الأحد، 31 مايو 2009

التحامل محل الحقيقه في تحديد صورة الآخر:حسن عبد العال









التحامل محل الحقيقة في تحديد صورة الآخر


حسن عبد العال


31-5-2009م


على طريقة اختيار المواضيع المنشورة التي تصلح لكي تكون تحت عنوان محدد، تم صدور هذا الكتاب لمؤلفه المرحوم ادوارد سعيد (توفي في أيلول 2003) الذي ما زال يحتل منزلة رفيعة في عالم الفكر المعاصر، والكتاب كما سبق القول هو حصيلة تجميع حزمة من المقالات والتعقيبات التي نشرها البروفسور ادوارد سعيد خلال الفترة الفاصلة بين صدور كتاب "الاستشراق" مروراً بفترة ما بعد أحداث 11 أيلول 2001 وحتى عام وفاته، والتي تندرج موضوعاتها حصراً تحت عناوين مثل صورة الاسلام في الغرب، او النظرة الغربية للاسلام... الخ. وبحسب صاحب الاستشراق فان متابعاته لتاريخ النظرة الغربية للاسلام منذ العصر الوسيط، ولاحقاً عصر النهضة، وحتى بداية الالفية الجديدة ظهر له وعلى نحو واضح ولا لبس فيه، على امتداد هذه الفترة الزمنية المديدة، بأن من الاستحالة العثور على حقبة من التاريخ الأوروبي (والأميركي) نوقش فيها الاسلام بشكل عام خارج اطار الانفعال والتحامل، او خارج اطار التعاطي وفق المصالح والأهداف السياسية الغربية. وبحسب سعيد فان تحرر أوروبا من مخلفات الخرافة والجهل. مع تقدم العلم والفكر الغربي منذ عصر الأنوار وحتى زماننا المعاصر لم يخلق على صعيد دراسة الاسلام رعيل من العلماء والمثقفين الغربيين الذين يتسمون بالنظرة الموضوعية التي يفترضها العلم الذي يجاهرون به، بحيث بقيت نظرة علماء ومثقفي عصر ما بعد الأنوار (أمثال سيلفستر دي ساسي، وادوارد لين، وأرنست رينان، ولويس ماسينيون... الخ) محكومة بذات النظرة السابقة التي نجدها عند الشارحين الأُول للاسلام أمثال بيتر المبجل وبارتيلمي دي هيربيلوت، أي اتسمت بالجدل المسيحي الانفعالي العنيف، اما في زماننا هذا الذي اصبح فيه العالم الاسلامي، أكثر من أي وقت مضى، مادة للاشباع الغربي الثقافي والاقتصادي، والذي قل نظيره في التاريخ، فقد غدا العالم الاسلامي، وبخاصة في ظل الهيمنة الأميركية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، مجرد عالم يحتمل وجهين لا ثالث لهما. فهو اما عالم موردين للنفط، أو عالم ارهابيين محتملين. او حسب المخيلة المريضة لوسائل الاعلام الأميركي مجرد مجموعات من الرعاع الذين يلوحون بسيوفهم ويمتلكون النفوذ، وانما يلقى رواجاً في أوساط باحثين وخبراء متخصصين بالاسلام والشرق الأوسط، من أمثال صموئيل هانتينغتون، وبرنار لويس. او من هم من صنف جوديث ميلر وأمثالها ممن يرجون لظاهرة ما يسمى ب "الشيطان الاسلامي" الذي حل، كخطر خارجي، محل الشيطان السوفييتي السابق. فحسب البروفسور ادوارد سعيد الذي راقب عن كثب هذه الظاهرة التي تقوم على أساس من التلفيق على الاسلام وتشويه صورته، فان مثل هذه الظاهرة في التسويق الاعلامي للاسلام في عالم الغرب على صعيد خبراء الاسلام باتت مجرد وسيلة تكفل لاصحابها خدمة انفسهم من ناحية ضمان الاستشارات التي تدر عليهم المال السخي، اضافة للنجومية المتأتية عن ظهورهم الدوري المتكرر على شاشات التلفزة، وتأمين العقود والاتفاقات المتعلقة بمؤلفاتهم التي يصورن من خلالها التهديد الاسلامي بطريقة مرعبة اقل ما يمكن القول عنها انها نتاج طريقة مخالفة للمنطق والواقع الى حد بعيد. وهذا الاستنتاج المروع في تصوير الاسلام بات يجد له مرتعاً خصباً في ظل الهجمة الأميركية الاسرائيلية المنظمة على الاسلام التي بدأت، من خلال استخدام عتادها الفكري من العيار الثقيل. في لعب ادوار قتالية مستميتة بهدف تشويه تعبير مجرد اسمه "الاسلام" وتشويه صورته بشكل متعمد بقصد اثارة ظاهرة الخوف من الاسلام بين الأميركيين والأوروبيين، الذين باتت تفرض عليهم رؤية اسرائيل كبديل متمدن وليبرالي في ملكوت الشرق الأوسط، مقابل للاسلام المتخلف والجاهل الذي بات ينظر اليه، او بتعبير آخر الذي باتوا يقصدون النظر اليه، كـ "تشوه نفسي" وليس كحضارة أو دين حقيقيين. او حتى في حال التعاطي الشكلي مع الاسلام كحضارة، تصويره كحضارة معادية ومدمرة للآخر الغربي وفق السيناريو الذي ابدعته مخيلة هانتينغتون. وايضاً كما في النقاشات التي شارك بها ما يسمى بـ "الخبراء بالاسلام" وبمنطقة الشرق الأوسط، والتي دارت عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 حيث تحولت الهجمات الرهيبة ذات الدوافع الانتحارية التي خطط لها ونفذها جماعة صغيرة من المقاتلين الذين يرفعون على طريقتهم الخاصة بهم راية الاسلام لتصير في افتتاحيات الصحف الكبرى دليلاً قاطعاً على صحة أفكار هانتينغتون، حيث بدأت المقالات الرئيسية التي تنشر في الصحف الأميركية والأوروبية بتبني مفردات التهويل بالخطر الاسلامي القادم بغية اذكاء سخط ونقمة الغربيين على الآخرين الذين يهددون حضارتهم. وعلى رأسهم بالطبع العرب من خلال تصويرهم بطريقة تجعل منهم جديرين بأن يكونوا أهدافاً مشروعة للارهاب الاسرائيلي المدعوم أميركياً.


الكتاب: الاسلام في عيون الغرب


الكاتب: ادوار سعيد


الناشر: دار الحصاد، دمشق 2006


المستقبل - الثلاثاء 27 حزيران 2006


- العدد 2307 - رأي و فكر - صفحة 15


27\6\2006م


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا


mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429



الخميس، 28 مايو 2009

عن أمريكا المنهوبه من الداخل:حسن عبد العال








عن أمريكا المنهوبة من الداخل


بقلم: حسن عبد العال


29-5-2009م


مع بداية الألفية الجديدة، وبالتحديد مع بداية عهد بوش الابن، بدأت تظهر في الولايات المتحدة موجة جديدة من المؤلفات الشعبية التي تتناول بالنقد الجارح النظام الأمريكي في شكله الحالي، الذي بدأ يشكل قطيعة سافرة وغير مسبوقة، ليس فقط مع التقاليد الأمريكية الموروثة التي أرساها الآباء المؤسسون، وإنما أيضاً مع أمريكا الأمس، أمريكا الستينيات التي أصبحت كنموذج، أو كمثال، حلماً للطبقات المثقفة والمتنورة في أوربا التي كانت وقتذاك ما تزال أسيرة أطرها ووسائل عملها القديمة الموروثة عن مرحلة ما بين الحربين الأولى والثانية. ويعد كتاب الصحفي الأمريكي جيم هاي تاوير الذي حمل عنوان: لصوص في مناصب مرموقة (Thieves in High Places) إلى جانب كتاب مايكل مور، الذي صدر منذ ثلاثة أعوام بعنوان (رجال بيض أغبياء)، أحد أهم مؤلفات هذه الموجة التي تتناول بالنقد القاسي والجارح النظام الأمريكي الحالي بأسلوب شعبي من ذلك النوع الذي يهدف إلى تحاشي أساليب الأكاديميين ولغتهم، وذلك بهدف الانتشار وإيصال الفكرة إلى أكبر عدد ممكن من أبناء الأمة من الأمريكيين. ولقد اختار هاي تاوير في كتابه أسلوباً فجاً ومباشراً، ليس لأنه فج بوصفه كاتباً أو صحفياً، وإنما لأسباب تعود أساساً إلى طبيعة النظام الأمريكي الحالي الذي بات يستدعي الحديث عنه، بحسب العديد من هذا النوع من الكتاب الأمريكيين المعترضين، ليس التحدث بفجاجة وإنما بلغة الشتائم أيضاً. ولقد اتبع هاي تاوير هذا الأسلوب المناسب للمقام المناسب (والذي هو أيضاً ـ أي الأسلوب ـ هو الصيغة الأقرب للمستائين من الطبقات الوسطى والشعبية) منذ بداية الصفحات الأولى من كتابه، الذي لم يقتصر على مجرد توجيه الاتهام للنظام الأمريكي في صورته القائمة اليوم، بقدر ما حفل بالتعريفات التي اختارها لتوصيفه كنظام لم يعد يمثل، كالعادة، فريقاً حكومياً في خدمة المصالح، كما هو حال الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى نهاية عهد كلينتون، بل يمثل فريقاً حكومياً من أصحاب المصالح، أو بتعبير أدق من تحالف أصحاب المصالح الذين بدؤوا باحتلال البيت الأبيض، ومقرات وزارة الدفاع، والخارجية، والمالية، والخدمات، وكل مرفق من المرافق التي تعنى بالشؤون العامة، من صناديق الإغاثة الاجتماعية إلى المكاتب التي تعنى بشؤون البيئة. وهذا في حد ذاته بات يشكل انقلاباً على النظام الأمريكي وعلى الحياة السياسية الأمريكية بحسب هاي تاوير الذي نراه يحار من أين يبدأ وأين ينتهي في سرده للوقائع الفضائحية الدامغة التي تدلل على صحة اتهاماته للنظام الأمريكي الحالي، وتقدم لها كماً لا يستهان به من الشواهد والشهادات والوثائق الدالة على صحة دعواه وتوصيفاته الاتهامية، وبالأخص أبرزها التي تفيد أن أمريكا التي كانت تفاخر بديمقراطيتها أصبحت اليوم: (أمة الكليبتوقراطية)، أي بحسب هاي تاوير الذي لم يترك قراء كتابه في حيرة أمام المعاني التي يعبر عنها من خلال هذا المصطلح، (أمة مدارة من قبل فريق من اللصوص) و(حكومة مركزية تنفذ مشروعاً يقوم على نقل السلطة والثروة القومية من الأغلبية إلى الأقلية)، أي بلغة بعض علماء الاقتصاد والسياسة من الأمريكيين الذين سبق أن تعرفنا على بعض كتاباتهم، إلى (عصبة أوليغارشية). وبتفصيل نأخذه من حكيم الرأسمالية الحديثة الأمريكي ليستر ثورو، الذي سبق له أن حذر منذ أكثر من عشرة أعوام من خلال كتابه الذي حمل عنوان رأس لرأس (Head to Head) ـ 1993 ـ من خطر وقوع بلده أمريكا في قبضة الأوليغارشية، إلى أمة باتت مدارة كلياً من قبل مجموعة أوليغارشية، من أبناء الأسر الغنية، تضع مصالحها الذاتية المباشرة في المقدمة عندما تتخذ القرارات العامة، لأن هدفها تحقيق المزيد من الثروة وفق مبدأ (املأ الصناديق، أو امش) الذي لا يمكن تحققه من خلال اتباع الطريقة التقليدية التي قامت عليها الحكومات السابقة التي اعتادت وضع المصلحة العامة للأمة في المقدمة. لأن هذه الطريقة التقليدية العرجاء التي كانت توفر للمسؤولين ومتخذي القرارات الإثراء من خلال الحصص التي يحصلون عليها قانونياً من زيادة الثروة القومية (المتحققة بفصل مشاريعهم العامة) لا يمكن لها أن توفر الإثراء للمسؤولين إلا على المدى البعيد والمتوسط، في حين المطلوب هو زيادة الثروة بمعدلات أعلى وعلى المدى القصير والأقصر. ملامح أمريكا في كتاب هاي تاوير هي ملامح أمة نهبها قادتها وحماتها الجدد من أصحاب الثروات وأبناء الأسر الأوسع ثراء، الذين بدؤوا يشكلون ما يطلق عليه هاي تاوير عبارة اتحاد أصحاب المصالح أو (النخب التنفيذية من أبناء الطبقات الأثرية) الذي أصبحوا يحكمون أمريكا ويطبقون الحصار عليها (سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً)، وذلك كله بحسب هاي تاوير، الذي لم يكن الأول ولن يكون الأخير، في اكتشاف أسس هذه المشكلة، بفصل اتفاق الحزبين الديمقراطي والجمهوري على الأمة واقتسام سلطتها وثرواتها في زمن الطفرة الأوليغارشية الأخيرة التي بدأت تظهر ملامحها الأولية منذ منتصف الثمانينيات (من القرن المنصرم)، والذي أدى (أي الاتفاق التآمري) إلى فتح الباب على مصراعيه أمام أسراب الجراد التي أطلقت منذ بداية الألفية الجديدة على المزرعة الأمريكية الوافرة الغلال وبدأت تأكل اليانع والأخضر، وتخلِّف للآخرين من أبناء الأمة الأمريكية اليابس والأشد يباساً.

ـ صدرت الترجمة العربية للكتاب، بالعنوان نفسه، العام الماضي 2005، عن دار الأوائل بدمشق.

حسن عبد العال
--------------------------------------------------------------------------------

النورالسوريه- 265 (11/10/2006)


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429

عندما يحل فريق المصالح محل المؤسسه السياسيه:حسن عبد العال









عندما يحلّ فريق المصالح محلّ المؤسسة السياسية


حسن عبد العال


29-5-2009م


خلال الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، بدأت تظهر في الولايات المتحدة الأميركية، موجة من المؤلفات التي تكشف حقيقة وأبعاد التحولات الاقتصادية الداخلية التي شكلت منذ بداية الثمانينات قطيعة سافرة مع تقاليد أميركا الليبرالية التي سادت خلال الخمسينات والستينات وأدت إلى تعزيز دور الطبقة الوسطى الأميركية وأدت في ذات الوقت إلى تقليص الفجوة الرقمية بين الطبقات والشرائح الغنية والطبقات والشرائح التي تليها. وبحسب الاتجاه العام لهذه المؤلفات التي يتبنى أصحابها مبادئ وأفكارا لا تحيد عن الرأسمالية وتعتمدها كخيار وحيد فإن النموذج الجديد، نموذج السوق الحرة المنفلتة من أية ضوابط أو قيود، والذي اعتمدته أميركا منذ بداية الثمانينات كتعبير ناجم من شكل غير مسبوق من التحالف بين السلطة السياسية وأصحاب الشركات الكبرى والأسر الغنية، هو العامل الحاسم الذي قلب الأحوال الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية رأساً على عقب، وأدى إلى توسيع الفجوة الرقمية بين الأغنياء وأبناء الطبقة الوسطى، عبر وسيلة إعادة توزيع الثروة القومية بطريقة تقلص من حصة الطبقات والشرائح التي تشكل غالبية الأمة الأميركية، وبالمقابل تزيد من حصة الأسر الغنية على حساب الشرائح الوسطى والفقيرة.وإلى جانب هذه الموجة من المؤلفات التي لا تزال تغزو السوق الأميركية، بدأت تظهر منذ بداية الألفية الجديدة موجة من المؤلفات التي تتناول ذات المسألة التي استفاض في طرحها العديد من الدارسين المتخصصين، ولكن هذه المرة من خلال أدب هجائي شعبي يتناول التحولات الانقلابية الداخلية على طريقة مايكل مور في كتابه الذي صدر منذ ثلاثة أعوام بعنوان: "رجال بيض أغبياء"، أي يتناول التحولات الانقلابية الداخلية على المستويات الثلاثة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال مؤلفات هي في حقيقة الأمر نوع من التقارير التي تبرز الحقائق الخفية، أو البعيدة عن تناول الجمهور، وفق أساليب تعتمد الطرق الأكثر شعبية، والبعيدة كل البعد عن مناهج الدراسات الاكاديمية، ولكن من دون أن يعني ذلك أن هذه المؤلفات الشعبية التي تعتمد إثارة المعلومات هي أقل شأناً من سابقاتها على صعيد ربط الظواهر والنتائج بأسبابها القريبة أو المباشرة. وعلى هذا المستوى نقرأ كتاب الصحافي الأميركي جيم هاي تاوير: "لصوص في مناصب مرموقة" فمن خلال كتابه الذي يزيد على ثلاثمائة صفحة، والمدعم بكم هائل من الوثائق الدامغة التي تدين التحالف الجديد القائم بين السلطة السياسية والشركات الكبرى، يؤكد هاي تاوير الذي اتخذ لنفسه خطاً سياسياً يدين الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء، أن النظام الأميركي الحالي بدأ يلغي الحدود الفاصلة بين مراكز صنع القرار السياسي وعالم المال والأعمال، ليس بمعنى تغلغل السياسة في أوساط رجال المال وأصحاب الشركات الكبرى، إنما بالعكس، بمعنى اقتحام رجال المال والأعمال للكونغرس والبيت الأبيض واحتلالهم، من خلال ممثليهم، للمكاتب والمراكز المنوط بها صنع القرار السياسي على المستويين الداخلي والخارجي، إلى جانب رسم السياسات المالية والضريبية، إضافة إلى تلك المتعلقة بالعمالة والصحة والضمان... الخ. وبحسب هاي تاوير فإن هذه الظاهرة غير المسبوقة، أي ظاهرة ما أطلق عليه، اقتحام "النخبة التنفيذية المشتركة من أبناء الطبقات الأعلى الثرية" للكونغرس بمجلسيه، إضافة إلى البيت الأبيض والوزارات الأساسية، عملت لتحويل أميركا الديموقراطية إلى أمة مدارة من قبل حكومة تتسم بعملية نقل وتحويل الأموال والسلطة من الأغلبية إلى الأقلية. وعليه، بحسب هاي تاوير، لم يعد الرئيس الأميركي وأركان إدارته مجرد فريق يجد مصلحته في ارضاء أصحاب المصالح كما كان الأمر في السابق، وانما أصبح الرئيس ونائبه ووزير دفاعه وباقي عناصر إدارته من جماعة المصالح بعينها، حيث إن كلهم من أصحاب ومدراء الشركات الذين باتوا من داخل الإدارة، يعملون لمصالحهم الشخصية وزيادة ثرواتهم وثروات الطبقات الغنية التي ينتمون اليها، حتى باتت الحكومة الأميركية التي أصبح متخذو القرار فيها من مدراء وممثلي أصحاب الشركات الكبرى وممثليهم أشبه بـ"المول"، أي بمجمع تجاري يتم من خلاله "تسويق مصالح عدد غير محدود من الشركات الكبرى".أخيراً في كتاب هاي تاوير تصوير دقيق وتفصيلي لحالة الأمة التي لم تعد تدار كما في السابق، من قبل مؤسسة حكومية تحرص على التقاليد الأميركية الموروثة من عهد الآباء المؤسسين، وإنما باتت تدار من قبل عصبة أوليغارشية تدير البلاد وتنظم شؤون الأمة وفق سياسات تساهم وعلى نحو سريع، بزيادة ثروات كل الأعضاء المنتمين إلى نادي العصبة الأوليغارشية الحاكمة. وبحسب هاي تاوير والكثير ممن سبقوه في مؤلفاتهم التي تصدت لهذه الظاهرة، فإن هذه التحولات التي بدأت تدفع بالولايات المتحدة، منذ بداية الثمانينينات، للارتماء في أحضان الأوليغارشية باتت اليوم، وبعد أكثر من عقدين على بدء هذه التحولات، أشبه بالآلية التي تقود الأمة الأميركية إلى الوراء، إلى زمن شبيه بفترة العشرينات (من القرن المنصرم) يوم كانت أميركا تنقسم إلى أمتين متباعدتين: أمة فقيرة تشكل أكثر من 90 في المئة من السكان، وأمة غنية وذات ثراء فاحش تشكل أقل من 10 في المئة من السكان.


الكتاب: لصوص في مناصب مرموقة


الكاتب: جيم هاي تاوير


الناشر: دار الأوائل، دمشق 2005


المستقبل - الجمعة 5 أيار 2006 - العدد 2256 - رأي و فكر - صفحة 19


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429
=========================================


رؤيه ستاتيكيه للنظام السياسي العربي : حسن عبد العال







رؤية ستاتيكية للنظام السياسي العربي


حسن عبد العال


28-5-2009م


هذا الكتاب الذي نشر في طبعة عامة بعد أحداث أيلول من العام 2001، هو في الأساس مجموعة من الأبحاث التي أعدها ما بين عامي 1999 و2000 نحو 19 خبيراً متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط (بعضهم من الأكاديميين العرب العاملين في الجامعات ومراكز الأبحاث الأميركية) لمصلحة المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية والمجلس الوطني للاستخبارات في الولايات المتحدة الأميركية بهدف الاحتياط ومعرفة مدى تأثير أية تحولات مرتقبة (إن وقعت) على المدى القصير والمتوسط في منطقة الشرق الأوسط ـ أو بتعبير أدق داخل الأقطار المكونة للشرق الأوسط ـ على الخطط الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة المذكورة بشكل عام، وعلى صعيد كل دولة على حدة. ولعلّه من المفيد في البداية على هذا الصعيد الذي يثير حساسية القارئ العربي، إجراء فصل بين الأهداف العلمية للباحثين، وقيمة الأبحاث التي يحتويها هذا المجلد، والأهداف السياسية التي تتمترس وراءها الجهة الممولة لمشروع البحث حيث إن الاتجاه العام للدراسات والأبحاث الواردة في المجلد المذكور تكاد تكون في ملامحها العامة مشابهة لبعض محتويات تقارير التنمية البشرية العربية التي يمولها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي يصلح فيها القول إنها مناسبة للقارئ العربي الذي ينشد معرفة الواقع الراهن وآفاق المستقبل. وبالطبع كما تشير الأبحاث والدراسات الواردة في هذا المجلد، أسوة بتقارير التنمية البشرية العربية، فلا شيء يبشر الحالمين بمستقبل أفضل في كل أقطار الوطن العربي على المديين القصير والمتوسط، فالثبات والمراوحة في المكان هما السمتان الطاغيتان اللتان تسمان كل أقطار هذه المنطقة (تحديداً العربية منها) فالتحولات باتت تقتصر فقط على الصعيد الديموغرافي، حيث نسبة التكاثر الطبيعي هي الأعلى في العالم داخل هذه المنطقة التي بات يتضاعف سكانها العرب كل 20 أو 25 عاماً على أبعد تقدير. أما على المستويين السياسي والاقتصادي فلا شيء يبشر بالخير على المستوى الأول، فالأنظمة والحكومات عام 2015 ستكون صورة طبق الأصل عن الأنظمة والحكومات القائمة عام 2000، فهي سواء أكانت أنظمة ملكية أم جمهورية ستظل أنظمة وراثية من الملك أو الأمير، إلى وليّ العهد، ومن رئيس الجمهورية إلى نجله، والحكومات على الأغلب ستظل حكومات هرمية، أتوقراطية، وغير ديموقراطية. وفي حال توفر شيء من الصبغة الديموقراطية (كما هو الحال في مواسم الانتخابات، والمنافسة حول صناديق الاقتراع) فهي ديموقراطية زائفة تتصنع بالديموقراطية بهدف كبح أية تحولات ديموقراطية مرتقبة. أما على المستوى الاقتصادي في هذه الأقطار التي باتت في أمسّ الحاجة إلى تفعيل الاقتصاد وإحياء النمو الاقتصادي، فالتوقعات على نحو عام بما يخص الدول المكونة لما يمكن أن نطلق عليه اصطلاحاً عبارة "الشرق الأوسط العربي" هي توقعات متشائمة على هذا الصعيد الحيوي الذي يمس حياة ومستقبل الدول والبشر. وحتى في حال توفر النوايا التي تدعو إلى التطوير والإصلاح، فإن هذه النوايا التي تتوفر لها سبل التحقق أحياناً، ليست متناسبة مع ضخامة المشكلات ذات الصلة في هذه الدول النامية والتي تتطلب حلولاً عملية بعيدة الأجل لهذه المشكلات المتفاقمة وليس مجرد الحد من تفاقمها أو مجرد تسكينها.أخيراً وفي ظل هذا الملمح العام للواقع الستاتيكي للنظام السياسي العربي الذي بات يجد عوامل ديمومته واستمراره من خلال المحافظة على الثبات ومكافحة التقدم مباشرة أو مداورة، وفي ظل تنامي المشكلات الاجتماعية ذات المنشأ الاقتصادي وتأثيرها المباشر ـ على الأقل ـ على المستقبل السياسي للعديد من الأقطار العربية، بات من المشروع السؤال عن دور القوى المعارضة للأنظمة العربية الهشة على صعيد تجاوز الأنظمة الراهنة. وبخصوص هذا التساؤل الذي يشكل صلب اهتمام الجهة الممولة للمشروع، يرى أحد الخبراء المشاركين في هذا المشروع البحثي، وهو البروفسور المصري ابراهيم كروان المحاضر في جامعة يوتا، أن أساس قوى المعارضة بات يتمثل حقيقة بالأحزاب والمجموعات التي تتبنى الدعوة الاسلامية، وأن سقف هذه القوى سيظل يتمثل بالمعارضة على المستوى الزمني القصير والمتوسط لأن استخدام أدوات المعارضة أسهل بكثير من استخدام أساليب قلب الحكومات وتولي السلطة. أما على صعيد تأثير المعارضة الدينية بشكل عام على النظم السياسية، فيرى الباحث على صعيد الخارطة السياسية للشرق الأوسط العربي، أن الحكومات العربية بدأت تتبنى العديد من البرامج الاجتماعية والأهداف السياسية للاسلاميين (مثل بناء المساجد، وتشجيع المظاهر العلنية للتقوى، وتطبيق المعايير الاسلامية في القوانين، والانضواء تحت مظلة المؤتمر الاسلامي..... الخ) رغم أن هذه البلدان التي استخدمت هذا الأسلوب في التكيف، بدأت في ذات الوقت، وعلى نحو مواز، باتباع أساليب القمع والاحتواء للحركات الاسلامية التي تعمل ضمن محيطها الجغرافي، وذلك بهدف الحيطة والحذر وعدم تجاوز الخطوط الحمر المرسومة لها. أما على صعيد القوى الديموقراطية والعلمانية المعارضة ودورها المستقبلي في عملية التغيير على المدى الزمني القصير والمتوسط، فيبدو أن أجهزة رصد الخبراء المشاركين في المشروع البحثي الأميركي المذكور لم يجدوا لها أيّ أثر يعتدّ به.
الكتاب: الشرق الأوسط عام 2015 من منظور أميركي
الكاتب: عدد من الباحثين بإشراف جوديث س. بافيه
الناشر: دار علاء الدين، دمشق 2005
المستقبل -
الجمعة 13 كانون الثاني 2006 -
العدد 2150 - رأي و فكر - صفحة 19
حسن عبد العال
باحث فلسطيني مقيم في سوريا
mervat10mm@yahoo.com
/موبايل:00963944094429
=================================================================


الأربعاء، 27 مايو 2009

نظام عالمي يكرس التخبط والفوضى:حسن عبد العال



نظام عالمي يكرِّس التخبط والفوضى


حسن عبد العال


27-5-2009م




تزفيتان تودوروف فيلسوف من أصل بلغاري مقيم في فرنسا منذ أكثر من 40 عاماً، يكتب بالفرنسية منذ الستينات وله عدد مهم من المؤلفات في مجالات عديدة تتراوح ما بين النظرية الأدبية وتاريخ الفكر وتحليل الثقافة.من خلال كتابه (اللانظام العالمي الجديد: تأملات مواطن أوروبي) الصادر بالفرنسية صيف عام 2003، أي بعد ثلاثة أشهر على بدء اجتياح القوات الأميركية للعراق، يحاول الفيلسوف تودوروف مجاراة زملائه الفرنسيين من اليمين واليسار والادلاء برأيه، أو ببيانه إن صح التعبير، بشأن التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الدولية قبيل اجتياح العراق، وخلاله، وما رافق ذلك من ردود فعل واتجاهات متعارضة في أوساط المثقفين الفرنسيين، رغم وضوح وصلابة الموقف الرسمي الفرنسي المعرض والمستنكر للتوجهات الأميركية على المستوى الدولي عامة، وعلى صعيد المسألة العراقية بنحو خاص، ومن خلال هذه المساهمة تظهر معالجة تودوروف بداية من خلال التركيز على شقين، فهو من ناحية يعارض التفسيرات المتعددة التي عزت مسببات ودوافع الحرب المذكورة كمسببات ودوافع تتعلق بالمصلحة القومية للولايات المتحدة في مجال الأمن، وارتباط هذه الدوافع بدافع تمسكها بفكرة نشر الحرية خارج أراضيها، ومن ناحية أخرى، أو على صعيد الشق الثاني، يظهر تودوروف معارضته الأخلاقية لخيار الحرب، مستعيناً بكلاوزفيتز الذي ينكر على الجهة صاحبة القرار السياسي بالحرب اللجوء الى هذه الوسيلة، أو هذا الخيار، من دون استنفاد الوسائل أخرى، وبالتالي ينكر تودوروف على الولايات المتحدة حقها بشن الحرب لدواع ومببرات تتعلق بصيانة الأمن القومي للولايات المتحدة، وذلك لأسباب لا تتعلق فقط بالآثار السلبية للحملة الأميركية المذكورة على العالم وعلى التدخل الأميركي في الوقت نفسه، وإنما لأسباب تتعلق أيضاً بنهج التفرّد والهيمنة الذي بات يسيطر على الادارات الأميركية المتعاقبة منذ نهاية الحرب الباردة، وبخاصة خلال عهد إدارة بوش الابن، والذي بات يهدد بتبديد إرث أكثر من خمسين عاماً من المعاهدات والمواثيق والتي تنظم العلاقات الدولية، لمصلحة فرض نظام تسلطي جائر يقول بنظام عالمي جديد يكرّس أحقية زعامة الولايات المتحدة للعالم، والتحكم بمصيره منفردة، وبالطريقة التي تمهد وتيسّر لهذه الدولة الأقوى سبل تنفيذ مشروعها القائم على فرض الهيمنة العالمية عبر أشكال وأساليب وأدوات متنوعة بعضها يصلح لأوروبا ولا يصلح لأفغانستان أو العراق، وبعضها الآخر يصلح للدول ذات الأنظمة المعتدلة، أو غير المعادية لأميركا، ولا يصلح لأوروبا على سبيل المثال.في عودة لمحاذير نهج الهيمنة الذي تسبب بتفرّد الولايات المتحدة في معالجة المسألة العراقية، وبالطريقة التدميرية التي تمت تحت مظلة دعاوى ومبررات متهافتة تقول بمشروعية الحرب الاستباقية، يدعو تودوروف الى نظام دولي بديل يقوم على التعددية، أي على تعدد الأقطاب كما هو الحال في مجلس الأمن الدولي حيث تتشارك القوى العظمى في كل المسائل المتعلقة بإدارة وتنظيم وحل المشكلات الدولية. وحتى تتوفر إمكانات إقامة النظام البديل الذي يحتاج الى ظروف أو تحوّلات دولية جديدة لفرضه، يقترح تودوروف على أوروبا الحليفة التاريخية لأميركا، تحويل الاتحاد الأوروبي الي قوة عسكرية عظيمة الشأن بطريقة تكفل للاتحاد القيام بدور مميز في التوازن العالمي، وبالتالي تكفل لها ضمان الدفاع عن نفسها من دون معونة أحد وتكرّس سياسة دفاعية مستقلة بعد التخلص من الوصاية المزعجة للولايات المتحدة، وعلى هذا الصعيد الأخير يرى تودوروف أن لا ضرورة لتقليد الولايات المتحدة، أو منافستها، ولا حتى إقرار ميزانية عسكرية ضخمة بحجم الميزانية الأميركية، لكنه في ذات الوقت يقترح بأن تكون القوة الأوروبية قادرة على مجابهة الولايات المتحدة إذا اقتضت الحاجة لذلك، رغم أن احتمال حدوث صراع عسكري مع الولايات المتحدة لن تكون جزءاً من الاستراتيجية العسكرية للاتحاد، وإنما على العكس من ذلك حيث ستظل الولايات المتحدة بالنسبة لأوروبا بمثابة شريك عسكري متميّز وذلك في حال ارتداد الولايات المتحدة عن سياسات التفرد والهيمنة التي ما زالت تسيطر على صناع القرار في واشنطن، أما في حال استمرار الحال كما هو عليه فعلى أوروبا قطع هذه الشراكة واعتمادها منفردة في كل المسائل المتعلقة بالدفاع عن القارة الأوروبية.




الكتاب: اللانظام العالمي الجديدالكاتب: تزفيتان تودوروفالناشر:


دار المرساة، دمشق 2005


المستقبل - الاربعاء 9 تشرين الثاني 2005 - العدد 2093 - رأي و فكر - صفحة 19





حسن عبد العا ل




باحث فلسطيني مقيم في سوريا






موبايل:


00963944094429


===================================================================

الثلاثاء، 26 مايو 2009

الفقر وقدبلغ ثلث سكان اسرائيل:حسن عبد العال

الفقر وقد بلغ ثلث سكان إسرائيل

حسن عبد العال

26-5-2009م

"التقرير القنبلة" هو الوصف الدقيق الذي يمكن أن يوصف به "تقرير الفقر" الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية بتاريخ 23/11/2004. فبحسب التقرير المذكور فإن معطيات البحث الخاصة بملف الفقر في إسرائيل حتى نهاية عام 2003 باتت تشير بالأرقام الى أن عدد الفقراء في إسرائيل وصل حتى 31/12/2003 الى 2.2 مليوني شخص من أصل عدد السكان البالغ 6.2 ملايين نسمة. أي نحو ثلث سكان إسرائيل بحسب احصاء عام 2003 باتوا فقراء وفق التصنيف الرسمي. منهم نحو 700 الف شخص ما زالت المؤسسة تصنفهم في خانة الفقراء المحظوظين أو أصحاب الامتياز، لأن استمرار التزام الدولة بتقديم المخصصات الشهرية لهم حتى نهاية عام 2003 عمل، حتى نهاية الفترة المذكورة، على حمايتهم من الانزلاق الى ما تحت عتبة الفقر. اما الباقون، وهم نحو 1.427 مليون شخص، فهم من عداد الفقراء المعدمين الذين يرزحون تحت عتبة الفقر، كما يزداد نصيبهم من البؤس والفقر عاماً بعد عام بحسب مضمون التقرير الذي وضعته، على هامش تقرير الفقر، نائبة المدير العام لشؤون البحث في مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية "لينا احدوت" الذي تؤكد فيه بأن الفقراء الذين كانوا تحت عتبة الفقر خلال السنوات السابقة 2001 ـ 2002، باتوا عام 2003 أشد فقراً من ذي قبل.اضافة الى كل ما ورد تجدر الإشارة على صعيد البحث في ملف الفقر في إسرائيل الى ظاهرة لا تقل خطورة عن حجم الأرقام السابقة، وهذه الظاهرة التي تؤكدها قراءة بيانات الفقر عن السنوات السابقة تشير الى أن كتلة الفقر في إسرائيل باتت منذ عام 2001 مثل كرة الثلج المتدحرجة يزداد حجمها عاماً بعد عام. فبحسب التقرير الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني بتاريخ 13/11/2002 يستدل بأن عدد الإسرائيليين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر بلغ نحو 1.170 مليون حتى نهاية عام 2001، أي بزيادة 84 الف شخص عن عام 2000. وبحسب التقرير الأخير الصادر بتاريخ 23/11/2004 يستدل بأن عدد الإسرائيليين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر بلغ 1.427 مليون نسمة حتى نهاية عام 2003، أي بزيادة قدرها ربع مليون شخص خلال العامين الماضيين 2002 و2003، أي حسب المتوسط بزيادة سنوية قدرها أكثر من مئة الف إسرائيلي ينزلق سنوياً تحت عتبة الفقر. وهو الأمر الذي يعني بداهة إذا أخذنا بالحد الأدنى، وهو مئة الف مفقر جديد كل عام، فإن المحصلة تشير الى أن كتلة الإسرائيليين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر حتى نهاية عام 2004 باتت تضم في بوتقتها ربع السكان، على أقل تقدير، وذلك استناداً الى التقارير الإسرائيلية التي تشير على صعيد تردي الأحوال الاجتماعية والمعيشية عند الشرائح الوسطى (التي بدأ حجمها يتعرض لمزيد من التقلص بحسب التقرير الأخير الصادر عن مركز "ادفاه") وفي أوساط الفقراء، بأن 2004 كان أسوأ بكثير من عام 2003. يرجع ذلك، بحسب التقارير، لأسباب تعود الى الموقف السلبي الذي تبديه الدولة تجاه ظاهرة البطالة المستفحلة، التي تجاوزت نسبة 11 في المئة، والإصرار على التهرب من أي التزام بمواجهتها والحد من استمرارها (بحجة الحرص على قانون السوق) والى استمرار الدولة منذ ثلاث سنوات، في اتباع سياسة التخلي نهائياً عن فكرة "دولة الضمانات الاجتماعية" المعمول بها من قبل. وبالمقابل إتباع سياسة "لا اجتماعية" أدت الى تقليص حجم المخصصات المقدمة للفقراء، وعلى نحو دوري بات يشير الى أن هذا البند بات مصيره الشطب من الموازنة في السنوات القريبة القادمة. وبحسب العديد من التحليلات والتعليقات التي عرضت من قبل كتّاب إسرائيليين، فإن إسرائيل التي كانت من قبل تفاخر بالانتماء الى العالم المتقدم، باتت منذ سنوات وفي عهد الليكود مجرد دولة من العالم الثالث، أو مجرد "دولة موز" ـ كما يحلو للعديد من منتقدي السياسة الاقتصادية للدولة، من الإسرائيليين، استخدام هذه الصفة ـ منتجة للفقر ومفرّخة لمزيد من الفقراء، وذلك بفضل الاقتران الذي تم منذ أربع سنوات بين السلطة السياسية وقطاع المال والأعمال والمجموعات الثرية، واعتمادها سياسة اقتصادية جديدة في صالح الحلفاء الأثرياء تقوم على مبدأ اعتماد نموذج السوق الحرة الرأسمالي، والذي بفضله بدأت إسرائيل بالمقابل بالتحول الى "مفرخة" لا تنتج مزيداً من الأثرياء، ولكن تنتج المزيد من ثروات الأثرياء.

المستقبل

الاحد 19 كانون الأول 2004 -

العدد 1783 - نوافذ - صفحة 10

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

الاثنين، 25 مايو 2009

اسرائيل والعجز في مواجهة الكارثه الديمغرافيه: حسن عبد العال





إسرائيل والعجز في مواجهة الكارثة الديموغرافية




حسن عبد العال




25-5-2009م



مع بداية الألفية الجديدة والمخاوف الاسرائيلية يزداد عاماً بعد عام حجم الكارثة الديموغرافية المتوقعة والتي ستحيل اسرائيل الى دولة اليهود فيها أقلية مع نهاية العقد الثاني من القرن الحالي. فالمرأة اليهودية ضعيفة الخصوبة قياساً بالمرأة الفلسطينية التي تزيد نسبة خصوبتها عن مثيلتها اليهودية بأكثر من الضعف. والتجمع اليهودي في فلسطين بات تجمعاً لشعب هرم (أكثر من نصفه من المسنين) هو في مرحلة تراجع عددي مطرد على جبهة المواجهة الديموغرافية القائمة فوق أرض فلسطين التاريخية مع شعب فتي نحو ثلثيه من الأطفال ومن هم في سن الشباب. والهجرة التي كانت على الدوام بمثابة العامل الحاسم للزيادة السكانية في أوساط يهود إسرائيل باتت بدورها مهددة بأن تكون عاملاً أقل شأناً في ازدياد السكان اليهود من عامل التكاثر الطبيعي عند شعب هرم نسبة خصوبة النساء الولودات فيه تندرج في قائمة الزمر الأقل خصوبة في العالم. فمشهد التجمعات اليهودية الرافدة للهجرة والتي كانت توصف منذ الستينات والسبعينات بالتجمعات اليهودية "غير المستقرة" لم يعد منظوراً على خارطة التوزع الجغرافي لليهود في العالم بعد إفراغ الخزان البشري للتجمعات اليهودية "غير المستقرة" في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ودول أوروبا الشرقية، واستجراره الى إسرائيل على امتداد العقد الأخير من القرن المنصرم. وبالتالي باتت الهجرة التي اعتمدت تاريخياً على استغلال ظاهرة عدم الاستقرار في بعض التجمعات اليهودية الكبرى في العالم، تعتمد على جيوب في تجمعات يهودية هامشية، أو على تجمعات يهودية متدينة صغيرة عددياً. ولا يمكن الاعتماد عليها في نظام الوجبات البشرية العملاقة التي تحتاج اليها اسرائيل كل سنة وعلى امتداد السنوات العشر المقبلة على أقل تقدير. وبحسب المعلومات الصادرة عن دائرتي الهجرة في اسرائيل والوكالة اليهودية خلال السنوات الثلاث المنصرمة فان معدل الهجرة السنوية قد انخفض الى حدود 30 ـ 35 ألف مهاجر، أي في أحسن الظروف، وفي حال عدم أخذنا بالمؤشرات الدالة على تناقض معدلات الهجرة في السنوات المقبلة فان اسرائيل لن تحصل على امتداد العقد الحالي على اكثر من 400 الف يهودي. وهو معدل منخفض جدا قياسا الى حاجة إسرائيل الملحة الى معدل هجرة يهودية صافية قوامها 50 ألف مهاجر كل سنة، أي مع توافر شرط عدم وجود هجرة يهودية سلبية أو "معاكسة". وعلى هذا الصعيد الأخير لا بد من التذكير بأن ظاهرة الهجرة اليهودية المعاكسة قد وصلت خلال السنوات الثلاث الماضية 2001 ـ 2003 الى معدلات سنوية متقاربة (وتزيد في بعض الأحيان) عن المعدلات السنوية للهجرة اليهودية الوافدة الى اسرائيل. وهو الأمر الذي يعني بداهة أن اسرائيل التي تحتاج كحد أدنى ـ بحسب تقديرات البروفسور "أرنون سوفير" عام 2001 ـ الى هجرة يهودية صافية قوامها 50 ألف مهاجر كل سنة، لن تحصل على هذا الصعيد سوى على معدلات هجرة يهودية صافية لا تزيد على الصفر.وعلى هذا الصعيد الخاص بظاهرة تأكل الهجرة الايجابية من خلال موجة الهجرة السلبية المستمرة منذ سنوات والتي ما زال يجري التعتيم عليها في اسرائيل، لدواع وأسباب تتعلق بالسلامة الامنية، لا بد من التذكير بالدراسة الروسية التي نشرت في كبريات صحف روسيا مؤخرا (بداية شهر آب 2004) والتي تشير الى ان عدد المهاجرين اليهود الروس الذين غادروا اسرائيل واستقروا نهائيا في روسيا والعديد من دول اوروبا الغربية والوسطى في الاعوام 2001 ـ 2003 يراوح كل سنة ما بين 15 ـ 17 الف مهاجر، وهو الامر الذي يعني بداهة بأن موجة الهجرة المعاكسة في صفوف اليهود الروس وحدهم باتت تأكل كل سنة نصف معدلات الهجرة السنوية الوافدة الى اسرائيل.اضافة الى كل ما سبق لا بد من التذكير بالظاهرة الأسوأ التي باتت تهدد الرصيد البشري اليهودي في فلسطين ـ وبالتحديد داخل الخط الاخضر ـ بمزيد من التأكل، ووفق معدلات سنوية متصاعدة، فاسرائيل التي وصل عد سكانها اليهود نحو 5.2 ملايين بفعل استغلالها الذي يتصف بالديمومة والاستمرار لظروف ما كان يوصف بالتجمعات اليهودية "غير المستقرة" لليهود في العالم، ولعلها الوحيدة التي بات يصدق عليها هذا التصنيف بعد التحسن السريع الذي طرأ العام الماضي على أحوال الطائفة اليهودية في الارجنتين، فنسبة الراغبين في الهجرة من اسرائيل والممنوعين رسميا من تنفيذ ما عزموا عليه (بفعل احتجاز مئات الآلاف من جوازات سفر الراغبين في الهجرة والتي كشفت عنها الصحف الاسرائيلية منذ عام 2001) هي ظاهرة لا مثيل لها في اي من التجمعات اليهودية في العالم. والمعلومات التي نشرتها صحيفتا "معاريف" بتاريخ 25/8/2002 و "هآرتس" في 18/10/2002 والتي تفيد أن ظاهرة عدم الاستقرار الامني والاقتصادي بدأت تسبب أزمة فقدان اسرائيل لزمرتها الشبابية الثمينة بيولوجيًا، وبان ما نسبته من 22 ـ 25 في المئة من الشباب اليهودي في اسرائيل باتت تتهيأ لاقتناص الفرص المناسبة ومغادرة وطن غير مأسوف عليه، هي بدورها ظاهرة لم يعد لها مثيل في اي من التجمعات اليهودية الاخرى في العالم.



المستقبل - الثلاثاء 28 أيلول 2004 - العدد 1709 - رأي و فكر - صفحة 17



حسن عبد العا ل




باحث فلسطيني مقيم في سوريا











موبايل:00963944094429



الأحد، 24 مايو 2009

عندما تفضح الصهيونية النقيه نفسها:حسن عبد العال



عندما تفصح الصهيونية النقية عن نفسها!



حسن عبد العال



24-5-2009م



يعتبر الحاخام مائير كهانا واحداً من أبرز دعاة التطرّف الديني والعنصري في تاريخ الحركة الصهيونية واسرائيل، وواحداً من أبرز الدعاة والناشطين في تاريخ الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان بعد عام 1967، ورغم ذلك يمكن القول بأن المكتبة العربية كانت تفتقر كلياً لنصوص عن هذا الناشط الصهيوني، حتى جاء هذا الكتاب ليسد النقص الحاصل في معلوماتنا عن هذه الشخصية التي كثيراً ما أثارت الجدال حتى داخل اسرائيل ذاتها.ينقسم الكتاب إلى قسمين، القسم الأول يتضمن مقدمة تاريخية للمشروع الصهيوني في فلسطين، ودور حركة كاخ، أي (رابطة الدفاع اليهودية) بزعامة مائير كهانا في هذا المشروع بعد حرب 1967، والقسم الثاني يتضمن حواراً مطوّلاً مع مائير كهانا قبل اغتياله (اغتيل في نيويورك بتاريخ 5/11/1990) أجراه الصحفيان فيليب سيمون ورفائيل ميرجي، وهو يقدّم صورة لمائير كهانا بالطريقة التي حرص صاحب الصورة على تصوير الملامح العامة والتفصيلية لشخصه.في عودة إلى القسم الأول لا بد من الاعتراف بأهمية الجهد الذي بذلته المترجمة التي حرصت من خلال القسم المذكور على تقديم مدخل مطوّل عن حياة ونشاط ومفاهيم مائير كهانا، بطريقة تساهم في تمكين القارئ العربي من الاحاطة بشخص الحاخام كهانا وتاريخه قبل الولوج في موضوعات القسم الثاني، الذي عبّر من خلاله، مائير كهانا عن نوازعه والأبعاد السياسية والدينية، لمشروعه الهادف إلى إقامة دولة يهودية خالية تماماً من العنصر العربي.القسم الثاني، كما سبق القول، هو حوار مطوّل، ويتضمن عرضاً لرؤيته وفلسفته السياسية في أكثر من ميدان وعلى أكثر من صعيد، ولعل أبرز ما جاء به كهانا من آراء يتعلق بالعلاقة بين الصهيونية والديموقراطية الغربية وهي علاقة مستحيلة حسب اعتراف كهانا. فالصهيونية والديموقراطية لا تلتقيان: لأن الديموقراطية الغربية (التي تجاهر اسرائيل بها، تدعو إلى الاعتراف بحقوق متساوية للسكان في الدولة، بغض النظر عن الأصول الدينية والعرقية لهذه المجموعة أو تلك، وهذا في حد ذاته ـ حسب اعتراف كهانا ـ نفي للصهيونية التي لا يمكن أن تتعايش إلا مع ديموقراطية من نوع خاص بها أي مع "ديموقراطية يهودية"، فإسرائيل اليهودية لا تتقبل الديموقراطية إلا إذا كانت تلتزم بقانون التوراة.العرب في اسرائيل، أو فلسطينيو عام 1948، لهم حضور طاغ في الحوار مع الداعية المتطرف مائير كهانا، فبحسب كهانا فإن العرب داخل الخط الأخضر الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية يشكلون "المشكلة الوجودية الأشد خطراً على اسرائيل" وهي أخطر بما لا يقاس عن مشكلة التواجد العربي الكثيف في الضفة الغربية وقطاع غزة. لأن فلسطينيي عام 1948 باتوا يشكلون الأكثرية السكانية في منطقة الجليل وبطريقة باتت المنطقة المذكورة مهددة بنزع الصفة الاسرائيلية عنها وإكسابها صفة العروبة. ويتهم الحاخام كهانا اسرائيل بالسلبية المفرطة تجاه معالجة مشكلة فلسطينيي 1948 الذي يحملون الجنسية الاسرائيلية، والذين من المتوقع أن يصبحوا أغلبية في هذا البلد، وبالتالي لن يتقبلوا بعد مرور 20 عاماً على سبيل المثال العيش في بلد يدعي بأنه (الدولة اليهودية)، وسيعملون على تعديل هذه السمة اليهودية للدولة التي ستصبح كتحصيل حاصل سمة غير مطابقة للواقع. وبحسب كهانا فإن العرب حالما يفوزون بالأغلبية سوف يغيّرون القوانين في هذه الدولة، وفق آليات الديموقراطية الغربية التي ستمكنهم من ذلك، وسيعملون على نفي صفتها اليهودية وتدمير الأسس الصهيونية التي ما زالت تقوم عليها الدولة الاسرائيلية. وتلافياً لذلك، وبهدف استبعاد الخطر قبل وقوعه، يعرض كهانا مشروعه الصهيوني القائل بطرد عرب 1948 الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية خارج الدولة اليهودية، لأن "الترانسفير" هو السبيل الوحيد الذي سينقذ اسرائيل من المصير الذي سينزع عنها صفة اليهودية والصهيونية.


الكتاب: مائير كهانا وغلاة التطرف الأصولي اليهودي


الكاتب: فيليب سيمون، رفائيل ميرجي،


ترجمة عائدة عم عليالناشر: دار الأوائل، دمشق 2003



المستقبل - الخميس 1 نيسان 2004 - العدد 1560 - رأي و فكر - صفحة 19



حسن عبد العال



باحث فلسطيني مقيم في سوريا






موبايل:00963944094429




================================================================================================================================================================================


السبت، 23 مايو 2009

الحرب على العراق تكمل الحرب على آسيا اوسطى:حسن عبد العال








الحرب على العراق تكمل الحرب على آسيا الوسطى



حسن عبد العال



23-5-2009م



ميشيل راتنر وجيني غرين وبربارة اولشانسكي ناشطون في مركز الحقوق الدستورية، الاول يشغل منصب رئيس مركز الحقوق الدستورية، والثانية عضو الادعاء العام في المركز المذكور، والثالثة تشغل منصب المدير القانوني المساعد.الكتاب الصادر باسم مؤلفيه وباسم المركز الذي ينشطون من خلاله، هو بيان اميركي ضد الحرب على العراق، وبالتالي هو بيان صريح ضد اندفاع الولايات المتحدة نحو حرب عدوانية مدمرة لا سند لها سوى جملة ادعاءات وحجج واهية لا تمت الى الواقع بصلة.ما الذي يدفع الولايات المتحدة في نزوعها نحو الحرب على العراق الى اختلاق الاكاذيب وخرق القانون الدولي. ما الذي يدفع بالولايات المتحدة الى شن حرب على العراق من غير تفويض من الامم المتحدة، لا بل وضد ارادة المجموعة الدولية: انه الاقتصاد والمصالح السياسية والاستراتيجية البعيدة الامد. انه ببساطة المخزون العراقي للطاقة الذي يشكل ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم، والهيمنة المباشرة على الشرق الأوسط الذي يمتلك، اضافة لموقعه الاستراتيجي المميز، ميزة كونه اكبر مصدر للنفط في العالم. انه طموح القوة العظمى (أميركا) لاعادة رسم وتشكيل خارطة العالم بالطريقة التي تضمن لها الهيمنة الكونية للسنوات القادمة. فبحسب الكتاب الصادر عن مركز الحقوق الدستورية فان الحرب الاميركية على العراق ليست حربا استباقية او ضربة وقائية، اذ لا يوجد اصلا ما ينبغي استباقه والوقاية منه، انها حرب قائمة على افتراضات مزعومة وواهية دفعت بالمحللين في الولايات المتحدة وغيرها الى وضع تخمينات وسيناريوهات كثيرة حول السبب الرئيسي الكامن من وراء اندفاع الادارة الاميركية نحو حربها على العراق. ومن هذه التخمينات والسيناريوهات العديدة التي طرحها المحللون، يذهب مركز الحقوق الدستورية الى تفنيد وانكار العديد منها (بدعوى انها قاصرة وغير مقنعة في تناولها لدوافع وأسباب الادارة الاميركية الحالية في نهجها الذي يستهدف العراق) لمصلحة تصور المركز الذي يستبعد اقدام ادارة بوش الثاني بالحرب على العراق لأسباب تتعلق بالانتخابات المقبلة، او لتغطية فشلها في القضاء على حركة بن لادن، او بدعاوى تتعلق بالتزام ادارة بوش الثاني باستكمال ما بدأه بوش الاول على الجبهة العراقية، لان التعليلات التي تلامس الحقيقة بحسب التصور الصائب للمركز المذكور تكمن في مكان آخر يتجاوز في حقيقة الامر كل التعليلات الجزئية التي عجزت عن اعطاء تفسير حقيقي للمسألة برمتها. فالولايات المتحدة التي اعلنت انتصارها في الحرب الباردة تريد على المستوى الدولي ان تقطف ثمار هذا الانتصار بالطرق التي تضمن تفردها وبسط هيمنتها العالمية، ومنها السعي الى اعادة رسم وتشكيل خارطة العالم لتتناسب مع مصالحها وطموحاتها الاستراتيجية التي عبر عنها البنتاغون منذ بداية تسعينات القرن المنصرم من خلال وثيقة (دليل التخطيط الدفاعي) ـ اي وثيقة "تشيني ـ وولفوفيتز" ـ التي اصبحت الخطة المعتمدة ودليل العمل لادارة بوش الثاني التي يشغل فيها فريق تشيني ووولفوفيتز ورامسفيلد مركز اصحاب القرار على صعيد اعادة صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة وفق الخطط المرسومة لبسط تفرد اميركا وفرض هيمنتها على الساحة الدولية قاطبة. وبحسب المركز المذكور فان ما تم انجازه حتى الان هو مجرد تحقق هدف من جملة اهداف على طريق التفرد والهيمنة الاميركية على العالم. فحرب العراق هي حلقة ثانية مكملة لما سبق وحققته الولايات المتحدة من احكام سيطرة على اسيا الوسطى وعلى نفطها خلال حرب افغانستان. والهدف القريب منها اضعاف نفوذ أوبك (OPEC) وضمان موقع القوة في مواجهة حلفاء اميركا القدامى في اوروبا، وضمان موقع القوة في مواجهة كل من روسيا والصين، لان اميركا وقتها لن تكون في موقع اعتى قوة عسكرية في العالم فحسب، وانما المسيطرة على اهم مورد من موارد الطاقة التي يحتاجها العالم.



الكتاب: ضد الحرب في العراق



الكاتب: ميشيل راتنر، جيني غرين، برباره اولشانسكي



الناشر: دار الفكر، دمشق 2003




المستقبل - الاربعاء 31 كانون الأول 2003 - العدد 1487 - رأي و فكر - صفحة 19



حسن عبد العال



باحث فلسطيني مقيم في سوريا





موبايل:00963944094429

الجمعة، 22 مايو 2009

أمريكا ضد أمريكا: حسن عبد العال


أمريكا ضد أمريكا






حسن عبد العال



22-5-2009م



بلغ عدد الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية عام 2004 نحو 37 مليون نسمة، وهذا العدد يشكل ما نسبته 12.7 في المئة من التعداد العام للسكان بحسب التقرير السنوي الأخير الصادر مع بداية خريف العام الماضي، 2005، عن مكتب الإحصاءات الأمريكي الذي رصد أيضاً زيادة سنوية في عدد الفقراء في الولايات المتحدة بلغت ما بين عام 2003 وعام 2004 نحو 1.1 مليون متساقط جديد ممن انزلقوا عن الدرجات السفلى من السلم الاجتماعي، وباتوا تحت عتبة الفقر. وفي عودة إلى التقرير السنوي السابق الصادر عام 2004 عن حالة الفقر في الولايات المتحدة الذي رصد أيضاً زيادة سنوية في عدد الفقراء بلغت ما بين عام 2002 وعام 2003 نحو 1.3 مليون متساقط جديد (ممن انزلقوا عن الدرجات السفلى من السلم الاجتماعي وباتوا تحت عتبة الفقر). يتضح أن الولايات المتحدة باتت تنتج سنوياً أكثر من مليون معدم جديد غالبيتهم من الملونين بحسب اعتراف المصادر الأمريكية ذات الشأن، أي على سبيل التحديد غالبيتهم من الزنوج الذين يشكلون بحسب إحصاء عام 1996 نحو 12 في المئة من التعداد العام للسكان في الولايات المتحدة، ومن المتحدرين من أصول أمريكية لاتينية الذين باتوا يشكلون بحسب التقديرات الصادرة مع بداية الألفية الجديدة نحو 12 في المئة من السكان. وعلى هذا الصعيد الأخير الذي يوحي في طبيعة الأمر إلى أن ظاهرة اصطباغ الفقر باللون الأسود، أو الداكن، ما زالت ترتبط حصراً، كما في الماضي، بثقافة التمييز العرقي التي طبعت الحياة الأمريكية بطابعها حتى بداية عقد الستينيات (من القرن المنصرم) والتي استُعيدت من جديد مع بداية التسعينيات (بحسب الملاحظات العديدة التي سجّلها مؤخراً العديد من الباحثين وعلماء الديموغرافيا والاجتماع الذين لاحظوا عودة الذهنية الأنكلوساكسونية إلى استعادة وإحياء ثقافتها القديمة القائمة على التمييز العرقي) فإن من الخطأ تحميل ثقافة التمييز مسؤولية هذه الظاهرة وفق الطريقة التبسيطية السابقة التي كانت تصلح لفترة الأربعينيات والخمسينيات. وإذا عدنا إلى التقارير التي رصدت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الأمريكي بدءاً بسنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم، وخلال السنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة، والتي لوحظ فيها ازدياد مطّرد في عدد الفقراء الأمريكيين، إضافة إلى اتساع رقعة الفقر على خريطة الجغرافيا السكانية للولايات المتحدة حتى باتت تشمل الأمريكيين البيض، بحسب الاعترافات الأخيرة الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأمريكي، فيمكن القول إن المشكلة، أو بتعبير أدق استحفال المشكلة، بات يكمن بداهة في النظام الاقتصادي والسياسي الأمريكي الذي يعتمد عقيدة السوق الحرة الأمريكية التي حلت منذ الثمانينيات محل التراث الليبرالي الأمريكي الذي تعرض للتصفية،.وبحسب العديد من التقارير التي وصفت حالة الولايات المتحدة في زمن التحولات التي أدت إلى تراجع مستويات المعيشة عند غالبية الطبقة الوسطى الأمريكية وزيادة ثروات الأقلية الغنية المتحكمة بالآليات التي تتحكم بالمجتمع، فإن النظام الأمريكي الذي بدأ يسوق منذ الثمانينيات والتسعينيات لنموذج السوق الحرة ويبشر بها كدين مدني جديد، بات ينتج الظواهر الجديدة (وغير المألوفة منذ بداية عهد النيوديل في الثلاثينيات من القرن المنصرم) التي أدت إلى خفض أجور أكثر من نصف التعداد العام للطبقة الوسطى الأمريكية التي باتت عرضة للتهشيم والتهميش، بذات القدر الذي بات ينتج آليات رفد جيش الفقراء بأعداد متصاعدة من البائسين وصلت مع بداية الألفية الجديدة إلى أكثر من مليون وافد جديد سنوياً، جلهم من الأفراد الذين ينتمون إلى المراتب الدنيا من الطبقة الوسطى، إضافة إلى زيادة إفقار الفقراء السابقين عبر اعتماد الحكومة الفيدرالية سياسات تقشفية تحد من موازنات صناديق إعاشة الفقراء وتقلصها إلى أكثر من النصف. أما بالنسبة لظاهرة انعدام الأمن الاقتصادي التي باتت تشكل الظاهرة الأشد خطورة على حياة ومستقبل ومستوى معيشة نحو 80 في المئة من أفراد الطبقة الوسطى الأمريكية فقد بدأت هذه الظاهرة المقلقة تسجل مستويات لم تعرف أمريكا مثيلاً لها منذ الفترة العصيبة التي عرفت في تاريخ الولايات المتحدة بسنوات الكساد العظيم منذ نهاية العشرينيات من القرن المنصرم. وبحسب العديد من الدراسات التي تصدت لهذا الجانب من الأزمات التي بدأت تعانيها الطبقة الوسطى الأمريكية بدءاً من الثمانينيات، فإن الفرد الذي ينتمي إلى الطبقة الوسطى (ما عدا الشريحة العليا من الطبقة المذكورة) لم يعد واثقاً بأنه سيشغل وظيفته في اليوم التالي، فهو يومياً مهدد باللحاق بسابقيه ممن خسروا وظائفهم وباتوا على قارعة الطريق. وذلك في ظل سيادة المفاهيم التي ألغت من القاموس الاجتماعي للولايات المتحدة كل البنود التي تتعلق بأية ضمانات رسمية تكفل حماية العمل والعاملين كما كان عليه الأمر في أمريكا السابقة، أمريكا الليبرالية، أو أية مزايا اجتماعية شبيهة بتلك التي يحصل عليها العاملون في الدول الصناعية المتقدمة بعد انتهاء عملهم. وأيضاً في ظل القوانين السارية التي أطلقت يد المديرين وحرية المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين في الشركات في جميع المسائل المتعلقة بحق الطرد من المنشأة، والنقل خارج حدود الولاية، والحق في بيع المنشأة، أو تقليص حجمها، أو إعلان إفلاسها، أو دمجها مع منشأة أخرى..إلخ.أما على صعيد تركيز الثروة لمصلحة الخُمس الأوفر حظاً على حساب الأربعة أخماس الأسوأ حظاً من الأمة، فقد أدت الترتيبات التي تمت على صعيد إعادة تشكيل المجتمع الأمريكي وفق الطريقة التي تكفل تكيفه القسري مع مناخ هذا الشكل من الرأسمالية الإباحية، إلى خلط الأوراق من جديد وإعادة صيغة توزيع الثروة القومية والدخل القومي لمصلحة الأسر الغنية ولصالح الشريحة العليا من الطبقة الوسطى الأمريكية. وأهمها فئة المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين وبحسب الأرقام التي سجلت منذ بداية التسعينيات، على سبيل المثال، ارتفاع الزيادة في الدخل السنوي للمسؤولين التنفيذيين الرئيسيين في الولايات المتحدة حتى حدود 150 مرة زيادة على الدخل السنوي للعامل المتوسط من أبناء الطبقة الوسطى الأمريكية، رصد في الوقت نفسه في اليابان زيادة بنحو 16 مرة. أما في ألمانيا، البلد الذي تجري فيه محاباة المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين وفق مقادير أعلى من بقية الدول الأوربية المتقدمة صناعياً، فلم تتجاوز الزيادة أكثر من 21 مرة فقط. أما على صعيد المستفيد الأعظم من عملية تدمير مجتمع الطبقة الوسطى (الذي شكل الملمح الأساسي لأمريكا الخمسينيات والستينيات) وإعادة تشكيل المجتمع الأمريكي لكي يتلاءم ويتكيف مع مناخ السوق الحرة، وما نجم عنها بفعل تواطؤ الحكومة الفدرالية مع سلطة الشركات من إعادة خلط الأوراق على صعيد توزيع حصص الثروة القومية والدخل القومي لمصلحة الأغنياء (على طريقة إنقاص حصة الكثرة من الثروة والدخل القوميين بهدف زيادة حصة القلة القليلة من الثروة والدخل المذكورين). فبحسب التقارير التي رصدت ظاهرة الانخفاض الحاد في مستويات المعيشة عند نحو 80 في المئة من أفراد الطبقة الوسطى الأمريكية (ممن باتوا يعتمدون كلياً على السلع الصينية الرخيصة الثمن) فإن الولايات المتحدة باتت الدولة الصناعية الوحيدة في العالم التي تسير بالمقلوب على صعيد رسم السياسات القومية المتعلقة بالأجور. ففي حين كان يشهد عالم الدول الصناعية المتقدمة ارتفاعاً ملحوظاً في دخول العاملين وكسبهم السنوي منذ الثمانينيات والتسعينيات، بدأ سوق العمل في الولايات المتحدة يشهد انخفاضاً ملحوظاً في الدخل الأسبوعي عند نحو 60 في المئة الأدنى من الطبقة الوسطى، وثباتاً في دخل العامل المتوسط، على الرغم من زيادة الإنتاج في أمريكا وفق معدلات تفوق مثيلاتها في بقية الدول الصناعية المتقدمة، مثل فرنسا وألمانيا واليابان، ورغم ارتفاع معدلات الدخل القومي. وبحسب تقارير أمريكية نشرت مع بداية التحولات الجديدة وما نجم عنها من خلط للأوراق بهدف إعادة توزيع الثروة والدخل القوميين لمصلحة الأقلية الغنية، فإن هذه السياسة غير المبررة اقتصادياً في تخفيض وتثبيت الأجور، والتي أدت منذ منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات إلى خفض مستوى معيشة أكثر من ثلثي الطبقة الوسطى، كان يعني سنوياً اقتطاع أكثر من ثلاثة في المئة من الدخل القومي الذي كان من نصيب هذه الشريحة الواسعة من الأمريكيين وتحويلها إلى جيوب القلة القليلة من الأغنياء، وخاصة الأسر الأوسع ثراءً التي نالت حصة الأسد من هذا الصيد الوافر الذي أصبح يدر عليها في العام الواحد أكثر من مئتي مليار دولار.



حسن عبد العال



النور- 248 (7/6/2006)


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا





موبايل:00963944094429

الخميس، 21 مايو 2009

كيسنجر يدعم سياسه خارجيه تقوم على كبح أوربا وتقييد اليابان



كيسنجر يدعم سياسة خارجية تقوم على كبح أوروبا وتقييد اليابان




حسن عبد العال


21-5-2009م


مع نهاية الحرب الباردة، بدأت الساحة الأميركية تشهد موجه من المؤلفات التي تتناول حاجة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية جديدة متناسبة مع هذا التحول الذي أفضت نتائجه الأولية إلى فتح الباب على مصراعيه أمام بزوغ فجر نظام عالمي جديد أحادي القطب ، أهل الولايات المتحدة لاحتلال موقع الزعامة العالمية من دون منازع.ويمكن تقسيم هذه الموجه من المؤلفات إلى فرعين 0 الأول ، ويتمثل بموجة المؤلفات النظرية التي تتناول المبادئ التي يجب أن تحكم السياسة الخارجية والتي يتم انتقائها من حزمة المبادئ الراسخة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة على امتداد تاريخها الدبلوماسي ،واعتماد ما يناسب منها المرحلة الجديدة 0 ومثالها كتاب الباحث في التاريخ الدبلوماسي للولايات المتحدة والتر أ 0 مكدوجال ( أرض الميعاد والدولة الصليبية : أميركا في مواجهة العالم منذ عام 1776 ) الذي صدر عام 1997 . والثاني ، يتناول طرح مناهج واستراتيجيات وسيناريوهات عملية مقترحة ترشد السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وتتعرض بشيء من التفصيل للخطوط العامة التي تحدد وتُأطر علاقة أميركا بالعالم على نحو الإجمال ، إضافة إلى تحديد اتجاهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في كل منطقة جغرافية على حدة 0 ومثالها كتاب زبينغو بريجنسكي ( رقعة الشطرنج العظمى : التفوق الأميركي وضروراته الاستراتيجية الملحة ) الذي صدر بدوره عام 1997 ، وكتاب هنري كيسنجر ( هل تحتاج أميركا إلى سياسة خارجية ؟ : نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين ) الذي أنجز في ربيع عام 2001 ، وصدر بعد اندلاع أحداث أيلول ( سبتمبر ) 2001 بقليل 0 ومن خلال كتابه الذي صدر في ذروة استمرار واحتدام المناظرات والمساجلات الدائرة حول إختيار المبادئ الأمثل التي ستحكم السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وتراوحها بين اعتماد " القيم أو المصلحة " ، " المثالية أو الواقعية " يرى كيسنجر ، على الطريقة التقليدية التي تتطلب من كل مفكر أميركي يتدخل في رسم السياسة الخارجية لبلده أن يحدد قواعد إيمانه ، بأن التحدي الحقيقي يكمن في دمج الاثنين معا ، وبطريقة تذكرنا بالحقيقة الغريبة التي اعترف بها الكاتب الأمريكي أوجين ف 0 روستو في كتابه الذي صدر عام 1993 بعنوان ( Abreakfast For Bonaparte ) ومفادها بأنك إذا سألت كاتب أو مفكر أميركي ما عن المبادئ التي يختارها لكي تحكم السياسة الخارجية الأميركية . وهل يجب أن تتأسس على القوة أو الأخلاق ؟ ، على الواقعية أو على المثالية ؟ ، على البراجماتية أو على المبدأ ؟ . وهل ينبغي أن يكون هدفها حماية المصالح ام تشجيع القيم الأميركية ؟ ، وهل يجب أن نكون قوميين أو عالميين ، ليبراليين أو محافظين 0 عندها سيجيبك على الفور : بكل ما سبق ذكره0واستناداً على هذا المنظور الذي حدده لنفسه، وضع كيسنجر تصوراته للسياسة الخارجية الأميركية ووضع سيناريوهات لها بحسب كل منطقة جغرافية استنادا إلى الفكرة الطاغية المسيطرة عليه ، كما على غيره من الساسة والكتاب الأميركيين ، التي سبق وأن عبر عنها بفجاجة منذ عام 1991 عالم المستقبليات الأميركي ألفين توفلر من خلال كتابة ( تحول السلطة ) والقائلة بعالمية أميركا ، وبأن أميركا التي باتت ترتبط بعلاقات مصلحية وتجارية ، وأحيانا استراتيجية ، مع كافة أنحاء العالم باتت مضطرة للنظر الى أي اجراء يَحد ، ولو جزئيا ، من امتداداتها العالمية على انه إضرار بالمصالح القومية للولايات المتحدة يوجب على واشنطن اتباع سياسة الردع حتى عودة الأمور إلى سابق عهدها . وهذا ينطبق على الدول الحليفة التي بدأت تميل نحو القارية أو الاستقلالية مثل أوروبا واليابان ، أكثر مما ينطبق على الدول المصنفة أنها ليست كذلك0 وخاصة على امتداد قارتي أوروبا وآسيا حيث تتركز المصالح القومية والاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة في العالم .نحو سياسة خارجية رادعةلعزلــة أوروبا عن أميركــا :
فبالنسبة إلى أوروبا السائرة تحو التكامل ، والتي تغير خطابها كثيرا بعد أقل من عقد على انتهاء الحرب الباردة. يعلن كيسنجر بلغة دبلوماسية معتدلة بأنه كأميركي لايعارض المساعي الهادفة إلى انشاء أوروبا الموحدة ، وبالمقابل يعلن بلغة العصا معارضته الشديدة اللهجة للتغير الذي ترافق وتزامن مع المساعي المذكورة في الخطاب الأوربي الذي بدأ يتخذ ، على صعيد العلاقات والمشكلات الدولية ، نبرة استقلالية باتت تظهر أوروبا الموحدة بمظهر التمايز عن الولايات المتحدة ، وأحيانا تظهرها في موقع الناقد للسياسة العالمية للولايات المتحدة بطريقة لم تعهد العلاقات ( الرسمية ) الأميركية الأوروبية مثيلا لها من قبل0أما على صعيد الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أوروبا وأميركا فيرى كيسنجر ، المتوجس من مستقبل قريب تنحل فيه أواصر هذه الشراكة وأثر ذلك على الاستراتجية العالمية للولايات المتحدة ، بأن التغير في الخطاب الأوروبي ( من التطمينات والتأكيدات السابقة التي كانت تطلق في زمن الحرب الباردة والتي كانت تقول بأن الوحدة الأوروبية هي طريقة مثلى لتقوية الشراكة الأطلسية ، إلى القول على أنها وسيلة لخلق توازن مع الولايات المتحدة وإيجاد قوة أوروبية مستقلة قادرة على التصرف خارج اطار الناتو ) سوف يجبر الولايات المتحدة للدفاع عن شبكة مصالحها الأوروبية واللجوء إلى اجراءات انتقامية رادعة مضادة للاتحاد الأوروبي 0 وبحسب كيسنجر الذي لم يفصح عن طبيعة هذه الاجراءات ، فان النقمة الأميركية ستجعل الحياة في أوروبا الموحدة مشوبة بالقلق والخوف من المستقبل ، مما سيؤدي بأوروبا الدخول في درب المتاهة بفعل خسرانها لصديق داعم وحليف كبير ، أو في أفضل الأحوال عودة اوروبا إلى الطريق القديم الذي أدى سابقا إلى تدميرها مرتين خلال جيل واحد ( ويقصد الحرب العالمية الأولى والثانية )0أخيرا على هذا الصعيد المتعلق بهذا المسار الاستقلالي الذي بدأ يهدد أميركا بخسارة أوروبا بطريقة يمكن لها أن توجه ضربة قاصمة لاستراتيجية السيطرة الأميركية على العالم التي تحتاج على الدوام لشبكة من الحفاء الأقوياء وعلى رأسهم أوروبا واليابان ، يتقدم كيسنجر بعرض خيار ثالث يتمثل في حل وسط كفيل بتقديره بتجاوز العقبة الأوروبية القائمة على الاستقلالية والتمايز عن أميركا ، وفي ذات الوقت يتجاوز العقبة الأميركية القائمة على ردود الفعل الغاضبة والتلويح بالإجراءات الانتقامية الرادعه . وهذا الحل يعتمد في الدرجة الأولى على أوروبا ، المتسببة بالشر ، التي مازال ينظر إليها كيسنجر من خلال المنظار المتعالي الأميركي الذي ساد بعيد الحرب العالمية الثانية ، وخلال فترة المناقشات الداخلية التي سبقت إقرار مشروع مارشال ، كقارة ضالة لا يمكن لها أن تسترشد الطريق الصحيح وتصل إلى سن الرشد من دون صديق وحليف كبير كالولايات المتحدة 0 فالمطلوب من أوروبا التخلي عن هذه " السياسة الوقحة " – التعبير لكيسنجر بالطبع – التي تعتمدها فرنسا لنفسها وللاتحاد الأوروبي ، والقائمة على فكرة الاستقلالية والتمايز عن أميركا والظهور بمظهر القوة الأوروبية الموازية والمستقلة في آن معا 0 والاكتفاء بظهورها بمظهر أوروبا الموحدة " شريطة أن لا يكون هذا الظهور على حساب الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أميركا وأوروبا ". وبالمقابل ، على الجبهة الأميركية ، يطالب كيسنجر بالتخلي عن السياسة الأميركية السابقة التي تقوم على استظهار الشعارات القديمة عن التضامن الأطلسي ، والانحناء قليلا أمام المتغيرات التي بدأت تفعل فعلها على امتداد القارة الأوروبية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة وجعلتها تراجع حساباتها القديمة في كافة المسائل المتعلقة بالشراكة الأطلسية . فالنموذج الموجه للاستشارات الأطلسية الذي مازال قائما حتى اليوم لابد من أن يتغير مع التوجه نحو وحدة أوروبية أوسع وأشمل تضم دولا من أوروبا الشرقية 0 أي بحسب الحل الوسط ، أو الطريق الثالث الذي يعرضه كسينجر : على أوروبا أن تتخلى عن نفسها و عن مستقبلها من خلال الأحجام عن قطف ثمار نتائج مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي أهلتها للظهور بمظهر القارة ذات القدرات الاقتصادية و الجيوبولتيكية التي تجعلها في موقع اللاعب الأساسي على الصعيد العالمي . مقابل تخلي أميركا عن بعض المسائل الشكلية التي تتعلق على صعيد الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أميركا و أوروبا ، بالشؤون الإدارية و الاستشارية و اللوجيستية .ربط اليابان بسلاسل عسكريــــة :تشكل آسيا القارة الثانية في شبكة الاهتمامات الأميركية . و لعلها القارة التي يشكل التعامل معها أمرا هو الأكثر تعقيدا نظرا لتنوع النظم السياسية و تنامي الروح القومية مقارنة بأوروبا الموحدة . و قد يستغرب البعض القول بأن اليابان ، الحليف الأساسي لأميركا في آسيا ، هي المشكلة الكبرى التي باتت تسيطر على واضعي السياسة الأميركية في منطقة آسيا - الهادي ، و ذلك ناجم عن الخوف من مستقبل قريب تجنح فيه اليابان نحو خيارات استقلالية تتحلل بموجبها من ارتباطاتها بالإستراتيجية الأميركية في آسيا – الهادي . فاليابان تعد نفسها ، أو بتعبير أدق تهيء نفسها بصبر و روية لذلك الدور منذ نهاية الحرب الباردة التي ساهمت النتائج الأولية الناجمة عن زوالها في خلق أجواء و أحداث تيارات يابانية جديدة غير رسمية ( و حتى شبه رسمية ) تقول بضرورة انتقال اليابان من واقعة كبلد يحتمي بالمظلة الأمنية الأميركية ، إلى بلد يعتمد على قواه الذاتية المستقلة في حماية نفسه من أي خطر خارجي محتمل . كما أدى ذلك إلى ازدياد اهتمام اليابان ببناء قدراتها العسكرية بحيث أصبحت ميزانيتها العسكرية ، التي تستهلك معظمها الخطط الدورية و المشاريع القومية المخصصة لبناء ترسانتها العسكرية ، هي الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة ( بعد ما كانت الثالثة بعد أميركا و روسيا ). و أمام هذه المشكلة التي لايتجاهل ذكرها في معرض حديثه عن واقع و مستقبل علاقة التحالف التي تجمع بين أميركا و اليابان في منطقة آسيا – الهادي ، يعلن كيسنجر بفجاحة عن أهمية استمرار الولايات المتحدة في التدخل في آسيا و المتمثل أساسا في الوجود العسكري الأميركي فوق الأراضي اليابانية باعتباره يشكل ، إضافة لجدارته على الصعيد الآسيوي العام ، جدوى إستراتيجية مماثلة على صعيد تقييد اليابان بسلاسل عسكرية تعمل على ضبطها و استمرار التزاماتها مع الولايات المتحدة ، و منعها من الانسياق وراء سياسات أمنية و خارجية تستند إلى دوافع قومية . و على صعيد مواز ينصح كيسنجر الولايات المتحدة بتحسين خطابها السياسي مع اليابان من خلال إعادة صياغة التحالف الأميركي الياباني بطريقة تُؤخذ بها و بجدية الأفكار اليابانية المتعلقة بتطوير هذا الحوار ، و بالتالي العمل على ظهوره ـ شكليا على الأقل ـ بمظهر تحالف قائم على نتائج ناجمة عن حوار بين حليفين متساويين . و الأهم من ذلك بحسب كيسنجر على الولايات المتحدة عدم الانجرار في آسيا نحو سياسات صقورية أو تصادمية مع هذه الدولة أو تلك ، لأن ذلك يؤدي من ناحية إلى ازدياد كراهية أميركا في آسيا ، ومن ناحية أخرى إلى زيادة تفكير اليابان ، التي باتت تحلم بسياسة أمنية و شبكة أمان مستقلة خاصة بها في آسيا ، في التحلل من الالتزامات الملقاة على عاتقها على صعيد التحالف الأميركي الياباني.
الكتاب : هل تحتاج أميركا إلى سياسة خارجية ؟


الكاتب : هنري كيسنجر


الناشر : دار الرأي ، دمشق 2006


النور الاسبوعيه


22\8\2007م


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429
===================================================================

الثلاثاء، 19 مايو 2009

انحسار الدور الوظيفي لاسرائيل: حسن عبد العال

انحسار الدور الوظيفي لإسرائيــــــــل
حسن عبد العال
19-5-2009م

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، بدأت تبرز وجهتا نظر على صعيد التوقعات المتعلقة بمستقبل الدور الوظيفي لاسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط . فمن جهة أولى رأى البعض بأن الاعلان عن نهاية الحرب الباردة وما أعقبه من بروز نظام دولي جديد يقوم على هيمنة القطب الواحد ، والنزوع المتعاظم للولايات المتحدة نحو التحكم واطباق سيطرتها الكلية على العالم ، سيعمل بالضرورة على تعزيز الدور الوظيفي لإسرائيل وتوسيع المجال الجغرافي لهذا الدور ليتجاوز الشرق الأوسط العربي 0 ومن جهة أخرى يرى البعض الآخر ، ونحن من عداده ، بأن انهيار الاتحاد السوفييتي وما أعقبه من اعلان عن نهاية الحرب الباردة ، قد أدى بالضرورة إلى توجيه ضربة قاصمة للدور الوظيفي لاسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية والذي هو ـ أي دور " الدولة الوظيفية " ـ في حقيقة الأمر كان ومازال خياراً اسرائيليا تماماً ، أكثر من كونه خياراً أميركيا 0 وبحسب هذا البعض الذي يرى بأن النتيجة المنطقية لتبدد أجواء ما كان يصفه الأميركيون بالخطر السوفييتي على المصالح الحيوية لأميركا في منطقة الشرق الأوسط ، قد أدى ، فيما أدى – عمليا - إلى تقليص و تقزيم الدور الوظيفي المناط بدولة إسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في عموم منطقة الشرق الأوسط ، حيث أن تاريخ السنوات الخمسة عشر التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي ، وتفكك منظومة الدول الشيوعية السابقة ، لم يشهد واقعة واحدة لجأت فيها الولايات المتحدة لاسرائيل لأداء دور ما محدد في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، وانما على العكس من ذلك تماما فقد دشنت الولايات المتحدة بالتزامن مع نهاية الحرب الباردة ، نهجا يقوم على استبعاد إسرائيل من دائرة عملياتها الحربية في المنطقة واعتمادها في ذلك كليا على قوى ، أطلسية أو غير أطلسية ، حليفة من خارج منطقة الشرق الأوسط ، أو في حال اعتمادها بشكل أو بآخر على أنظمة من داخل حظيرة الشرق الأوسط فان إسرائيل ، وفق ما أصبحت تقتضيه المصلحة القومية للولايات المتحدة ، باتت مستبعدة كليا عن مثل هذا الدور ، لأن مشاركتها باتت تضر بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط أكثر بكثير من النفع الذي يمكن لها أن تقدمه 0 ومثالنا في ذلك استبعاد واشنطن لأي دور اسرائيلي في حربها الأولى على العراق عام 1991 ، رغم الرغبة العارمة التي أبدتها إسرائيل للمشاركة بفعالية في الحرب المذكورة ، واستبعادها بالتالي لأي دور إسرائيلي في حربها على أفغانستان ، ولأي دور في حربها الثانية على العراق ربيع عام 2003 أيضا وذلك برغم الرغبة العارمة التي أبدتها إسرائيل للمشاركة الفعلية في هذه الحرب التي كانت تنشد إسرائيل من خلال المشاركة الفعلية بها استعادة دورها الوظيفي ( العملي ) في خدمة المصالح و التوجهات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة بعدما أصبح هذا الدور مجرد نوع من الدعاية المضللة التي يروج لها في تل أبيب وواشنطن بهدف ضمان استمرار تدفق المساعدات الأميركية 0 أو مجرد تعبير عن واقعة سابقة ، وغير مستعادة ، تُذكر بالأدوار التي قامت بها إسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في زمن الحرب الباردة0من خلال هذه المعطيات التي باتت تعبر حقيقة و فعلا ، بالتزامن مع نهاية الحرب الباردة ، عن تراجع الدور الوظيفي لإسرائيل في خدمة المصالح و التوجيهات الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ، لابد من الإشارة إلى أن هذه المعطيات ، رغم ما باتت تعبر عنه كحقائق ملموسة على الأرض ، لا تعني بالنتيجة ، و على المستوى النظري ، نهاية الدور الإسرائيلي المذكور في الخطاب الرسمي الأميركي 0 فإسرائيل ما زالت في الخطاب الرسمي الأميركي تمثل الذراع المديدة و الإداة الشديدة البأس و السريعة الحركة ، و في موقع الشريك الإستراتيجي الرئيسي الذي يتوجب على الولايات المتحدة المحافظة على مخصصاته السنوية التي تبلغ نسبتها خمس المساعدات السنوية الأميركية المقدمة لدول العالم ، إضافة إلى واجب تزويده ، و على الدوام ، بأرقى التقنيات الحربية بهدف الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري على كافة الأقطار المكونة للشرق الأوسط العربي . و على هذا الصعيد الأخير ، الذي بالرغم من كل ما سبق ، ما زال يشير إلى أن أميركا و إسرائيل لم تستسلما أمام هذه المعطيات فإن من الخطأ ، أمام الحرص الأميركي على الدور الإسرائيلي ، تصور اقتصار الخطاب الرسمي الأميركي على ترديد اسطوانة أهمية الدور الإسرائيلي في خدمة المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة من دون ربط ذلك بشواهد و مؤشرات ناجمة عن وقائع ، و إن تكن متواضعة بعض الشيء ، لتؤكد ذلك الدور . من هنا ، من هذه الزاوية التي تتعلق باقتناص الفرص المؤاتية و الكفيلة بإفساح المجال أمام إسرائيل للقيام بعمليات متواضعة تصب في المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، يمكن لنا أن ندلف إلى حرب تموز (يوليو) الإسرائيلية الموجهة أميركيا ، و التي كان الهدف الحقيقي منها ، كما اتضح ذلك نقلا عن مصادر أصحاب القرار في واشنطن ، إعادة إقلاع المشروع الأميركي الخاص بالشرق الأوسط الكبير من خلال البوابة اللبنانية و بواسطة الأداة العسكرية الإسرائيلية الضاربة . و على هذا الصعيد الأخير ، أو بتعبير أدق على صعيد الحملة العسكرية التي أديرت إسرائيليا ، بطلب و دعم أميركيين ، فإن الأداء الإسرائيلي المرتبك و المتعثر على صعيد المواجهات العسكرية المباشرة فوق أرض الجنوب قد زاد الطين بلة على الصعيد العملي المتعلق بالدور الوظيفي لإسرائيل في خدمة المصالح و التوجهات الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط 0 و لعل أبلغ دليل على ذلك ما بتنا نشهده هذه الأيام على صعيد المراجعات الأميركية ، غير الرسمية و شبه الرسمية ، التي بدأت تظهر في واشنطن خلال و بعيد حرب تموز وأثرها على صعيد تقرير مدى المساهمة الإسرائيلية ، راهنا و مستقبلا ، في خدمة المصالح و التوجهات الإستراتيجية الأميريكية في المنطقة ، و لعل أبرزها على هذا الصعيد التقرير الدبلوماسي الأميركي الذي تسربت مضامينه في الآونة الأخيرة ، و الذي توصل إلى نتيجة مفادها ، و بصريح العبارة ، بأن الجيش الإسرائيلي : " لم يعد يشكل تلك القوة الرادعة التي يمكن أن تتكئ عليها الولايات لمتحدة في منطقة الشرق الأوسط " .
- انتهى -

المستقبل 5\10\2006م

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

الأحد، 17 مايو 2009

الجغرافيا أم الديمغرافيا:اسرائيل بين خيارين:حسن عبد العال




الجغرافيا أم الديموغرافيا : إسرائيل بين خيارين



حسن عبدالعال



18-5-2009م



خلال عقد الثمانينات من القرن المنصرم ، وتحت وقع انخفاض معدلات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وانبعاث النبوءات الديموغرافية التي كانت تفيد بأن الفلسطينيين سيصبحون أكثرية فوق أرض فلسطين التاريخية مع نهاية القرن العشرين ، بدأت أوساط جريئة من داخل الفكر الديموغرافي الإسرائيلي بالترويج للفكرة التي تقول بِأن التوقعات الديموغرافية باتت تفرض على إسرائيل اعادة حساباتها وتلافي الكارثة الديموغرافية المتوقعة من خلال الإنسحاب من المناطق( أي من الضفة الغربية وقطاع غزة ) والانكفاء داخل الخط الأخضر حيث يشكل اليهود أغلبية مطلقة تضمن سلامة المشروع الصهيوني الذي لابد له أن يتأذى ويتعرض للانهيار في حالة الاصرار على سياسة ضم والحاق هذه المناطق التي تمتاز بكثافة فلسطينية عاليه ، اضافة إلى نسبة تكاثر طبيعي هي الأعلي في العالم 0 ومع بداية الألفية الجدية التي شهدت نهاية موجة هجرة اليهود القادمين من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية وتحت وقع انخفاض معدلات الهجرة اليهودية الوافدة إلى إسرائيل وتدنيها دون الحد الأدنى المطلوب ، بدأت منابر الفكر الديموغرافي الاسرائيلي تشهد من جديد الترويج للفكرة ذاتها ، أي للفكرة التي تقول بأن التوقعات الديموغرافية عن العقدين الأولين من القرن الحالي باتت من جديد تفرض على إسرائيل الانسحاب من المناطق والتخلي عن فكرة " أرض إسرائيل " التي تشكل الفكرة الأساس في المشروع الصهيوني ، لأن نسبة التكاثر الطبيعي العالية عند الفلسطينيين في الضفة والقطاع باتت ترشح هذه الكتلة السكانية لتكون موازية للكتلة السكانية اليهودية داخل الخط الأخضر مع نهاية العقد الثاني ، وهو الأمر الذي يعني في حال احتساب عرب 48 فإن عدد السكان الفلسطينيين سيزداد بنحو 2.2 مليون نسمة على اليهود فوق أرض فلسطين التاريخية 0 ولهذا الأمر الذي بات يفترض بحسب دعوى العديد من علماء الديموغرافيا من الإسرائيليين الحريصين على مستقبل إسرائيل من أمثال الصهيوني المتشدد البروفسور أرنون سوفير ( من جامعة حيفا ) والبروفسور الذي لايقل عنه كفاءه وشهرة سيرجي دي لافرغولا ( من الجامعة العبرية في القدس ) القيام بتنازلات جغرافية مؤلمة تستدعي التخلي عن هذا الجزء من أرض إسرائيل الذي استعيد خلال حرب 67 ، البدء باعطاء الأولوية للديموغرافيا على الجغرافيا 0 وعليه فالمتابع لملف المداولات والنقاشات المتعلقة بمستقبل إسرائيل على جبهة المواجهة الديموغرافية مع الفلسطينيين بات يرى تغيرا ملحوظا في الفكر السياسي والديموغرافي الاسرائيلي حول الأولويات 0 فالأولوية باتت للديموغرفيا على الجغرافيا ، أي لدولة يهودية فوق أرض محددة يكون اليهود فيها أكثرية السكان كما هو واقع الأمر داخل الخط الأخضر 0 وليس للجغرافيا ، أي لدولة فوق أرض فلسطين التاريخية يكون اليهود فيها أقلية سكانية .وعليه فالمقدس وفق هذا المفهوم بات يرتبط من وجهة نظر سلامة الموقف الصهيوني بفكرة ضمان الأكثرية اليهودية فوق جزء من أرض إسرائيل ، وليس بفكرة أرض إسرائيل 0 ووفق هذا المنظور الذي بات يعطي الأولوية للديموغرافيا على الجغرافيا فالقول بوحدة القدس والاصرار على مقولة العاصمة الأبديه لاسرائيل واستمرار التمسك بسياسة ضم القدس الشرقية لم يعد من المقدس في شيء لأن القدس الشرقية التي تشير الاحصاءات الاسرائيلية التي أفصح عنها شيمون بيريز مؤخرا بأنها تضم نحو 240 ألف فلسطيني سوف تشكل في حال ضمها إلى إسرائيل بؤرة ديموغرافية شديدة الخطورة على دولة اليهود ، وبالتالي سوف تزيد من المخاطر الديموغرافيه لعرب 48 الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية وتدعم فيالقهم بأكثر من 200 ألف فلسطيني على جبهة المواجهة الديموغرافية مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وفق تقدير الخبير الاستراتيجي اللواء ( متقاعد) شلومو غازيت في معرض رده الذي اتصف بالسخرية عام 2001 من الوزير الاسرائيلي المكلف بملف القدس يهودا أولمرت.كان هذا بالنسبة إلى المناطق ، أي إلى غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية التي لم يعد مشروع ضمها مشروعا مقدسا يخدم في شيء الفكرة الصهيونية ، أو المشروع الصهويني بحسب دعاة اعطاء الأولوية للديموغرافيا ، وليس للجغرافيا 0 أما بالنسبة للأراضي التي تدخل ضمن نطاق الخط الأخضر ، أي ضمن حدود إسرائيل المعترف بها دوليا، فيمكن القول بأن قطاعات منها باتت مشمولة بفكرة التنازلات الجغرافية المؤلمة التي لم تعد تقتصر على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ، وإنما الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر التي تتواجد فيها كثافة سكانية من عرب 48 ، ونقصد بذلك الأراضي المحاذية للضفة الغربية مثل المثلث الصغير ووادي عارة حيث يتجمع أكثر من 300 ألف فلسطيني من حاملي الجنسية الاسرائيلية 0 فبحسب أقطاب هذا التيار الذي بات يعطي الأولوية للديموغرافيا على حساب الجغرافيا فان ضمانة مستقبل إسرائيل كدولة يهودية بات يوجب على إسرائيل التنازل عن هذه المناطق ذات الكثافة السكانية العربية والحاقها ارضا وسكانا بالدولة الفلسطينية المقبلة بدعوى أن هذا الاجراء في حال كتب له التحقق سيؤدي إلى خسارة الكتلة السكانية العربية من حاملي الجنسية الاسرائيلية نحو 300 الف نسمة وفق تقديرات عام 2001 ونحو 600 ألف نسمة وفق توقعات عام 2020 ، ولعل هذه الدعوة الأخيرة المتعلقة بفكرة التنازل عن أراض داخل الخط الأخضر والتي حظيت بموافقة وتأكيد العديد من الخبراء ومراكز البحث الديموغرافي في إسرائيل لخير دليل على عمق الأزمة التي بدأ يعيشها الكيان الصهيوني على جبهة المواجهة الديموغرافية مع الفلسطينيين منذ بداية الألفية الجديدة0ـ انتهى ـ
المستقبل 11\10\2005م



حسن عبد العال



باحث فلسطيني مقيم في سوريا




موبايل:00963944094429




=================================================================================