الأربعاء، 12 مايو 2010

ترانسفير من دون ألم:حسن عبدالعال

ترانسفير من دون ألم

•حسن عبدالعال *

12-5-2010م

منذ خمسة أعوام والفكر السياسي الإسرائيلي يبحث عن حلول لمكافحة الخطر الديموغرافي الذي يروج له الفريق الأبرز من الديموغرافيين الإسرائيليين الذين أوصلتهم أبحاثهم إلى تقرير حقيقة تقول بأن فلسطينيي عام 1948 الذين باتوا يشكلون مع بداية الألفية الجديدة نسبة 20 في المئة من سكان إسرائيل ، سيصبحون عام 2020 نحو 35 في المئة على أقل تقدير بفضل مفاعيل المعادله الديموغرافية القاتلة ـ حسب تعبيرهم بالطبع ـ التي تفيد بأن عامل الخصوبة العالية عند الفلسطينيين بات يكفل لهذه الزمرة السكانية التي تعيش داخل الخط الأخضر مضاعفة عدد سكانها كل 20 عاما ، وبالمقابل فإن عامل الخصوبة المتدني عند اليهود الإسرائيليين ( قياسا مع الفلسطينيين بالطبع) لم يعد يكفل لهذه الزمرة السكانية مضاعفة عددها إلا كل 40 عاما على أبعد تقدير . ومن هذه الحلول العديده والمتنوعة التي بدأ يسوق لها الفكر السياسي الإسرائيلي عبر العديد من باحثيه ومفكريه وخبرائه الاستراتيجيين ، إلى جانب علماء وخبراء رفيعوا المستوى على صعيد الأبحاث والدراسات الديموغرافية ، برزت أفكاره ومشاريع حلول لمواجهة تنامي القوة العددية المتصاعدة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر تجمع على ضرورة تخفيض عدد السكان الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الى أقل من النصف ، وذلك بهدف درء الخطر المستقبلي الذي بات يهدد بتحول الأكثرية اليهودية في إسرائيل إلى كتلة سكانية تقل عدديا عن الكتلة السكانية الفلسطينية خلال العقود القليلة القادمة. ومن هذه الأفكار ومشاريع الحلول التي لم تعد ترى خلاصاً لاسرائيل من كارثة ديموغرافية مرتقبة من دون ترانسفير ، برزت افكار واتجاهات تجديدية ومبتكرة في الفكر السياسي والديموغرافي الإسرائيلي تروج لأفكار ومشاريع حلول تقول بـ "ترانسفير من غير ألم" ، أي بترانسفير لايعتمد العنف كوسيلة لتحققه على الطريقة القديمة ، والمستنكرة دولياً ، التي اتبعتها إسرائيل عام 1948 وأفضت إلى اقتلاع ثلاثة أرباع السكان الفلسطنيين من مدنهم وقراهم وتهجيرهم خارج الحدود 0 ومن هذه الأفكار مشاريع الحلول التي تقول بضررة الترانسفير وفق صيغة حضارية جديدة يمكن أن تؤدي إلى ذات النتيجة التي يمكن الحصول عليها من خلال اتباع الوسائل القهرية والعنيفة ، بدأت تبرز منذ سنوات أفكار ومشاريع حلول تعبر عن هذا الاتجاه الجديد بعضها يدعو إلى نوع من الترانسفير الداخلي ، أي ترانسفير ضمن المجال الجغرافي لفلسطين التاريخيه ، وآليته تعتمد على فكرة تقول بضرورة نقل نحو 30 في المئة من الفلسطنييين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية من خانة دولة إسرائيل إلى خانة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ مستقبلاً في المناطق ( أي في الضفة الغربية وقطاع غزة ) وبعضها يقول بشكل آخر من الترانسفير يؤدي في حال تحقق فكرته ونجاح المشروع الخاص به إلى نقل عشرات الآلاف من الفلسطنيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بعيداً عن إسرائيل عبر اتباع وسائل تعتمد على مبدأ الرضى والقبول ، أي على طريقة العقود المبرمة بين فريقين ، وتستند إلى موافقة الفريق الثاني ( الفلسطيني ) على مايقدمه الفريق الأول (الإسرائيلي ) من تعويضات وخدمات مقابل موافقته على الرحيل نهائيا عن البلاد0 وفي إسرائيل بات يعرف هذا الشكل الذي مازال يرى دعاته بأنه سيساهم بنصيب وافر في تقليص البقعة الفلسطينية من على الخارطة السكانية لدولة إسرائيل بعبارات ومصطلحات مثل " ترانسفير طوعي " أو " ترانسفير بالتراضي " أو "ترانسفير بالاقناع "ترانسفير داخلي :يعتبر هذا الخيار الأكثر رواجا في أوساط الخبراء الاستراتيجيين وعلماء الديموغرافيا الباحثين عن حلول عملية ، واقعية وممكنة ، تجنب إسرائيل من مصير محتوم سيحيلها إلى دولة أقلية يهودية فوق أرض فلسطين التاريخية خلال العقد الثاني من القرن الحالي . وتمكنها بالتالي من الحفاظ على الصبغة اليهودية لدولة إسرائيل عبر التخلي نهائيا عن قطاع غزة والضفة الغربية ( بما فيها القدس الشرقية ) والانكفاء داخل الخط الأخضر الذي يفصل بين حدود إسرائيل المعترف بها دوليا وبقية أراضي فلسطين التاريخية قبل حرب عام 1967، والذي ضمن حدوده وفوق مساحته التي تغطي أكثر من 60 في المئة من أرض فلسطين التارخية يجب أن تجري المعركة الفاصلة بين الفلسطنيين و الإسرائيليين على جبهة الحرب الديموغرافية الدائرة بين الشعبين 0 وبحسب هذا الخيار الذي يهدف إلى تجنيب إسرائيل من مخاطر الاستمرار في التخبط وسط خضم المحيط السكاني العربي فوق أرض فلسطين التاريخية ، فان المسألة لم تعد تقتصر على ضرورة إخلاء المناطق ، أي الضفة الغربية وقطاع غزة ، والتخلي عن مشروع ضم القدس الشرقية التي باتت تضم نحو 240 ألف فلسطيني – بحسب أرقام عام 2005 - وإنما الدعوة إلى تخلي إسرائيل عن منطقة المثلث ووادي عارة الواقعة داخل الخط الأخضر والمحاذية لأراضي الضفة الغربية والتنازل عنها أرضا وسكانا إلى السلطة الفلسطينية ، أو الدولة الفلسطينية المقبلة . وبحسب هذا الاتجاه الذي يتزعمه اثنان من أبرز العلماء الديموغرافيين في إسرائيل وهما البروفسور أرنون سوفير ( من جامعة حيفا ) والبروفسور سيرجي دي لا فرغولا ( من جامعة العبرية في القدس ) ، اضافة إلى فريق من دعاة ومناصري هذا الخيار الذي أصبح يمثله دعاة وناشطون من أمثال افرام سنيه وشلومو أفنيري ....الخ فان هذا الاجراء العملي وان كان سيفضي إلى تخلي اسرائيل عن جزء من أرضها المعترف بها دوليا فانه بالمقابل من وجهة نظر دعاة هذا الخيار الذي بات من وجهة نظر الدفاع عن سلامة المشروع الصهيوني يعطي الأولوية للديموغرافيا على الجغرافيا، سيؤدي إلى خسارة الكتلة السكانية العربية داخل الخط الأخضر نحو 300 ألف فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية وفق حسابات هذه الأيام ، ونحو 600 ألف نسمة وفق توقعات عام 2020 ، أي ستؤدي مفاعليه إلى قطع أحد أطراف الغول الديموغرافي الفلسطيني وتأجيل لحظة الكارثة الديموغرافية التي سيصبح فيها فلسطينيوا عام 1948 ثلث السكان مع اقتراب عام 2020 على أبعد تقدير 0 وفي خطوة لاحقة وبهدف التخفيف من الألم الذي يمكن أن يصاحب فكرة تنازل اسرائيل عن جزء من أراضيها المعترف بها دوليا ، بدا دعاة هذا الخيار الاستراتيجي القائم على فكرة الترانسفير الداخلي بتطوير فكرته وتضمين المشروع المذكور فكرة تقول بالمقايضة ، أي بمقايضة الأراضي ، أو" تبادل المناطق " وبحسب الآلية المقترحة لهذا الحل تقوم إسرائيل بضم المستوطنات الكبرى التي تضم أكثرية المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقريبة من الخط الأخضر ، مثل مستعمرات " أرييل " و " معاليه أدوميم " و " غوش عتسيون " مقابل تخليها عن منطقة المثلث الصغير ووادي عارة بأرضة وسكانه لصالح السلطة الفلسطينية ، أو الدولة الفلسطينية القادمة0ترانسفير بالتراضي :إلى جانب المشروع القائل بالترانسفير الداخلي وبموازاته ، برز مشروع آخر يؤكد على الفكرة ذاتها التي عبر عنها دعاة مشروع الترانسفير الداخلي والقائلة بأن المشكلة الديموغرافية التي ستواجه اسرائيل وتنفي عنها صفتها كدولة ذات أكثرية يهودية خلال العقود القادمة لم يعد بالامكان التغلب عليها من دون اعتماد أفكار ومشاريع حلول تقود إلى الترانسفير ، أو بتعبير أدق الاتجاه نحو حلول عملية تفضي إلى مايمكن تسميته " ترانسفير حضاري " غير مستنكر دوليا ، ويمكن له أن يحقق الهدف المتفق عليه وهو تخفيض حجم الكتلة السكانية العربية المنتشرة داخل الخط الأخضر إلى أقل من النصف 0 وتقوم فكرة هذا المشروع على اعتماد صيغة عقد الصفقات بين إسرائيل وحاملي الجنسية الإسرائيلية من عرب 48 ، وبموجبه تقوم اسرائيل ممثلة بمكاتب ذات صفة أهلية ، أو غير رسمية ، بتقديم عروض سخيه ومغرية للفلسطينيين المرشحين من قبلها للهجرة خارج البلاد مقابل التزام هؤلاء بعدم العودة إلى اسرائيل ، ومن خلال مضمون العروض التي قدمت فعليا بدءاً من النصف الأول من العام 2002 وتم ايصالها إلى عشرات الآلاف من فلسطينيي عام 1948 عبر وسائط مباشرة أو غير مباشرة ، وضمن حملة علاقات عامة وصلت إلى حد الترويج للهجرة على صفحات الجرائد عبر اعلانات مدفوعة الأجر باللغتين العربية والعبرية ، فان الجهة التي تمثل الفريق الأول ، أي الجهة الإسرائيلية ، لاتطلب من الفريق الثاني ، أي الفلسطيني المرشح للهجرة ، سوى التوقيع على تعهد رسمي يفيد بتخليه نهائيا عن الجنسية الإسرائيلية مقابل ضمان الفريق الأول للفريق الثاني حق الاقامة الدائمة له ولجميع أفراد أسرته في كندا أو الولايات المتحدة أو استراليا *( أو أي بلد آخر يختاره خارج الشرق الأوسط ) ويضمن له في مكان اقامته الجديدة عملا ثابتا ومنزلا مستأجرا ، وفوق ذلك يحصل على ثمن بيته الذي سيرحل عنه ، اضافة إلى مبلغ قدره مائة ألف دولار أميريكي 0 وبحسب دعاة هذا المشروع والقائمين على تنظيم حملته فان هذه الحملة المستمرة منذ عام 2002 يمكن لها أن تبعد نهائيا نحو 15 في المئة من الفلسطنيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر والبالغ عددهم اليوم نحو 1.350 مليون نسمة 0 وأيضا وبحسب دعاة هذا المشروع والقائمين على تنظيم حملته التي قامت في مرحلة أولى بدراسة شبه ميدانية لأحوال السكان العرب على مستوى التجمعات والأفراد فان نجاح هذا المشروع بات يعتمد في مرحلة أولى على الفلسطينيين العاطلين عن العمل ، أو غير الراضين عن ظرف عملهم ومستوى معيشتهم ، ووفق الدراسات الاحصائية الإسرائيلية التي تفيد بأن نسبة البطالة وانخفاض مستوى المعيشة هي الأعلى في صفوف عرب 1948 ، فان القوة العاملة العربية في اسرائيل التي تعاني أكثر من غيرها من القوانين والعنصرية التي تطال مواطني الدولة من غير اليهود باتت تشكل المصدر الأساسي الذي بات يعول عليه أصحاب فكرة هذا المشروع الصهيوني الجديد في انجاح فكرتهم وتحقيق نسبة هجرة في صفوف عرب 1948 لاتقل معدلاتها في مرحلة أولى عن 15 في المئة من مجموع هذه الكتلة السكانية النامية التي كانت ومازالت تشكل مصدر قلق للدولة ، ومصدر خطر على المشروع الصهيوني القائل بدولة ذات أكثرية يهودية مطلقة فوق مساحة دولة إسرائيل المعترف بها دولياً على أقل تقدير0
* على صعيد مواز ومتزامن مع هذه الحملة بدأت وزارة الخارجية الإسرائيلية بارسال اشارات موجهه للمرشحين للهجرة عن اسرائيل تفيد بأن اسرائيل باتت جاهزة لتنفيذ كافة التزاماتها على هذا الصعيد 0 وعلى سبيل المثال نقلت الصحف الاسرائيلية الصادرة بتاريخ 9/6/2002 عن ناطق رسمي باسم وزارة الخارجية معلومات تفيد بأن الحكومة الكندية استكملت بناء حي سكني خاص بالذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ويرغبون بالهجرة إليها0 وبحسب الناطق المذكور فان هذا الحي مجهز حسب الأصول ويتكون من 1350 وحدة سكنية0
*كاتب فلسطيني
ـ انتهى ـ

حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا

:موبايل:00963944094429

بيــــان مــــن أجــــل فلسطيــن:• حسن عبد العال




بيــــان مــــن أجــــل فلسطيــن


عرض وتحليل حسن عبد العال


12-5-2010م


عرف عن الرئيس جيمي كارتر اهتمامه بمسألة الصراع في الشرق الأوسط والقصية الفلسطينية قبل سنوات من وصوله إلى البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة ، و خلال فترته الرئاسية الممتدة من عام 1978 حتى عام 1981 ، و بحكم موقعه كرئيس ، ازداد احتكاك جيمي كارتر بملف الشرق الأوسط و ازدادت آماله بتحقيق رؤيته عن حل لإنهاء الصراع في المنطقة المذكورة التي سيق له و أن عبر عنها قبل وصوله إلى الرئاسة ، والتي تتلخص كما جاء في كتابه الصادر في نيويورك عام 1982 بعنوان : Keeping Faith : Memoirs of a President ، بالوصول إلى حل مرضِ يقوم على تسوية تستجيب للحاجات الضرورية الأساسية لكل طرف من الأطراف : " الأمن والسلام لإسرائيل ، و تقرير المصير للشعب الفلسطيني ، و استرداد الدول العربية لأراضيها " । و هي الرؤية التي عمل عليها خلال فترته الرئاسية التي توجت ،على صعيد حل الصراع العربي الإسرائيلي ، باتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية التي أبرمت برعايته وتحت إشرافه عام 1978 و التي عرفت باسم " اتفاقية كامب ديفيد " التي ما زال يعتبرها كارتر مفخرة وإنجاز عظيم من إنجازاته ، و التي ما زال يستذكرها بألم وحسرة ، لأن إسرائيل التي وفت بالتزامها في القسم المتعلق بالحل على المسار المصري الإسرائيلي ، من خلال انسحابها الكامل من سيناء وفق البروتوكولات المقررة ، عادت وانقلبت على الالتزامات التي وقعت عليها في كامب ديفيد 1978والمتعلقة بالحل على المسار الفلسطيني الإسرائيلي الذي ينص على الانسحاب الكامل من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة । وهو نكول وارتداد تم، بحسب كارتر ، وفق خطط و سيناريوهات لم تقتصر على أساليب المماطلة والتأجيل وإطلاق الوعود الكاذبة ، وإنما تعدت كل ذلك بتدشين نهج استعماري شديد القساوة على الأرض والسكان في آنٍ معا ، ويقوم على تثبيت أركان الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية ، وتوسيع رقعة الاستيطان ، عبر سياسة متعمدة تقوم على مصادرة و نهب الأراضي ، ومصادر المياه في الضفة والقطاع ، وبطريقة تعبر عن مخالفات هي الأشد فجاحة لمعاهدة جنيف والقانون الإنساني الدولي وبالطريقة التي باتت بها منطقة شديدة الازدحام بالسكان ، مثل قطاع غزة الذي اختاره كارتر كمجرد مثال ، مقسمة تقسيما جائرا ما بين ثمانية آلاف من المستوطنين اليهود الذين يسيطرون بقوة الاحتلال على 40 في المئة من الأراضي الزراعية ، وأكثر من نصف مصادر المياه ، و 1.3 مليون فلسطيني بات من نصيبهم نحو 60 في المئة فقط من الأراضي الزراعية ، و أقل من نصف مصادر المياه . (ص 176) .مسؤولية إسرائيل في انهيار عملية السلام التي تمت تحت رعايته من خلال اتفاقية كامب ديفيد لعام 1978 ، و عودة دورة العنف الناجمة عن ارتداد إسرائيل عن عملية السلام ، من خلال رفضها عمليا الاعتراف بالحقوق الفلسطينية عبر سياسات منهجية و متعمدة تسببت ، و ما تزال تتسبب ، بالمزيد من الويلات على الشعب الفلسطيني و الإسرائيلي ، هي مقولة مركزية في كتاب كارتر الذي يُحمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ( من بيغن إلى أولمرت ) مسؤولية التدمير المنهجي و المخطط لعملية السلام ، إضافة إلى المحصلة الكاملة للمصائب التي حلت بالشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في مرحلتي ما بعد كامب ديفيد 1978 و أوسلو 1992 ، والتي أزهقت أرواح آلاف من المدنيين من كلا الجانبين ، بما فيهم الأطفال و النساء والمسنين . وبحسب كارتر في كتابه فإن أطروحته القائلة بتحميل إسرائيل لوحدها تبعات إنهيارعملية السلام ، و عودة دورة العنف من جديد في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، و داخل التجمعات المدنية الإسرائيلية ، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 والثانية عام 2000 ، ( بسبب نكول إسرائيل و ارتدادها عن التزاماتها التي وقعت عليها ، و المتعلقة بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة ، والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المنصوص عليها في القرارين الدوليين 242 لعام 1967 و 338 لعام 1973 ) ليست وليدة العام الذي صدر فيه كتابه (نهاية عام 2006) بل هي أطروحة كثيرا ما واجه بها القادرة الإسرائيليين الذين اجتمع بهم خلال زياراته المتعاقبة للأراضي المقدسة ، وأولهم مناحم بيغن الذي يعتبر مثله مثل كافة القادرة الإسرائيليين ( باستثناء عزرا وايزمن ) الذين لم يجمعه بهم يوما شيئا من الثقة أو الود المتبادل . ويذكرنا كارتر في كتابه عن حالة الفتور التي استقبل بها عام 1983 ، عندما اجتمع مع بيغن في إحدى الغرف في مبنى الكنيست ، وحالة التجاهل والسلبية في نظرته وهو يستمع إليه على مضض و هو يضع النقاط على الحروف في توصيف السياسة الإسرائيلية القائمة على الارتداد عن كل ما سبق و كان شاهدا عليه في اتفاق كامب ديفيد على صعيد الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والإقرار للشعب الفلسطيني بحقه في الدولة و تقرير المصير . (ص112- 113) .إضافة إلى كل ما سبق على صعيد تحميل إسرائيل بمفردها مسؤولية انهيار عملية السلام في فلسطين نتيجة تراجعها المتعمد عن الالتزامات التي سبق وتعهدت بها والمتعلقة بالشق الفلسطيني الإسرائيلي من الاتفاق الذي كان تحت رعايته وكان شهدا عليه ( مثل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 ، والإقرار للشعب الفلسطيني بحقه في الدولة و تقرير المصير) يمكن اعتبار كتاب كارتر على أنه وثيقة دولية غير رسمية وغير ملزمة ، وسجل أسود موثق ومدون بريشة شاهد على عصره على جبهة الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط ، حيث يتضمن الكتاب ، وبخاصة في فصوله العشر الأخيرة ، معلومات وشهادات فلسطينية هي أشبه بسجل شبه متكامل للانتهاكات الإسرائيلية لمعاهدة جنيف وللقانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال ، مثل نهب ومصادرة أراضي المواطنين الفلسطينيين ، وتدمير وإحراق مزروعاتهم ، وإتلاف محاصيلهم الزراعية ، إضافة إلى اقتلاع أشجارهم (وبخاصة أشجار الزيتون) وتدمير وهدم منازلهم وأحيائهم ، وتجريف أراضيهم ، ومصادرة ونهب مصادر المياه ، وتسميم حياتهم عبر إتباع أساليب تعطيل تجارتهم وكسب عيشهم ، وإتباع أساليب القتل العمد وغير المبرر للمواطنين ولأتفه الأسباب ، وتقطيع القرى والمراكز السكنية إلى معازل صغيرة وصعبة التواصل فيما بينها بسبب الحواجز ونقاط التفتيش التي لا نهاية لها }بحسب تقرير صدر خلال شهر أيلول (سبتمبر) 2007 عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا) فإن عدد الحواجز الإسرائيلية المنتشرة فوق أراضي الضفة الغربية وصل إلى نحو 600 حاجز { والتي باتت تعيق حتى سيارات الإسعاف التي تقل المصابين المدنيين و المرضى المسعفين من الوصول إلى المشافي والمراكز الصحية . كل ذلك عبر تكريس نظام فصل عنصري لا مثيل ، ولا سوابق له ، حتى في ظل النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا ، حيث لم يصل تطرف النظام العنصري المذكور إلى حد استخدام وسيلة فصل الأراضي التي تستخدمها إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 ، والتي لم تقتصر على فصل الأراضي في مناطق تجمع الفلسطينيين عن أراضي المستعمرات اليهودية ، وإنما فصل الأراضي والتجمعات السكنية الفلسطينية عن بعضها بهدف إعاقة التواصل حتى داخل الشعب الواحد . وفي كتابه الذي شكل وثيقة إدانة لإسرائيل ، وصفعة قوية لأنصارها في الولايات المتحدة ، لم يلجأ كارتر إلى طريقة الكُتّاب والباحثين الذين يعتمدون في مؤلفاتهم على دراسات وتقارير ووثائق وشهادات منشورة ، وإنما على طريقة الباحث الميداني ومُتقصي الحقائق ، أو شاهد العيان الذي لامس الواقع وتحقق منه . فكارتر كما نعلم كان دائما في قلب الحث ، فزياراته وجولاته لم تنقطع إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية على امتداد فترة ما بعد ولايته الرئاسية . وهي زيارات وجولات لا يخلو الدافع الشخصي منها ، رغم أنها مثلت في الغالب شكل تلبية لدعوات ، أو مهام يقوم بها من حين إلى آخر كمبعوث في مهام شبه رسمية لصالح الولايات المتحدة ، ( حيث اعتادت بعض الإدارات الأميركية منذ عهد ريغن الاستعانة به و الاستفادة من معرفته وخبراته في المسائل التي تخص الملف الفلسطيني الإسرائيلي ) وهو بالتالي مؤسس ورئيس المركز الأميركي والدولي الذي يحمل اسمه (مركز كارتر) الذي يختص بالمهام المتعلقة بالإشراف على الانتخابات في الدول التي تفتقر إلى المعايير والتقاليد الديموقراطية ، إضافة إلى المهام المتعلقة بدور المركز على صعيد مراقبة انتهاكات الدول للقانون الإنساني الدولي . ولهذا قام كارتر خلال السنوات الثماني الماضية بعدة جولات في الأراضي الفلسطينية الخاضعة للاحتلال تلبية لدعوات رسمية من قبل السلطة الفلسطينية التي فوضته بالإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية في الأعوام 1996 و 2005 و 2006 وهو الأمر الذي يجعل من كتابه نوع من المذكرات والمدونات الشخصية ، والتي يجب أن ننوه ، لأسباب تتعلق بوضعه كأميركي في بلد هو أقل تسامحا من إسرائيل على صعيد نقد الدولة الصهيونية ، إلى أن كارتر اتبع منهجا ذكيا يقوم على مزج التجربة والمشاهدة الشخصية لمُتقصي الحقائق بالتجربة المعاشة للآخرين ، أي للفلسطينيين ضحايا الاحتلال. فهو يلجأ دائما إلى وسيلة غير مباشرة في الإيصال تمكن القارئ من معرفة حقيقة ما تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عن طريق ضحاياها المدنيين في الضفة والقطاع الذين أدلوا في حضوره بإفاداتهم وشهاداتهم عن أساليب سلطات الاحتلال في مناطقهم . وبتقديري فإن هذه الوسيلة التي أراد كارتر استخدامها بهدف تجنيب نفسه من الظهور بمظهر المبعوث الدولي ، أو الوسيط المحايد ، الذي يوجه اتهاماته على نحو مباشر إلى إسرائيل ، زادت من صدقية اتهاماته ، ومن قدرة تأثيرها على الرأي العام في أميركا والعالم ، لأنها جعلت الضحايا ، بأسماهم وصفاتهم ، يتحدثون من خلال كتابه عن سياسات إسرائيل في تدمير وتسميم حياتهم ، في كافة المجالات وكل المناطق ، عبر وسائل وأساليب قمعية ، وثأرية ، وعنصرية ، باتت تشكل الوسائل والأساليب الأشد فجاجةً في مخالفتها الصريحة للقانون الإنساني الدولي . فهو على سبيل المثال يستند إلى شهادة رجال الدين المسيحي الذي التفاهم وحاورهم ليبرز مدى خطوة السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسلطات الاحتلال على الحياة الدينية في مناطق تجمع المسيحيين في الضفة الغربية ، وبخاصة في القدس وبيت لحم ، بحيث أن سياسة إسرائيل في تقطيع أوصال المناطق والتجمعات السكنية الفلسطينية تتسبب في تعطيل دور الكنيسة ووظيفتها بين الجمهور من خلال فصل الكنيسة عن الرعية ، وبالتالي فصل الكنائس والأديرة عن بعضها البعض ، إلى حد بات فيه على رجل الدين التوجه إلى مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي للحصول على إذن يسمح له بالوصول إلى كنيسته ، أو الاتصال مع رعيته البعيدة عن مركز إقامته بضع مئات من الأمتار . وقس على ذلك بالنسبة إلى كل ما يسوقه من أمثلة على صعيد التعديات الإسرائيلية على حقوق الإنسان الفلسطيني من خلال ما حصل عليه ودونه من شهادات وإفادات من تجار وأصحاب مزارع التقاهم خلال جولاته المتعاقبة إلى الأراضي الفلسطينية ، إضافة إلى محامين ودعاة لحقوق الإنسان وشخصيات فلسطينية التقاها أحيانا في بيت الشرق في القدس ، أو في مبنى القنصلية الأميركية بالقدس ، حيث كان يستمع إلى وجهات نظرهم التي كانوا يعبرون عنها ، كما يقول بالنص ، " بكثير من العناية وبشكل بنّاء ومقنع ، وغالبا بوثائق للبرهنة على قضيتهم " . (ص121) .الجدار كسجن : في الفصل السادس عشر والأخير من كتابه الذي يحتوي بين دفتيه على سجل شبه كامل ومتكامل لانتهاكات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لمعاهدة جنيف وللقانون الإنساني الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة على امتداد الأعوام الثلاثين المنصرمة ، يختم كارتر هذا السجل الأسود بالحديث عن السياج ، أو الجدار الأمني بحسب التوصيف الإسرائيلي الذي يعترض عليه كارتر بحجة الحقائق الواقعة على الأرض التي تشير إلى أن الاحتياجات الأمنية التي كانت من وراء تشييد هذا الجدار ليست سوى خدعة وتسمية يراد بها التضليل والتعمية عن الحقيقة التي باتت تشير إلى مدى خطورة الجدار الذي يطلق عليه كارتر (الجدار السجن) والذي شكل إنجازه ، أو بتعبير أدق ما تحقق منه فعليا على أرض الواقع حتى نهاية عام 2006 ، عام إصدار كتابه ، ذروة السياسة الإسرائيلية القائمة على مخالفة معاهدة جنيف والقانون الإنساني الدولي في المناطق الفلسطينية المحتلة. وبحسب كارتر الذي دعى إلى تفكيك هذا الجدار وهدم ما أنجز منه تنفيذا لقرار محكمة لاهاي الدولية الصادر بشأنه عام 2004 ، فإن خطورة هذا الجدار ، الذي يشكل انتهاكات لا سابقة لها في التاريخ المعاصر لحقوق الإنسان ، لا تكمن فقط في استحداث جدار فصل بين الشعب الفلسطيني والإسرائيلي ، ولا حتى من جراء فصل الأراضي والتجمعات السكنية الفلسطينية عن بعضها وتحويلها إلى جزر مقطوعة الصلة عن بعضها ، وإنما أيضا وهذا ما لم يحدث في التاريخ لشعب واقع تحت الاحتلال ، من خلال فصل المزارع الفلسطيني عن أرضه وبخاصة في مواسم الزرع والقطف والحصاد ، وفصل المدرس عن مدرسته ، كذلك الطالب ، وفصل الحرفي أو التاجر عن ورشته ودكانه ، لأن الجدار الذي شيدته إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة يخترق القرى والبلدات الفلسطينية في هذه المنطقة ويشطرها إلى قسمين ، حتى بات على كل سكان القرية أو البلدة الواحدة الانتقال من قسم إلى آخر عبر إحدى بوابات الجدار التي تستخدم كحاجز ، أو نقطة تفتيش ، لتنظيم مرور و عودة السكان منها و إليها ، وبالطريقة التي تتم عادة في شأن مراقبة حركة دخول وخروج العمال المياومين بين دولتين متجاورتين . وبحسب كارتر الذي اعتمد على تقارير فلسطينية ودولية ، وبشيء من التفصيل ، فإن الجدار الذي أقيم فوق الأراضي الفلسطينية بات واضحا بأن الهدف منه هو ضم قسم كبير من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 . فالجدار مبرمج لكي يكون على الأقل أطول ثلاث مرات ونصف من حدود إسرائيل المعترف بها دوليا ، وبات بطرقه الالتفافية والمتعرجة التي تخترق مباشرة القرى الفلسطينية الواقعة على امتداد الخط المتعرج للجدار يطوق نحو 357 ألف فلسطيني في الجانب الإسرائيلي من الجدار و بطريقة يحصرون بها داخل المنطقة العسكرية الواقعة بين الجدار والحدود الإسرائيلية . ولعل ما يلفت النظر في هذا الفصل الأخير الذي حمل عنوان (الجدار كسجن) حرص كارتر في هذا الفصل ، كما في كتابه على نحو عام ، على إبراز معاناة المسيحيين من جراء السياسات و الأساليب العنصرية التي تمارسها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية . وبتقديري فإن هذا التركيز ، أو بتعبير أدق هذا الإصرار على كشف المعلومات المتعلقة بهذا الجانب ، والتي يتعلق الكشف عنها نوع من الواجب الديني لكارتر المسيحي شديد التعلق بإيمانه ، كما يفصح مرارا عن نفسه ، أراد كارتر توظيفه بقصد إحداث صدمة في أوساط الجمهور الأميركي المتدين ، وبالتالي إحداث اختراق في الرأي العام الأميركي عبر الكشف عن هذا الجانب الحساس ، ليس فقط عن واقع المسيحيين تحت الاحتلال الإسرائيلي ، وإنما من خلال مخاطبة الوجدان المسيحي عند الأميركيين الذين ما زالوا يجهلون خطورة هذا الجدار الذي بات يخرب في مساره المنحرف والمتعرج أماكن مهمة كثيرة لمسيحيي العالم ، بالإضافة إلى تطويق بيت لحم في أحد تعدياته الملحوظة . و بحسب كارتر فإن القسم المحطم للقلب على نحو خاص هو على المنحدر الجنوبي لجبل الزيتون ، " المكان المفضل ليسوع وحوارييه ، والقريب جدا من Bethany حيث كانوا دوما يزورون مريم ....." (ص202) .انتهـــــــــــى



الكتاب : فلسطين ، سلام لا فصل عنصري الكاتب : جيمي كارتر


الناشر : الدار الوطنية الجديدة ، دمشق 2007


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429

بروتوكولات حكماء صهيون بين الأصالة والتزوير :• حسن عبدالعال

" بروتوكولات حكماء صهيون بين الأصالة والتزوير "

•حسن عبدالعال

12-5-2010م

بدأت الحملة الصهيونية المركزة على مسلسل " فارس بلا جواد " قبل شهر من بداية رمضان المنصرم ، واستمرت خلاله بدعوى أن المسلسل التلفزيوني المذكور يقحم " برتوكولات حكماء صهيون " من خلال المادة التاريخية التي يستند إليها بطريقة تُوحي بأنها وثيقة أصلية ، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن على المراجعات الأولية التي أفادت بأنها نسخة مشكوك بصحتها 0 وقد وصفت هذه الوسيلة في استخدام البروتوكولات وإقحامها كمادة تاريخية في المسلسل المذكور بأنها بدعة جديدة من " اللاسامية " العربية ، كما ورد أكثر من مرة في برامج خاصة لأكثر من قناة تلفزيونية اسرائيلية ، وعلى صفحات " يديعوت أحرونوت " و " هآرتس " و " معاريف "....الخ ، وأيضا على اللسان الرسمي الذي تمثل بدايةً بتصريحات نائب وزير الخارجية الإسرائيلي ، ميخائيل ملكيئور ، الذي وصف هذه الطريقة في استخدام الدراما التلفزيونية لاعادة احياء البروتوكولات بأنها " لاسامية بصفتها الأكثر فظاظة " ـ " معاريف " 31/10/2002 ـ وبدوره توجه أفيغدور ليبرمان رئيس كتلة ( إسرائيل بيتا ) إلى اللوبي الاسرائيلي في واشنطن لممارسة الضغط على الادارة الاميركية ودفعها في اتجاه ايقاف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بدعوى تساهل هذه الأخيرة وسلبيتها المفرطة تجاه الدعوات الاسرائيلية ، والأميركية ، المتكررة لايقاف هذه المسلسل الذي ينبش القبور بطريقة تستذكر برتوكولات حكماء صهيون كوثيقة تاريخية أصلية ، وليس مزورة 0 وبحسب مصدر اعلامي مصري ] بتاريخ 26/11/2002 [ فان الأمور وصلت إلى حد تدخل الرئيس الاسرائيلي ، موشيه كاتساف ، في الحملة على مسلسل " فارس بلا جواد " بدعوى الترويج لبروتوكولات حكماء صهيون واعتمادها كوثيقة تاريخية غير مشكوك بصحتها ......الخ.بمعزل عن الهدف الصهيويني الكامن من وراء إثارة " معاداة السامية " في مصر على صعيد انتاج وتسويق مسلسل " فارس بلا جواد " فإن المسلسل المذكور قد أثار وما زال يثير العديد من التساؤلات عن الحقيقة التاريخية لبروتوكولات حكماء صهيون ، وهل هي وثيقة أصلية من وضع الحكماء أنفسهم ، أم مجرد وثيقة مزورة 0 وفي حال كانت مزورة مامدى تطابق هذه الوثيقة مع افكار واتجاهات ومشاريع الحكماء الذين ظهرت الوثيقة باسمهم ...؟
II ظهرت البروتوكولات لأول مرة باللغة الروسية عام 1902 ، وقام بنشرها الراهب الأرثوذكسي الروسي س0 نيلوس ووزعها بنسخ محدودة اقتصرت على رجال الدولة والأعيان في روسيا القيصرية । وفي العام 1905 أصدرها بطبعة عامة انتشرت في مكتبات بطرسبورغ وموسكو وبقية الأقاليم ، ويذكر نيلوس في مقدمته لعام 1905 بأنه حصل على هذه الوثيقة الجهنمية منذ عام 1901 ، وتسلمها من يد شخصية روسية رفيعة الشأن والمنزلة الإجتماعية ، وبأن هذه الشخصية تسلمتها بدورها من يد سيدة فرنسية (م0ك) اختلستها من بين أوراق خاصة لشخصية سياسية فرنسية مرموقة كانت تشغل منصباً رفيعاً في الحركة الماسونية ।في عام 1917 صدرت البروتوكولات في لندن ونيويورك نقلا عن طبعة عام 1905 الروسية ، كما ظهرت في برلين عام 1919 طبعة ألمانية منقولة عن الأصل الروسي ، وخلال هذه الفترة من نهاية العقد الثاني حتى منصف العقد الثالث ( من القرن المنصرم ) بدأت البروتوكولات تستأثر باهتمام النخب السياسية والأعلامية واتجاهات الرأي العام في الغرب ، والتي تراوحت بين محذر من خطورة بروتوكولات حكماء صهيون على مصير الأمم ومستقبل البشرية بدعوى صحة نسب البروتوكولات إلى حكماء صهيون ] لأن مدلولات نص البروتوكولات ـ حسب هذا الاتجاه ـ جاءت متطابقة مع الخط العام الذي جاء في " التلمود " وكتب السنن اليهودية ، وبأن ماجاءت به البروتوكولات هو فقط العمل على تحويل الخط العام المذكور إلى مشاريع وبرامج عمل تفصيلية [ ، وبين مُنكر لصحة هذه الوثيقة وصحة نسبها إلى حكماء صهيون ، والدفع في اتجاه توصيفها على أنها " نسخة مزورة " بدعوى تشابه مضامين النصوص الواردة في البروتوكولات مع مضامين نصوص سابقة على تاريخ ظهورها بثلاث أو اربعة عقود ] مثل كتاب الصحفي الفرنسي موريس جولي " حوار في الجحيم بين مكيا فيلي ومونتسكيو " ـ بروكسيل 1864ـ [ ، ومن خلال هذين الاتجاهين ظهر اتجاه ثالث يجمع النقيضين ويقول بأن المسألة لم تعد تتعلق بالناحية الشكلية ، وانما بالمضامين التي تحتويها البروتوكولات ( وعددها 24) । وبحسب هذا الاتجاه فان احتمال قيام جهة ما باصدار هذه الوثيقة باسم حكماء صهيون هو احتمال قائم ، ولكن هذا الاحتمال حتى لو كان مؤكدا فهو لايخفي الحقيقة القائلة بأن ماجاء في البروتوكولات كان حقيقة وفعلا متطابقا مع مشاريع من صدرت الوثيقة باسمهم ، وبأن الأفعال باتت أصدق من الأقوال على صعيد تأكيد ماجاء في البروتوولات عن وجود مشروع جهنمي لبسط السيطرة العالمية واحتكار مفاتيح النفوذ داخل كل أمة من الأمم । وهو اتجاه مازال يشكل قناعة الكثيرين حتى في بلد محابي للسامية كالولايات المتحدة الأميركية ، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ثمانية عقود على بداية ظهوره في العشرينات من القرن المنصرم । وعلى هذا الصعيد يقول الكاتب والصحفي اليهودي الأميركي ج0ج0 غولدبرغ في كتاب صدر مؤخرا بعنوان ( القوة اليهودية ) ـ نيويورك 1997 ـ بأن الولايات المتحدة التي انعدمت فيها مظاهر العداء للسامية مازالت مسرحاً لمثل هذه الاستنتاجات ، سواء من حيث ربط المظاهر البارزة لنفوذ المنظمات اليهودية الأميركية في الولايات المتحدة بالبروتوكولات ، أو من حيث ربط سيطرة اليهود على الاعلام الأميركي المقروء والمسموع والمتلفز والذي مازال ينظر اليه أحيانا على أنه تحقق عملي لبنود واردة في ( البرتوكول الثاني ) الذي يؤكد على ضرورة السيطرة اليهودية على وسائل الاعلام ، وبأن هذه الرؤيا التي كان يروج هنري فورد في العشرينات مازالت منتشرة ولها أنصار في أميركا ، ولكن على نحو أضيق من الماضي ، وهو أمر لايقتصر على الأميركيين وحدهم بل يتعداهم إلى غير الأميركيين من رؤساء البعثات الدبلوماسية في نيويورك وواشنطن 0 وحسب شهادة إيب فوكسمان مدير عصبة مكافحة الافتراء “ADL” في نيويورك " فان العالم غير اليهودي مازال يؤمن الى حد بعيد باسطورة بروتوكولات حكماء صهيون " ، ويذكر من وحي تجربته الشخصية بأن العديد من وزراء الخارجية ورؤساء الوزارات الذين التقاهم في مقره بنيويورك لم يأتوا لزيارته لأنه ايب فوكمسان ، او لمجرد كونه مديراً في عصبة مكافحة الافتراء ، وانما التقوه لأنه واحد من ممثلي القوة اليهودية التي يمكن لها ان تقدم لهم مساعدة في وسائل الاعلام وداخل الكونغرس ، ولأنه بالتالي قادر على ذلك من وجهة نظرهم التي مازالت تؤمن بأن برتوكولات حكماء صهيون هي حقيقة تاريخية ملموسة ، وليس مجرد وثيقة مزيفة من صنع أعداء السامية0III العالم العربي الذي ظهرت فيه البروتوكولات لأول مرة عام 1951 ، كان ـ ومازال ـ بدوره مسرحاً للإتجاهات الثلاثة التي اختلفت بدرجات متباعدة ، او متقاربة ، حول اصالة أو عدم أصالة البروتوكولات 0 ويمكن القول بأن الإتجاه الأول القائل بأصالة البروتوكولات كان يتبناه ويمثله ، منذ الخمسينات والستينات، فريق من المثقفين العرب نذكر منهم على سبيل المثال مترجم البروتوكولات الى العربية الأستاذ محمد خليفة التونسي ، و0س0ناجي مؤلف الكتاب الذي اشتهر في الستينات ( المفسدون في الأرض ) ـ 1965ـ ، أما الإتجاه الثالث الذي يقول بأن احتمال التزوير ، لايخفي الوجه الآخر من الحقيقة التي تفصح عنها المشاريع والتطبيقات العملية المستمدة من نصوص البروتوكولات وروحها فيمكن القول بأن هذا الاتجاه الذي كان من أبرز ممثليه منذ الخمسينات الأستاذ عباس محمود العقاد ما زال من بين الاتجاهات المتباينة الثلاث الأوسع انتشاراً في أوساط المثقفين العرب0 أما الإتجاه الثاني المنكر لحقيقة وأصالة البروتوكولات فيمكن القول بأنه " إتجاه متأخر جداً " في التعبير عن نفسه في الوسط السياسي و الثقافي العربي ، وهو محصور ضمن اطار ضيق من الباحثين المتخصصين في التاريخ اليهودي وبتاريخ الحركة الصهيونية. ولعل أبرزهم الدكتور ، عبدالوهاب المسيري ، الذي نسجل له جرأته في انكار الحقيقة العلمية لبروتوكولات حكماء صهيون ، والدفع في اتجاه توصيفهما على أنها وثيقة مزورة ، والدفع أيضاً في اتجاه توصيف أية اتجاهات أعلامية عربية تروج للرؤية البروتوكولية على أنها اتجاهات تخدم إسرائيل والصهيونية ، بفعل ما تشيعه من أفكار مرعبة تروج لأساطير امتلاك اليهود لقدرات عجائبية وخارقة، ] عبدالوهاب المسيري ( اليد الخفية ) القاهرة 1998 ، الفصل الأول [ . مع ضرورة التذكير بأن الباحث المسيري الذي يُحذر من تأثير كتب مثل ( أحجار على رفعة الشطرنج ) على مخيلة القارئ العربي ، لايتوقف بداهةً ( مثله في ذلك مثل العديد من الباحثين الذين سمعنا أصواتهم تعلوا خلال شهر رمضان المنصرم ) عند حدود انكار أصالة البروتوكولات ، والدفع في اتجاه توصيفها كوثيقة مزورة 0 وإنما في موازاة هذا الانكار يُقر بأن كتاب " التلمود " وتراث " القبالاه " يحتويان على نصوص أشد عنصرية من النصوص الواردة في البروتوكولات ، وبأن الجماعات اليهودية في إسرائيل مازالت تتداول كراريس وكتب يهودية تتضمن نصوصاً أكثر تآمرية من النصوص الواردة في برتوكولات حكماء صهيون ، ومثالها " كتاب التربية " الواسع الانتشار والذي يتم تداوله بكثرة في إسرائيل هذه الأيام.أخيراً لا بد من القول من وجهة نظر الاتجاه الذي يدفع في اتجاه التركيز الاعلامي على النشاط الإجرامي للحركة الصهيونية وإسرائيل ، وعدم الانجراف وراء سراب البروتوكولات المشكوك بصحتها ، بان للحركة الصهيونية العالمية بروتوكولاتها وتاريخها النظري والعملي المكشوف 0 وبأن ضحايا النشاط الصهيوني في القرن التاسع عشر لم يكن الغوييم وحدهم ، وإنما اليهود ايضاً وبطريقة تتناقض كليا مع الخط العام للبروتوكولات وروحها 0 وتكفي الاشارة هنا الى أن واقعة حرص الحركة الصهيونية على تزويد مجتمع " الييشوف " في فلسطين بعشرات الآلاف من الجيل اليهودي الشاب ، قد قادها الى إبرام صفقة مع النظام النازي في برلين تم بموجبه تسهيل الجنرال " إيخمان " لعشرات الآلاف من اليهود الشباب من مغادرة معسكرات الاعتقال النازية والتوجه الى فلسطين ، مقابل قيام المنظمة الصهيونية في رومانيا والمجر بإدارة عمليات ترحيل اليهود الى معسكر الإبادة النازية في " أوشفيتز " . وبحسب السجلات اليهودية وشهود ذلك العصر من نازيين ويهود فان الحركة الصهيونية في سبيل انجاح مشروعها الاستعماري ـ الاستيطاني في فلسطين أقدمت وبدم بارد على سوق نحو نصف مليون من يهود أوروبا الشرقية إلى المحرقة ، أي بطريقة تؤكد على أن للحركة الصهيونية العالمية بروتوكولاتها المنظورة التي تتناقض أحياناً مع روح البروتوكولات الموهومة ، وبأن هذه الأخيرة التي اشتهرت منذ بداية القرن المنصرم تحت اسم " بروتوكولات حكماء صهيون " لا يجب أن تختلط قراءتها مع قراءتنا للبروتوكولات الصيهونية المنظورة ولتاريخ النشاط الصهيوني في فلسطين على امتداد النصف الأول من القرن المنصرم.ـ انتهى ـ

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429