الأربعاء، 12 مايو 2010

ترانسفير من دون ألم:حسن عبدالعال

ترانسفير من دون ألم

•حسن عبدالعال *

12-5-2010م

منذ خمسة أعوام والفكر السياسي الإسرائيلي يبحث عن حلول لمكافحة الخطر الديموغرافي الذي يروج له الفريق الأبرز من الديموغرافيين الإسرائيليين الذين أوصلتهم أبحاثهم إلى تقرير حقيقة تقول بأن فلسطينيي عام 1948 الذين باتوا يشكلون مع بداية الألفية الجديدة نسبة 20 في المئة من سكان إسرائيل ، سيصبحون عام 2020 نحو 35 في المئة على أقل تقدير بفضل مفاعيل المعادله الديموغرافية القاتلة ـ حسب تعبيرهم بالطبع ـ التي تفيد بأن عامل الخصوبة العالية عند الفلسطينيين بات يكفل لهذه الزمرة السكانية التي تعيش داخل الخط الأخضر مضاعفة عدد سكانها كل 20 عاما ، وبالمقابل فإن عامل الخصوبة المتدني عند اليهود الإسرائيليين ( قياسا مع الفلسطينيين بالطبع) لم يعد يكفل لهذه الزمرة السكانية مضاعفة عددها إلا كل 40 عاما على أبعد تقدير . ومن هذه الحلول العديده والمتنوعة التي بدأ يسوق لها الفكر السياسي الإسرائيلي عبر العديد من باحثيه ومفكريه وخبرائه الاستراتيجيين ، إلى جانب علماء وخبراء رفيعوا المستوى على صعيد الأبحاث والدراسات الديموغرافية ، برزت أفكاره ومشاريع حلول لمواجهة تنامي القوة العددية المتصاعدة للفلسطينيين داخل الخط الأخضر تجمع على ضرورة تخفيض عدد السكان الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية الى أقل من النصف ، وذلك بهدف درء الخطر المستقبلي الذي بات يهدد بتحول الأكثرية اليهودية في إسرائيل إلى كتلة سكانية تقل عدديا عن الكتلة السكانية الفلسطينية خلال العقود القليلة القادمة. ومن هذه الأفكار ومشاريع الحلول التي لم تعد ترى خلاصاً لاسرائيل من كارثة ديموغرافية مرتقبة من دون ترانسفير ، برزت افكار واتجاهات تجديدية ومبتكرة في الفكر السياسي والديموغرافي الإسرائيلي تروج لأفكار ومشاريع حلول تقول بـ "ترانسفير من غير ألم" ، أي بترانسفير لايعتمد العنف كوسيلة لتحققه على الطريقة القديمة ، والمستنكرة دولياً ، التي اتبعتها إسرائيل عام 1948 وأفضت إلى اقتلاع ثلاثة أرباع السكان الفلسطنيين من مدنهم وقراهم وتهجيرهم خارج الحدود 0 ومن هذه الأفكار مشاريع الحلول التي تقول بضررة الترانسفير وفق صيغة حضارية جديدة يمكن أن تؤدي إلى ذات النتيجة التي يمكن الحصول عليها من خلال اتباع الوسائل القهرية والعنيفة ، بدأت تبرز منذ سنوات أفكار ومشاريع حلول تعبر عن هذا الاتجاه الجديد بعضها يدعو إلى نوع من الترانسفير الداخلي ، أي ترانسفير ضمن المجال الجغرافي لفلسطين التاريخيه ، وآليته تعتمد على فكرة تقول بضرورة نقل نحو 30 في المئة من الفلسطنييين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية من خانة دولة إسرائيل إلى خانة الدولة الفلسطينية التي ستنشأ مستقبلاً في المناطق ( أي في الضفة الغربية وقطاع غزة ) وبعضها يقول بشكل آخر من الترانسفير يؤدي في حال تحقق فكرته ونجاح المشروع الخاص به إلى نقل عشرات الآلاف من الفلسطنيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية بعيداً عن إسرائيل عبر اتباع وسائل تعتمد على مبدأ الرضى والقبول ، أي على طريقة العقود المبرمة بين فريقين ، وتستند إلى موافقة الفريق الثاني ( الفلسطيني ) على مايقدمه الفريق الأول (الإسرائيلي ) من تعويضات وخدمات مقابل موافقته على الرحيل نهائيا عن البلاد0 وفي إسرائيل بات يعرف هذا الشكل الذي مازال يرى دعاته بأنه سيساهم بنصيب وافر في تقليص البقعة الفلسطينية من على الخارطة السكانية لدولة إسرائيل بعبارات ومصطلحات مثل " ترانسفير طوعي " أو " ترانسفير بالتراضي " أو "ترانسفير بالاقناع "ترانسفير داخلي :يعتبر هذا الخيار الأكثر رواجا في أوساط الخبراء الاستراتيجيين وعلماء الديموغرافيا الباحثين عن حلول عملية ، واقعية وممكنة ، تجنب إسرائيل من مصير محتوم سيحيلها إلى دولة أقلية يهودية فوق أرض فلسطين التاريخية خلال العقد الثاني من القرن الحالي . وتمكنها بالتالي من الحفاظ على الصبغة اليهودية لدولة إسرائيل عبر التخلي نهائيا عن قطاع غزة والضفة الغربية ( بما فيها القدس الشرقية ) والانكفاء داخل الخط الأخضر الذي يفصل بين حدود إسرائيل المعترف بها دوليا وبقية أراضي فلسطين التاريخية قبل حرب عام 1967، والذي ضمن حدوده وفوق مساحته التي تغطي أكثر من 60 في المئة من أرض فلسطين التارخية يجب أن تجري المعركة الفاصلة بين الفلسطنيين و الإسرائيليين على جبهة الحرب الديموغرافية الدائرة بين الشعبين 0 وبحسب هذا الخيار الذي يهدف إلى تجنيب إسرائيل من مخاطر الاستمرار في التخبط وسط خضم المحيط السكاني العربي فوق أرض فلسطين التاريخية ، فان المسألة لم تعد تقتصر على ضرورة إخلاء المناطق ، أي الضفة الغربية وقطاع غزة ، والتخلي عن مشروع ضم القدس الشرقية التي باتت تضم نحو 240 ألف فلسطيني – بحسب أرقام عام 2005 - وإنما الدعوة إلى تخلي إسرائيل عن منطقة المثلث ووادي عارة الواقعة داخل الخط الأخضر والمحاذية لأراضي الضفة الغربية والتنازل عنها أرضا وسكانا إلى السلطة الفلسطينية ، أو الدولة الفلسطينية المقبلة . وبحسب هذا الاتجاه الذي يتزعمه اثنان من أبرز العلماء الديموغرافيين في إسرائيل وهما البروفسور أرنون سوفير ( من جامعة حيفا ) والبروفسور سيرجي دي لا فرغولا ( من جامعة العبرية في القدس ) ، اضافة إلى فريق من دعاة ومناصري هذا الخيار الذي أصبح يمثله دعاة وناشطون من أمثال افرام سنيه وشلومو أفنيري ....الخ فان هذا الاجراء العملي وان كان سيفضي إلى تخلي اسرائيل عن جزء من أرضها المعترف بها دوليا فانه بالمقابل من وجهة نظر دعاة هذا الخيار الذي بات من وجهة نظر الدفاع عن سلامة المشروع الصهيوني يعطي الأولوية للديموغرافيا على الجغرافيا، سيؤدي إلى خسارة الكتلة السكانية العربية داخل الخط الأخضر نحو 300 ألف فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية وفق حسابات هذه الأيام ، ونحو 600 ألف نسمة وفق توقعات عام 2020 ، أي ستؤدي مفاعليه إلى قطع أحد أطراف الغول الديموغرافي الفلسطيني وتأجيل لحظة الكارثة الديموغرافية التي سيصبح فيها فلسطينيوا عام 1948 ثلث السكان مع اقتراب عام 2020 على أبعد تقدير 0 وفي خطوة لاحقة وبهدف التخفيف من الألم الذي يمكن أن يصاحب فكرة تنازل اسرائيل عن جزء من أراضيها المعترف بها دوليا ، بدا دعاة هذا الخيار الاستراتيجي القائم على فكرة الترانسفير الداخلي بتطوير فكرته وتضمين المشروع المذكور فكرة تقول بالمقايضة ، أي بمقايضة الأراضي ، أو" تبادل المناطق " وبحسب الآلية المقترحة لهذا الحل تقوم إسرائيل بضم المستوطنات الكبرى التي تضم أكثرية المستوطنين اليهود في الضفة الغربية والقريبة من الخط الأخضر ، مثل مستعمرات " أرييل " و " معاليه أدوميم " و " غوش عتسيون " مقابل تخليها عن منطقة المثلث الصغير ووادي عارة بأرضة وسكانه لصالح السلطة الفلسطينية ، أو الدولة الفلسطينية القادمة0ترانسفير بالتراضي :إلى جانب المشروع القائل بالترانسفير الداخلي وبموازاته ، برز مشروع آخر يؤكد على الفكرة ذاتها التي عبر عنها دعاة مشروع الترانسفير الداخلي والقائلة بأن المشكلة الديموغرافية التي ستواجه اسرائيل وتنفي عنها صفتها كدولة ذات أكثرية يهودية خلال العقود القادمة لم يعد بالامكان التغلب عليها من دون اعتماد أفكار ومشاريع حلول تقود إلى الترانسفير ، أو بتعبير أدق الاتجاه نحو حلول عملية تفضي إلى مايمكن تسميته " ترانسفير حضاري " غير مستنكر دوليا ، ويمكن له أن يحقق الهدف المتفق عليه وهو تخفيض حجم الكتلة السكانية العربية المنتشرة داخل الخط الأخضر إلى أقل من النصف 0 وتقوم فكرة هذا المشروع على اعتماد صيغة عقد الصفقات بين إسرائيل وحاملي الجنسية الإسرائيلية من عرب 48 ، وبموجبه تقوم اسرائيل ممثلة بمكاتب ذات صفة أهلية ، أو غير رسمية ، بتقديم عروض سخيه ومغرية للفلسطينيين المرشحين من قبلها للهجرة خارج البلاد مقابل التزام هؤلاء بعدم العودة إلى اسرائيل ، ومن خلال مضمون العروض التي قدمت فعليا بدءاً من النصف الأول من العام 2002 وتم ايصالها إلى عشرات الآلاف من فلسطينيي عام 1948 عبر وسائط مباشرة أو غير مباشرة ، وضمن حملة علاقات عامة وصلت إلى حد الترويج للهجرة على صفحات الجرائد عبر اعلانات مدفوعة الأجر باللغتين العربية والعبرية ، فان الجهة التي تمثل الفريق الأول ، أي الجهة الإسرائيلية ، لاتطلب من الفريق الثاني ، أي الفلسطيني المرشح للهجرة ، سوى التوقيع على تعهد رسمي يفيد بتخليه نهائيا عن الجنسية الإسرائيلية مقابل ضمان الفريق الأول للفريق الثاني حق الاقامة الدائمة له ولجميع أفراد أسرته في كندا أو الولايات المتحدة أو استراليا *( أو أي بلد آخر يختاره خارج الشرق الأوسط ) ويضمن له في مكان اقامته الجديدة عملا ثابتا ومنزلا مستأجرا ، وفوق ذلك يحصل على ثمن بيته الذي سيرحل عنه ، اضافة إلى مبلغ قدره مائة ألف دولار أميريكي 0 وبحسب دعاة هذا المشروع والقائمين على تنظيم حملته فان هذه الحملة المستمرة منذ عام 2002 يمكن لها أن تبعد نهائيا نحو 15 في المئة من الفلسطنيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية داخل الخط الأخضر والبالغ عددهم اليوم نحو 1.350 مليون نسمة 0 وأيضا وبحسب دعاة هذا المشروع والقائمين على تنظيم حملته التي قامت في مرحلة أولى بدراسة شبه ميدانية لأحوال السكان العرب على مستوى التجمعات والأفراد فان نجاح هذا المشروع بات يعتمد في مرحلة أولى على الفلسطينيين العاطلين عن العمل ، أو غير الراضين عن ظرف عملهم ومستوى معيشتهم ، ووفق الدراسات الاحصائية الإسرائيلية التي تفيد بأن نسبة البطالة وانخفاض مستوى المعيشة هي الأعلى في صفوف عرب 1948 ، فان القوة العاملة العربية في اسرائيل التي تعاني أكثر من غيرها من القوانين والعنصرية التي تطال مواطني الدولة من غير اليهود باتت تشكل المصدر الأساسي الذي بات يعول عليه أصحاب فكرة هذا المشروع الصهيوني الجديد في انجاح فكرتهم وتحقيق نسبة هجرة في صفوف عرب 1948 لاتقل معدلاتها في مرحلة أولى عن 15 في المئة من مجموع هذه الكتلة السكانية النامية التي كانت ومازالت تشكل مصدر قلق للدولة ، ومصدر خطر على المشروع الصهيوني القائل بدولة ذات أكثرية يهودية مطلقة فوق مساحة دولة إسرائيل المعترف بها دولياً على أقل تقدير0
* على صعيد مواز ومتزامن مع هذه الحملة بدأت وزارة الخارجية الإسرائيلية بارسال اشارات موجهه للمرشحين للهجرة عن اسرائيل تفيد بأن اسرائيل باتت جاهزة لتنفيذ كافة التزاماتها على هذا الصعيد 0 وعلى سبيل المثال نقلت الصحف الاسرائيلية الصادرة بتاريخ 9/6/2002 عن ناطق رسمي باسم وزارة الخارجية معلومات تفيد بأن الحكومة الكندية استكملت بناء حي سكني خاص بالذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ويرغبون بالهجرة إليها0 وبحسب الناطق المذكور فان هذا الحي مجهز حسب الأصول ويتكون من 1350 وحدة سكنية0
*كاتب فلسطيني
ـ انتهى ـ

حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا

:موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق