العذراء داناي Danae عندما كانت سجينة في أحد أبراج قصر أبيها اكريسيوس ملك أرجوس (13) ، وانجاب الأميرة السجينة من مغتصبها ، الإله زيوس ، لأبنه بيرسيوس Perseus القاتل الشهير للجرجونة ميدوزا . واغتصابه أيضاً لإبنه ملك أركاديا، ، ليكاوون ، الأميرة العذراء كاليستو Callisto وصيفة أرتيميس ربة البراري والصيد . وتذكر الأسطورة بأن زيوس الماكز دخل إلى مخدع كاليستو وهو متنكر في هيئة الربة أرتيميس، وأمسك بطريدته ، التي تهيأ لها بأنها حظيت بزيارة ربتها وملكتها أرتيميس ، واغتصب عنوة الوصيفة العذراء التي انجبت منه ابنة أركاس Arcas الذي حظي بعرش أركاديا بعد موت جدة ليكاوون . كما تذكر الأسطورة بأن الزوجة الغيور، الربة هيرا ،نقمت على الأخيرة ، المغدورة كاليستو، اثر وضعها لإبن زيوس " أركاس " ومسختها إلى دبة . ومن قصص مغامرات زيوس ، التي اقترنت بردود فعل غاضبة من قبل زوجته الغيور الربة هيرا ، قصة هيام زيوس بكاهنة هيرا الأميرة العذراء ايو Io ، ابنة ملك أرجوس، وتحويل معشوقته إلى عجلة شقراء تهرباً من مراقبة هيرا ، التي اكتشفت حيلة زوجها ووضعت على حراسة العجلة " ايو " العملاق أرجوس Argus ، ذو المائة عين ، بهدف منع زوجها من تحقيق غايته في الاتصال بمعشوقته ايو . وحسب الأسطورة الإغريقية عن ايو، فإن الإله العاشق زيوس نجح في التغلب على زوجته هيرا ، واستعادة معشوقته ، بفضل تدخل الإله هرمس، الذي تمكن بالحيلة من قتل العملاق أرجوس (14) ، واستعادة ايو وتسليمها إلى زيوس الذي تمكن من معاشرة محبوبته بحرية تامة ليومان أو لثلاثة أيام ، قبل أعادة إكتشاف الربة هيرا للمكان الذي أخفى فيه زوجها الماكر معشوقته، وقامت بتشريد العجلة الشقراء ايو بواسطة ذبابة سامة سلطتها عليها حتى أفقدتها صوابها، وظلت ذبابة هيرا تهاجم بلسعاتها العجلة الشاردة ، ايو ، وتلاحقها ليل نهار في سهول وبراري ، ووديان وتلال، وجبال بلاد اليونان حتى أوصلتها إلى بلاد القفقاس، التي شهدت أول وأخر لقاء جمع بينها والإله المصلوب بروميثيوس (15) . ومن بلاد القفقاس بدأت ذبابة هيرا بمطاردتها إلى الشرق، ونحو الجنوب ،حتى أوصلتها إلى مصب نهر النيل في مصر ،حيث استقرت هناك ، واستعادت شكلها الأدمي ، قبل ولادتها بإبنها ايبافوس Epaphus، ابن زيوس ، الذي أصبح ملكاً على مصر حسبما جاء في الأسطورة الإغريقية التي ملكت مصر لإبن ايو وزيوس ، كما ملكت ليبيا وفينيقيا لأحفاد إيبافوس (16) . كانت مراقبة الربة هيرا لزوجها زيوس ، ومحاولاتها الدائبة في كبح جماحه ، عاملاً حاسماً في الحد من نشاط زيوس ومغامراته العاطفية والجنسية . وحسب الأساطير الإغريقية عن ردود فعل الزوجة الغيور، فقد تطرفت هيرا خلال محاولاتها المستمرة في التصدي لمغامرات زيوس وافشال مشاريعه ومخططاته الجنسية غير المشروعة، من وجهة نظرها كربة صائنة للعفاف وحامية للأسرة وللصلة الجنسية المشروعة التي تجمع بين الأزواج، بحيث قادها تطرفها هذا إلى حد شروعها في العديد من المحاولات التي أدت قتل وتشويه ومسخ واضطهاد معشوقاته وضحايا هوسه من ربات وحواري وآدميات (17) ، وشروعها أيضاً في مطاردة واضطهاد وتشويه وقتل الذرية التي نتجت عن اتصال زوجها زيوس بضحايا هوسه ومعشوقاته . ومن مآثر هيرا على صعيد مساعيها في الانتقام من الربات و النساء الأدميات اللواتي تجاوبن مع زيوس ، أو رضخن لرغباته، قصة ظهورها بمظهر مربية حبيبة زيوس الأميرة سيميلي Semele ، ابنة هارومونيا (ابنة أفروديت )والملك قدموس ابن اجينور، وطلبها من سيميلي دعوة زيوس إلى مخدعها وهو مجهز بحلته الحربية الكاملة وعندما وصل هتف سيميلي إلى سيد الأرباب الذي استجاب على الفور لطلبها الغريب ، انتصب زيوس بصواعقة وبروقه أمام عشيقته سيميلي فأصابتها صاعقة كانت من القوة بحيث أن زيوس لم يستطيع أن ينقذ من عشيقته الحامل إلا ابنه الجنين " ديونيزيوس " الذي ولد يتيماً وتعرض بعد ولادته إلى ملاحقة زوجة أبيه الربة هيرا ، التي كانت تسعى للقضاء عليه كما قضت على أمه سيميلي . وحسب الأسطورة الإغريقية عن مغامرات الإله زيوس ، فإن العديد من معشوقات رب الأرباب وضحايا هوسه من الربات والنساء الأدميات تعرضن للهجر من قبل زيوس ، الذي دأب على التنصل من الإرتباطات التي كانت تربطه بمعشوقاته وضحاياه اللواتي يفضح أمرهن ، ويتركهن كسيرات ومعزولات أمام الربة الناقمة هيرا . كما حصل مع الربة " ليتو" التي تخلى عنها الإله زيوس ، إثر افتضاح علاقته بها ، وتركها كسيرة تحت رحمة هيرا التي طاردتها ، وتوعدت بالعقاب الشديد لمن يأويها أثناء فرارها من بطشها . وحسب الأسطورة الإغريقية فإن الربة ليتو ،التي هامت على وجهها تسع شهور وهي تجوب السهول والوديان والتلال ، التجأت أخيراً إلى البحر علها تجد فيه مخلوقاً يساعدها على النجاة ولا يخشى على نفسه من انتقام هيرا ، وظلت تسبح في مياه البحر حتى وصلت إلى جزيرة جرداء عائمة على سطح الماء سكنت بها وأنجبت بين صخورها الجرداء التوأم الإلهي أبولو وأرتيميس . وتذكر الأسطورة بأن الإله زيوس ، الذي ابتهج لمقدم توأمه الإلهي ، أوعز إلى شقيقه إله البحر بوسيدون ليعمل على تثبيت الجزيرة العائمة بأعمدة تصل بين قعر الجزيرة العائمة وقعر البحر ، وبدوره دب زيوس الحياة على أرض الجزيرة الجرداء التي أصبحت كالجنة من كثرة الينابيع والجداول والأنهار والمروج والغابات التي أصبحت مسرحاً للحياة البرية. وســميت الجزيرة الغناء التي شهدت ولادة الربة الناجية ليتو بتوأمها الألهي أبولو وأرتيميس باسم " ديلومس ". بدورها أيضاً كانت عذراء فينيقيا الأميرة أوروبا واحدة من الضحايا التي تخلى عنها زيوس خشية من زوجته هيرا التي اكتشفت بواسطة الكشاف هيليوس، إله الشمس ، خيانة زوجها لها مع العذراء الفينيقية في أحد وديان جزيرة كريت. وحسب الأسطورة الإغريقية فإن رب الأرباب زيوس ، الذي تخلى كعادته عن ضحيته أوروبا وسط وديان جزيرة كريت ، عاد إلى الأولمب في وقت كان فيه أبناء الملك أجينور يركبون البحر بقيادة شقيقهم قدموس بحثاً عن شقيقتهم المخطوفة أوروبا (18) ، التي لم تلتقي بأشقائها الذين توزعوا في أرجاء المعمورة بحثاً عن صغيرتهم المخطوفة ، التي سعدت بعد مشقة وعناء طويل بلقــاء ملك الجزيرة " استريوس " الذي اقترن بها وتبنى أبناءها الثلاثة التي أنجبتهم من زيوس . وحسب الأسطورة أيضاً فإن زيوس عوض أوروباً بعد ولادتها لأبناءه الثلاثة بثلاث عطايا ، أولها حربة صيد لا تخطىء الطرائد ، وكلب صيد لا يخطىء طريدته ، وحارس يعمل كراصد للسفن البعيدة وقادر عن منع السفن المعادية من محاذاة شاطىء الجزيرة . وهذه الهدية الثالثة كانت خير معين لملك الجزيرة استريوس الذي كفل له الزواج من أوروبا حماية حدود مملكته .
هوامـــش
1- من وجهة نظر الميثولوجيا الإغريقية هنالك ثلاثة عصور كبرى مرت على تاريخ الآلهة ،أول هذه العصور هو عصر أورانوس ، تلاه عصر كرونوس والآلهة التيتان ( شهد هذا العصر أول عملية خلق للجنس الآدمي الذي كان مقصوراً عن الذكور دون الإناث ) تلاه عصر زيوس وآلهة الأولمب الكبرى ( شهد هذا العصر أول عملية خلق لإناث من الجنس الآدمي الذي أصبح يضم ذكوراً وإناثاً ) وهذ العصر الأخير الذي كرس لأول مرة تشريعات تنظيم علاقات الآلهة ببعضها البعض ، وتنظيم علاقات الأرباب الخالدين بالبشر الفانين ، وعلاقات البشر الفانين بين بعضهم البعض ، يمكن تقسيمه إلى عدة عصور. في قصيدة الأعمال والأيام، قسم هسيودوس أدوار حياة الإغريق في ظل آلهتهم إلى خمسة عصور . أول هذه العصور هو عصر كرونوس الذي يصفه هسيودوس بالعصر الذهبي ، تلاه عصر زيوس وآلهة الأولمب الذي يصفه هسيودوس بالعصر الفضي ، ثم جاء العصر البرونزي، وتلاه عصر الأبطال الذي تزامن مع حروب طيبة وطروادة وخامس هذه العصور حسب هسيودوس هو العصر الحديدي ، وهو العصر الذي عاش في ظله الشاعران هوميروس وهسيودوس ويمكن اعتبار العصور الأربع الأخيرة الذي ذكرها هسيودوس على أ نها تقسيم لعصر زيوس إلى أربعة أدوار . 2- حسب الأسطورة الإغريقية فإن زيوس أخفى ابنه زاغريوس بعيداً عن أنظار هيرا وعهد به إلى أبولو ، وبأن هيرا تمكنت من اكتشاف مخبأ زاغريوس وأرسلت إليه فريقاً من المردة للفتك به. ولكن زاغريوس الذي كان يفلت كل مرة ، بفضل قدرته على تغيير هيئته،وقع أخيراً بين أيدي المردة الذي قطعوه والتهموه، باستثناء قلبه الذي أنقذه أبولو من أيدي المردة وقدمه إلى أبيه زيوس الذي ابتلعه وحافظ عليه في جوفه . ويقال بأن قلب زاغريوس التحمم فيما بعد بالجنين ديونيزيوس وأصبحاً كياناً واحداً 3- البالاديوم Palladium تمثال يرمز إلى الربة أثينا وهي تحمل حربة في يمينها ومغزلاً في يسارها ، وحسب اسطورة اغتصاب زيوس للبليادة اليكترا فإن انتقال البالاديوم من الأولمب إلى أرض فريجيا تم بواسطة رميه من قبل زيوس حيث سقط في هذه المنطقة من غرب آسيا . وحسب الأسطورة الإغريقية عن تأسيس طروادة فإن الإله زيوس قدم البالاديوم هدية إلى حفيده ايلوس ، ابن تراوس ابن داردانوس ابن زيوس واليكترا ، عندما بنى مدينة ايليون التي أصبحت تعرف باسم طروادة - نسبة إلى تراوس والد ايلوس - لأن زيوس أراد من وراء ذلك مساعدة حفيده ايلوس بحماية أسوار مدينته من أي عدوان . وكانت الأسطورة الإغريقية عن البالاديوم تقول بأن تمثال الربة أثينا إذا دخل مدينة حصّن اسوارها . وظلت هذه القناعة سارية المفعول حتى بعد سقوط مدينة طروادة ، التي تبرر الأسطورة ذاتها بأن سقوطها لم يتم إلا بعد نجاح الداهية الإغريقي أوذيسيوس في سرقة البالاديوم من معبد أثينا في برج طروادة ، والفرار به خارج أسوار المدينة .4- تقول الأسطورة الأغريقية عن مصير إياسيون Iasion _ جازيون Jasion كما يرد في المعاجم الفرنسية _ بأنه وقع في غرام الربة ديميتر التي ألتقاها لأول مرة في حفل الزفاف الملكي الذي جرى لقدموس ابن الملك أجينور وهارمونيا أبنة أفروديت . وبأن ديمتير ، التي شاركت في هذا الأحتفال إلى جانب أثينا وهيرا وأفروديت والعديد من آلهة الأولمب ، أحبت بدورها جازيون وأقترنت به نكاية بزوجها السابق زيوس، الذي هجرته إثر أكتشافها لدوره في مساعدة هاديس في أختطاف أبنتها برسفوني. وحسب الأسطورة فأن زيوس غضب من زواج إبنه جازبون من زوجته السابقة وصرعه بصاعقة من عنده ، كما تذكر الأسطورة بأن ديميتر أنجبت من جازيون إبنها بلوتوس Ploutos . 5- بعد مقتل جازيون على يد أبيه الغاضب زيوس فر شقيقه داردانوس من أركاديا حيث مسقط رأسه ، وأستقر في سامو ثريس، ومنها أنتقل الى سفوح جبل إيد Ida في آسيا ، وأقام مملكته التي ازدهرت في عهد حفيده الملك الطروادي بريام . ويعتبر داردانوس الجد الأول للطرواديين .6- أنجبت الكميني توأماً من الذكور ،المولود الأول كان إفيكليس Iphicles ابن امفتريون ، والمولود الثاني الذي أخرت ولادته الربة هيرا بحكم تخصصها كربة للمخاض كان هرقل Heracles ابن زيوس . وهذا التوأم كان ثمرة لمضاجعة زيوس لألكميني ليلة دخوله عليها وهو متنكر بهيئة زوجها ، ولمضاجعة زوجها الذي عاد بعد منتصف تلك الليلة ، ويمتاز هرقل ابن زيوس عن أخيه إفيكليس ابن امفتريون بمزيتا القوة والخلود .7- حسب الأسطورة فقد أنجبت الملكة ليدا ثلاث تواءم هم هيليني إضافةً إلى كاستور وبولوديوكيس _ أو" بولوكس" كما يسميه الرومان _ وكانت هيلين وبولوديوكيس من نسل زيوس ، أما كاستور فكان من نسل أبيه الملك تنداربوس . وفي الأسطورة أيضاً أجتمع الثنائي كاستور الفاني ، وبولوديوكيس الخالد ، تحت اسم الديوسكوري Dioscuri ومن مأثر الديوسكوري المشاركة في رحلة الأرغيين ، والهجوم على أتيكا لتحرير هيليني من قبضة مختطفها ثيسيوس .8- تذكر الإسطورة الإغريقية عن حركة وسرعة إنتقال الآلهة ، بأن الآلهة كانت تنتقل من أعالي الأولمب إلى أي مكان بعيد أو قريب بواسطة الخطوة . وكانت الألهة تقطع في خطوة واحدة مسافة تعادل سرعتها سرعة إنتقال البصر عند البشر الفانين .9- تقول أحدى الروايات بأن ساربيدون فر من كريت إثر فشل محاولة قام بها للإطاحة بحكم أخيه مينوس ، واأستقر في ليسيا بآسيا الصغرى وأسس مدينة ميلتوس وعند نشوب حرب طروادة تحالف ساربيدون ، وقد أصبح يعرف بملك الليسيين ، مع الملك بريام، ملك طروادة ، وناصره ضد أعدائه الإغريق . وخلال الحرب المذكورة قتل ساربيدون على يد القائد الإغريقي باتروكليس . وهناك من يشكك بهذه الرواية ويقول بوجود أكثر من ساربيدون واحد . فهناك ساربيدون الليسي وساربيدون الكريتي وكلاهما منفصلان ولا يجمع بينهما جامع 10- على الغالب فإن مينوس هنا وصف وليس اسم ،لأن ملك كريت كان يحمل اسم مينوس كما كان يحمل ملك مصر اسم فرعون . ومينوس المذكور هنا إذا كان معاصراً لحملة الإغريق على طروادة فإنه ينتمي إلى الدور الثالث من حقبة العهد المينوني المتأخر 1400- 1200 ق .م . لأن أدوار العهد المنيوني التي تبدأ مع الدور الأول من حقبة العهد المينوني القديم تمتد من عام 3000 ق . م - 2800 ق . م 11- القنطور، أو " السانطور" مخلوق نصفه العلوي إنسان ونصفه السفلي حصان ، وحسب الشاعر " بندار "في" الأود البيثية " فان القنطور من نسل قنطوروس، ابن اكسيون، الذي كان يجامع الأفراس البرية في موطنه عند جبل بيليون . وتحتوي الميثولوجيا الإغريقية على عدد وافر من الروايات الخرافية أبطالها قناطير منهم الطيب والخير، ومنهم الغاصب والشرير، واشتهر العديد منهم أمثال القنطور نيسوس Nessus الذي أقدم على اختطاف ديانيرا Deianira زوجة هرقل وحاول اغتصابها ، والقنطور خيرون Chiron الذي كان يعلم الحكمة والفروسية والطب . 12- تقول الأسطورة الإغريقية عن المرامدة ، أو " الميرميدون" ، بأن أياكوس ، ابن زيوس وايجينا ، تملك الجزيرة التي حملت اسم امه، واصبح ملكاً على شعب صغير أرسلت عليه الربة هيرا وباء الطاعون الذي أباد سكان الجزيرة وجعل من اياكوس ابن ايجينا ملكاً بلا شعب . وحسب الأسطورة أيضاً فإن زيوس ، الذي اغتاظ من حرب هيرا على عشيقته السابقة أيجينا ، وابنه منها أياكوس ، أشفق على ابنه واستجاب إلى دعاءه وتوسلاته فأحال نمل الجزيرة إلى بشر ، وأصبح شعب الجزيرة يعرف بأسم المرامدة ويعني المتحدرين من النمل . وعرف من ملوك المرامدة الذين هجروا الجزيرة واستوطنوا في تساليا " بيليوس" ابن اياكوس، وأخيل ابن بيليوس ابن اياكوس ،وتيلامون ابن اياكومس ، وأياس ابن تيلامون ابن اياكوس 13- تقول الأسطورة بأن " داناي" ابنة اكريزيوس ( ملك أرجوس ) ويوروديكي ، كانت مثل الربة أفروديت بحسنها وجمالها، وكانت محط رعاية واهتمام وحب أبيها الملك ، الذي اضطر إلى سجنها داخل برج برونزي محكم الأقفال، حتى يضمن عدم اتصالها بجنس الذكور ، بعدما وصلته نبوءة شؤم تقول بأن ابنته " داناي" سترزق بغلام حكمت عليه الأقدار مسبقاً بقتل جده . وحسب الأسطورة أيضاً فإن الملك الذي شــــهد ولادة ابنته داناي للمولود الذكر " بيرسيوس " ، ابن زيوس، وضع داناي وابنها الرضيع داخل صندوق مقفل ، وقذف به إلى البحر الذي قذفه بدوره إلى شاطىء سيريفوس قرب كوخ الصياد ديكتوس ، الذي قام برعاية الأميرة داناي وابنها بيرسيوس الذي عاد في سن الرجولة إلى مسقط رأسه أرجوس ليشارك في المباراة لرمي القرص . وخلال هذه المبارة تحققت النبوءة الشؤم وانحرف القرص الحديدي الذي رماه بيرسيوس عن مساره الطبيعي وسقط فوق رأس جده اكريزيوس . 14- يذكر " أوفيد" في " مسخ الكائنات " بأن الإله الواسع الحيلة " هرمس" نزل من أعالي الأولمب إلى الأرض، واقترب من العملاق أرجوس ، والعجلة الأسيرة ايو، وهو متنكر بهيئة راع يجيد العزف على مزماره ، وبارع في سرد القصص . وحسب الأسطورة فان أرجوس رحب بالراعي الجوال الذي بدأ ينفخ في مزماره ويسرد لمضيفه المسترخي " أرجوس " باقة من القصص المملة حتى بدأ النعاسس يغالب أرجوس اليقظ ، الذي عرف عنه بأنه لا يغمض من عيونه المائة سوى اثنتين . وعندما وجد هرمس بأن العملاق الجلف أرجوس قد استسلم للنوم ، وأغمض عيونه المائة ، استل سيفه المقوس وأطاح برأسه المرصع بالعيون التي اقتلعتها الربة هيرا من رأس حارسها قبل دفنه ونثرتها على ذيل الطاووس الذي أصبح يعرف بطائر الربة هيرا .15- في " بروميثيوس مقيداً " يورد اسخيليوس الرواية الإغريقية التي تقول بأن " ايو " الشاردة في البراري وصلت إلى مقربة من بروميثيوس المصلوب على صخرة هائلة من صخور جبال القفقاس ، وشكت للإله المصلوب من سوء حالها، ومن الظلم الذي لحق بها على يد هيرا ، واستمعت بدورها لشكواه من ظلم زيوس . وحسب الأسطورة التي رواها اسخيليوس فإن الإله المصلوب " بروميثيوس " كشف للعجلة ايو بأن محنتها القاسية ستنتهي مع وصلوها إلى نهر النيل . وبأن زيوس سيعيد إليها صورتها الآدمية هناك ، وبأنها ستلد منه غلاماً ذكراً اسمه " ايبافوس " . وحسب الأسطورة أيضاً فإن" ايو " توجهت نحو الشرق ، وسارعت في عبور البوسفور، وتوجهت من هناك إلى مصب نهر النيل حيث تحققت نبوءة بروميثيوس .16- حسب الأسطورة الإغريقية عن " ايو" ونسلها فإن ابنها " ايبافوس " ابن زيوس أصبح ملكاً على مصر، وبنى عاصمة له أطلق عليها اسم زوجته ممفيس التي أنجبت منه ثلاث أميرات ، أشهرهن الأميرة " ليبيا" Libye التي اقترنت من إله البحر بوسيدون وأنجبت منه أجينور Agenor الذي تملك فينيقيا ، و بيلوس Belos الذي خلف جده إيبافوس على عرش مصر . كما تقول الأسطورة بأن بيلوس اقترن من أنخينوا Anchinoe التي أنجبت له التوأم " ايجيبتوس" Aegptus الذي ورث عن أبيه عرش مصر وأطلق اسمه على مملكته ، و" داناوس" Danaus الذي توج على عرش ليبيا . وهذا النوع من الأساطير التي نسجتها المخيلة الإغريقية تزامن مع العصر الذي نشطت فيه حركة الملاحة الإغريقية التي جابت البحر المتوسط ، وبفضل هذه الحركة " انتشر الإغريق على شواطىء البحر المتوسط كما تنتشر الضفادع على ضفاف الغدير" حسب تعبير الفيلسوف أفلاطون . 17- من هذه المحاولات ، نذكر شروعها أكثر من مرة في قتل " هرقل" ابن زيوس من الكميني ، وهيرمس ابن زيوس من مايا ، و" ديونيسيوس " ابن زيوس من سيميلي 18- تفيد الرواية الإغريقية عن اختطاف الأميرة أوروبا بأن الملك أجينور أرسل ابناءه الأربعة قدموس ، وفوينيكس ، وفينيوس ، وسيليكس للبحث عن شقيقتهم المخطوفة في الشواطىء والجزر الواقعة على حوض البحر المتوسط، وبأن كل واحد منهم مضى في بحثه من خلال اتجاه مغاير لإتجاهات أشقائه الآخرين . وتعتبر رحلة قدموس الرحلة الأهم في رحلات البحث المذكور، حيث أقام مستعمرة في بلاد الإغريق ، وأسس مدينة طيبة فيما بعد، وتزوج من هارمونيا ابنة أفروديت . ويذكر " هيرودوت " في الكتاب الخامس من تاريخه ، بأن قدموس والفينيقيين المرافقين له استعمروا اقليم ( بويوتيا ) وخلال هذه الفترة علموا الإغريق الذين كانوا يجهلون الأبجدية حروف الهجاء وفن الكتابة، وأصبحت الأبجدية تعرف عند الإغريق بـ " الفينيقية " انصافاً منهم للفينيقيين الذين قدموا لهم المعرفة [ هيرودوت : الكتاب الخامس ، الفقرات 58 ، 59 ) .



حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

المثقفون العرب وفكرة " الشر ق الأوسط ": حسن عبد العال

المثقفون العرب وفكرة " الشر ق الأوسط "

حسن عبدالعال

28-6-2010م
مدخل

بدأ مصطلح (الشرق) كتعبير جغرافي أوروبي يشمل تلك المنطقة الشاسعة من العالم التي تبدأ بمصر والجزيرة العربية و بلاد الشام و تركيا و إيران ، و تنتهي بالهند و الصين و اليابان ، ينتشر داخل أقطار المشرق العربي منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، وأصبح يغزو المطبوعات العربية في القاهرة و القدس و بيروت و دمشق و بغداد و حلب। و لعل مقالة "الشرق" التي كتبها سليم البستاني مع بداية عام 1870، كفاتحة للعدد الأول من مجلته البيروتية (الجنان) هي من أولى المقالات الأدبية والصحفية العربية التي دشنت مرحلة الأخذ بمصطلح الشرق كتعبير جغرافي و حضاري يتناول الأرض و الثقافة و الشعب في هذه المنطقة من العالم। و منذ السبعينات من القرن التاسع عشر ، أصبح تعبير "الشرق" و"شرقنا" و"نحن الشرقيين" تعبيراً مألوفاً في الأدبيات الصحفية و الفكرية و الأدبية العربية ، التي بدأت تستخدم مصطلح الشرق في مقالات و دراسات و مباحث أدبية و فكرية و سياسيـة ، مثل بحث أديب اسحق "الشرق" الذي نشره في القاهرة مع نهاية عام 1879 (1) . و لعل المتتبـع لملف الدراسـات الأدبية والفكرية خلال هذه الفترة من عصر النهضة سيجد أن المقالات التي تبحث في الشرق و علاقة الشرق بالغرب ، و مزايا الشرق قياسـاً بالغرب، و مزايا الغرب قياسـاً بالشرق، قد أصبحت أثيرة على قلوب و أقلام و عقول العديد من كتاب ذلك العصر. و من هذا الفيض نجد للشيخ جمال الدين الأفغاني محاورة بعنوان "محاورة بين الشـرق و الغـرب" و للشـيـخ نجيب حداد مقالاً بعنوان "الشـرق والغرب"(2). و مع بداية القرن العشرين استمرت وتيرة الكتابة التي تتناول الشرق و علاقة الشرق بالغرب و تباينهما في مجالات المفاهيم و الأخلاق و القيم. و هكذا أصبح تعبير الشرق ، كتعبير جغرافي و حضاري ، مصطلحاً سائداً في الحياة الفكرية و السياسية العربية في وقت أصبح فيه الشرق ، و الشرق العربي منه بشـكلٍ خاص ، يأخذ في الغرب أكثر من أي وقت ٍ مضى دلالات ٍ جيو بولتيـكيــة وجيوستراتيجية دفعت بالغرب إلى ضرورة تقسيمه إلى حظائر إقليمية تقسم الشـرق إلى أقصى و أدنى ، و أحياناً أخرى كانت تدفع بضرورة تقسيم الشـرق الأقصى إلى شـرقين: "شـرق" و "شـرق أقصى" ، والشرق الأدنى إلى شرقين: "شرق أوسط" و "شرق أدنى".في المشرق العربي ، و على الوتيرة نفسسها التي تعاطى بها كتاب عصر النهضة مع مصطلح (الشرق) كتعبير جغرافي و سياسي و حضاري، بدأ مصطلحا "الشرق الأدنى" و "الشرقين الأدنى و الأوسط" بالانتشار داخل الأوساط السياسية والفكرية العربيةمنذ بداية الثلاثينات. و كما كان الأمر في انكلتــرا و الولايات المتحدة الأميركية كان هذان المصطلحان بدورهما غير محددي المعالم داخل هذه الأوساط المشرقية العربية التي كانت تستخدم هذين المصطلحين المستوردين للتعبير عن منطقة جغرافية ، أو عن حظيرة من الدول ، تختلف من كاتب لآخر بحسب تأثر كل منهما بالمركز الغربي الذي يستقي منه مفرداته و لغته السياسية عن هذه المنطقة من العالم. فأحياناً كانت المطبوعات التي تصدر عن بعض العواصم العربية مع بداية الثلاثينات تستخدم مصطلح الشرق الأدنى للدلالة على حظيرة من الدول التي تضم المشرق العربي و جواره ، كما في كتاب فيليب طرزي الذي صدر عن مطبوعات الجامعة الأميركية ببيروت عام 1933 في جزأين و الذي حمل عنوان (مراجع ما نشر بعد الحرب العظمى عن بلدان الانتداب في الشرق الأدنى) (3) 0 وهو كتاب يجد الباحث فيه تغطية شاملة لما نشر من المطبوعات في العلوم الاجتماعية عن العراق و فلسطين و شرق الأردن و سورية و لبنان بدءاً من تشرين الثاني لعام 1918 حتى نهاية عام 1929. و أحياناً أخرى كان يُشار إلى هذه الحظيرة من الدول التي تضم المشرق العربي و جواره عبر استخدام مصطلح الشرقين الأدنى و الأوسط، كما في كتاب عبد الفتاح إبراهيم الصادر في بغداد عام 1932 بعنوان (على طريق الهند) (4) ، حيث تعامل الكاتب على امتداد كتابه مع وطنه العراق على أنه من بلدان الشرق الأدنى منسجماً في ذلك مع التقسيم البريطاني للشرقين الأدنى و الأوسط كما كان معمولاً به في الثلاثينات0 كما تعامل مع مصر و سوريا و فلسطين على أنها من بلدان الشرق الأوسط انسجاماُ مع التقسيم البريطاني السابق ذكره.

وعلى هذا المنوال سارت الأوساط السياسية و الفكرية العربية التي سايرت المراكز الأوروبية في تقسيمها للمشرق العربي و بدأت منذ بداية الثلاثينات تنهج نهج لندن و واشنطن و باريس في تقسيم المشرق العربي و جواره إلى حظائر إقليمية ، و تنتقل في توصيفها الجغرافي و السياسي للمشرق العربي و جواره من مصطلح إلى آخر، و من توسيع و تقليص للرقعة الجغرافية لكل حظيرة إقليمية بشكل يتطابق و مذهب هذه المراكز ، التي اعتادت إجراء تعديلات على المصطلح الجغرافي الذي كانت تتعاطى به بطريقة تتناسب و التحولات التي كانت تطرأ على خططها الستراتيجية و توجهاتها الجيوبولتيكية ، إلى حدٍ كان يدفع بإحدى هذه المراكز إلى قلب الأوراق رأساً على عقب بتحويل الشرق الأوسط إلى شرق أدنى و تحويل الشرق الأدنى إلى شرق أوسط *، أو كان يدفع مركزاً آخر إلى دمج الشرقين الأدنى و الأوسط في شرقٍ واحد ، أدنى أو أوسط ، و إعادة رسم تخومه من جديد حتى يصبح أشمل و أوسع من الشرقين الأدنى و الأوسط مجتمعين ، كما هو حال مصطلح الشرق الأوسط الذي أصبح ، منذ نهاية الأربعينات و بداية الخمسينات ، المصطلح المسيطر على اللغة السياسية و القاموس السياسي في لندن و واشنطن اللتين وسعتا مفهوم الشرق الأوسط ، الذي أصبح يشير إلى الأقاليم والبلدان التي كانت مندرجة من قبل ضمن حظيرة الشرق الأدنى و حظيرة الشرق الأوسط، بعدما أضيفت إليه أقاليم من الشمال الإفريقي و الحوض الإفريقي من البحر الأحمر و جزر من حوض البحر الأبيض المتوسط.
-1-رموز التيار العربي الداعي إلى فكرة و مصطلح الشرق الأوسط في الأربعينيات:في هذا الوقت من عقد الأربعينات كانت القاهرة، كما في عقودٍ سابقة، مركزاً و عاصمةً للفكر والثقافة في الوطن العربي، كما كانت في ذات الوقت مركزاً للقيادة العسكرية البريطانية في المشرق العربي ، ومقراً للنشاطات البريطانية الموجهة من قبل الدوائر المتخصصة بالمشرق العربي في وزارتي الخارجية و المستعمرات. و كانت هذه القيادات و الإدارات و المؤسسات البريطانية التي تدير نشاطاتها في المشرق العربي من القاهرة تطلق على نفسها ، بحسب اختصاصاتها ، تسمياتٍ مقترنةً بمصطلح الشرق الأوسط. وبحسب هذا التوجه الرسمي كانت القيادة العسكرية البريطانية المتمركزة في القاهرة ، و المختصة بالمشرق العربي و جواره ، تطلق على نفسها منذ بداية الأربعينات تسمية (قيادة الشرق الأوسط)، كما كانت المؤسسة التي أقامتها بريطانيا في القاهرة منذ بداية الأربعينات، بقصد تكريس السيطرة الاقتصادية البريطانية على أقطار المشرق العربي، تحمل اسم (مركز تموين الشرق الأوسط) (5) ، كما كانت القاهرة مركزاً لنشاطات هذه المؤسسة الاستعمارية التي رعت في القاهرة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية العديد من الندوات و المؤتمرات الإقليمية التي تخصصت بالجوانب المختلفة من اقتصاديات الشرق الأوسط.هذه النشاطات البريطانية الشرق أوسطية التي كانت تشهدها القاهرة، إضافةً إلى الأبحاث و الدراسات و المؤلفات البريطانية و الأميركية الصادرة وقتذاك والتي كانت تتناول المشرق العربي و جواره مستخدمةً تعبير الشرق الأوسط ، بدأت وبصورة تلقائية تفعل فعلها ، بشكلٍ تدريجي ، داخل الوسط الثقافي العربي في مصر الذي بدأ يتقبل ، بشكلٍ أو بآخر ، مصطلح الشرق الأوسط كتعبيرٍ جغرافي و حضاري وسياسي يشمل أساساً المشرق العربي و العديد من الدول المجاورة له. و من داخل هذا الوسط بدأ يظهر تيار يدعو إلى اقامة شرق أوسط متحرر من التبعية و الاستعمار يشمل أقطار المشرق العربي ، إضافة إلى بلدانٍ أخرى مدرجةٍ ضمن قائمة أسماء التركيبة البريطانية للأقطار المكونة لحظيرةالشرق الأوسط. و من أبرز الرواد لهذا التيار الدكتور راشد البراوي الذي يعتبر ، من خلال كتابه الهام (حرب البترول في الشرق الأوسط) الصادر في القاهرة عام 1947 ، الأول في قائمة المثقفين العرب الذين تبنوا رسمياً مصطلح الشرق الأوسط الذي شكل العنوان الرئيسي لواحدٍ من أهم مؤلفاته (6)، كما عمل منذ ربيع عام 1948 ، من خلال جامعة فؤاد الأول، على تأسيس جمعية تُعنى بتقديم الأبحاث والدراسات الأكاديمية الخاصة بالأحوال الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية لإقليم الشرق الأوسط 0 واختار لهذه الجمعية ، التي أصبح رئيساً لها و لمجلسها ، اسم (جمعية شؤون الشرق الأوسط) التي بدأت منذ عام 1948 بإصدار سلسلة من المؤلفات كان أولها كتاب (مشكلات الشرق الأوسط) الذي صدر باسم الجمعية المذكورة عن مكتبة النهضة المصرية صيف عام 1948 0 و كانت البلدان المشمولة باختصاص الجمعية مقصورةً فقط بإقليم الشرق الأوسط الذي كان يضم حسبما جاء في مقدمة كتاب (مشكلات الشرق الأوسط) ، التي وضعها الدكتور البراوي ، : "المنطقة الممتدة من حدود الهند شرقاً إلى البحر المتوسط و وادي النيل غرباً ، ومن البحر الأسود شمالاً حتى الخليج الفارسي و المحيط الهندي جنوباً" 0 أي كان هذا الإقليم بحسب الخارطة السائدة لمنطقة الشرق الأوسط التي أخذ بها الدكتور البراوي و جمعية شؤون الشرق الأوسط يشمل حسبما جاء في المقدمة المذكورة الأقطار التاليـة : "أفغانستان ، إيران ، العراق ، تركيا ، لبنان ، سورية ، فلسطين ، شرق الأردن ، شبه الجزيرة العربية، وادي النيل"(7) .على هذا الصعيد المحبذ لفكرة الشرق الأوسط و الشروع بتأسيس شرق أوسط متحرر من التبعية والاستعمار، شهدت القاهرة مع بداية عام 1948 ولادة مشروع ريادي هو الأول من نوعه على صعيد الدعوة الجادة لتأسيس شرق أوسط منسجم جغرافياً و روحياً . و اقترن هذا المشروع، الذي لم يتجاوز مرحلة الدعوة إليه ، بالبكباشي عبد الرحمن زكي الذي أطلق دعوته الريادية على هذا الصعيد من خلال كتابه (الشرق الأوسط) الذي ظهر في القاهرة خلال شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1948 (8) 0 و من خلال هذا الكتاب المحبذ لفكرة الأخذ بمصطلح الشرق الأوسط ، كتعبير جغرافي و سياسي وحضاري مقبول عربياً و علمياً ـ من وجهة نظر المؤلف بالطبع ـ عن المشرق العربي و جواره ، يُقر البكباشي زكي بأن مصطلح الشرق الأوسط ] الذي بدأ يتداوله بكثرة رجال الحرب و السياسة خلال الحرب العالمية الثانية كتعبير عن المنطقة الجغرافية الشاسعة التي تضم بين جوانبها : "بلاد اليونان، وقبرص، و تركيا، و إيران، و العراق، و سورية، و لبنان، و فلسطين، و مصر، و السودان، و شبه الجزيرة العربية، و بلدان شمال إفريقية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط الشرقي" [ هو مصطلح كان أصلاً يُعبر عن حاجة الغرب لوحدة إقليمية تسخر في خدمة أغراضه الاقتصادية والسياسية و العسكرية. و لكن هذه الخلفية الاستعمارية لفكرة الشرق الأوسط لا تدفع بأقطاره إلى رفض الفكرة من أساسها ، بقدر ما يجب أن تدفع بأقطاره مجتمعة إلى الشروع بإقامة شرق أوسط متحرر من التبعية و الاستعمار و مكون من مجموعة من البلدان المتجاورة التي تجمع بينها وحدة جغرافية و تأتلف مادياً و روحياً (9). و يحبذ البكباشي عبد الرحمن زكي أخذ الأقطار المشكلة للشرق الأوسط الذي يدعو إليه من الوصفة البريطانية التي كانت ترد في المطبوعات الرسمية للمملكة المتحدة خلال سنوات ما بعد الحرب، و التي كانت تُشكل حظيرة الشرق الأوسط من 21 بلداً هذه قائمتها: "مالطة، طرابلس، برقة، مصر، قبرص، سورية، لبنان، فلسطين، شرق الأردن، العراق، إيران، مشيخات الخليج الفارسي، بلاد العرب السعودية،اليمن، عدن و محميتها، أرتيريا، إثيوبيا، الصومال الفرنسي و الإيطالي و الإنجليزي، و السودان المصري و الإنكليزي" 0 مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن تصورات البكباشي زكي لشرق أوسط منسجم و متكامل جغرافياً كانت تستبعد الصومال وأثيوبيا من قائمة البلدان التي تشكل حظيرة الشرق الأوسط ، "نظراً لوقوعهما في المنطقة الاستوائية البعيدة إلى حدٍ ما عن دائرة الشرق الأوسط" (10) 0 ويطالب بالاستعاضة عنهما بدولة تركيا ، "التي تأتلف طبيعتها الجغرافية مع بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط" (11) ، كذلك الأمر يستبعد البكباشي عبد الرحمن زكي من قائمة البلدان التي تشكل الشرق الأوسط الذي يدعو إليه كلٌ من مالطة وطرابلس، لأنه كان يراهما "نائيتين عن دائرة الشرق الأوسط" (12). و بحسب وصفة البكباشي زكي فإن شرق أوسط منسجم جغرافياً و مادياً و روحياً يجب أن يتشكل من الأقطار التالية: "تركيا، قبرص ، سورية ، لبنان، فلسطين، شرق الأردن، العراق، إيران، الإمارات العربية، المملكة العربية السعودية، اليمن وعدن، أرتيريا، مصر، برقة" ( 13). و من خلال كتابه المذكور، الذي دعى فيه للأخذ بجدية بفكرة تشكيل الشرق الأوسط ، يدعو البكباشي عبد الرحمن زكي الدول التي تشكل حظيرة الشرق الأوسط للمباشرة و البدء بإقامة نوع من التعاون العلمي و الفني بين هذه الدول عبر تأسيس (معهد لدراسات الشرق الأوسط) (14) يكون مركزه في القاهرة و يتشكل كادره من متخصصين من أبناء هذه الدول في شؤون الشرق الأوسط "الاقتصادية و السياسية و المعنوية 0000".****خلال هذه الفترة من سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت على أرض مصر بروز اتجاه أكاديمي محبذ للأخذ بفكرة و مصطلح الشرق الأوسط ، على طريقة الدكتور البراوي و جمعية شؤون الشرق الأوسط المتفرعة عن جامعة فؤاد الأول، و اتجاهاً آخر داعيا لفكرة الشرق الأوسط كمشروع سياسي و حضاري اقترن بداعيته البكباشي عبد الرحمن زكي. بدأت تشهد القاهرة مع بداية عام 1949 ظهور مؤلفات [لكتاب مصريين] تتصدى لأحوال شؤون و أزمات المشرق العربي تحمل عناوين مرتبطةً بمصطلح (الشرق الأوسط) على طريقة الاستسلام للمصطلح الدارج استعماله في وصف المشرق العربي و جواره، و ليس على طريقة المحبذ أو الداعية لفكرة الشرق الأوسط، و لا حتى لفكرة المصطلح بحد ذاته (15). و من هذه الموجة من عناوين المؤلفات التي ارتبطت منذ العام 1949 بمصطلح الشرق الأوسط و استمرت ـ و لكن من دون تحزب ـ في ارتباطها بهذا المصطلح الدارج خلال عقد الخمسينات ، و العقود التي تلته ، نُذكر القارئ الباحث بكتاب اليوزباشي صلاح محمد نصر ، و اليوزباشي كمال الدين الحناوي ، الذي صدر عن مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة عام 1949 بعنوان (الشرق الأوسط في مهب الرياح ) ، فمن خلال هذا الكتاب ] الذي اخترناه كعينة عن هذه الموجة من المؤلفات التي ارتبطت عناوينها بمصطلح الشرق الأوسط لمجرد كونه مصطلحاً دارجاً و طاغياً استعماله على الصعيد الدولي في وصف المشرق العربي و جواره [ سنتعرف على رأي الكاتبين ، نصر و الحناوي ، في مصطلح الشرق الأوسط الذي اختاراه عنواناً لكتابهما الذي شكل بداية هذه الموجة من المؤلفات التي تناولت بقلم كتاب مصريين مشاكل و أزمات المشرق العربي تحت عنوان (الشرق الأوسط).يقول الكاتبان نصر و الحناوي في مقدمة كتابهما (الشرق الأوسط في مهب الرياح) :"لم تتوفر لبقعة من بقاع الأرض في الماضي عوامل الاستقرار كما توفرت للمنطقة التي يحلو للبعض أن يدعوها بالشرق الأدنى و يحلو للبعض الآخر أن يدعوها بالشرق الأوسط 000 و هي في الواقع منطقة جغرافية واحدة، أو قريبة من أن تكون واحدة 000 ، و قد انحدرت إلينا تلك التسمية من البريطانيين ، و عليه فالشرق يكون أدنى ، أو أوسط و أقصى ، بالنسبة إلى الجزر البريطانية 000 ، أما بالنسبة لنا في مصر فنحن من صميم المنطقة 000 ، و قد تنقلت بعض البلاد بين تسميتين ، : فسوريا مثلاً كانت تعتبر إلى وقتٍ قريب من بلدان الشرق الأدنى، و لكنها عقب الأحداث الأخيرة اعتبرت من بلاد الشرق الأوسط. الأمر الذي يجعل الإنسان يتحير بين التسميتين ، و تختلط عليه الحدود الفاصلة بينهما ، حتى و لو كان من أهل الاختصاص 000 ، و العجيب أيضاً أن مصر تعتبر ـ رغم أنها دولة إفريقية ـ ضمن دول الشرق الأدنى أو الأوسط، و هي بذلك استثناء مما تعارف عليه الجغرافيون، ولكن ارتباطها بالإقليم ثقافياً و تاريخياً و دينياً و اقتصادياً منذ قديم العصور هو الذي أسبغ عليها هذه الصفة". "و الشرق الأوسط يتكون من إيران، و تركيا، و مصر، و سوريا، و فلسطين، و لبنان، و وادي دجلة و الفرات (أرض الجزيرة) و شبه الجزيرة العربية. أي بمعنى آخر البلاد و الدول الواقعة بين البحر الأسود و البحر الأبيض و البحر الأحمر و المحيط الهندي، مضافاً إليها مصر و إن لم تكن من البلاد الآسيوية 000" (16)
-2-التيار العربي المعارض لفكرة و مصطلح الشرق الأوسطفي الأربعينيات و الخمسيياتـ ساطع الحصري ـ :خلال هذه الفترة من سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي شهدت خلال عامي 1947 و 1948 بروز ظاهرة الترحيب و التعاطي بفكرة الشرق الأوسط من قبل بعض الأوساط الثقافية في القاهرة، إضافةً إلى بروز ظاهرة الأخذ بمصطلح الشرق الأوسط من قبل كتاب هذه المرحلة ممن تصدوا بمؤلفاتهم لواقع و مشكلات و آمال أقطار المشرق العربي في مرحلة ما بعد الحرب الثانية، بدأت تبرز للعيان وسط اللجنة الثقافية التابعة لجامعة الدول العربية الحديثة النشأة، و على صفحات الدوريات القاهرية، توجهات قومية مضادة لفكرة و مصطلح الشرق الأوسط، أو أية فكرة مماثلة تحشر أقطار المشرق العربي و المغرب العربي ضمن حظائر إقليمية لا تقوم على أساس من التاريخ أو من الجغرافية الطبيعية أو البشرية، و إنما على أسسٍ تتماشى مع مصالح و سياسات الدول الغربية في العالم العربي و بعض مناطق الجوار. و كانت هذه التوجهات القومية متمثلة حصراً بالمفكر القومي ساطع الحصري ، الذي بدأ منذ صيف عام 1948 بتوجيه مدفعيته الثقيلة ضد فكرة الشرق الأوسط. وكانت مُبادرة المنظمة الدولية للتربية و العلم و الثقافة (اليونسكو) التي تقدمت بها خلال ربيع عام 1948 من جامعة الدول العربية ، و التي تضمنت الترويج لفكرة إنشاء (مركز ثقافي خاص بالشرقين الأدنى و الأوسط) فرصة لإطلاق الحصري لمشروعه المضاد لفكرة الشرق الأوسط التي كان يجري ترويجها على قدمٍ و ساق من قبل الدوائر الأميركية و البريطانية ، و التي وجدت لها مروجين و أنصار داخل الأوساط الثقافية العربية في القاهرة و غيرها من العواصم. فخلال صيف عام 1948، و من خلال اللجنة الثقافية التابعة لجامعة الدول العربية التي كان يشغل فيها الحصري منصب (المستشار الفني) اعلن الحصري، خلال جلسة مناقشة مشروع اليونسكو الداعي لتأسيس مركز ثقافي إقليمي خاص بالشرقين الأدنى و الأوسط (17) ، عن معارضته لفكرة المشروع ، و الجهة الداعية إليه، لأن عدوى المصطلحات السياسية و التسميات التي تقسم العالم إلى حظائر إقليمية تتماشى مع سياسات و مصالح الدول الغربية ، قد انتقلت إلى المنظمة الدولية التي تُعنى بالتربية و العلم و الثقافة. و يذكر الحصري ] المدافع عن العروبة و العالم العربي و المعارض لفكرة الحظائر الإقليمية التي وزعت أقطار المشرق العربي بين شرق أدنى ، و آخر أوسط ، ثم جمعته مرة أخرى مع أقطار مجاورة ضمن شرق أوسط أوسع دائرةً من سابقيه [ بأن معارضته لمشروع اليونسكو الخاص بإنشاء مركز ثقافي إقليمي خاص بالشرقين الأدنى و الأوسط أثارت استغراب غالبية أعضاء اللجنة الثقافية ، رغم أنها معارضة علمية و قومية في آنٍ معاً (18). و مرد ذلك ، حسب الحصري ، كان يعود إلى واقعة تأثر زملائه في اللجنة المذكورة بالكتابات و الدراسات و الأبحاث التي كانت تصدر في أوروبا و أميركا عن الشرق الأوسط ، و هو تأثر جعلهم في غفلةٍ عن الحقيقة التي تقول بالبواعث السياسية التي كانت من وراء ترويج الدول الغربية لفكرة الشرق الأوسط. و حسب الحصري أيضاً فإن وجهة نظره عن البواعث السياسية المعادية للعالم العربي ، التي دفعت أوروبا و أميركا إلى شطب العالم العربي و إلحاقه ضمن حظيرة الشرقين الأدنى والأوسط ، لم تقنع هؤلاء بضرورة رفض مشروع اليونسكو ، و لكنها على كل حال حالت دون الموافقة عليه ، و هو أمر دفع وقتذاك بمدير عام اليونسكو ، جوليان هكسلي ، إلى وصف عدم اقرار اللجنة الثقافية العربية لمشروع المركز الثقافي الإقليمي الخاص بالشرقين الأدنى و الأوسط على أنه تردد نابع عن نزعة إقليمية ضيقة قائمة على أساس من الثقافة العربية وحدها0 و هذا الانطباع الذي سجله جوليان هكسلي في التقرير السنوي الذي قدمه إلى مؤتمر اليونسكو في نهاية عام 1948 دفع بدوره بالمفكر القومي العربي ساطع الحصري ، الذي كان من وراء إبطال مشروع اليونسكو ، إلى الرد على ما جاء في التقرير المذكور من خلال خطاب طويل وجهه إلى جوليان هكسلي في باريس ، و نشره بعد أيام في مجلة "الثقافة" القاهرية بتاريخ 10 و 17 كانون الثاني (يناير) 1949. و حسب خطاب المفكر القومي العربي إلى مدير عام اليونسكو فإن موقف المعارضة لمشروع إنشاء مركز ثقافي إقليمي خاص بالشرقين الأدنى و الأوسط لم يكن نابعاً عن إنعزاليةٍ ثقافيةٍ ، كما ورد في التقرير السنوي لمدير عام اليونسكو ، بقدر ما هو نابع عن فهمٍ صحيحٍ للمشاريع الغربية التي تربط الوطن العربي بالشرق وبالثقافة الشرقية ، و أيضاً بقدر ما هو نابع عن فهمٍ قوميٍ أصيلٍ يرفض فكرة الحظائر الثقافية الإقليمية الضيقة على حساب الثقافة القومية و الإنسانية الشاملة ، و يعبر بالتالي عن حقيقة فعلية و معاشة تؤكد بأن بلداً عربياً مثل سوريا هي أقرب من الوجهة الثقافية إلى تونس البعيدة جغرافياً منها إلى تركيا المجاورة، وبأن بلداً عربياً آخر مثل العراق هو أقرب من الوجهة الثقافية إلى مراكش البعيدة جغرافياً منه إلى إيران المجاورة (19).مع بداية الخمسينيات ، و إثرتعاظم تأثير مصطلح الشرق الأوسط على الحياة الثقافية العربية و بشكلٍ خاص على صعيد المكتبة العربية التي أصدرت طائفةً من الكتب و الأبحاث و المقالات و الخرائط التي تحمل اسم "الشرق الأوسط" ، بدأ الحصري في خوض معركة الدفاع عن فكرة العالم العربي من خلال الهجوم على فكرة الشرق الأوسط (20). و من خلال معركتَيْ الدفاع و الهجوم ، نشر الحصري على هذا الصعيد بحثين بعنوان "الشرق و الشرقيون" و "الشرق الأدنى و الشرق الأوسط" ، و أعاد نشرهما في وقتٍ لاحق من خلال كتابه (دفاع عن العروبة) الذي أصدره في بيروت عام 1955. ومن خلال هذين البحثين ، المضادين لفكرة الشرق الأوسط ، تجنب الداعية القومي ساطع الحصري الخوض في مواجهةٍ مع دعاة فكرة الشرق الأوسـط في الحياة الثقافية العربية ، التي أفرزت طابوراً من الدعاة الجهلة بحقيقة المصالح الاقتصادية و السياسية و العسكرية التي كانت من وراء تبني الغرب لفكرة الشرق الأوسط و تسويقه لهذه الفكرة في أقطار المشرق العربي ، بقصد محو فكرة العالم العربي من قاموس المفردات السياسية ، و من الذاكرة في آنٍ معاً. و اقتصر في بحثيه المذكورين على كشف حقيقة فكرة الشرق الأوسط التي نمت و ترعرعت في الدوائر الاستعمارية الغربية ، قبل تسويقها و نشرها على نطاقٍ واسعٍ ضمن الأوساط الأكاديمية و الفكرية في أوروبا و أميركا ، و في أقطار المشرق العربي فيما بعد.
-3-مظاهر التبني الرسمي و الأكاديمي العربي لمصطلح الشرق الأوسطخلال الستينيات والسبعينيات:شهد عقد الخمسينيات ، و العقود التي تلته ، بداية طغيان مصطلح الشرق الأوسط على صعيد الأوساط الفكرية و الثقافية و الأكاديمية العربية، و ذلك تمشياً منها مع المصطلح الدارج ، و استسلاماً أمامه و أمام مروجيه في الغرب ، رغم أن هذا الغرب ذاته كان الموطن الذي انطلقت منه بعض الأفكار العلمية المنكرة لفكرة الشرق الأوسط و لصحة استخدام مصطلح الشرق الأوسط 0 و من هذه الأفكار العلمية المنكرة لتعبير الشرق الأوسط ، و التي وصلت إلى المشرق العربي في حينها ، محاضرة مؤرخ العلوم الشهير ، البروفسور جورج سارتون ، التي ألقاها في مكتبة الكونغرس ، منذ بداية شهر آذار (مارس) 1950 ، بعنوان (حضانة الشرق الأوسط للثقافة الغربية) (21) ، و التي يفصح من خلالها ، مؤرخ العلوم ، بأن مصطلح الشرق الأوسط ، الذي أصبح يُسوق عالمياً على صعيد الدراسات الخاصة بالتاريخ الحضلري و الثقافي ، هو "تعبير مضلل" و منافٍ على هذا الصعيد للحقيقة الواقعية و العلمية، لأننا كبشر و بحكم مواقعنا الجغرافية و مواطننا المختلفة و المتباعدة "شعوباً شرقيةً بالمقارنة مع جيراننا الغربيين، و غربيون بالمقارنة مع الشعوب التي تعيش إلى شرقنا" (22). و منافٍ بدوره للحقيقة التاريخية ، ولتاريخ الثقافة و الحضارة ، الذي يدحض فكرة ثقافة الشرق الأوسط، أو حضارة الشرق الأوسط. لأن ثقافة العرب و حضارة العرب ، حضارة كونية و ثقافة كونية ، وصلت شرقاً إلى الهند و أواسط آسيا حتى الصين، و وصلت غرباً إلى مراكش و إسبانيا، أي وصلت ـ قبل اكتشاف كولومبس ـ إلى أقصى طرفي العالم ، بحيث امتدت من الشرق الأقصى إلى المغرب الأقصى" (23) 0 و مثل هذه الثقافة ، و هذه الحضارة ، لا يجوز للغرب، حسب سارتون، تعليبها ضمن إطار جغرافي ضيق يقول بهذا الشيء الغريب ، الذي أصبح يطغى على الدراسات الخاصة بالتاريخ الثقافي و الحضاري ، و الذي بات يسمى بثقافة الشرق الأوسط ، و "حضارة الشرق الأوسط"كذلك الأمر أيضاً فقد شهد عقد الخمسينيات ، و العقود التي تلته ، بداية طغيان مصطلح الشرق الأوسط على صعيد الأوساط الثقافية و الفكرية و الأكاديمية العربية، رغم استنكار الداعية و المفكر القومي ساطع الحصري ، الذي عمل منذ نهاية الأربعينيات ، و بداية الخمسينيات، على إظهار ضلال فكرة الشرق الأوسط ، التي عمل على دحضها من وجهتي النظر العلمية و القومية، داخل المؤسسة الثقافية لجامعة الدول العربية، و ضمن الأوساط و المنابر السياسية و الفكرية و الثقافية العربية، باعتبارها فكرة منافية و مضادة لفكرة العالم العربي. و كذلك الأمر فقد شهدت هذه الحقبة أيضاً، استمرار ظاهرة طغيان استخدام مصطلح الشرق الأوسط على الصعيد الفكري و الثقافي العربي، رغم التحولات السياسية القومية، و التحررية، التي شهدتها بعض الأقطار المشرقية العربية منذ بداية الخمسينات، و بشكل خاص إثر العدوان الثلاثي البريطاني، الفرنسي، الإسرائيلي، على مصر عام 1956 ، و بروز المد القومي للزعامة المصرية، ممثلةً بشخص الرئيس جمال عبد الناصر، و تحقيق الوحدة بين مصر و سوريا عام 1958. و يستطيع الباحث المدقق من خلال دراسة هذه المرحلة التي شكلت العصر الذهبي للقومية العربية أن يكتشف ببساطة بأن استبعاد مصطلح الشرق الأوسط المنافي و المضاد لفكرة العالم العربي و الوطن العربي ، اقتصر فقط على اللسان الرسمي و البيان الرسمي للأقطار و الأحزاب السياسية ذات التوجهات القومية و التحررية ، التي استخدمت تعابير مثل العالم العربي ، و الوطن العربي ، و المشرق العربي ، و المغرب العربي. كما التزم بهذه التعابير الصحافة الرسمية و الحزبية ذات الاتجاه القومي ، وعدد ضئيل من الكتاب و الباحثين الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة. أما بالنسبة إلى المؤلفات و الدراسات و الأبحاث التي كانت تتناول أحوال و شؤون المشرق العربي فقد سيطر على أقلام كتابها مصطلح الشرق الأوسط ، بما في ذلك الكتاب الذين تناولوا في مؤلفاتهم ، من وجهة النظر القومية و التحررية ، الأحوال و الأزمات التي كانت تعصف بالمشرق العربي قبل العدوان الثلاثي على مصر و بعده (24). كما سيطر بدوره المصطلح القديم (الشرق الأدنى) على ألسنة و أقلام أصحاب المؤلفات التاريخية التي أعدت للطلبة المصريين في المرحلتين الثانوية و الجامعية ، في وقتٍ كان فيه النظام السياسي في مصر الناصرية قد بلغ نقطة الأوج على صعيد خطابه القومي الذي ألهب المشاعر العربية من المحيط إلى الخليج ، و في ذلك دليل صارخ على مدى أثر المدارس التاريخية الغربية ، والثقافة الغربية ، و المفردات الغربية ، على الدراسات و الأبحاث الأكاديمية و غير الأكاديمية العربية ، ليس فقط على صعيد الدراسات و الأبحاث و المؤلفات التي تناولت التاريخ العربي الحديث و المعاصر الذي ظهر من خلاله مصطلح الشرق الأدنى و الشرق الأوسط (25) ، و إنما أيضاً على صعيد الدراسات و الأبحاث و المؤلفات التي تناولت الحملات و الحروب الصليبية في العصر الوسيط ، حيث جرى استبعاد تعبير المشرق العربي ، الذي كان مسرحاً للحملات و الحروب الصليبية في العصر الوسيط ، من هذه المؤلفات التاريخية العربية ، و الاعتماد عند الإشارة إلى هذه المنطقة و تاريخها على تعبير الشرق الأدنى أو الشرق الأوسط (26) 0 وبلغ استخدام المثقفين و الأكاديميين العرب لمصطلح الشرق الأوسط منذ الخمسينات و بداية الستينات إلى حدٍ أثار استغراب و دهشة العديد من الباحثين الغربيين المهتمين بدراسة العالم العربي و منهم على سبيل المثال المستشرق البريطاني المعروف برنار لويس الذي ـ رغم انه من المدافعين عن مصطلح الشرق الاوسط ـ أبدى ] من خلال المحاضرة الأولى من سلسلة محاضراته الست التي ألقاها عام 1963 بجامعة أنديانا بالولايات المتحدة و نشرها بعنوان "الغرب و الشرق الأوسط" [ دهشته و استغرابه الشديدين لما بدأ يشهده من استخدام مفرط لتعبير الشرق الأوسط من قبل ابناء الشرق الاوسط ، رغم أن هذا التعبير يجب أن يكون موضع استنكار شعوب الشرق الأوسط، لا ترحيبها (27). * * *مع نشوب حرب حزيران (يونيو) 1967، و إثر الهزيمة و صدور القرار الدولي رقم 242 لعام 1967 ، تغيرت الصورة و اختلف المشهد الذي شهدنا من خلاله التزام الخطاب الرسمي في مصر الناصرية ، و بعض الأنظمة و الحركات و الأحزاب الوطنية و القومية العربية ، بتعابير مثل الوطن العربي و العالم العربي و المشرق العربي 000 إلخ ، و حل محله مشهد آخر عاد من خلاله تعبير الشرق الأوسط من جديد ، و بنفس جديد ، ليفرض نفسه بقوة لم يُعهد مثلها من قبل على الخطاب الرسمي و الشعبي العربي ، الذي بدأ بدوره يجتر صيغا و تعابير رائجة على الصعيد الدولي مثل (أزمة الشرق الأوسط) و (مشكلة الشرق الأوسط) و (السلام في الشرق الأوسط) و (مشاريع تسوية النزاع في الشرق الأوسط) (28) 000 إلخ. و إثر حرب تشرين الأول (أوكتوبر) 1973 التي شكلت نتائجها على الصعيد العسكري تقدماً عربياً مذهلاً ، قياساً مع نتائج الحرب التي سبقتها، زادت وتيرة تعاطي القلم العربي و اللسان العربي بصيغة الشرق الأوسط ، و أصبح الخطاب الرسمي و الشعبي العربي الذي استسلم لتعبير الشرق الأوسط إثر حرب حزيران (يونيو) 67 ، على طريقة استسلام المهزوم أمام مفردات و أدوات المنتصر، أصبح يُطلق العنان لمفرداته الشرق أوسطية بحيث لم يعد دوره قاصراً ،على هذا الصعيد على إجادة العزف على نغمات و إيقاع تعبير الشرق الأوسط، و إنما أصبح يُفرد على هذا الصعيد و يستحدث ، إذا جاز التعبير، أدب شرق أوسطي جديد يقول بـ (السلام العادل في حل مشكلة الشرق الأوسط) و (مشكلة فلسطين هي أساس مشكلة الشرق الأوسط) ، و يتحدث عن مشكلة المياه في الشرق الأوسط ، و تحقيق السلم و العدالة في ربوع الشرق الأوسط ، و عن مستقبل الشرق الأوسط (29) 000 إلخ. و على صعيدٍ آخر بدأ تعبير الشرق الأوسط يغزو القطاعات الإنتاجية العربية ، و التجارة ، و الإعلام المقروء و المسموع و المتلفز، و قطاع الخدمات و السياحة ، بدءاً من الشركات الوطنية و الأهلية الكبيرة ، حتى الشركات الفردية الصغيرة. فعلى صعيد قطاع النقل الجوي والبحري و البري أصبحنا نسمع بشركاتٍ كبرى و صغرى تحمل اسم طيران الشرق الأوسط، ونقليات الشرق الأوسط، و عبر الشرق الأوسط، و الشرق الأوسط للملاحة و النقل 000 إلخ ، و على صعيد الإعلام المقروء و المسموع و المتلفز ، و وكالات الأنباء العربية ، أصبحنا نسمع بشركاتٍ و وكالاتٍ رسميةٍ و وطنيةٍ تحمل اسم الشـرق الأوسـط مثل : وكالـة أنباء الشرق الأوسط ، تلفزيون الشرق الأوسط000 إلخ ، و بوجود مكاتب إعلاميـة و دوريات و صحف عربيـة تحمل اسـم "الشــرق الأوسـط"(30).
كاتب فلسطيني مقيم بسورية


المراجع :
(1) يتفرد أديب اسحق عن كُتّاب عصره من حيث كونه يتعاطى مع مصطلح (الشرق) رغم معرفته للإشكالات المتعلقة بالمصطلح بحد ذاته، و هي إشكالات دفعت بالعالم اللغوي الفرنسي لاروس في قاموسه الكبير - مطلب الشرق - و بديدرو و زملاءه من واضعي الأنسكلوبيديا -مطلب الشرق- إلى الشكوى من هذه التسمية ، لأن الكتاب الذين بحثوا في الشرق ذهبوا في تعريفه و تحديد معناه و مداه مذاهب شتى و مختلفة إلى حدٍ بعيد. كما يتساءل أديب اسحق في بحثه عن مدى صحة هذه التسمية: فنحن شرق ليس من وجهة نظر البحث الفلكي و إنما من وجهة نظر سكان الغرب الأوروبي الذين أطلقوا اسم الشرق على البلاد الواقعة إلى الشرق منهم.(2) يمكن العودة إلى هذه المقالات و الأبحاث العربية التي تناولت عناوينها "الشرق" و "الشرق والغرب" خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر من خلال العودة إلى المجلد الأول من الملف الذي صدر في دمشق عام 1991 بمجلدين عن وزارة الثقافة السورية بعنوان (الشرق و الغرب).(3) فيليب طرزي (مراجع ما نشر بعد الحرب العظمى عن بلدان الانتداب في الشـرق الأدنى) بيروت، الجامعة الأميركية، 1933.(4) صدر هذا الكتاب لأول مرة في بغداد عام 1932 عن "رسالة الأهالي" ثم أعاد المؤلف طبعـه ثانيةً في بغداد عام 1935. و خلال العام 1991صدرت طبعته الثالثة في دمشق من خلال سلسلة (قضايا و حوارات النهضة العربية) التي تصدرها وزارة الثقافة السورية.نضيف الى ماتقدم بان مصطلح الشرقين الادنى والاوسط طغى ايضا على الأبحاث والدراسات التي اصدرها المفكر والمؤرخ العربي العلامة الامير شكيب ارسلان مع مطلع الثلاثينيات ، كما نجده جليا في الأبحاث والدراسات التي الحقها بالطبعة العربية من كتاب ل. ستودارد (حاضر العالم الاسلامي) – الجزء الرابع – مثل دراساته " في التطور الاجتماعي " و " في التطور الاقتصادي " و " القلق الاجتماعي والبلشفية " . - حسن عبد العال (بريطانيا وفكرة الشرق الاوسط) مجلة الفكر السياسي ، دمشق ، العـدد المـزدوج (11،12) خريف ـ شتاء 2001 ، صفحة 167
على سبيل المثال خلال فترة تعامل بريطانيا العظمى مع هذين المصطلحين : ( الشرق الأدنى) و( الشرق الأوسط ) والتي امتدت نحو ربع قرن ( من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ، إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ) كثيرا ما كان يتغير توصيفهما وتتغير معالمهما الجغرافية في المذكرات والوثائق الرسمية البريطانية تبعا للتوجهات الجيوبولتيكية وللضرورات الحربية والجيوستراتيجية ، التي يعود لها أساسا الفضل الأول والأخير في تبني هذين المصطلحين منذ عقود دخلت . وعليه ، وتبعا لهذه التوجهات والضرورات كان الشرق الأدنى يتوسع أو يتقلص ، ويتحول بقدرة قادر إلى شرق أوسط ، كما كانت الأقاليم والدول التي تنتمي إلى حظيرة الشرق الأوسط تزداد أو تتقلص وتنكمش تبعا لهذه التوجهات والضرورات ، التي غالبا ما كانت تخلط هذه الحظائر التي ابتكرتها بعضها بالبعض الآخر . ومن الإشارات اللافتة للنظر على هذا الصعيد ما سبق ودونه رئيس الوزارة البريطانية السير ونستون تشرشل في مذكرة رسمية يعود تاريخها إلى يوم (6) آب (أغسطس) 1942 . فمن خلال هذه المذكرة ، التي تستجيب للضرورات الحربية والجيوستراتيجية البريطانية في الشرقين الأدنى والأوسط ، طالب تشرشل بإعادة رسم جديد لهذه المنطقة تصبح بموجبها الدول المشمولة بمصطلح الشرق الأدنى من دول الشرق الأوسط ، وبالتالي الدول المشمولة بمصطلح الشرق الأوسط من دول الشرق الأدنى ، وبموجب هذا التعديل الطارئ لخارطة الشرقين الأدنى والأوسط أوصى تشرشل – بعد التشاور مع رئيس هيئة أركان الحرب الأمبراطورية – بإعادة تشكيل قيادة الجيوش البريطانية في هذه المنطقة إلى قيادتين وفق الترتيب التالي :1- قيادة عسكرية للشرق الأدنى تضم مصر وفلسطين وسوريا تكون القاهرة مركزها .2- قيادة عسكرية للشرق الأوسط تضم إيران والعراق ويكون مركزها بغداد أو البصرة .وكان تشرشل قد كتب إلى ستالين رسالة قبل تدوين هذه المذكرة بأيام ( من تشرشل إلى ستالين : رسالة بتاريخ 1/6/1942 ) عبر فيها عن أحقية تصوره الجديد الذي يخطئ الاتجاه الذي يقول بأن مصر والمشرق وسوريا وتركيا هي من بلاد الشرق الأوسط ، لأنها في حقيقة الأمر تشكل الشرق الأدنى . كما يخطئ الاتجاه الذي يقول بأن إيران والعراق يشكلان الشرق الأدنى " لأنهما في حقيقة الأمر يشكلان الشرق الأوسط ، لا الأدنى ". ـ ونستون تشرشل ( تشرشل يتحدث عن الشرق ) بيروت ، مكتبة بيروت 1951 صفحة 18 و 19ـ حسن عبدالعال ( جغرافيا الخطوط السهلة الإزاحة ) ـ بمناسبة مرور مئة عام على ولادة مصطلح الشرق الأوسط ـ صحيفة المستقبل ( الملحق الثقافي الأسبوعي ـ نوافذ ) بتاريخ 16 حزيران 2002 .(5) من خلال هذا المركز و بواسطته سيطرت بريطانيا على العرب سيطرة اقتصادية خلال سنوات الحرب الثانية ، و كان لهذا الأسلوب وقع سيئ على الأقطار العربية التي بدأت تتحسب من الأفكار والمشاريع الغربية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط. و كانت آثار نشاط مركز تموين الشرق الأوسط على الأقطار العربية واحدةً من الأسباب التي دفعت بمصر و غيرها من أقطار المشرق العربي إلى رفض فكرة مشروع منظمـة الدفـاع عن الشرق الأوسـط الذي اقترحته الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا و تركيا عام 1951 على أن تكون القاهرة مركز قيادته. و هو الأمر الذي دفع بأصحاب المشروع إلى اختيار جزيرة قبرص عام 1952 كمركز لقيادة المنظمة المذكورة بعد الرفض القاطع الذي أبدته مصر.(6) ظهر كتاب (حرب البترول في الشرق الأوسط) عام 1947 عن مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة و لاقى رواجاً دفع بمؤلفه لإصدار طبعة ثانية منه عام 1949 و ثالثة عام 1951 و رابعة عام 1953. و يعتبر هذا الكتاب من حيث عنوانه، و ليس مضمونه، من الكتب التي روجت لمصطلح الشرق الأوسط في مصر و بقية الأقطار العربية المشرقية. كما يُعتبر بدوره الكتاب الذي فتح الباب بعد تاريخ صدوره الأول لسلسلة من المؤلفات العربية التي صدرت في القاهرة و التزمت عناوينها بمصطلح الشرق الأوسط. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن المؤلف الدكتور راشد البراوي لم يُشر لا من قريب و لا من بعيد من خلال المقدمات التي وضعها للطبعات ذات التواريخ المختلفة من كتابه ، ولا من خلال فصول كتابه ، عن الأسباب التي دفعته لتبني مصطلح الشرق الأوسط و اختياره عنواناً لكتابه رغم أن الضرورة كانت تدفع بذلك.(7) جمعية شؤون الشرق الأوسط (مشكلات الشرق الأوسط) القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1948، المقدمة صفحة 3 . مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هذا المؤلف الجماعي الذي تضمن عدة أبحاث عن مشكلات بعض الأقطار المشرقية العربية احتوى بدوره على بحث عن باكستان رغم أن باكستان ليست من بلدان الشرق الأوسط كما ورد في مقدمة الدكتور البراوي للكتاب المذكور. و مثل هذا التساهل لم يحظ به بلد كالسودان كان يصنف في جمعية شؤون الشرق الأوسط كبلد خارج عن إقليم الشرق الأوسط. ففي العام 1951 أصدرت الجمعية المذكورة مجموعة أبحاث عن بعض بلدان الشرق الأوسط و السودان ضمن كتاب جماعي اختارت له عنوان (دراسات في السودان و اقتصاديات الشرق الأوسط).(8) أنجز هذا الكتاب خلال عام 1947 و ظهر في القاهرة بداية عام 1948 عن مكتبة النهضة المصرية.(9) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1948، المقدمة ـ المقدمة غير مرقمة ـ .(10) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، المقدمة(11) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، المقدمة(12) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، المقدمة(13) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، المقدمة(14) البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط)، المقدمة(15) من هذه الموجة مجموعة من المؤلفات العربية التي تصدت بالدراسة لقضية فلسطين و الصراع العربي الإسرائيلي خلال عقد الخمسينات و الستينات، مثال على ذلك:ـ د. أحمد سويلم العمري (الشرق الأوسط و مشكلة فلسطين) القاهرة، دار الهلال، 1954.ـ علي محمد علي (إسرائيل و الشرق الأوسط) القاهرة، الدار القومية للطباعة و النشر، 1964.(16) يوزباشي صلاح محمد نصر، يوزباشي كمال الدين الحناوي (الشرق الأوسط في مهب الرياح) القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1949 الصفحات 1-4.(17) كان مشروع اليونسكو ينص بالتحديد على إقامة المركز الثقافي المذكور من مجموعة الدول الممثلة بجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى كل من تركيا و إيران و أفغانستان، أي كان يقوم على أساس من الفكرة البريطانية التي كانت تقسم المنطقة إلى إقليمين "أدنى" و "أوسط" رغم أن هذه الفكرة كان يُنظر إليها في لندن منذ عام 1946 على أنها فكرة قديمة استوجبتها ظروف ما بعد الحرب العالمية الأولى و سنوات الحرب الثانية التي أملت على بريطانيا ضرورة تقسيم المنطقة عسكرياً إلى شرقين أدنى و أوسط يكون للشرق الأدنى فيه قيادة عسكرية عليا و للأوسط قيادة عسكرية مماثلة . وفي العام 1948 الذي ظهر فيه مشروع اليونسكو لإقامة (مركز ثقافي إقليمي خاص بالشرقين الأدنى والأوسط) كانت لندن تتعاطى مع هذه المنطقة على أنها إقليم واحد، البعض كان يسميه الشرق الأدنى و البعض الآخر كان يطلق عليه تسمية الشرق الأوسط. و كذلك كان الأمر في أميركا.(18) تمثلت معارضة الحصري في ذلك الوقت لمشروع اليونسكو من الناحية العلمية من زاوية التفريق بين المناطق الثقافية التي ينسجم سكانها في مجالات اللغة و الثقافة و التقاليد و المصالح والآمال المشتركة، و المناطق الثقافية الخاضعة لتقسيمات جغرافية - طبيعية كانت أم سياسية - والتي لا يرتبط سكانها بالروابط التي تميز المناطق الثقافية كالعالم العربي مثلاً.أما معارضته من الناحية القومية فكانت من زاوية الحرص على الثقافة العربية التي أصيبت بالتبلبل من جراء سيطرة الثقافات الأجنبية، أو ثقافة المستعمر على الأقطار العربية، لأن الثقافة العربية أحوج إلى لم الشمل و اكتساب شخصيتها القومية و العصرية، لا إلى عودة اتصالها بالثقافات التركية والفارسية و إنما بزيادة اتصالها بالثقافة الأممية و الإنسانية ، و ليس بالشرقية.(19) ساطع الحصري (أبحاث مختارة في القومية العربية) القاهرة، دار المعارف، 1964، صفحة 168، بحث (الشرق الأدنى و الشرق الأوسط).(20) يقول الحصري في بحثٍ نشره عام 1961 [10/2/1961] بعنوان (حول القومية العربية) بأن فكرة الشرق الأوسط تعمل على أساس من ترك قسمٍ هامٍ من البلاد العربية خارج نطاقها، و بذات الوقت تعمل على ربط القسم الآخر من البلاد العربية ببلادٍ أخرى غير عربية. أما فكرة العالم العربي التي يجب أن تكون الفكرة السائدة في عموم الأقطار العربية فهي تقوم على النقيض من هذه التقسيمات الاستعمارية، على ربط المشرق العربي بمغربه ضمن عالمٍ واحدٍ هو العالم العربي. انظر:- ساطع الحصري (ابحاث مختارة في القومية العربية) – مصدر سبق ذكره – صفحة 483(21) ظهرت ترجمة عربية لهذه المحاضرة في كتابٍ مستقلٍ صدر في بيروت عام 1952 بعنوان (الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط) – 80 صفحة من القطع المتوسط، ترجمة المؤرخ عمر فروخ – ثم ظهرت المحاضرة ذاتها و الترجمة ذاتها بعنوان (حضانة الشرق الأوسط للثقافة الغربية) في الكتاب الأميركي الجماعي الذي أعده البروفسور مجيد خدوري [من جامعة جونز هوبكنز] و الذي نشر بعنوان (الشرق الأوسط في مؤلفات الأميركيين) و صدر في القاهرة عن مكتبة الأنجلو المصرية عام 1953.(22) جورج سارتون (حضانة الشرق الأوسط للثقافة الغربية) انظره في:- (الشرق الأوسط في مؤلفات الأميركيين) مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1953 صفحة 45.و يضيف البروفسور سارتون وفق هذه المعايير التي تحدد الشعوب والأمم ، الشعوب و الأمم الأخرى ، واقعها كغربية أو شرقية انطلاقاً من مركزها الجغرافي بأن أواسط آسيا و شرق المتوسط هي بدورها بلاد غربية بالمقارنة مع الشرق الأقصى . و في الماضي كانت كتب الصينيين التي تتحدث عن أواسط آسيا و شرق المتوسط تحمل عناوين مثل: هي – يو – ت أو – تشي، أي ( أخبار البلاد الغربية) -نضيف إلى البروفسور سارتون بأن الإغريق القدامى ، منذ زمن هوميروس [ق8 ق.م] و قبله ، كانوا يطلقون على السواحل التي اكتشفوها في شبه جزيرة إيطاليا تسمية (البلاد الغربية) ، و كما لاحظنا من قبل ] أنظر الهامش رقم (1) [ فإن أديب اسحق كان يقول منذ القرن الماضي بأننا نحن شرق ليس من وجهة نظر البحث الفلكي و إنما من وجهة نظر سكان الغرب الأوروبي الذين أطلقوا اسم الشرق على البلاد الواقعة إلى الشرق منهم.(23) جورج سارتون، نفس المصدر السابق، نفس الصفحة.(24) سبق و ذكرنا عينة من هذه المؤلفات – ] انظر الهامش رقم (15) [ .(25) شاهدنا على هذا الصعيد الخاص بالمؤلفات التي تناولت التاريخ الحديث و المعاصر كتاب المؤلفان محمد قاسم و أحمد نجيب هاشم الذي حمل عنوان (التاريخ الحديث و المعاصر). فمن خلال هذا الكتاب الذي اعتمدته وزارة التربية و التعليم في مصر و قررت تدريسه في مدارسها الثانوية في الستينات اعتمد المؤلفان في كتابهما على مصطلح الشرق الأدنى في إشارةٍ إلى المشرق العربي الخاضع للحكم العثماني و هذا الاستخدام لمصطلح الشرق الأدنى لم يرد في بعض فصول هذا الكتاب الرسمي و إنما ورد أيضاً في العناوين، مثال: الفصل الثالث من الباب الثامن الذي حمل عنوان "يقظة الشعوب في الشرقين الأدنى و الأقصى" صفحة 407، انظر:- محمد قاسم ، أحمد نجيب هاشم ( التاريخ الحديث و المعاصر ) دار المعارف بمصر، القاهرة ، 1965.(26) مثال على ذلك كتاب (الشرق الأوسط و الحروب الصليبية) للدكتور السيد الباز العريني أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة القاهرة –إصدار دار النهضة العربية، القاهرة 1963- فمن خلال هذا المقرر المقدم للطلبة في جامعة القاهرة –قسم التاريخ- يلجأ المؤلف إلى مصطلح الشرق الأوسط في إشارةٍ منه إلى المشرق العربي ليس من خلال فصول الكتاب و إنما من خلال عنوان الكتاب رغم أن هذا الحقل من الدراسات التاريخية يتطلب بالضرورة الإشارة إلى هذه المنطقة من العالم باسم (المشرق العربي).مثال آخر كتاب (لويس التاسع في الشرق الأوسط) للدكتور جوزيف نسيم يوسف أستاذ تاريخ العصور الوسطى في جامعة الإسكندرية – إصدار مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1959 ـ و هو من الكتب التي أرخت للحركة الصليبية من خلال تغطية نشاط الملك الفرنسي لويس التاسع في هذه الحركة و فيه استبدل المؤلف المشرق العربي بـ "الشرق الأوسط".- إضافةً إلى الدكاترة العريني و يوسف فإن غالبية أساتذة العصور الوسطى في جامعتي القاهرة والإسكندرية يلجأون منذ الستينات بدورهم و في أغلب الأحيان إلى مصطلح الشرق الأدنى في إشارةٍ منهم في مؤلفاتهم الجامعية إلى المشرق العربي. و هي إشارة لا ترد فقط في النص و إنما في العناوين الفرعية و عناوين بعض الفصول، مثال:- د. سعيد عبد الفتاح عاشور (تاريخ العلاقات بين الشرق و الغرب في العصور الوسطى) القاهرة، دار النهضة العربية، 1972. الفصل الرابع "الشرق الأدنى في أواخر القرن الحادي عشر" و قس على ذلك.(27) برنار لويس (الغرب و الشرق الأوسط) – بيروت 1965 ، ترجمة د. نبيل صبحي ( لا ذكر للناشر ) صفحة 3(28) على سبيل المثال على صعيد الأبحاث و الدراسات أصبح قراء مجلة (السياسة الدولية) التي تصدر عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة يألفون منذ نهاية الستينات في هذه الدورية العربية المرموقة عناوين دراساتٍ و أبحاثٍ مثل:- بطرس بطرس غالي "القضايا العشر في تسوية أزمة الشرق الأوسط"، السياسة الدولية، القاهرة، العدد 24، نيسان (أبريل) 1971.(29) يلفت نظرنا على صعيد هذه المرحلة الأستاذ محمود رياض الذي شغل منذ عام 1958-1964 منصب مستشار الرئيس عبد الناصر للشؤون السياسية ثم أصبح منذ عام 1964 وزيراً للخارجية في عهد عبد الناصر فمن خلال مذكراته السياسية ، التي نشرها عام 1981 –صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر- اختار الأستاذ رياض لمذكراته التي غطت السنوات 1948-1978 عنوان (البحث عن السلام و الصراع في الشرق الأوسط) ، أي حلت عبارة "الصراع في الشرق الأوسط" محل العبارة التي كانت تستخدم رسمياً في مصر الناصرية "الصراع العربي الإسرائيلي".(30) لم يقتصر طغيان مصطلح الشرق الأوسط على الحياة الرسمية و الشعبية العربية بل امتد حتى شمل بدوره الحياة الروحية و لعل ما بات يعرف بـ (مجلس كنائس الشرق الأوسط) خير دليلٍ على تغلغل هذا المصطلح على صعيد التنظيمات الكنسية في المشرق العربي.

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا
موبايل:00963944094429