الأربعاء، 12 مايو 2010

بروتوكولات حكماء صهيون بين الأصالة والتزوير :• حسن عبدالعال

" بروتوكولات حكماء صهيون بين الأصالة والتزوير "

•حسن عبدالعال

12-5-2010م

بدأت الحملة الصهيونية المركزة على مسلسل " فارس بلا جواد " قبل شهر من بداية رمضان المنصرم ، واستمرت خلاله بدعوى أن المسلسل التلفزيوني المذكور يقحم " برتوكولات حكماء صهيون " من خلال المادة التاريخية التي يستند إليها بطريقة تُوحي بأنها وثيقة أصلية ، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أرباع القرن على المراجعات الأولية التي أفادت بأنها نسخة مشكوك بصحتها 0 وقد وصفت هذه الوسيلة في استخدام البروتوكولات وإقحامها كمادة تاريخية في المسلسل المذكور بأنها بدعة جديدة من " اللاسامية " العربية ، كما ورد أكثر من مرة في برامج خاصة لأكثر من قناة تلفزيونية اسرائيلية ، وعلى صفحات " يديعوت أحرونوت " و " هآرتس " و " معاريف "....الخ ، وأيضا على اللسان الرسمي الذي تمثل بدايةً بتصريحات نائب وزير الخارجية الإسرائيلي ، ميخائيل ملكيئور ، الذي وصف هذه الطريقة في استخدام الدراما التلفزيونية لاعادة احياء البروتوكولات بأنها " لاسامية بصفتها الأكثر فظاظة " ـ " معاريف " 31/10/2002 ـ وبدوره توجه أفيغدور ليبرمان رئيس كتلة ( إسرائيل بيتا ) إلى اللوبي الاسرائيلي في واشنطن لممارسة الضغط على الادارة الاميركية ودفعها في اتجاه ايقاف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بدعوى تساهل هذه الأخيرة وسلبيتها المفرطة تجاه الدعوات الاسرائيلية ، والأميركية ، المتكررة لايقاف هذه المسلسل الذي ينبش القبور بطريقة تستذكر برتوكولات حكماء صهيون كوثيقة تاريخية أصلية ، وليس مزورة 0 وبحسب مصدر اعلامي مصري ] بتاريخ 26/11/2002 [ فان الأمور وصلت إلى حد تدخل الرئيس الاسرائيلي ، موشيه كاتساف ، في الحملة على مسلسل " فارس بلا جواد " بدعوى الترويج لبروتوكولات حكماء صهيون واعتمادها كوثيقة تاريخية غير مشكوك بصحتها ......الخ.بمعزل عن الهدف الصهيويني الكامن من وراء إثارة " معاداة السامية " في مصر على صعيد انتاج وتسويق مسلسل " فارس بلا جواد " فإن المسلسل المذكور قد أثار وما زال يثير العديد من التساؤلات عن الحقيقة التاريخية لبروتوكولات حكماء صهيون ، وهل هي وثيقة أصلية من وضع الحكماء أنفسهم ، أم مجرد وثيقة مزورة 0 وفي حال كانت مزورة مامدى تطابق هذه الوثيقة مع افكار واتجاهات ومشاريع الحكماء الذين ظهرت الوثيقة باسمهم ...؟
II ظهرت البروتوكولات لأول مرة باللغة الروسية عام 1902 ، وقام بنشرها الراهب الأرثوذكسي الروسي س0 نيلوس ووزعها بنسخ محدودة اقتصرت على رجال الدولة والأعيان في روسيا القيصرية । وفي العام 1905 أصدرها بطبعة عامة انتشرت في مكتبات بطرسبورغ وموسكو وبقية الأقاليم ، ويذكر نيلوس في مقدمته لعام 1905 بأنه حصل على هذه الوثيقة الجهنمية منذ عام 1901 ، وتسلمها من يد شخصية روسية رفيعة الشأن والمنزلة الإجتماعية ، وبأن هذه الشخصية تسلمتها بدورها من يد سيدة فرنسية (م0ك) اختلستها من بين أوراق خاصة لشخصية سياسية فرنسية مرموقة كانت تشغل منصباً رفيعاً في الحركة الماسونية ।في عام 1917 صدرت البروتوكولات في لندن ونيويورك نقلا عن طبعة عام 1905 الروسية ، كما ظهرت في برلين عام 1919 طبعة ألمانية منقولة عن الأصل الروسي ، وخلال هذه الفترة من نهاية العقد الثاني حتى منصف العقد الثالث ( من القرن المنصرم ) بدأت البروتوكولات تستأثر باهتمام النخب السياسية والأعلامية واتجاهات الرأي العام في الغرب ، والتي تراوحت بين محذر من خطورة بروتوكولات حكماء صهيون على مصير الأمم ومستقبل البشرية بدعوى صحة نسب البروتوكولات إلى حكماء صهيون ] لأن مدلولات نص البروتوكولات ـ حسب هذا الاتجاه ـ جاءت متطابقة مع الخط العام الذي جاء في " التلمود " وكتب السنن اليهودية ، وبأن ماجاءت به البروتوكولات هو فقط العمل على تحويل الخط العام المذكور إلى مشاريع وبرامج عمل تفصيلية [ ، وبين مُنكر لصحة هذه الوثيقة وصحة نسبها إلى حكماء صهيون ، والدفع في اتجاه توصيفها على أنها " نسخة مزورة " بدعوى تشابه مضامين النصوص الواردة في البروتوكولات مع مضامين نصوص سابقة على تاريخ ظهورها بثلاث أو اربعة عقود ] مثل كتاب الصحفي الفرنسي موريس جولي " حوار في الجحيم بين مكيا فيلي ومونتسكيو " ـ بروكسيل 1864ـ [ ، ومن خلال هذين الاتجاهين ظهر اتجاه ثالث يجمع النقيضين ويقول بأن المسألة لم تعد تتعلق بالناحية الشكلية ، وانما بالمضامين التي تحتويها البروتوكولات ( وعددها 24) । وبحسب هذا الاتجاه فان احتمال قيام جهة ما باصدار هذه الوثيقة باسم حكماء صهيون هو احتمال قائم ، ولكن هذا الاحتمال حتى لو كان مؤكدا فهو لايخفي الحقيقة القائلة بأن ماجاء في البروتوكولات كان حقيقة وفعلا متطابقا مع مشاريع من صدرت الوثيقة باسمهم ، وبأن الأفعال باتت أصدق من الأقوال على صعيد تأكيد ماجاء في البروتوولات عن وجود مشروع جهنمي لبسط السيطرة العالمية واحتكار مفاتيح النفوذ داخل كل أمة من الأمم । وهو اتجاه مازال يشكل قناعة الكثيرين حتى في بلد محابي للسامية كالولايات المتحدة الأميركية ، وذلك على الرغم من مرور أكثر من ثمانية عقود على بداية ظهوره في العشرينات من القرن المنصرم । وعلى هذا الصعيد يقول الكاتب والصحفي اليهودي الأميركي ج0ج0 غولدبرغ في كتاب صدر مؤخرا بعنوان ( القوة اليهودية ) ـ نيويورك 1997 ـ بأن الولايات المتحدة التي انعدمت فيها مظاهر العداء للسامية مازالت مسرحاً لمثل هذه الاستنتاجات ، سواء من حيث ربط المظاهر البارزة لنفوذ المنظمات اليهودية الأميركية في الولايات المتحدة بالبروتوكولات ، أو من حيث ربط سيطرة اليهود على الاعلام الأميركي المقروء والمسموع والمتلفز والذي مازال ينظر اليه أحيانا على أنه تحقق عملي لبنود واردة في ( البرتوكول الثاني ) الذي يؤكد على ضرورة السيطرة اليهودية على وسائل الاعلام ، وبأن هذه الرؤيا التي كان يروج هنري فورد في العشرينات مازالت منتشرة ولها أنصار في أميركا ، ولكن على نحو أضيق من الماضي ، وهو أمر لايقتصر على الأميركيين وحدهم بل يتعداهم إلى غير الأميركيين من رؤساء البعثات الدبلوماسية في نيويورك وواشنطن 0 وحسب شهادة إيب فوكسمان مدير عصبة مكافحة الافتراء “ADL” في نيويورك " فان العالم غير اليهودي مازال يؤمن الى حد بعيد باسطورة بروتوكولات حكماء صهيون " ، ويذكر من وحي تجربته الشخصية بأن العديد من وزراء الخارجية ورؤساء الوزارات الذين التقاهم في مقره بنيويورك لم يأتوا لزيارته لأنه ايب فوكمسان ، او لمجرد كونه مديراً في عصبة مكافحة الافتراء ، وانما التقوه لأنه واحد من ممثلي القوة اليهودية التي يمكن لها ان تقدم لهم مساعدة في وسائل الاعلام وداخل الكونغرس ، ولأنه بالتالي قادر على ذلك من وجهة نظرهم التي مازالت تؤمن بأن برتوكولات حكماء صهيون هي حقيقة تاريخية ملموسة ، وليس مجرد وثيقة مزيفة من صنع أعداء السامية0III العالم العربي الذي ظهرت فيه البروتوكولات لأول مرة عام 1951 ، كان ـ ومازال ـ بدوره مسرحاً للإتجاهات الثلاثة التي اختلفت بدرجات متباعدة ، او متقاربة ، حول اصالة أو عدم أصالة البروتوكولات 0 ويمكن القول بأن الإتجاه الأول القائل بأصالة البروتوكولات كان يتبناه ويمثله ، منذ الخمسينات والستينات، فريق من المثقفين العرب نذكر منهم على سبيل المثال مترجم البروتوكولات الى العربية الأستاذ محمد خليفة التونسي ، و0س0ناجي مؤلف الكتاب الذي اشتهر في الستينات ( المفسدون في الأرض ) ـ 1965ـ ، أما الإتجاه الثالث الذي يقول بأن احتمال التزوير ، لايخفي الوجه الآخر من الحقيقة التي تفصح عنها المشاريع والتطبيقات العملية المستمدة من نصوص البروتوكولات وروحها فيمكن القول بأن هذا الاتجاه الذي كان من أبرز ممثليه منذ الخمسينات الأستاذ عباس محمود العقاد ما زال من بين الاتجاهات المتباينة الثلاث الأوسع انتشاراً في أوساط المثقفين العرب0 أما الإتجاه الثاني المنكر لحقيقة وأصالة البروتوكولات فيمكن القول بأنه " إتجاه متأخر جداً " في التعبير عن نفسه في الوسط السياسي و الثقافي العربي ، وهو محصور ضمن اطار ضيق من الباحثين المتخصصين في التاريخ اليهودي وبتاريخ الحركة الصهيونية. ولعل أبرزهم الدكتور ، عبدالوهاب المسيري ، الذي نسجل له جرأته في انكار الحقيقة العلمية لبروتوكولات حكماء صهيون ، والدفع في اتجاه توصيفهما على أنها وثيقة مزورة ، والدفع أيضاً في اتجاه توصيف أية اتجاهات أعلامية عربية تروج للرؤية البروتوكولية على أنها اتجاهات تخدم إسرائيل والصهيونية ، بفعل ما تشيعه من أفكار مرعبة تروج لأساطير امتلاك اليهود لقدرات عجائبية وخارقة، ] عبدالوهاب المسيري ( اليد الخفية ) القاهرة 1998 ، الفصل الأول [ . مع ضرورة التذكير بأن الباحث المسيري الذي يُحذر من تأثير كتب مثل ( أحجار على رفعة الشطرنج ) على مخيلة القارئ العربي ، لايتوقف بداهةً ( مثله في ذلك مثل العديد من الباحثين الذين سمعنا أصواتهم تعلوا خلال شهر رمضان المنصرم ) عند حدود انكار أصالة البروتوكولات ، والدفع في اتجاه توصيفها كوثيقة مزورة 0 وإنما في موازاة هذا الانكار يُقر بأن كتاب " التلمود " وتراث " القبالاه " يحتويان على نصوص أشد عنصرية من النصوص الواردة في البروتوكولات ، وبأن الجماعات اليهودية في إسرائيل مازالت تتداول كراريس وكتب يهودية تتضمن نصوصاً أكثر تآمرية من النصوص الواردة في برتوكولات حكماء صهيون ، ومثالها " كتاب التربية " الواسع الانتشار والذي يتم تداوله بكثرة في إسرائيل هذه الأيام.أخيراً لا بد من القول من وجهة نظر الاتجاه الذي يدفع في اتجاه التركيز الاعلامي على النشاط الإجرامي للحركة الصهيونية وإسرائيل ، وعدم الانجراف وراء سراب البروتوكولات المشكوك بصحتها ، بان للحركة الصهيونية العالمية بروتوكولاتها وتاريخها النظري والعملي المكشوف 0 وبأن ضحايا النشاط الصهيوني في القرن التاسع عشر لم يكن الغوييم وحدهم ، وإنما اليهود ايضاً وبطريقة تتناقض كليا مع الخط العام للبروتوكولات وروحها 0 وتكفي الاشارة هنا الى أن واقعة حرص الحركة الصهيونية على تزويد مجتمع " الييشوف " في فلسطين بعشرات الآلاف من الجيل اليهودي الشاب ، قد قادها الى إبرام صفقة مع النظام النازي في برلين تم بموجبه تسهيل الجنرال " إيخمان " لعشرات الآلاف من اليهود الشباب من مغادرة معسكرات الاعتقال النازية والتوجه الى فلسطين ، مقابل قيام المنظمة الصهيونية في رومانيا والمجر بإدارة عمليات ترحيل اليهود الى معسكر الإبادة النازية في " أوشفيتز " . وبحسب السجلات اليهودية وشهود ذلك العصر من نازيين ويهود فان الحركة الصهيونية في سبيل انجاح مشروعها الاستعماري ـ الاستيطاني في فلسطين أقدمت وبدم بارد على سوق نحو نصف مليون من يهود أوروبا الشرقية إلى المحرقة ، أي بطريقة تؤكد على أن للحركة الصهيونية العالمية بروتوكولاتها المنظورة التي تتناقض أحياناً مع روح البروتوكولات الموهومة ، وبأن هذه الأخيرة التي اشتهرت منذ بداية القرن المنصرم تحت اسم " بروتوكولات حكماء صهيون " لا يجب أن تختلط قراءتها مع قراءتنا للبروتوكولات الصيهونية المنظورة ولتاريخ النشاط الصهيوني في فلسطين على امتداد النصف الأول من القرن المنصرم.ـ انتهى ـ

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق