الجمعة، 7 أغسطس 2009

الصين في عهدة الجيل الرابع:حسن عبد العال

على طريق المتابعة والاستمرار:

( الصين في عهدة "الجيل الرابع " )

• حسن عبدالعال

7-8-2009م

اختتمت أعمال المؤتمر 16 للحزب الشيوعي الصيني منذ ايام ] 16/11/2002 [ ، وكما كان متوقعا فقد تمت التهيئة لانتقال السلطة في الحزب والدولة والبرلمان بطريقة طوعية وجنتلمانية من عهدة الجيل الثالث الذي يمثله "جيانغ زيمين" إلى عهدة الجيل الرابع ممثلا بالزعيم الجديد " هوجينتاو " .أما على صعيد القضية الاستراتجية العظمى الخاصة برسم السياسات المستقبلية ، وكما كان الأمر متوقعاً ، فقد اعتمد المؤتمر التوجهات الاستراتيجية القائلة بضرورة متابعة الطريق الذي اعتمدته القيادة الصينية من الجيل الثاني ممثلةً بشخص الزعيم " دنج هسياو بينج " وتابعته على ذات الوتيرة لاحقتها من الجيل الثالث ممثلةً بشخص الزعيم المستقيل جيانغ زيمين0وعلى هذا الصعيد لابل من تقرير الحقيقة الواقعية التي تقول بأن الصين السائرة على طريق النمو بوتاتر ومعدلات غير مسبوقة من قبل لاتحتاج إلى ابتداع استراتيجيات جديدة ورسم سياسات بديلة ، وانما إلى متابعة ماسبق وأقر من سياسات مستمدة من استراتيجية الانفتاح التجاري على العالم ومتابعة السير على طريق النمو الاقتصادي ذي الخصائص الصينية الذي مازال يحقق للصين النسبة الأعلى للنمو في العالم 0 وعليه يمكن القول استناداً إلى المعطيات والمعلومات التي باتت متوفرة عن خصائص حقبة مابعد " ماو " بأن الصين لاتعاني من مشاكل وصعوبات تتعلق باختيار الطريق ، و إنما من التحديات التي يمكن لها أن تعترض الاستمرار والمتابعة ] وهي بالمناسبة ذات خصائص موضوعية ولاعلاقة للإرادة البشرية بها [ أو التي يمكن أن تنشأ عن متابعة التقدم والسير على طريق التنمية الحثيثة والمحافظة على نسبة النموالحالية كحد أدنى بهدف رفع مستوى المعيشة لسكان الصين الذين يشكلون خُمس سكان المعمورة 0 وعلى هذا الصعيد لابد من التذكير بأن التوقعات التي لم تتفق بعد على تحديد العقد الذي ستصبح فيه الصين في موقع العملاق الاقتصادي الأول في العالم تكاد تجمع بان الصين كمشروع لعملاق اقتصادي أعظم في عالم العقد الثاني ، أوالثالث على أبعد تقدير، لن تصل إلى المستوى المعيشي اللائق لسكانها إسوة بالبلدان الصناعية المتقدمة قبل العام 2050 .
لاشك بأن اسئلة كثيرة بدأت تثار قبل المؤتمر وبعده عن صفات القيادة الصينية الجديدة ، وعن الملامح المستقبلية للصين في السنوات العشر أو الخمسة عشر القادمة ، ومدى قدرة القيادة الجديدة من رموز الجيل الرابع على مواجهة التحديات المتمثلة بالمشاكل التي بدأت مظاهرها تستفحل في الصين منذ أكثر من عشر سنوات ، إضافة إلى الصعوبات التي مازالت تعترض متابعة الطريق0على عكس الاتجاه الغالب في الأعلام الغربي ـ الأميركي بخاصة ـ الذي يُركز اهتمامه على أشخاص القيادة الصينية الجديدة والصفات المختلفة لهذا المسؤول أو ذاك ( على طريقة أن فلان أكثر ميلا للغرب من غيره لأنه يفضل ارتشاف القهورة مع الكرواسان ، وفلان أكثر محافظة من فلان لأنه مازال يفضل الطعام الصيني 00الخ ) سنركز اهتمامنا في هذا المقال الخاص بهذه المناسبة على تحديد الملامح المستقبلية للصين في ظل زعامة الجيل الرابع ، وعلى ابراز التحديات التي ستعترض القيادة الصينية الجديدة في مسيرتها الصعبة خلال السنوات العشر ، أو الخمسة عشر المقبلة 0 لأنها بتقديري باتت معنية بمهمة مزودوجة تتوزع على جبهة تذليل المخاطر والصعوبات الموروثة عن عهد جيانغ زيمين من جهة ، وعلى جبهة المتابعة والاستمرار على الطريق الاستراتيجي الذي اوصل الصين إلى منتصف الطريق المنشودة ، ومازال ينتظر الكثير من الجهدوالمثابرة وبعد النظر لتحقيق النصف الآخر0عن الملامح المستقبلية للصين في ظل زعامة الجيل الرابع لابد من القول بأن السنوات العشر أو الخمسة عشر المقبلة ، شتشهد مزيداً من التحولات الرأسمالية في الصين ، وفي الحياة الصينية عامة ، وستشهد مزيداً من الانفتاح السياسي للحزب الشيوعي الحاكم عل الطبقة الوسطى الجديدة التي ولدت من داخل رحم التحولات الرأسمالية التي قادها الحزب المذكور على امتداد الربع الأخير من القرن المنصرم ، بطريقة سيصبح فيه حزبا ممثلا لكافة الطبقات والفئات الاجتماعية على حساب توصيفه العقائدي والكلاسيكي القديم الموروث عن عهد "ماو" ، والذي أصبح غريباً ومنافيا للحكمة والعقل حسب تقدير مهندسي التحولات الجديدة في الحياة الصينية من رموز الجيل الثالث والرابع . وعلى ذات الوتيرة لابد من القول ايضا على عكس ما توجبه هذه التوجهات من الناحية الشكلية التي تعتمدها عادة التقارير الصحفية الصادرة عن الوكالات ووسائل الاعلام العالمية ، فان الصين ليست مقبلة على الزمن الموعود الذي ستخلع فيه رداء الاشتراكية وتستبدله بثوب الرأسمالية ، وانما هي مقبلة على حقبة جديدة على طريق الوفاء بمتطلبات ومستلزمات الخيار الصيني الذي كرس منذ عهد " دنج " ودشن باستراتيجية " الباب المفتوح " وسياسة الانفتاح التجاري على العالم ، وهو خيار براغماتي قائم على أساس من الدراسة والبحث في الوسائل التي يمكن لها أن توفر للصين سبل السير في طريق النهضة والنمو بعيداً عن التصنيفات السطحية التي تقوم عادة على توصيف البدائل والخيارات المتبعة عند الدول المختلفة على أنها رأسمالية ، أو اشتراكية، بمعزل عن الهدف أو الإرادة الواعية التي تقف من وراء اختيار هذه الوسيلة أو تلك . وعلى هذا الصعيد الخاص بتوصيف التحولات الرأسمالية في التجربة الصينية لابد من القول بأن النظام الصيني الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر لليعان منذ عهد " دنج " في نهاية السبعينات ، بدأ يتخذ سمات السياسة الاقتصادية الجديدة التي تم اعتمادها كطريق استراتيجي كفيل بايصال الصين الى المستوى الذي بلغته البلدان الصناعية المتطورة ، وبتحقيق معدلات عالية ومستمرة للنمو ، ورفع مستويات المعيشة للسكان ، وهي سمات اكسبت النظام الصيني الجديد صفة " النظام الهجين " الذي يجمع بين عناصر اشتراكية ورأسمالية ، ويؤلف بينهما بطريقة متناغمة مدروسة وواعية لاتبدو من خلالها التحولات الرأسمالية كخيار رأسمالي على الطريقة الروسية التي اتبعتها موسكو في التسعينات ، ، بقدر ماتبدو فيه كخيار اشتراكي يقوم على توظيف النموذج الرأسمالي في اقتصاد السوق وفق آلية نظام دولة تعتمد الاشتراكية ، لا الرأسمالية 0 وبحسب تعبير قادة الصين الجدد ، "وفق طريقة تكون فيها القاطرة اشتراكية والعربة رأسمالية " فالأصل ليس للقطاع الخاص الذي مازال ينظر اليه كمعامل مساعد ومكمل في مفهوم هذا الشكل الفريد للدولة الصينية التي مازالت بعيدة جداً عن نموذج الدولة التي تعتمد الحرية الفردية ، أو نموذج السوق الحرة التي يجري أحيانا الخلط بينها وبين اقتصاد السوق . فاقتصاد السوق ليس قاصرا على البلدان الرأسمالية ولايعني اتباعه إنشاء سوق حرة ـ حسب مهندسي السياسة الاقتصادية الجديدة في الحزب الشيوعي الصيني ـ لأن هنالك أسواقاً في ظل الاشتراكية أيضا0كان هذا على صعيد توصيف النظام الصيني والتوقعات التي تدل وتؤكد على عدم وجود تغيرات جوهرية عليه خلال السنوات العشر ، أو الخمسة عشر القادمة . ولكن ماذا عن مستقبل الصيبن كقوة صاعدة ومرشحة لكي تكون القوة الاقتصادية الأعظم في العالم حسب الاتجاه الطاغي للتوقعات التي تعتمد النظريات السائدة في مناهج التنبؤ العلمي0على هذا الصعيد الأخير لابد من التذكير بداية بأن الصين لاتعنى بمثل هذه التوقعات التي لم تصدر عنها ، أو يوحيٍ منها، بقدر ما تُعنى بمتابعة التقدم المنشود والحصول على مكاسب وانجازات حقيقية على الأرض وفق فلسفة تدعو الى المثابرة والصبر والأناة وتنبذ السرعة وأساليب حرق المراحل ، بدعوى أن الصين ليست في صراع من الزمن ، ولاتضع نفسها في موقع تنافسي تسعى من خلاله الى الحصول على منزلة الاقتصاد الأعظم في العالم ، بقدر ماتضع نفسها في موقع التحدي مع الذات والاستفادة من الطاقات والامكانات البشرية والموارد والثروات الطبيعية المتنوعة التي تزخر بها الصين ، ( على المستويين البشري والطبيعي ) ، في معركة التحديث والتنمية ورفع مستوى المعيشة واحتلال مركز لائق للصين في أسرة الدول المتقدمة صناعيا. وبحسب المعطيات المتوفرة عن مراحل مسيرة الاصلاح الصينية في العقدين الماضيين ، فان المرحلة القادمة التي ستبدأ مع بداية الربع الثاني من العام القادم 2003 ستحافظ على معدلات النمو المرتفعة التي سجلت في الأعوام الماضية ـ وتناقصت حتى حدود 7-8 في المئة بفعل الخلل الذي أصاب الاقتصاد العالمي وحركة التجارة العالمية بعد أحداث 11 أيلول ـ كما ستحافظ على وتيرة التقدم التي سجلت خلال عهد زيمين وستدفع بالصين نحو الوفاء باستحقاقات جديدة متوقعة على المستوى الاقتصادي وعلى صعيد رفع مستوى المعيشة للشعب الصيني ، ولكن ضمن ظروف اصعب من الظروف التي لازمت مسيرة الاصلاح خلال العقدين المنصرمين ، لأن من سوء طالع الجيل الرابع ان مرحلته المطالبة بالوفاء بالاستحقاقات المقبلة ستكون بدورها متلازمة مع مرحلة البحث عن حلول عملية للمشاكل والأزمات الموروثة ، وبشكل خاص تلك الحزمة من المشاكل التي باتت معالجتها مستحقة ولا تتحمل مزيداً من التأجيل ، مثل مشكلة المشروعات الخاسرة المملوكة للدولة التي تعاني من نقص الكفاءة وضعف المردود وترزح تحت أعباء الديون الباهظة التي تستنفذ خزينة الدولة . ومشكلة الفروقات في الدخل بين سكان المدينة والريف من جهة ، وبين سكان المدن التي أصبحت مسرحاً ووطناً لتجرية الانفتاح التجاري ( مثل شنغهاي و جواندونج ) وسكان المدن الفقيرة في مناطق جنوب الصين ووسطها من جهة أخرى 0 ومشكلة البطالة الناجمة عن إعادة تحديث المشاريع الخاسرة التي ما زالت تهدد بطرد الملايين من العمال سنوياً ، ومشكلة السيولة في القطاع المصرفي الناجمة عن سياسة إقراض البنوك المملوكة للدولة للشركات المفلسة وغير القادرة على السداد 0 وهي سياسة أدت خلال العقدين الماضيين إلى هدر ثلاثة أرباع مدخرات الشعب الصيني على أقل تقدير.
ـ انتهى ـ

المستقبل 30\11\2003

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429