الأربعاء، 17 يونيو 2009

الحرب الأمريكيه والخلاص الاسرائيلي:حسن عبد العال





الحرب الأميركية والخلاص الاسرائيلي
حسن عبدالعال
17-6-2009م
منذ عامين واسرائيل تشهد أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية يكاد يجمع المراقبون في اسرائيل ، وخارج اسرائيل ، بأن حظوظ الخروج منها تكاد تكون معدومة في ظل استمرار الانتفاضة الفلسطينية المسببة لها ، وبأن استمرار الانتفاضة حتى نهاية عام 2003 ، سيشكل كارثة كبرى لاسرائيل ، ستفصح عن مزيد من التدهور الاقتصادي ، واستحفال المخاطر الاجتماعية الناجمة عن التدهور المذكور ، وعن آثاره الضارة التي باتت تهدد السلم الاجتماعي في دولة باتت تشهد كل فصل تراجع في مستوى الأداء والناتج الاقتصادي ، مترافق مع تزايد مستمر في عدد العاطلين عن العمل ، وفي أعداد المواطنين المصنفين تحت خط الفقر0وتحت ضغط الانتفاضة ، وفي ظل العجز الرسمي الإسرائيلي عن مواجهتها ، ومواجهة الآثار المدمرة لها على الصعد الثلاثة : الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، تأتي الحرب الأميركية على العراق لتشكل الحدث السعيد الذي علقت عليه كل الآمال الإسرائيلية ، باعتباره العامل الخارجي الذي يمكن المراهنة عليه ، والذي سينقذ الدولة من محنتها المستعصية بعد فشل كل المراهنات المحلية0وبحسب المحللين الإسرائيليين لهذه الظاهرة ، ظاهرة التأييد الإسرائيلي للحرب الأميركية على العراق ، فان هذا التأييد الذي اتخذ شكل التحريض على الحرب والحماسة التي لانظير لها ، يسند إلى سيناريو يقوم على حلم وردي ، أبدعته مُخيلة جماعية لنخب سياسية وعسكرية وادارية ، بدأت تروجه في أوساط الاسرائيليين المشوشين لرفع معنواياتهم الوطنية المنهارة ، واشعارهم بعد عامين من الاحباط، بأن الأبواب الموصدة ستفتح على مصاريعها من جديد ، بفصل حرب بوش على صدام ، التي ـ بحسب هؤلاء ـ لن تقتصر على تخليص اسرائيل من عدو استراتيجي قادر ( العراق ) ، ولكنها ستمثل حدثاً اشبه بزلزال عنيف ستجرف تداعياته الشرق أوسطية كل المواقع والمراكز العربية المعادية لاسرائيل ، وعلى رأسها المنظمات التي تشكل العمود الفقري للانتفاضة الفلسطينية . وفي ذات الوقت ستُخرج الدولة من أزمتهما الاقتصادية الخانقة ، بفضل الفوائد الكثيرة التي ستجنيها اسرائيل اقليميا ودولياً بعد الانتصار الأميركي على العراق 0 فعلى الصعيد الأول الخاص باساكات المواقع العربية المعادية لاسرائيل ، يرى أصحاب هذا السيناريو الوردي الذي تُجمع عليه حكومة شارون الحالية ـ مثلها في ذلك مثل سابقتها ـ بأن تهميش الأنظمة والمنظمات المعارضة لاسرائيل لن تقتصر على بلدان الطوق، وانما الشرق الأوسط برمته ، بما فيه ايران التي ستُجبر ( مثل غيرها ) على الاعتراف بالمركز الاقليمي الذي تشغله حليفة أميركا في الشرق الأوسط 0 أما في المناطق ( أي الضفة الغربية وغزة ) فإن مصير المنظمات الفلسطينية الشديدة الخطورة على أمن اسرائيل سيكون مثل مصير حزب الله ، أي مجرد أسماك وجدت نفسها فجأة فوق اليابسة 0 وستحل محلها في السيطرة على الشارع الفلسطيني قوى بديلة، وقيادات سياسية معتدلة ومتكيفة مع مرحلة مابعد الحرب 0 أما على الصعيد الاقتصادي فان الاجواء المؤاتية لاسرائيل في شرق أوسط جديد ، لا دور فيه لعرفات وحزب الله والانتفاضة ، ستساهم في اعادة عجلة الاقتصاد الاسرائيلي إلى سكته الأصلية بعد انزلاق دام عامين ، وسيستعيد عافيته ومعدلات نموه المرتفعة التي سجلت لأعوام خلت ، وبدورها ستملئ خزينة الدولة " الخاوية تماما " ـ حسب اعتراف وزير المالية الجديد ب نتانياهو ـ بمليارات الدولارات ، بفضل المساعدات المالية السخية التي ستقدمها أميركا المنتصرة إلى اسرائيل في شكل مكافآت وتعويضات ناجمة عن الحرب ، وايضا بحسب السيناريو المذكور ، بفضل قدرة اسرائيل المنتمية إلى أسرة الدول المنتجة للتكنولوجيا المتقدمة، على الاستفادة من عودة الحركة إلى الاقتصاد الأميركي ، والغربي عامة ، في مرحلة ما بعد الحرب.لاشك بأن هذا السيناريو الوردي الذي يراهن على الحرب الأميركية في انقاذ اسرائيل من أزماتها الداخلية المستعصية ، يعكس حالة الارتباك والمتاهة التي وصلت اليها اسرائيل في زمن الانتفاضة ، كما يعكس على نحو جلي وواضح اعتراف رسمي ، غير مباشر ، بعجز الحكومة عن وقف التدهور المتسارع على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ] ناهيك عن الأمني [ ، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من المراقبين والمحلليين الاسرائيليين المستأتين من الشكل الفاضح الذي اتخذه التأييد الاسرائيلي للحرب الأميركية على العراق ، إلى وضع عناوين تهكمية لمقالاتهم الناقدة لفريق العاجزين المراهنين على سيد البيت الأبيض وحربه العراقية ، التي أظهرت شارون في موقع المسؤول الاسرائيلي الأشد حماسة للحرب من الرئيس الأميركي بوش والمهووسين في ادارته 0 فالحرب الأميركية من منظور شارون ، الذي دفع به فشله على الصعيدين الأمني والاقتصادي إلى تعليق كل آماله على حدث خارجي ، هي حرب إنقاذ الدولة وخلاصها على طريقة عقده القصة في المسرحيات اليونانية التي تجد حلها عبر تدخل قوة عليا خارجية ، حسب تعبير تهكمي لعوزي بنزيمان الذي كتب قبل اربعة أيام على اندلاع الحرب ] " هآرتس " ، 14/3/2003 [ بأن السلطة الاسرائيلية المقيدة بعجزها المطبق ، باتت على طريقة المأساة اليويانية القديمة تمنح إله الحرب " مارس" دور القوة العليا المتدخلة 0 فالايمان في البركة الكامنة في حرب مارس الأميركي على العراق ، بات في اسرائيل شكل من أشكال الايمان الديني بأن الخلاص لن يأتي إلا عن طريق قوة خارجية0اليوم وبعد مرور أكثر من اسبوع على الحرب التي لم يكن يتوقع لها سيناريو شارون وفريقه أن تطول أكثر من يومين ] أو ثلاثة على أبعد تقدير ـ " هآرتس " 7/3/2003 ـ [ السؤال الذي بات يشغل الاسرائيليين جميعا بعد قلب الأوراق وفشل كل المراهنات عن تقدم سريع : " ماذا لو لم ينجح بوش في حربه ولم تسقط بغداد ..؟ ".

في الوقت الذي كان يقر فيه المحللون الاسرائيليون بواقعة انقسام الادارة الأميركية إلى فريقين ، أحدهما مندفع نحو الحرب ، والآخر يأسف ] " ولكن في سره " حسب تعبير بن كسبيت ـ { لكل هذه المغامرة ، ويصلي من أجل حدوث معجزة تنزل الولايات المتحدة عن الشجرة 0 كان يقر هؤلاء بواقعة تماسك واتحاد الفريق الاسرائيلي المناصر للحرب والمراهن عليها بكل رصيده السياسي 0 ويُجمل " عوزي بنزيمان " هذا الفريق بأنه يضم " شارون وكل المؤسسة السلطوية الاسرائيلية : المستوى السياسي ، والمستوى الاداري الأعلى في الخدمة العامة ، وقيادة الجيش ، ورؤساء الاستخبارات ، والمسؤولون عن إدارة الاقتصاد الوطني..".
ـ انتهــــــــــى ـنهاية آذار 2003م
حسن عبد العال
باحث فلسطيني مقيم في سوريا
mervat10mm@yahoo.com
موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق