الخميس، 4 يونيو 2009

ماذا عن المعادله:الهيمنه الامريكيه الامريكيه أو الفوضى:حسن عبد العال




ماذا عن المعادلة: الهيمنة الأميركية أو الفوضى؟!


حسن عبد العال (*)


4-6-2009م


بعد انقضاء أيام المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في بدايات هذا العام في دافوس، وما شهده من انتقادات، تارة للدور، وتارة للأداء القيادي الأميركي في العالم، بدأت الأصوات تعلو في الولايات المتحدة محذرة من أي جنوح يقود العالم الى موقع يكون فيه خارج مظلة الهيمنة الأميركية، لأن في ذلك مخاطر لا تطال تأثيراتها الضارة أميركا فحسب وانما، بحسب دعواهم، ستطال العالم بأسره. لأن البديل عن الهيمنة الأميركية والدور القيادي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي هو الفوضى، ولا شيء آخر سوى الفوضى. وكأن العالم بحسب الخطاب الرسمي والاعلامي الأميركي الذي اخترق مسامعنا مؤخراً بات محكوماً بخيار "إما أميركا أو الفوضى". ولا سبيل لأي خيار آخر بديل كالذي يجري ترويجه والتنظير له منذ سنوات عن حاجة البشرية لنظام عالمي جديد "متعدد الأقطاب" يجري تسويقه، ليس في مواجهة أميركا، وانما بالتعاون معها. ويكون فيه للولايات المتحدة، اسوة بغيرها من الدول المنتمية الى نادي الهيمنة الدولي المتعدد الأقطاب، قسطاً وافراً من النفوذ الذي يتناسب مع حجمها الدولي ومنزلتها العالمية الحقيقية، وليس المتخلية. كما هو الحال على الصعيد الاقتصادي، على سبيل المثال، حيث لم تعد الولايات المتحدة تمثل القاطرة الوحيدة للاقتصاد العالمي، وانما (كما بات يتبدى جلياً للعيان مع بداية مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي سعرت وتيرة المنافسة على مركز الصدارة في الاقتصاد العالمي بين المراكز الرأسمالية الكبري الثلاث المتمثلة بالولايات المتحدة، وأوروبا الموحدة، واليابان) مجرد قاطرة من جملة قاطرات باتت تمثل، دولاً، واتحادات قارية، واقتصادات متحفزة وبازغة تمثل مركزاً رفيعاً في الاقتصاد الدولي. ولكن يبدو ان مثل هذا المثال ـ كما في امثلة كثيرة غيره ـ لم يغير في شيء العقلية الأميركية المفلسفة والمؤدلجة لنزعة الهيمنة على العالم، لأنها باتت من صلب ايديولوجيتها ومكوناً اساسياً من مكونات قواعد ايمانها، حتى باتت فكرة الهيمنة في الخطاب الأميركي، وعلى طريقة الرسالة الأميركية التي كان يروج لها منذ الثلاثينات والأربعينات من القرن المنصرم، هي "نعمة لأميركا" وفي ذات الوقت، وعلى قدر المساواة، هي "رحمة للعالم"، وليست نقمة عليه. لأنه عالم مفتت الي ذرات متناثرة، وكيانات متصارعة، او هي ميالة الى التصارع. وما زال بحاجة الى قوة قادرة ومهيمنة تقوم بدور "الكبير" وسط تجمع من الصغار، ليس فقط على صعيد السهر على مستقبل النظام العالمي، وضبط النزاعات التي تتسبب بها الأهواء وتنازع المصالح، وانما وبالقدر نفسه، قيادة العالم نحو مستقبل افضل أكثر ديموقراطية، وأكثر تحرراً، وأكثر رفاهية، وأكثر قدرة على صون النظام العالمي. وغير ذلك من مزايا باتت توجب على العالم الترحيب بالتفوق الأميركي، واتاحة المجال لأميركا لبسط وتوسيع نفوذها، والانفراد لوحدها في ادارة وصياغة الشؤون العالمية. كما سبق وكتب في مجلة (الأمن الدولي) منذ ربيع عام 1993 صموئيل هنتنغتون الذي كان على الدوام سباقا في فلسفة التوجهات الاستراتيجية والأمنية للولايات المتحدة.والغريب في الامر، بحسب المشهد الأميركي المنفعل من جراء الأصوات التي علت في دافوس وبعده منتقدة ومنددة بالهيمنة الأميركية على العالم، فان جوقة المنفعلين المنددين والمحذرين من أية محاولات لتغيير، او حتى لمجرد تعديل وتصويب، النظام العالمي، لم يقتصر هذه المرة على المتشددين، او الدائرين في فلك تيار المحافظين الجدد، او بعض المقربين من البيت الأبيض، وانما على خصومهم، من المعتدلين، الذين باتوا يرون في الهيمنة الأميركية على انها شكل من اشكال نهاية التاريخ، أو اكتمال التاريخ. ومن عداد هؤلاء نذكر، على سبيل المثال، فريد زكريا في مقالته الافتتاحية في مجلة "نيوزويك" الأميركية بتاريخ 6 شباط (فبراير) 2007، والتي توجه فيه "لأولئك الذين ينتظرون بشوق نهاية الهيمنة الأميركية"، بالحذر مما يتمنونه والعدول عن هذا الأملك لأن عالما من دون الهيمنة الأميركية سيكون عالماً تنقصه القيادة، عالماً ستستمر فيه المشاكل ويتم فيه تحويل المسؤولية من يد الى أخرى بصورة لا نهاية لها الى ان تنفجر المشكلات. والنتيجة التي يخلص اليها هي النتيجة ذاتها، أي النتيجة القديمة والمتجددة دائماً التي على ما يبدو باتت تعتمدها كافة أطياف ومنوعات الفكر الأميركي: "إما أميركا أو الفوضى"، ولا شيء آخر سوى الفوضى مع ضرورة التذكير هنا بأن فريد زكريا من خلال مقالته الافتتاحية التي حملت عنوان: (عالم ما بعد الولايات المتحدة)، لم يترك القارئ حائراً امام ضبابية تعبير الفوضى لأن الفوضى بحسب التوصيف الذي بات يتبناه هو نظام "اللاقطبية" أو "النظام الدولي المتعدد الأقطاب" الذي بات ينشده ويجمع على ضرورته كل المتسائلين من نظام الأحادية الأميركي.***لا شك بأن من البساطة القول، في مواجهة هذه العقلية الأميركية السائدة، بأن العالم في ظل الأحادية الأميركية بات اشبه بصندوق "باندورا" و"مقبرة" بات يدفن فيها ارث أكثر من خمسين عاما من المعاهدات والمواثيق التي تنظم العلاقات الدولية، بحسب تعبير المفكر الفرنسي، البلغاري الاصل، تزفيتان تودوروف في كتابه (اللانظام العالمي الجديد) ـ باريس صيف 2003، كما ان من البساطة القول على طريقة العالم والمؤرخ الفرنسي ايمانويل تود في كتابه (ما بعد الامبراطورية) ـ باريس 2003 ـ في مواجهة هذه العقلية الأميركية التي لا ترى، على المقلب الآخر، بأن العالم قادر على العيش من دون الاقتصاد الأميركي، والادارة الأميركية للاقتصاد العالمي، بان اميركا بأمراضها وأزماتها البنيوية المستعصية، والتي "باتت تستهلك أكثر مما تنتج"، هي التي تحتاج الى العالم الذي بات يصونها ويحمي اقتصادها من الانهيار، بعدما اصبحت بالنسبة للاقتصاد العالمي تمثل مجرد "ثقب اسود"، لكن من الصعوبة، كل الصعوبة، تصور امكان اية مراجعة أميركية تستند، او حتى تتعاطى بجدية، مع مثل هذه المقولات والحقائق الصادرة من وراء الحدود، لأن أميركا لا تستمع وتصغي الا الى "صوتها الداخلي".


(*) كاتب فلسطيني


المستقبل - الجمعة 6 نيسان 2007


العدد 2579 - رأي و فكر - صفحة 19


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق