الأحد، 29 نوفمبر 2009

النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية من وجهة نظر عِرقية ": حسن عبد العال



النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية من وجهة نظر عِرقية "


عرض وتحليل حسن عبد العال


30-11-2009م


خلال العقدين الأخيرين من القرن المنصرم ، ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية موجة من المؤلفات التحذيرية التي عني مؤلفوها برصد النفوذ المتعاظم للأقلية اليهودية و مؤسساتها الأخطبوطية المنظمة في الولايات المتحدة ، سواء على صعيد التأثير الحياة السياسية الداخلية ، أو على صعيد رسم السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط .و من عداد هذه الموجه يأتي كتاب الداعية الأميركي و عضو الكونغرس السابق ( عن ولاية لويزيانا ) ديفيد ديوك الذي ظهر بداية عام 1998 بعنوان "MY AWAKENING " و أعيد طبعه عام 1999 و عام 2000 ، و هو كتاب يتناول موضوعات في الفكر و السياسة من وجهة نظر التجربة الشخصية للمؤلف و بأسلوب أقرب إلى السيرة الذاتية الفكرية التي ترصد الظواهر السياسية و الاجتماعية و الثقافية التي عايشها .قبل البدء في استعراض كتاب ديوك لابد من التذكير بأن هذا الكتاب الذي يصنف مع موجة الكتب الأميركية المحذرة من النفوذ اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة ، يختلف عن كل ما سبقه من حيث هدف الكاتب من وراء الدراسة و البحث على هذا الصعيد . فإذا كان ألفرد ليلنتال ، أو نوعام تشومسكي ، أو ستيفن غرين ، أو بول فندلي .. إلخ قد كتبوا مؤلفاتهم التحذيرية من النفوذ اليهودي – الصهيوني بهدف تسليط الضوء على أهمية الموقف المتوازن لأميركا في الشرق الأوسط بالنسبة للمصلحة القومية الأميركية التي تعيقها سياسة الانحياز لإسرائيل ، أو تسلط الضوء على أهمية مراجعة الأسس التي تقوم عليها الحياة السياسية الداخلية التي تتحكم بها اللوبيات اليهودية ، فإن ديوك في مساهمته التحذيرية من النفوذ اليهودي - الصهيوني في الولايات المتحدة ينتمي إلى عالم آخر مختلف ، و إلى أميركا أخرى مختلفة عن أميركا التي تحدث عنها غرين أو فندلي أو تشومسكي أو جورج بول . فأميركا العزيزة على قلب ديوك هي أميركا القرن التاسع عشر ، أميركا التوكفيلية ، بالمعنى " العرقي " و ليس بالمعنى " الديموقراطي ، " أي بمعنى استعادة أميركا ذات الملامح و السمات الأوروبية البيضاء .قد يتساءل المرء عن العلاقة التي تربط اليهود بهذه المسألة ، و عن الأسباب التي دفعت ديفيد ديوك لإقحام الأقلية اليهودية الأميركية في المؤامرة على أميركا البيضاء ما دام كتابه يصنف من قبيل هذه الموجة من المؤلفات الأميركية المحذرة من النفوذ اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة ، وهي موجة تنحصر في الغالب بين اتجاهين تحذيرين : أولهما يتناول النفوذ اليهودي ـ الصهيوني في الحياة السياسية الأميركية ، والثاني تناول التأثير اليهودي في السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط.ديوك في كتابه لا يخرج في إطاره العام عن الاتجاهين ، رغم أنه لم يسلك أحدهما بجعله محورا أساسيا لكتابه المذكور الذي اختار له على هذا الصعيد ، التحذير من الخطر اليهودي ـ الصهيوني على أميركا ذات الملامح العرقية الأوروبية البيضاء ، وعلى الثقافة الأميركية ذات الأصول الأوروبية 0 وهو محور يتلاءم مع الخط السياسي للمؤلف كداعية وناشط في الدفاع عن أميركا البيضاء التي باتت مهددة بالتحول عرقياً إلى " اللون البني " بفعل سيطرة اليهود على دائرة الهجرة منذ الستينات ـ كما يؤكد ديوك في أحد فصول كتابه ، وبطريقة موثقة ـ وقيامهم منذ ذلك الوقت بوقف هجرة الأوروبيين إلى أميركا ، وإغراق البلاد بموجات من المهاجرين الملونين القادمين من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية 0 والدفاع عن ثقافة أميركا البيضاء وتاريخها السياسي الذي بات يتعرض للتشويه على يد مؤسسات إعلامية يهودية أميركية، وشركات الإنتاج السينمائي ، اليهودية بنسبة مئة في المئة ، التي بدأت تعرض للأميركيين أفلاماً مشوهة عن تاريخ آبائهم وأجدادهم ، وحتى عن تاريخ ديانتهم من خلال أفلام تقدم صورة مرذولة عن تاريخ المسيحية وحياة السيد المسيح.الكوكلاكس كلان قادمون :لاشك بأن قراءة كتاب ديوك ليست سهلة حتى على القارئ المطلع على الموجة السالفة الذكر من المؤلفات الأميركية المحذرة من نفوذ المنظمات الصهيونية واليهودية الدائرة في فلكها في الولايات المتحدة ، والصعوبة هنا لا تتمثل بغموض الأفكار التي يطرحها أو بتعقيدات أسلوبه في عرض تاريخ صحوته العرقية ، أو عرضه لسجل التعديات اليهودية على عناصر و مكونات أميركا البيضاء ، وإنما بفجاجته كداعية عنصري ، وكصاحب مشروع لاستعادة أميركا البيضاء سيفضي في حال تحقيقه ، أو بتعبير أدق في حال انتقاله من الحيز الدعائي إلى الحيز العملي ، إلى العودة ثانية إلى أميركا" الكوكلاكس كلان " ku klux klan التي كان ينتمي اليها اسلافه من سكان الولايات الجنوبية ، و هي عودة في حال تحققها لن تطال اليهود المتهمين من قبل ديوك بالتآمر على أميركا البيضاء و ثقافتها و دينها ، و لكنها ستشمل بدورها الزنوج من أبناء ضحايا الكوكلاكس كلان ، و الأميركيين المتحدرين من أصول آسيوية و أميركية لاتينية . أي ستشمل المهاجرين الجدد الذين باتوا منذ الستينات من القرن المنصرم يهددون بموجاتهم المتلاحقة الطابع العرقي للأمة الأميركية البيضاء ، التي باتت ، عقدا بعد عقد ، تظهر عليها علائم الانتقال من أمة ذات بشرة بيضاء إلى أمة " بنية " أو " رمادية " اللون . و بالتالي باتت مهددة بالانتقال من أمة تنتمي ثقافتها إلى أصول أوروبية ، إلى أمة متعددة الثقافات . و لعل عذر " ديوك " على هذا الصعيد الخاص بنفور القارىء من أفكاره العنصرية ، و شعوره على المستوى الإنساني بخطورة مشروعه العرقي ، أنه لا يتوجه ببيانه إلى القارىء غير الأميركي ، و لا القارىء الأميركي عامة ، و إنما إلى مواطنيه الأميركيين البيض الذين ما زالوا يشكلون ـ بحسب الخارطة العرقية للولايات المتحدة ـ أكثر من 70 في المئة من السكان . و أعتقد بأن أهمية كتاب ديوك تبرز على هذا الصعيد الخاص بتقرير وجود " مسألة أميركية بيضاء " في الولايات المتحدة ، وبالدعوى الصريحة والمكشوفة على الملىء إلى يقظة الأكثرية البيضاء من الأمة الأميركية ، و الدفاع عن تاريخها و ثقافتها ، و عن ذاتها كأمة ضد خطر المنظمات اليهودية الأميركية التي ، بحسب ديوك ، ما زالت تسعى إلى تهميشها فوق أرض الآباء و الأجداد . كما تبرز على هذا الصعيد نفسه أهمية كتاب ديوك الذي عرفنا ، من خلال عرضه لتاريخ صحوته العرقية، على هذا الملف الموثق الخاص برصد نشاط المنظمات اليهودية الأميركية على الصعيد العرقي والثقافي الخاص بامة ديوك الأميركية البيضاء ، و هو نشاط تكمن خطورته فوق ذلك من حيث كونه نشاط تدميري مغلف بشعارات إنسانية ، أي على طريقة " كلام حق يراد به باطل " . و بحسب الملف الكبير الذي وضعه ديوك بهدف كشف هذا المسلك الصهيوني وتعريته ، فإن الجهد النظري و العملي الذي قام به اليهود خلال النصف الثاني من القرن المنصرم ، و استهدف تحرير الأميركان البيض من مفاهيمهم العرقية تم " لغاية حتى نفس يعقوب " ، هدفها تجريد الأميركان البيض من مزاياهم و مظاهر قوتهم العرقية ، ليتسنى للمنظمات اليهودية الأميركية التفرد بالولايات المتحدة و إعادة صياغة الأمة الأميركية بالطريقة التي تخدم أغراضها ومشاريعها الصهيونية ، التي تستهدف دوام الهيمنة العرقية للأقلية اليهودية على الأمة الأميركية ، و ليس لتحقيق مفاهيم إنسانية منكرة للأيدلوجيا القائلة بالنقاء العنصري وحق التمايز العرقي . و إذا كان الهدف تحرير الأميركان البيض من عنصريتهم ، واقتلاعهم من جذورهم العرقية ، وتذويبهم وسط محيط أمة أميركية منشودة متعددة الأعراق والثقافات، يتساءل ديوك عن مغزى هذه المكتبة الضخمة من الاصدارات اليهودية الأميركية التي تتحدث عن ميزة و عبقرية العرق اليهودي ، ومآثره العلمية والفكرية ، وعن عظمة التراث الديني للأمة اليهودية في زمن ترويج اليهود الأميركان لأفكار تدحض الفكرة العرقية عند الأميركان البيض ، و تنكر عليهم حقهم في الدفاع عن قيمهم وأعرافهم العرقية واعتدادهم بأصولهم الثقافية كأميركيين بيض من أصل أوروبي . كما يتساءل و يسأل المنظمات اليهودية المذكورة ، و معها الإعلام الأميركي الذي تديره عن مغزى ذلك الجهد المستميت الذي مازال يبذله اليهود الأميركان عامة ، والمنظمات اليهودية الأميركية خاصة ، في الدفاع عن حق إسرائيل في المحافظة عن نقائها العرقي كدولة يهودية ، في الوقت الذي ينكرون فيه على الفلسطينيين حقهم المشروع في العودة إلى بلادهم التي هجروا منها خلال تنفيذ الصهاينة لمشروعهم الخاص بالتطهير العرقي عام 1948 ، ويحصرون تأييدهم فقط بقانون حق العودة ( الإسرائيلي ) الذي يعبر بطريقة سافرة عن عنصرية الدولة اليهودية و عنصرية قوانينها .
" الكوكلاكس كلان " منظمة عنصرية للأميركان البيض ، أسست عام 1870 بهدف تجريد الأميركان السود من الحقوق التي حصلوا عليها ابان الحرب الأهلية 0 وخلال النصف الأول من القرن المنصرم استعادت المنظمة نشاطها العنصري المعادي للأميركان السود ، وأصحبت منذ عام 1925 تحتل موقع مؤثر في الحياة السياسية الأميركية وتضم في صفوفها نحو عشرة ملايين عضو 0 استمرت المنظمة في نشاطها العنصري المعادي للأميركان السود حتى منتصف الستينات0 ويعتبر ديوك من انصار اعادة كتابة تاريخهم كأبطال للأمة०



الكتاب : الصحوة : النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية


المؤلف : ديفيد ديوك


الناشر : دار الفكر ، دمشق ، تشرين الثاني 2002 ( 480 صفحة )



حسن عبد العال



باحث فلسطيني مقيم في سوريا






موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق