الأحد، 28 يونيو 2009

مساهمه في نقد التقسيم الوهمي للعالم:حسن عبد العال



مساهمة في نقد التقسيم الوهمي للعالم


حسن عبدالعال


28-6-2009م


هل تقسيم العالم إلى شرق وغرب له جذور في المواقع الموضوعي ، وهل للشرق والغرب سمات أبدية كما يقول دعاة تقسيم العالم إلى " غرب " دينامي ومتحضر ، و " شرق " بربري قاسٍ وخمول 0 وهل للشرق حدود وللغرب حدود ، وما هي معايير تحديدها 0د0 جورج قرم يجيب بإسهاب وتفصيل على مثل هذه التساؤلات بكتاب صدر في باريس عام 2002 ونقل إلى العربية خريف عام 2003 ، وفي هذا الكتاب الذي حمل عنوان ( شرق غرب : الشرخ الأسطوري ) يجهد الكاتب ] وهو بالمناسبة خبير مالي واقتصادي [ في محاولته لدحض هذا التقسيم المصطنع للعالم إلى شرق وغرب من خلال نزع الصفة العلمية التي تدعيها المدارس واتجاهات الفكر التي تقول بهذا التقسيم في الغرب ، واعتبارها مدارس واتجاهات فكر مُضلِلة هدفها خدمة هوية محدده أو انتماء محدد ، وبالتالي الاستجابة بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة ، للمشاريع الخاصة بالمصالح المادية للدول الغربية التي تجيد استخدام مقولات هذه المدارس واتجاهات الفكر وتجنيدها في خدمة سياساتها وأهدافها القائمة على نزعة السيطرة والتفوق ( كما في حالة استخدام المقولة الرائجة عن سمات العصر الحالي كعصر صراع بين أنظمة شمولية شرقية الطابع ، و ديمقراطيات غربية السمات والأصول).في سعيه لتفكيك مقومات تقسيم العالم إلى شرق وغرب من خلال نقد وتعرية أبرز مقولات الفكر الغربي الذي بقي أسير هذه الثنائية ، يوجه د0 قرم سهام نقده إلى جذور الشرخ الوهمي للعالم و إلى ظاهرة اعتماد ثنائيات تقوم على مسلمات أساسية تدعي صفة العلم . كما في حالة الادعاء بانقسام العالم إلى عنصرين (آري ) و ( سامي ) ، و حصر صفة العقلانية و التقدم بالعنصر الآري ، و صفة البربرية و التخلف بالعنصر السامي . و هي الثنائية التي كان " أرنست رينان " أحد أبرز منظريها ، من الغربيين ، و التي تقوم على أساس من الخرافة الرائجة التي تقول بأصل هندو- أوروبي ( أو هندو – جرماني ) للغرب ، و بأن هذا الأصل هو الذي أعطاه ميزة ديناميتية و تفوقه الأبدي على الشرق السامي .ومن خلال هذه المساهمة في نقد و تفنيد جذور هذا الشرخ الوهمي للعالم إلى شرق سامي و غرب آري ، لا يسعى د. قرم إلى وضع الفكر الغربي برمته في سلة واحدة ، بقدر ما ينحو في مساهمته المذكورة إلى التمييز بين فكر و آخر . بين فكر نقدي ما زال يحافظ على الخطاب النقدي الذي صنع قوة الغرب الحقيقية منذ عصر الأنوار ، و فكر غيبي ميتافيزيقي و لا عقلاني ، أي أن مساهمته في نقد و تعرية جذور هذا الشرخ الوهمي للعالم في الفكر الغربي لم تتم من خلال معالجة محدودة لمفكر من الشرق من خارج هذا الفكر الغربي ، و إنما من داخله ، و من وجهة نظر لا ترى مخاطر الخطاب الغيبي الميتافيزيقي المذكور على أنها تمس الشرق وحده ، و إنما الغرب أيضا ، لما فيه من خروج سافر على الخطاب النقدي الذي ساهم في ارتقاء الغرب و صنع قوته الحقيقية . و لهذا نجد الكاتب في نقده للخطاب الغيبي الميتافيزيقي في الغرب حريصا على فلسفة الأنوار و على الفكر النقدي و رموزه من المعاصرين في الغرب أمثال بيار بورديو ( توفي عام 2002 ) و ريجيس دوبريه في فرنسا ، و يورغن هابرماس في ألمانيا ، و إريك هوسباوم في انكلترا و إدوارد سعيد ( توفي في شهر أيلول من عام 2003 ) و نعوم تشومسكي في الولايات المتحدة . كما نجده مدافعا عن الخطاب النقدي الذي ينتمي إليه الكاتب الذي يحذر الغرب المتملق للفكر الغيبي الميتافيزيقي اللاعقلاني من خطر التهميش الذي يتعرض له الخطاب النقدي في الغرب قبل و بعد 11 أيلول 2001 خاصة في تلك المرحلة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة و ما شهدته من رواج أفكار و مفاهيم غيبية و مسطحة لا تصمد أمام النقد و تبشر بصدام قريب بين الأديان و الحضارات ، أو بين الغرب الليبرالي و الشرق التوتاليتاري ، و بين غرب مسيحي عقلاني و متحضر و شرق إسلامي بدائي و معادي لمدنية و حضارة الغرب .إلى جانب نقده للعلمانية المخادعة للثقافة الغربية المعاصرة ( التي ما زالت مثلها العليا علمانية الشكل ، و على صعيد العلاقة بين الديني و السياسي رهينة الفكر التوراتي ) و دحض أسطورة تقسيم العالم إلى غرب آري و شرق سامي ، و دحض بدعة المعجزة الإغريقية ، و نقد الخطاب النرجسي الذي يُمجِّد أسطورة عبقرية الغرب و يحرص على تأكيد مركزية الغرب على المستوى الكوكبي و على ضرورة فرنجة العالم ... الخ . يلتفت د0 قرم إلى الضفة الأخرى ، إلى الشرق حيث التخيلات و التصورات الذهنية عن انقسام العالم إلى شرق ( روحاني و مؤمن ) و غرب ( مادي و كافر ) بدأت تنشط و تتأسس من جديد و بصيغ أقرب ما تكون إلى الحزبية بفعل تنامي الحركات الدينية الإسلامية الطابع التي تشارك الأطروحات الغربية و تتناغم معها حول انقسام العالم إلى شرق و غرب لا يلتقيان . و هو لقاء لا يعود إلى تصورات مشتركة عن وجود شرخ له جذور في الواقع الموضوعي بحسب تأكيدات ( وبراهين ) د0قرم ، و إنما يعود إلى النزعات التي تعنى بالتعبير عن الهوية و الانتماء في الشرق ، كما في الغرب . و هذا المسار الذي يسلكه هذا الشرخ الوهمي للعالم سواءً في الشرق أو في الغرب هو مسار يصب في طواحين المصالح الدنيوية في عالم الأقوياء و يستجيب لطموحات الدول و توجهاتها الجيوستراتيجية العالمية ، حيث يظل هذا الشرخ سلاحا بيد الغرب القوي والمهيمن يستخدمه وفقا لأهوائه و لمتطلبات التوسع في مناطق سيطرته و نفوذه في الشرق المتخيل وعلى رأسه بالطبع الشرق العربي والاسلامي.

* قراءة أولية في كتاب جورج قرم ( شرق غرب : الشرخ الأسطوري ) الصادر عن دار الساقي ، بيروت 2003

النور الاسبوعيه 1882004م
حسن عبد العال
باحث فلسطيني مقيم في سوريا
mervat10mm@yahoo.com
موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق