الخميس، 9 يوليو 2009

الشرق الأوسط بين مطرقة الجهاديين وسندان المحافظين الجدد:حسن عبد العال



الشرق الأوسط بين مطرقة الجهاديين وسندان المحافظين الجدد


حسن عبد العال


10-7-2009م


بعد أقل من عام على حادثة 11 أيلول 2001 التي هزت أميركا والعالم ، بدأت كل المؤشرات تدل على أن الشرق الأوسط أصبح عرضة لعملية اعادة تشكيل وترتيب شبيهة بتلك العملية التاريخية التي تمت عام 1916 وفق صيغة معاهدة سايكس بيكو التي لم تقتصر مفاعيلها وقتذاك على صعيد اعادة رسم خارطة نفوذ القوى العظمة على منطقة الشرق الأوسط وانما تعدت ذلك لتشمل عملية اعادة تشكيل وترتيب الخارطة السياسية للشرق الأوسط العربي0 وبأن واشنطن ستحل محل لندن وباريس وتمثل منفردة دور القوة الدولية المهيمنة والمتحكمة بالعملية برمتها ، أي باعادة تشكيل وترتيب الشرق الأوسط الجديد ، أو الأكبر ، وفق صيغ مختلفة لاتقتصر كسابقتها على اجراء تعديلات وتقسيمات جغرافية واستحداث كيانات جديدة تضاف إلى مجموعة المكونات السياسية التي يتشكل منها الشرق الأوسط وانما تطال بالتعديل والتغيير النظم السياسية والتربوية وقواعد السلوك المتوارثة 0 وبحسب جيل كيبيل في كتابه ( حروب في ديار المسلمين ) فان هجوم 11 أيلول ( سبتمبر ) 2001 الذي قامت به منظمة القاعدة بهدف توسيع المجال الجغرافي لنشاطها ليتجاوز العالم العربي والاسلامي كان بمثابة الحدث الذي تسبب عن غير قصد بتمهيد الطريق أمام القطار الأميركي لعبور الشرق الأوسط بطريقة لم يعهدها تاريخ علاقة أميركا بهذه المنطقة من قبل 0 فالهجوم الذي أرادت من خلاله القاعدة اعادة الحيوية وتنشيط الجسم الجهادي في العالم العربي والاسلامي الذي بدأ يشهد فتورا في الهمة ، عمل بدوره على جبهة الطرف الآخر ، الأميركي ، إلى فتح صندوق باندورا المحافظين الجدد وانبعاث كل مافيه من أفكار ومشاريع سوداء كانت تتوعد بالمنطقة منذ نهاية الحرب الباردة وتستهدف اعادة صياغة الشرق الأوسط بالطريقة التي تضمن لاسرائيل دورا طبيعيا وحيويا فيه ، وتوفر للولايات المتحدة سبل السيطرة الاستراتيجية على المنطقة وثرواتها النفطية الهائلة 0 وهكذا بحسب كيبيل فان منظمة القاعدة التي ارتأت من خلال هذه العملية الفائقة الدقة والجرأة التي استهدفت نيويورك وواشنطن ايقاظ جيل من الجهاديين الذين بدأ يدب الخمول في صفوفهم داخل العالم العربي والاسلامي لم تكن تدري بأن فعلتها هذه قد تسببت ، فيما تسببت ، بالغاء الامتياز والاحتكار الذي كانت تحظى به منظمة القاعدة باعتبارها صاحبة المشروع العام والشامل الذي يستهدف المنطقة برمتها ويعمل على استبدال الأنظمة العلمانية والقمعية المتحكمة بالبلاد ورقاب العباد بنظام حكم اسلامي وفق الصورة أو النموذج الذي تطمح اليه 0 فالمفاعيل الناجمة عن هجوم 11 أيلول ، وبالأخص على صعيد اعلان الحرب الأميركية على مايسمى بالارهاب الاسلامي ، دفع بالولايات المتحدة لاثبات حضورها في الشرق الأوسط ليس فقط على صعيد ضرب قواعد الارهاب الاسلامي كما حصل في افغانستان واستئصال شأفة الأنظمة القمعية التي تمتلك اسلحة غير تقليدية كما حصل في العراق ، وانما ايضا على صعيد التدخل في الشؤون السياسية لكل دولة على حده على صعيد الدعوة لقيام اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ونشر الديموقراطية ضمن حدود كل دولة ، وعلى امتداد المنقطة ، باعتبار أن الضغط السياسي والأمني الذي تمارسه الأنظمة على شعوبها ومايتفرع عنه من أساليب التضييق على شؤون حياتهم ومعيشتهم هي أساليب مولدة للارهاب ومفرخة الأجيال من الارهابيين المقبلين ، والمطالبة بتعديل الثقافة التي تبرر العنف أو تحرض عليه 0 وعلى هذا النحو فان زلزال 11 أيلول وما نجم عنه من ارتدادات ومفاعيل لم تكن في حسبان قادة القاعدة قد جعل المنطقة بين سندان الأصولييين الاسلاميين ومشروعهم السياسي القائل باستعادة نظام الخلافة على الديار الاسلامية، ومطرقة المحافظين الجدد ونهجهم السياسي القائل بفرض الديموقراطية والتخلي عن دعم الأنظمة الملكية والجمهورية العربية الفاسدة التي تدور في فلك الولايات المتحدة ، والعمل على الاطاحة بها ، والتخلي عن النهج السابق الذي درجت عليه الادارات الأميركية السابقة والذي كان يستهدف حفظ التوازنات التقليدية في المنطقة ، أي التوازن بين العرب واسرائيل لمصلحة الأخيرة 0 والذي بموجبه بدأت الادارة الأميركية باتباع سياسة التقليل من شأن الأنظمة العربية التي كانت تحظى بدعم وتأييد واشنطن ( مثل المملكة العربية السعودية ) والاعلاء من شأن دولة اسرائيل وسياساتها0أخيرا لابد من التذكير بأن ج كيبيل في كتابه ( حروب في ديار المسلمين ) لجأ إلى تخصيص فصول خاصة تسهب في وصف ظاهرة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وتستعرض تاريخها وتاريخ كل المتنفذين الذين مثلوا هذه الظاهرة وأيديولوجيتها في واشنطن منذ بداية الستينات حتى أيامنا هذه 0 كما لجأ إلى تخصيص فصول تسهب في وصف الحركة الأصولية ، أو الجهادية ، التي يمثلها ويتزعمها ويعبر عن أيدلوجيتها رجال من امثال ابن لادن والظواهري ، وبالتالي يسهب في تقديم السيرة الشخصية لكل منهما وهي سيرة تجعل كاتبها اسيرا للحيرة أمام مشهد التناقص الظاهري الذي يمثله كل منهما ، أو كلاهما ، أي أسيراً للحيرة أمام هذه الظاهرة المتناقضة التي تشير إلى أن هذان السيافان اللذان يظهران للعيان بمظهر الوريثان المزعومان للجهاد وللأمة ، هما في نفس الوقت وبنفس المقدار وريثا الثورة الرقمية والعولمة من الطراز الأميركي ، ففيهما اجتمعت ، لا بل قل إتحدت ، الوهابية مع وادي السيليكون.

ـ انتهـــــــى ـ


الكتاب : الفتنه : حروب في ديار المسلمين
الكاتب : جيل كيبيل
الناشر : دار الساقي ، بيروت 2004

المستقبل 24\7\2005م

حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق