الاثنين، 28 يونيو 2010

آلهة الاغريق /1/ عصر الآلهة التيتــان: حسن عبد العال

آلهة الاغريق /1/

عصر الآلهة التيتــان

حسن عبد العال*

29-6-2010م

في مؤلفه الذي عني بالبحث والتقصي في أصول وأنساب آلهة الإغريق ( الثيوجونيا) (1) theogony )) يتحدث هسيودوس عن المعتقدات الاغريقية التي وحدت بين الكون والآلهة عبر تجسيمها كل مظهر كوني ، شكل، أو معنى إلهي (2). فالبحر إله، والأرض إلهة ، والسماء إله، والشمس إله، والقمر إلهة . وحسب هسيووس الذي عني في مرحلة ما بعد هوميروس بتدوين شجرة أنساب آلهة الإغريق بأسلول شعري لا يخلو من منهجية مبكرة في البحث ، فإن الكون كان في البداية يتشكل من كاوس Chaos ، أي من فراغ كوني لا متناهي ، ومن هذا الفراغ الكوني الذي خرجت منه عناصر الكون الأولى تشكلت جيا Gaea ، أي الأرض الواسعة الصدر والرحبة الأرجاء . وتارتاروس Tartarus، أي مجاهل العالم السفلي العميق الغور تحت سطح الأرض . وإروس (3) Eros ، أي القوة الخلاقة ، قوة الانتاج والتوليد التي عملت على إحداث عملية التمازج بين أجزاء السديم الكوني الأول وجعلتها تتآلف وتندمج وتتوالد . وبفعل دور إروس الذي بدأت أطيافه المحببة تزور كل جزء من أجزاء السديم الكوني الأول نشأ من كاوس " Erebus " ، إريبوس ، أي عالم الظلمات . ومن عالم الظلمات هذا نشأ الليل . ومن اقتران اريبوس بالليل الحالك أنجب الليل كل من الأثير Ether والنهار Himera أما جيا الرحبة الصدر الواسعة الأرجاء فقد انجبت بدورها في بداية الأمر مخلوقها الأول أورانوس Uranus ، أي السماء التي أصبحت بمساحتها الواسعة ،التي تعادل مساحة الأرض ،تطبق من فوق على خالفتها جيا من جميع الجهات، وتنيرها بنجومها المتلئلئة . إضافة إلى مخلوقها الأول ، أورانوس ، أنجيبت جيا من ذاتها، وبغير ضجوع أو حب، البحر بونتوس Pontus. ثم اقترنت بعد ذلك بمخلوقها الأول أورانوس السماء وأنجبت منه زمرة من الآلهة التيتان ، وهم جيل من المردة مكون من ستة ذكور ( تيتان ) Titanes وست إناث ( تيتانيد ) Titaneds ، أولهم وأكبرهم أوقيانوس Oceanus النهر المحيط العميق الغور ، يليه كيوس Coeus، وكريوس Crius، وهيبريون Hyperion، وإيابيتوس Iapetus ، وثيا Theia ، وريا Rhea وثيميس Themis، ومنيموزيني Mnemosyne ، وفويبي Phoebe ، وتيثيس Tethys، وأخيراً كرونوس Cronosالإله الداهية وكان أصغر التيتان سناً ( هسيودوس : " الثيوجونيا " ب116 - ب 153 ) . كما أنجبت الإلهة الأم جيا من أورانوس ذرية من العمالقة الكيكلوبس  Cyclopes يتكون من ثلاثة من الجبابرة هم برونتيس ، وستيروبيس ، وأرجيس ، وذرية أخرى من العمالقة الهيكاتونخيريس Hecatonchires يتكون من ثلاثة عمالقة آخرين كانوا أعظم شأناً من اشقائهم الكيكلوبس، وهم كتوس ،وبرياريوس ،وجاييس . وحسب ثيوجونيا هسيودوس فإن أورانوس السماء أصيب بالهم والغم وأصبح كارهاً لذريته الغريبة من كيكلوبس وهيكاتونخيريس . وبالأخص لذريته الأخيرة ، لأن الكيكلوبس كانوا يشبهونه ويشبهون أبناءه التيتان في كل شيء ما عدا جباههم التي كانت تتوسطها عين واحدة مستديرة الشكل . أما الهيكاتونخيريس كتوس ،وبرياريوس، وجاييس، فقد كانوا يتصفون، إلى جانب قوتهم البدنية التي تفوق كل وصف، بقباحة وهيئة مرعبة تفوق الوصف أيضاً ، فكل واحد منهم كان يحمل فوق كتفيه خمسين رأساً ،وتتدلى من أكتافه مائة ذارع . وكانت هذه الهيئة المنكرة مدعاة إخفاء أورانوس لهذا النوع الكريه من ذريته وحشرها بعيداً عن النور وسط مجاهل العالم السفلي. وبدوره كان هذا الاجراء القاسي مدعاة لاستنكار الإلهة الأم جيا، التي قررت التخلص من زوجها الأول أورانوس بواسطة منجل مثلم عظيم الشأن صنعته بنفسها من حجر الصوان الرمادي (4) ، وتمكين أبنائها التيتان والكيكلوبس من تخليص اشقائهم الهيكاتونخيريس والتخلص من أبيهم الطاغية أورانوس . وكانت عملية خصي إلاله الطاغية أورانوس على يد أبنائه التيتان تتويجاً لإنقلاب التيتان، وأمهم جيا، على أورانوس ( السماء ) وبداية عهد كرونوس ( الزمن ) ، أصغر ابناء الإله المغدور أورانوس، والأقرب إلى نفس أمه جيا، التي حرصت على تمكينه من الحصول على شرف خصي أبيه بواسطة منجلها العملاق ، ثم مكنته فيما بعد من كسب ود ودعم أشقائه التيتان الذين مكنوه بدورهم من عرش أبيهم أورانوس وتوجوه ملكاً عليهم جميعاً . بعد خصي أورانوس والاطاحة بعرشه ، أقترنت جيا بمخلوقها الثاني عملاق البحر بونتوس Pontus الذي أصبح يرمز إلى ألوهية أعماق البحار، وأنجبت منه شيخ البحر نيريوس Nereus الذي اقترن بحورية الماء دوريس Doris التي أنجبت منه خمسون حورية ، سكن وسط مياه وأعماق البحر المتوسط وبحر ايجه ، وعرفن باسم نيريديس Nereides .ومن هذه الطائفة من حوريات البحر، اللواتي كن يظهرن على مرأى من البحارة بشكل فتاة بذيل سمكة، نذكر على سبيل المثال حورية البحر أمفتريتي (5)Amphitrite التي أقترنت مع بداية عهد آلهة الأولمب بإله البحر الأولمبي بوسيدون Poseidon .و حورية البحر ثيتيس (6) Thetis ، الأحب إلى قلب آلهة الأولمب، والتي أشتهرت في الميثولوجيا الإغريقية من حيث كونها والدة ملك المرامدة وبطل الحرب الطروادية أخيل قلب الأسد . وجالاتيا Galatea التي اقترنت من السيكلوب بوليفيموس polyphemus ، ابن بوسيدون، وأنجبت منه ثلاثة أبناء ،بعد وقوعها في حب الراعي الشاب اكيس Acis الذي قتل على يد بوليفيموس الغيور حسب رواية اغريقية متأخرة (7). ومن هذه الطائفة مهدئتا الرياح العاصفة والأمواج العاتية الحوريتان كيمودوكيCymodoce، وكيماتوليجي Cymatolege، وجلا وكونومي Glauconome المتيمة بالضحك ، وأليميديAleimede المجيدة الهامة، ومينيبي Menippe المقدسة، ونيميرتيس Nemertes ذات الغرائز الشبيه بغرائز أبيها الخالد نيريوس، الذي كان يلقبه البشر الفانين بالشيخ ،لأنه أمين وطيب ومتمسك بقوانين العدالة وذو تفكير قانوني عادل وراجح [ هسيودوس : ( الثيوجونيا ) ].إضافة إلى نيريوس الفاضل الذي كان يلقب بشيخ البحر ، أنجبت جيا بفعل اقترانها من صنيعتها عملاق البحر بونتوس، لكل من ثوماس Thaumas ، وفوركيس Phorcys ، وكيتو Cyto ، ويوريبيا Eurybia . وشهد هذا العصر اقتران فوركيس من شقيقته كيتو التي أنجبت له دينو Deino ، وبيمفريدوpemphredo ،وانيو Enyo ، وكان يطلق عليهن من قبل الآلهة الخالدين والبشر الفانين اسم " الجراياي " (8)Graiae .. كما أنجبا ميدوزا Medusa وشقيقاتها الجورجونات (9) Gorgons يوريالي Euryale ، وسثينو Sthenno ،اللتين كانتا خالدتان على عكس شقيقتهما الفانية وذات الحظ التعيس ميدوزا التي لاقت سوء المصير على يد قاطع رأسها برسيوس Perseus بعد تلقيه الدعم والمشورة من الآلهة . كما أنجبت كيتو من زوجها فوركيس أفعواناً ذكراً كان يحرس التفاحات الذهبية في أقاصي الأرض . كما شهد هذا العصر زواج ثوماس من حورية الماء اليكترا (10) Electra، ابنة أوقيانوس ،التي انجبت منه الهاربيس (11) Harpies أمثال أيلو Aello المجنحة التي تسابق الرياح ، وأوكيبيتيس Ocypetes التي تسابق الطيور . كما أنجبت اريس Iris الرشيقة وسريعة العدو التي أصبحت مع بداية العصر الأولمبي رسولة رب الأرباب زيوس ووصيفة أولى لسيدة الأولمب الربة هيرا . أما يوريبيا الجميلة والصلبة القلب فقد اقترنت من كريوس Crius ابن جابا واورانوس وانجبت منه استريوس Astraeus، وبالاس pallas،وبرسيسPerses وحسب هسيودوس كان هذا الأخير من أشهر حكماء عصره . أما بالنسبة لأبناء الربة الأم جيا من أورانوس السماء ، فقد نجم عن زواج هيبريون من شقيقته ثيا ولادة هيليوسHelios العظيم إله الشمس ، وسيليني Selene الساطعة الهة القمر، وايوس Eos المشرق إله الفجر الذي يشرق كل يوم على ساكني الأرض وساكني السماء . كما نجم عن زواج النهر المحيط أوقيانوس Oceanus من شقيقته تيثيس Tethys ولادة الأوقيانيديس Oceanids وهن طائفة من حوريات البحار والبحيرات والأنهار . ومن هذه الطائفة من حوريات الماء اللواتي سكن في أعمال البحار، ووسط البحيرات والأنهار ، نذكر على سبيل المثال  الحورية دوريس ]Doris التي اقترنت من شيخ البحر نيريوس وأنجبت منه طائفة من حوريات البحر اللواتي عرض باسم النيريديس Nereides ،وحورية الماء اليكترا Electra التي اقترنت من ثوماس، ابن جايا وبونتوس، وأنجبت منه الهاربيس ،واريس السريعة . ومن أشهر حوريات هذه الطائفة حورية البحر الشهيرة كاليبسو Calypso التي كانت تسكن وسط جزيرة أوجيجيا، والتي حسب رواية هوميروس في الأوديسة استضافت أوديسيوس Odysseus التائه في قصرها سبعة أعوام (12) وأنجبت منه خلالها، حسب هسيودوس في " الثيوجونيا " ، غلامان ذكران هما ناوسيثوس وناوسينوس . ومن هذه الطائفة الحورية كاليرهوى Callirihoe التي جمع الحب بينها وبين خرايزاور Chrysaor العظيم وأنجبت منه جيريونيس Geryones الجبار ذي الرؤوس الثلاثة الذي قضي على يد هرقل ابن زيوس و الكميني . ومن شهيرات هذه الطائفة أيضاً الحورية ديوني Dione التي اقترنت بسيد الأولمب الاله زيوس وأنجبت منه حسب هوميروس في الياذته ربة الحسن والجمال أفروديت (13). وايضاً من شهيرات هذه الطائفة من الأوقيانيديس نذكر الحورية الأشهر ستكس Styx التي اقترنت من بالاس ابن يوريبيا وكريوس ،وأنجبت منه نيكي Nike ( النصر ) وزيلوس Zelus ( الحماسة ) وكراتوس Cratos ( السلطان ) وبيا Bia ( القوة ) . وخلال عصر ألهة الأولمب، وإثر انتصار زيوس على خصومه التيتان ، كرم سيد الأولمب الحورية ستكس التي ناصرته مع ابنائها في حربه بأن جعلها بمثابة القسم العظيم الذي يحلف به آلهة الأولمب والآلهة أجمعين . ويذكر هسيودوس في الثيوجونيا بأن شريعة زيوس كانت تنص على فرض عقوبة قاسية بحق كل إله يحلف باسم ستيكس الخالدة ويتبين بعدها أنه كاذب ، حيث يحرم من الحياة لمدة عام يفصل بعدها تسعة اعوام عن مجالس ومنتديات الآلهة الخالدين . واخيراً من شهيرات هذه الطائفة من الأوقيانيديس الحورية الفاتنة الجمال كليميني Clymene التي اقترنت من التيتان ايابيتوس Iapetus ، ابن جيا وأورانوس، وانجبت منه أطلس(14) Atlas أبو طائفتي الهياديس Hyades والبلياديس Pleiades الذي انضم إلى حلف الجبابرة المعادين لسيد الأولمب زيوس وعرض نفسه لعقاب زيوس المنتصر الذي خصه بعقوبة حمل قبة السماء على كتفيه العريضين، وبروميثيوس (15) Prometheus العاقل والداهية الماكر الذي ساوى بين ذكاؤه وذكاء سيد الأرباب زيوس الذي خشي على مركزه ومستقبل عرشه من ابن كليميني وايابيتوس الذي تعرض من جهة سيد الأولمب لأقسى عقاب حيث صلبه زيوس الناقم على صخرة جبارة في أعلى قمم جبال القوقاز، وقيده بسلاسل حديدية من صنع هيفيستوس ، وسلط عليه نسراً كاسراً ظل لعدة أجيال ينهش من كبده الهائل الذي كان يعوض في الليل القسم الذي كان ينهشه نسر زيوس في النهار . ومن أبناء كليميني من ايابيتوس إضافة إلى اطلس وبروميثيوس ، العملاق مينويتوس Menoetius العظيم المجد الذي استخدم قوته وجبروته في مواجهة سيد الأولمب الذي نجح في شل قوة مينوتيوس بواسطة صواعقه المدمرة وزجه جحيم تارتاروس ، وابيميثيوس Epimetheus المشوش والتائه الفكر الذي ارتبطت اسطورته باسطورة باندورا ( 16) Pandora ،صنيعة الالهة وأول مخلوقه من جنس النساء[ هسيودوس :(الثيوجونيا ) و( الأعمال والأيام)]. ومن أبرز سلالات هذه العصر المبكر ، عصر الالهة التيتان ، سلالة الاله كرونوس ذCronos، ابن جيا وأورانوس ،الذي اقترن من شقيقته ريا Rhea التي أنجبت منه الأرباب والرباب هستيا Hestia ، وديميتر Demeter، وهيرا Hera ، وهاديس Hades وبوسيدون Poseidon ، وزيوس Zeus . وكانت هذه السلالة من نسل كرونوس مصدر خشية للإله المتوج الذي تنبأت له الأرض والسماء بأن مركزه الملكي سيفلت من يده وسيُغلب على أمره ،رغم قوته وبأسه، على يد المولود الأخير من أبناءه . وبسبب من هذه النبوءة الشؤم قام كرونوس على التوالي بابتلاع أبناءه من ريا ، بدءً من هستيا وانتهاءً ببوسيدون ، مروراً بديميتر وهيرا وهاديس، ولم ينجو من هذا المصير البائس سوى زيوس، أخر أبناء كرونوس ،لكونه وقتها كان جنيناً في أحشاء أمه ريا التي حرصت على وضع طفلها الأخير داخل مغارة بعيدة وسط جزيرة كريت ووسط حوريات الجزيرة اللواتي ساعدنها بعد الولادة في رعاية الإله الصغير زيوس الذي ترعرع سراً بين مربياته اللواتي حافظن على سره وسط الغابات الكثيفة لجبل إيدا . وعندما شب زيوس وقوي ساعده ، في غفلة من أبيه كرونوس الذي كان يجهل سر ابنه الأخير ، هيأته أمه ريا لخلافة أبيه وقدمت له الدعم الكفيل بتمكينه من الاطاحة بأبيه الطاغية كرونوس وإنقاذ أشقاءه وشقيقاته من الأسر . وهو نفس الدور الذي سبق وقامت به الإلهة الأم جيا مع ابنها الأصغر كرونوس عندما مكنته من إنقاذ أشقاءه وشقيقاته من جحيم أبيهم أورانوس وعزله عن عرشه ،وحسب الأسطورة الإغريقية عن نهاية عهد كرونوس ،فإن زيوس أصغر أبناء كرونوس وريا قام بالإقتصاص من أبيه بنفس القدر الذي سبق لأبيه كرونوس الأقتصاص من أبيه أورانوس، وإنقاذ أشقاءه وشقيقاته من جحيمه ، حيث قام زيوس بتقييد أبيه الطاغية كرونوس وأجبره على تقيء اشتقاءه وشقيقاته هاديس ،وهيرا ،وهستيا، وديميتر، وبوسيدون، بواسطة شراب مقيء حصل عليه بمساعدة من مربياته الكريتيات ، وأول ما تقيأه الملك المقيد كرونوس كان حجراً ملفوفاً بقماط ملكي . وهو الحجر الذي ابتلعه كرونوس المخدوع بعدما خطفه من أحضان الأم الماكرة ريا ظناً منه أنه وليدها الأخير زيوس (17) ، كما تمكن بفضل دعم أمه ريا من عقد حلف مع اشقاءه المحررين الذين دعموا انقلاب زيوس المنقذ ومكنوه من الاطاحة بعرش أبيهم كرونوس وتنصيبه على رأس عرش والدهم المخدوع . وهكذا حسب رواية الإغريق الأوائل عن تاريخ آلهتهم، فإن دورة العنف التي أدت إلى إقدام كرونوس على خصي أبيه أورانوس الذي تنكر لذريته، عادت من جديد لتعصف بمملكة كرونوس الذي ذاق من نفس الكأس الذي سقاه لأبيه أورانوس . وبنهاية عصر كرونوس (الزمن) ينطوي من كتاب آلهة الإغريق سفر الأرباب التيتان، ويبدأ عهد زيوس وآلهة الأولمب الكبرى .
* كاتب فلسطيني







الهوامش 1- الثيوجونيا Theogony أو " أنساب الآلهة " أول قصيدة في الأدب الإغريقي القديم تناولت ديانة الإغريق وأنساب آلهتهم بطريقة لا تخلو من منهجية مبكرة . والثيوجونيا عبارة إغريقية مركبة من كلمتين Theos بمعنى إله و Gonos بمعنى نسب أو أصل  . وما تزال الثيوجونيا كأقدم وثيقة عن ديانة الإغريق وأصل آلهتهم أهم مرجع للباحثين في هذا المجال، ليس لكونها من وضع الشاعر الإغريقي هسيودوس ( ق 7 ق .م ) الذي لا يقل شأناً عن سابقه الشاعر الأغريقي هوميروس ( ق 8. ق. م ) وإنما لكونها وثيقة لم تكن من نسج خيال الشاعر ، بل مادة تاريخية استمدها الشاعر هسيودوس من الأساطير الإغريقية التي عبرت عن عقائد الناس ، والتي سادت في عصره والعصور السابقة عليه، بعد تشذيبها وتحقيقها وإعادة ترتيب موضوعاتها ترتيباً منطيقاً - لم يخلو من بعض الثغرات - وبطريقة منهجية مبكرة قريبة من أدوات البحث التاريخي التي سادت بلاد الإغريق في العصر اللاحق عليه وعلى عصره . وتتألف قصيدة هسيودوس ( أنساب الآلهة ) من حوالي ألف بيت 2- لم تقتصر ديانة الإغريق على تصوير مثل هذا التجسيد الذي وحد بين الآلهة وكل مظهر كوني في الأرض والبحر والسماء ،وأنما وحدت بين آلهة الإغريق والمعاني والقيم غير المحسوسة . فالحب يجسده إله ، كذلك الأمر بالنسبة للقدر، والحكمة ،والعدالة ، والجمال ، والانتقام ، والعقاب ، والآخرة، والزمن ، والنوم ، والموت ، والخصوبة .. الخ . كما وحدت بين الآلهة والشغل والفنون بأنواعها . فللصناعة إله ،وللزراعة إله، ولرعي الماشية إله، وللصيد إله ، وللحرب إله ،ولكل شكل من أشكال النشاط والفعل والإبداع إله أو إلهة . ويندر وجود أي مظهر من مظاهر الحياة الإغريقية لم يكن مجسداً أو متمثلاً بإله أو إلهة ، حتى السفاهة والنميمية كانتا مجسدتان بإلهة أو إله 3- إيروس Eros هنا هو الحب الكوني، وهو أحد الألهة الأُول التي انبثقت مع بداية تشكل الكون وعملت على تزاوج عناصره الأولى ، كتزاوج الأرض والسماء الذي تم بفعل إيروس - في الميثولوجيا الإغريقية هنالك أيروس Eros أخر هو إله الحب عند الإغريق وهو ابن ربة الفتنة والجمال أفروديت من عشيقها الأول إله الحرب أريس 4- حسب الأسطورة الإغريقية القديمة التي تفرد بذكرها هسيودوس في " الثيوجونيا" عن خصي أورانوس وقلب عرشه . فإن الربة الأم جيا التي ابتكرت حجر الصوان الرمادي لتصنع منه منجلاً عظيماً لاستخدامه كسلاح في مواجهة زوجها الطاغية أورانوس ، اجتمعت بأبنائها جميعاً وطالبتهم بمعاقبة أبيهم على أفعاله المشينة وإيقافه عند حده . ولكن الأبناء جبنوا جميعاً، باستثناء أصغرهم كرونوس ، الذي تعهد لأمه بمعاقبة أبيه في الوقت الذي تحدده بنفسها .وعند قدوم الليل الذي يهبط فيه أورانوس ليطبق فوق جيا وينشر طياته فوقها نشراً تاماً ، قام كرونوس ،مسلحاً بمنجل أمه الطويل ذو الأسنان المثلمة، بنصب كمين لأبيه أورانوس الذي كان يقترب بهبوطه من الأرض . وعندما لامس أورانوس الأرض قام كرونوس من موقعه الذي اختاره بدقة بقطع الأعضاء التناسلية لأبيه ورشقها بعيداً في اتجاه البحر 5- حسب الأسطورة الإغريقية عن حورية البحر امفتريت، كان إله البحر بوسيدون مغرماً بها ، وكان يلاحقها ويتعرض لها باستمرار، وكانت في كل مرة تفلت من يده بفضل سرعتها ورشاقتها وتغيب عن الأنظار . وبعد العديد من المحاولات اليائسة سلط عليها سيد البحار دلافينه السريعة التي أمسكت بها ومكنته من اغتصابها . وحسب الأسطورة فإن بوسيدون الذي أحب امفتريت ، قرر بعد تمكنه منها الإقتران بها ، وبني لها قصراً ملكياً في أعماق مياه بحر إيجه حيـــث أنجبت مـن بوسيدون ابنها " تريتون " الذي أصبح إلهاً للبحارة ، ولسكان الجزر اليونانية في بحر ايجه ، الذين تصوروه وصوروه في صورة جسم انسان في نصفه العلوي وذيل سمكة في نصفه السفلي .6- كانت حورية البحر ثيتيس من أجمل وأرق بنات جنسها، وقد تعلق بها وهام في حبها زيوس وبوسيدون والعديد من الإلهة ، وكادت أن تصبح من نصيب رب الأرباب زيوس الذي قرر الاقتران بها ، وامتلاكها له وحده ، لولا إقدامه قبيل التقدم بطلب الزواج منها على إستشارة ربات الأقدار اللواتي أجبنه بواسطة الربة " كلوثو " بأن خيوط الأقدار تقول بأن الحورية ثيتيس إذا قدر لها الزواج ستنجب ولداً ذكراً سيقدر له التفوق على أباه والإستئثار بملكه وامتيازاته . وكانت هذه الاستشارة مدعاة لخوف زيوس ،الذي خشي على عرشه من مولود زوجته المقبلة ثيتيس ،فاقلع مضطراً عن فكرة الزواج منها وأغراها بالزواج من مجنون ثيتيس ملك المرامدة " بيليوس " ورضخت ثيتيس لمشيئة حبيبها زيوس بعدما وعدها الأخير بأن سيزفها بنفسه إلى بيليوس . وسيعد لها زفافاً أولمبياً لا سابقة له، يكون فيه العازفين والمغنين والراقصين من أرباب وربات الأولمب . وصدق زيوس بوعده لثيتيس التي زفت إلى الحالم بها الملك بيليوس وحظيت بزفاف اسطوري أثار حسد هيرا وأفروديت . 7- تقول الأسطورة بأن السيكلوب بوليفيموس تعلق بحب الحورية جالأتيا، التي بادلته حبه لها بنفور منه ومن قباحته ، فعمد إلى إنشاد الأغاني العذبة التي تتغنى بحبه لها لعلها ترأف بحاله. وتذكر الأسطورة بأن بوليفيموس العاشق، الذي لم يكن قادراً على بُعد جالاتيا، ضبطها مرة في جزيرة صقلية مع الراعي الوسيم أكيس الذي اختارته حبيباً لها، ففرت جالاتيا من أمامه. أما اكيس سيء الحظ فقد رماه بوليفيموس الغاضب بصخرة سحقته، ومن دم أكيس المهراق نشأ نهر أكيس في صقلية.وحسب الأسطورة فان جالاتيا التي كانت تنفر من بوليفيموس اقترنت به فيما بعد إثر اكتشافها بأنه إبن إله البحر بوسيدون 8- " الجراياي " ، هن ثلاث بنات من نسل فوركيس وكيتو ، أولهن " دينو " وثانيهن " بيمفريدو " ، وثالثهن " انيو " كن قبيحات الشكل على هيئة عجائز شمطاوات شعرهن أبيض ، لا أسنان لهن ولا عيون ، باستثناء سن واحد وعين واحدة كن يتبادلنها من حين لأخر . ارتبطت اسطورة الجراياي باسطورة برسيوس قاتل الجرجونة " ميدوزا " .وحسب الأسطورة فان برسيوس ،وهو في طريقه إلى معقل ميدوزا ،وصل خفية إلى معقل الجراياي الذين يحمون طريق اخوتهن الجرجونات الساكنات على مقربة من عالم الظلمات في أقصى الغرب ، وانتظر حتى غلب عليهن النعاس وسلب منهن العين والسن. ولم يعد لهما ما سلبه منهن إلا بعدما ارشدنه إلى الطريق الذي سيوصله إلى معقل ميدوزا ، وحسب الرواية ذاتها فإن الجراياي أرشدنه أيضاً إلى الأسلحة والأدوات التي يتوجب عليه استخدامها في صرع ميدوزا . وحسب رواية أخرى فإن الآلهة هي التي قدمت له المشورة والأدوات التي مكنته من قتل ميدوزا . 9- " الجرجونات " ،هن ثلاث من بنات فوركيس وكيتو ،أولهن " ميدوزا " ، وثانيهن " ستينو " - أي القوية - وثالثهن " أوريالا " - أي ذات الخطوة الواسعة - كن قبيحات ومرعبات الشكل لهن رؤوس تتدلى منها خصل من الأفاعي السامة ، ولهن أيضاً مخالب وأنياب قاطعة ، وأجنحة تساعدهن على الطيران ، وأعين جاحظة قادرة على تحويل كل مخلوق تبصره أو يبصرها إلى كتلة من حجر ، وكانت أخطرهن الجرجونة ميدوزا . وحسب اسطورة مصرع ميدوزا ، فإن البطل برسيوس ،ابن زيوس من الأميرة الأرجية دانايي، نجح في تخليص البشر من شرور ميدوزا بفضل مساعدة الإله هاديس الذي زوده بالقبعة التي تخفي معتمرها عن الأنظار، والربة أثينا التي زودته بترسها المصقول كالمرآة والذي بفضله استطاع مراقبة ميدوزا من دون أن يقع نظره عليها والأقتراب منها وقطع رأسها .10- هنالك في الميثولوجيا الإغريقية أكثر من اليكترا واحدة : - هنالك اليكترا ابنة اوقيانوس وتيثيس الواردة في النص - هنالك أيضا اليكترا ابنة أطلس وبليوني ، وهي من مجموعة البلياديس اغتصبها زيوس أثناء زيارتها لمعبد الربة أثينا في الأولمب وأنجبت منه جازيون، وداردانوس المؤسس الأسطوري لمدينة طروادة - هنالك أيضاً اليكترا ابنة اجاممنون وكليتمنسترا وشقيقة أورست وايفيجينيا 11- "الهاربيس"، مجموعة من خمسة نساء كواسر أولهن " ايلو "، وثانيهن " أوكيبيتيس "، وثالثهن " كيلاينو "، ورابعهن ، " بودارجي " ، وخامسهن " نيكوثوي " . سكن وسط جزر بحر ايجه وكانت لهن أشكال مخيفة قادرة على الطيران، ورؤوس فتيات لهن مخالب طيورة كاسرة . وكانت الهاربيس تحت سلطة الآلهة التي كانت تستخدم الهاربيس في مطاردة ومعاقبة البشر.12- خلال إبحار اوديسيوس في رحلة العودة إلى الوطن ، بعد سقوط طروادة ، تاه وسط البحر الذي جرفته تياراته نحو جزيرة أوجيجيا القريبة من أعمدة هرقل، وكانت تحكمها الحورية كاليبسو . اختارت كاليبسو أوديسيوس زوجاً لها وأرغمته على البقاء معها سبع سنوات، ولم تسمح له بالعودة إلى جزيرته إلا بعد تدخل رب الأرباب زيوس ، الذي أرسل لها برسوله الإله هرمس الذي أبلغها بدوره بمشيئة رب الأرباب في عودة أوديسيوس إلى وطنه 13- في الميثولوجيا الإغريقية هنالك روايتان عن ولادة وخلق الربة أفروديت ، أولها رواية هوميروس الذي ذكر في الإلياذة بأن أفروديت هي ابنة زيوس وديوني ،وهي الرواية الإغريقية الأقدم المعتمدة عن أصل الربة أفروديت في الميثولوجيا الإغريقية والأدب الإغريقي القديم ، وأيضاً في الدراسات والمعاجم التي تناولت الميثولوجيا الإغريقية .الرواية الإغريقية الثانية ،التي لا تقل عن سابقها انتشاراً ، هي رواية هسيودوس الذي ذكر في " الثيوجونيا" بأن الربة أفروديت خلقت من دم أورانوس ، مثلها مثل الأرينيس والميلياديس . وحسب هسيودوس فإن الإله كرونوس ،بعد إقدامه على خصي أبيه أورانوس بواسطة منجل أمه الربة جيا ، قام برشق الأعضاء المبتورة من جسد أبيه من فوق الأرض إلى البحر المتلاطم الذي دفعت أمواجه بأعضاء أورانوس المبتورة نحو جزيرة كيثيريا، ثم نحو جزيرة قبرص ، ومن الزبد الأبيض الذي تجمع في مياه كيثيربا وقبرص حول اللحم الإلهي الخالد خلقت الربة أفروديت الزبدية ( لأنها خلقت من الزبد ) ويذكر هسيودوس بأن الآلهة والبشر كانوا يطلقون عليها ايضاً ، إضافة للقب الربة الزبدية ، ألقاباً أخرى مثل " الكيثيرية"، حيث بدأ نموها في مياه كيثيريا ، "والقبرصية" لأنها ولدت وسط مياه قبرص ، وفيلوميديس ( فيلوميديس= محبة الأعضاء) لأنها خلقت من الأعضاء المبتورة 14- أطلس ابن ايابيتوس وكليميني ، وأبو طائفتي الهياديس والبلياديس ، شارك مع اشقاءه المردة في غزو الأولمب لتحريره من سلطان زيوس ، وعوقب من قبل سيد الأولمب " زيوس " بحمل قبة السماء على كتفيه .وكان أطلس يؤدي عقوبته في أقصى الغرب ،ويشرف على مدخل المحيط الذي سمي باسمه ، وعلى حدائق الجنة التي كانت تحرسها الهيبسبيريدات . وتذكر الأسطورة بأن برسيوس ، ابن زيوس ، التجأ إلى أطلس بعد نجاحه في قتل الجرجونة ميدوزا ، وطلب المكوث عنده عدة أيام . ولكن أطلس الذي ظن بأن هدف برسيوس هو سرقة التفاحات الذهبية التي تزين حديقة الجنة ،رفض استضافة برسيوس الذي رد على إهانة اطلس برفع الغطاء على رأس ميدوزا المقطوع . وعندما وقعت أنظار أطلس على رأس الجرجونة تحول إلى جبل أطلس 15- شارك بروميثيوس إلى جانب زيوس في حربة المضادة للتيتان المهددين لعرشه، وبات مقرباً من سيد الأولمب الذي أصبح يخشى على مستقبل عرشه من الذكاء المتقد لحليفه بروميثيوس الذي ساوى بين ذكاءه وذكاء رب الأرباب ، وكان يسعى للإستحواذ على العديد من جوانب سلطانه. وحسب الأسطورة الإغريقية فإن بروميثيوس المتمرد على احتكار زيوس للسلطة، وتركيزها في يده ، قرر إقامة العدل وكسر احتكار الألهة للنار، وتقديمها للبشر الفانين المحرومين منها بقرار من سيد الأرباب زيوس . وكان هذا الكسر لشريعة زيوس سبباً لعقاب بروميثيوس ،الذي ظل مصلوباً على قمة من قمم جبال القفقاس وعرضه لنهش نسر زيوس لكبده عدة أجيال، حتى خلصه من معاناته هرقل، ابن زيوس ، بتوجيه خفي من أبيه الذي كان يرغب في إيصال ابنه إلى منزلة الإلهة . 16- خلال العهد الأول من عصر زيوس كان جنس البشر الفانين مقتصراً على الرجال ، حتى أمر رب الأرباب زيوس إله الصناعة هيفيستوس بصنع امرأة من طبيعتها الكذب والمكر والخداع ، بهدف دسها وسط البشر الفانين لتقلب حياتهم رأساً على عقب ، عقاباً لهم على مبادرتهم في قبول النار الإلهية من يد المتمرد بروميثيوس واستخدامها في حياتهم اليومية . وكانت " باندورا " التي ساهم في صنعها إلى جانب هيفيستوس كل من الربتان أثيا وأفروديت ، والإله هرمس ،موضوعة وسط جرة مقفلة أرسلها زيوس الماكر هدية إلى ابيميثيوس الذي فتح الجرة ، رغم تحذير شقيقه بروميثيوس الذي أرشده إلى مكيدة زيوس . وحسب الأسطورة الإغريقية التي أوردها هسيودوس في ( الأعمال والأيام ) ،فإن فتح ابيميثيوس للجرة قد نجم عنه نهوض باندور التي بعثرت بنهوضها المحتويات التي وضعها زيوس في الجرة ،وهي كافة أنواع الشرور والأوبئة والأثام التي تسببت بشقاء البشر الفانين الذين كانوا يعيشون ، قبل بعث باندورا ، حياة هادئة مستقرة ويحصلون على أقواتهم بعرق جبينهم 17- هنالك رواية تقول بأن حجر اومفالوس المقام في معبد دلفي والذي يرمز إلى " سرة الأرض " ، هو ذاته الحجر الذي قدمته الربة ريا إلى كرونوس على أنه ابنها زيوس ،والذي أجبره زيوس فيما بعد على تقيأه . وبحسب هسيودوس في " أنساب الآلهة " فإن زيوس، قام بنفسه بوضع الحجر في أرض " بيثو ". وبيثو هي التسمية القديمة للأرض المذكورة التي أطلق عليها ابولو فيما بعد اسم " دلفى " .


حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق