السبت، 24 أكتوبر 2009

تدهور بيئي ، واتساع في الفجوة بين الأغنياء والفقراء:حسن عبد العال

تدهور بيئي ، واتساع في الفجوة بين الأغنياء والفقراء
حسن عبد العال

25-10-2009م

مع نهاية القرن المنصرم و بداية الألفية الجديدة بدأت أسواق الكتاب في العالم تشهد طرح كم لا يستهان به من المؤلفات التي تتطرق عناوينها لظاهرة العولمة التي بدأت تطبع بطابعها ، و على نحو مُستعر ، عالمنا المعاصر . و من هذه المؤلفات ما هو معارض للعولمة ، أو ناقد و مثير للعديد من التحفظات و التساؤلات ، لا بل و التحذيرات . و منها من يميز بين عولمة و أخرى ، بين عولمة متوحشة ذات ميول تدميرية لا يعرف لها حدود ، و أخرى تقدمية تساهم في نمو الثروة وفق معدلات سريعة الوتيرة و أشبه بالوثبات ، و تَجمع البشر و المجتمعات تحت فضاء كوني واحد ، و تجعلهم أقرب إلى سكان قرية كونية مترابطة تتلاشى فيها الحدود و تنعدم المسافات .كتاب العولمة و الإمبريالية ينتمي كما هو واضح للتيار المعارض و الناقد للعولمة ، و هو كتاب جماعي يمتاز بتنوع موضوعاته و تفرع عناوينه التي لا تقتصر على معالجة جانب واحد ، أو محور محدد من محاور دراسة ظاهرة العولمة ، مثل محور العولمة و الإمبريالية الذي اختير كعنوان للكتاب ، رغم أنه مجرد ملف من ملفاته المتنوعة ، و إنما يتناول الظاهرة ، أو بتعبير أدق تأثيرات الظاهرة ، من أكثر من جانب عبر دراسات متنوعة تناولت تأثيرات العولمة على السياسة و الاقتصاد و المجتمع على نحو عام ، كما تناولت على نحو جزئي تأثيرات العولمة على سياسات و مجتمعات الدول الرأسمالية المتقدمة صناعيا ، و على صعيد أحول و مستوى معيشة البشر عبر تأثير ظاهرة العولمة ، المتزامنة مع التوجهات النيوليبرالية الحديثة ، على العمالة و الأجور و برامج التعليم و الرعاية الصحية و صناديق إعانة الفقراء ... ، إضافة إلى تأثيراتها السلبية و الضارة على البيئة و العالم النامي و زيادة عمالة النساء ....... الخ . ففي عالم الرأسمالية المعاصرة و بالأخص في الولايات المتحدة التي تقودها قطار العولمة و ترعى التحولات النيوليبرالية على امتداد الخارطة السياسية للعالم ، فإن التزاوج الأولي و التوأمة بين العولمة و التحولات نحو النيوليبرالية الحديثة ، لم تدفع منذ الثمانينيات (من القرن المنصرم) نحو النزعة الحربية التي تكرست وتوطدت منذ زمن الرئيس ريغن الذي شهدت الولايات المتحدة خلال ولايتيه الرئاسيتين بداية التحولات الاقتصادية النازعة نحو الأخذ بنظام السوق الحرة المنفلتة من أية ضوابط أو قيود ، و لم تقتصر بالتالي على التجليات الحالية لهذه الظاهرة من زمن بوش الابن الذي شهدت الولايات المتحدة خلال ولايته الأولى و الثانية ، التي لم تنقض بعد ، تلازما بلغ حدوده القصوى بين عولمة رأس المال و النزعة العسكرية ، بقدر ما بات يظهر على خارطة التشكيلات الاجتماعية هوة لم يشهد لها مثيل في تاريخ الرأسمالية بين الأغنياء و الفقراء . فوفق آلية عولمة رأس المال و السوق الحرة المنفلتة من أية ضوابط أو قيود . بات الأغنياء أكثر غنىً و الفقراء أشد فقراً ، كما باتت الظروف الأشد قساوة الناجمة عن آلية نظام العولمة و السوق الحرة تهدد بتهميش قطاعات هامة من المجتمع و بطريقة باتت تزيد سنوياً من التعداد العام لجيش الرازحين تحت خط الفقر الذي بات يستضيف في الولايات المتحدة وحدها ، و بحسب إحصاءات أميركية رسمية ، أكثر من مليون مواطن أميركي سنوياً . ناهيك عن ظاهرة ازدياد الفقراء فقراً الناجمة عن تخلي الدولة عن دعمها لصناديق إعانة الفقراء و اقتصار الدعم على تخصيص مبالغ هي دون الحد الأدنى المطلوب و بكثير .أما على صعيد علاقة العولمة بالبيئة التي بدأت تشهد تدهورا وفق معدلات سريعة في زمن المردود السريع و الثوري لحركة رأس المال ، فالنمو الاقتصادي بات يستنزف بشدة موارد الطاقة المستخرجة من باطن الأرض و يهدد بنضوبها خلال بضعة عقود ، من غير توفر طاقات بديلة أو قابلة للتجدد . و على صعيد مواز بدأت الغابات الاستوائية تتقلص ، و كذلك فقد بات الخطر الثروة السمكية في المحيطات ، و يهدد و بالتالي التنوع الحيوي في المجالين الأرضي و المائي بفعل الاستثمار الجائر و السعي نحو ربحية أعلى و تراكم أعلى لرؤوس الأموال .هذه الظاهر و مثيلاتها يعرضها الكتاب من منظور يؤكد على ترافق و تلازم الأزمتين الاقتصادية و البيئية في زمن العولمة ، التي بات من المنطقي أحيانا النظر إليها باعتبارها شكل من ألأشكال إعادة انتشار تجريها الرأسمالية للتغلب على تناقضاتها الحالية عبر توسيع الفضاء السلعي ، بدمج جميع القوى الإنتاجية في العالم في سوق واحدة .فترافق الأزمتين الاقتصادية و البيئية في عصرنا ليس بمحض الصدفة . فكلا الأزمتين بات يرجع الى تناقضات نظام بات يصطدم من جانب بصعوبة إنتاج و تحقيق فضل قيمة فوق مساحات غير محددة بحدود ، ومن جانب آخر بالحدود المادية الطبيعية التي سيتوجب عليه دفعها باستمرار لضمان تراكم لاينتهي لرأس المال
ـ انتهى ــ

الكتاب : العولمة و الإمبريالية
الكاتب :
مجموعة من الأكاديميين الفرنسيين الناشر :
دار الحصاد ، دمشق 2006
• حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429