الاثنين، 28 يونيو 2010

الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد: حسن عبد العال

الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد

- اختلاف الشرق الأوسط الكبير -

حسن عبدالعال *

28-6-2010م

تمهيد :تزامنت مرحلة بداية التكريس النهائي لصيغة الشرق الأوسط في الحياة الدولية مع بداية مرحلة الحرب الباردة و انبثاق النظام العالمي الثنائي القطب . و إذا كان التناول التاريخي لهذه الولادة المتزامنة نسبيا يتطلب منا القول بانعدام أية علاقة سببية تجمع بين ولادة الحالتين ، أو الظاهرتين ، إلا أن التناول التاريخي لاستمرار الصيغة الجغرافية للشرق الأوسط كصيغة نهائية من دون أي تغيير أو تعديل بات يتطلب منا اليوم ، و بعد مرور أكثر من 15 عاما على نهاية الحرب الباردة ، التأكيد على توفر علاقة سببية تعيد الى الأذهان الحقيقة القائلة بأن استقرار صيغة الشرق الأوسط ، و استمرارها كما كانت عليه منذ منتصف الخمسينيات ، و لفترة زمنية امتدت لنحو أربعة عقود ، هو ثمرة من ثمرات زمن الحرب الباردة ، و نتيجة من نتائج النظام العالمي الثنائي القطب الذي كان يقوم على جسر من التوافقات و التفاهمات بين القطبين الروسي و الأميركي . و هي توافقات و تفاهمات عملت من خلال حالة توازن الرعب بين القطبين المسيطرين على النظام العالمي ، وقتذاك ، الى خلق حالة من الاستقرار الدولي ناجمة عن عدم قدرة أحد القطبين على التمدد في هذه المنطقة أو تلك من العالم من دون ردع أو تصدي من الآخر . و بالتالي الى انعدام أو عدم توفر أية أسباب أو موجبات من أية جهة لقلب الصيغ الإقليمية أو الدولية المتعارف عليها ، لانتقاء توفر الظروف الإقليمية أو الدولية الدافعة لذلك على امتداد حقبة الحرب الباردة و سيادة النظام العالمي الثنائي القطبية .و إذا كان تأكيد هذه الحقيقة التاريخية بات يعني منطقيا ، و على المستوى النظري على الأقل ، بان صيغة الشرق الأوسط باتت عرضة للتغيير و التعديل منذ غروب شمس النظام العالمي السابق ، الذي بحكم آلية عمله حافظ عليها ، فإن ولادة النظام العالمي الجديد الأحادي القطب ، و الأميركي بامتياز ، سرعان ما أكدت هذه الموضوعة و عملت على نقلها من حيز الاستنتاج النظري ـ أو المنطقي ـ الى الحيز العملي ـ أو العملاني ـ و ذلك من خلال طرح المشروع الأميركي الداعي الى إقامة " شرق أوسط كبير " يحل محل صيغة الشرق الأوسط الحالية التي تتكون من أقطار المشرق العربي ، إضافة الى كل من تركيا ، و إيران ، و إسرائيل . و الشرق الأوسط الكبير وفق صيغته الفضفاضة و الواسعة التي ستحل محل الصيغة الحالية ، التي باتت مجرد ضيقة ومحدودة وفق منظور نظام المقاسات الأميركي الجديد ، أصبح يتكون بحسب الوصفة الأميركية المستحدثة التي باتت تذكرنا بالوصفات الشرق أوسطية السابقة التي تفتقت عنها العبقرية الإستعمارية لبريطانيا العظمى على امتداد الفترة التاريخية الممتدة من منتصف العقد الثاني من القرن المنصرم وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، و التي كانت على الدوام تتوافق و تنسجم مع التوجهات الجيوستراتيجية للمملكة المتحدة في هذه المنطقة من العالم * ، من كافة الدول صاحبة العضوية في جامعة الدول العربية و المنتشرة فوق مساحة شاسعة ممتدة من إقليم شمال إفريقيا غربا ، الى الخليج العربي شرقا ، إضافة الى كل من إسرائيل ، و تركيا ، و إيران ، و أفغانستان ، و باكستان ، و إقليم آسيا الوسطى الذي يتكون من خمسة دول هي من الشمال الى الجنوب : كازاخستان ، أوزبكستان ، تركمانستان ، قرغيزستان ، طاجيكستان. لماذا الشرق الأوسط الكبير أو " الأكبر " ؟بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 ، و بتحديد أدق بعد غزوها لكل من أفغانستان و العراق ، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالتسويق لصيغة فضفاضة و واسعة لشرق أوسط جديد تحل محل الصيغة السابقة التي اعتمدت و جرى العرف الدولي على الأخذ بها منذ منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم . و لقد وصل المشروع الى مسامعنا لأول مرة خلال النصف الأول من شهر آذار (مارس) من العام 2004 ، في صيغة " فكرة مبادرة الشرق الأوسط الكبير" قبل أن يظهر على العلن كمشروع مكتمل في صيغة نهائية عرضت على مجلسي النواب و الشيوخ منتصف الشهر الذي تلاه في صيغة " مشروع لقانون أميركي حول الشرق الأوسط الأكبر و آسيا الوسطى (1)" بهدف سنه كقانون أميركي قبل عرضه على قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى المقرر عقدها في سي ايلند (الولايات المتحدة) في العاشر من شهر حزيران (يونيو) من العام نفسه 2004 ، و ذلك بحسب العادة التي ألفناها و درجت عليها الولايات المتحدة منذ بداية التسعينيات ، بقصد إعطاء المشروع الأميركي صفة و صيغة دولية ، أو حتى أطلسية، توفر لها الغطاء الدولي ، و بالتالي تتيح للولايات المتحدة ابتزاز الدول الصناعية الغنية و تحميلها العبء الأكبر من التكاليف المالية و أعباء الدعم اللوجستي المترتبة على انجاز المشروع . ودائما ، وكما جرت عليه العادة في مثل هذه الأحوال ، من دون السماح لها بالتدخل في شؤونه (2).السؤال الذي ما زال يتبادر حتى اليوم في أذهان الباحثين و المحللين الاستراتيجيين المتخصصين سواء في الشؤون الأميركية بخاصة ، أو الإقليمية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط ، أو الدولية بعامة : لماذا الشرق الأوسط الكبير أو " الأكبر " ؟ ، و لماذا لم تعد تتوافق صيغة الشرق الأوسط المعتمدة و المتعارف عليها على امتداد الساحة الدولية منذ أكثر من نصف قرن مع توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، التي كثيرا ما باتت هذه الأيام تتعمد التستر في التعبير عن توجهاتها وراء حجج و تلفيقات تصيغ هذه التوجهات على أنها تلبية للمتطلبات الراهنة للنظام العالمي الجديد الذي ما زالت تنفرد لوحدها في التحكم بدفة توجيهه.في اعتقادي فإن الإجابة المتوقعة تلقائيا و التي تحيل أسباب هذا التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى بداية مرحلة مابعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001 هي إجابة قاصرة ، ومجرد تعبير عن فكرة مضللة ما زالت سائدة هذه الأيام تجعل من 11 أيلول مفصلا تاريخيا ، و تعيد صياغة التاريخ الى ما قبل 11 أيلول و ما بعده . و في اعتقادي أيضا فإن هذه الفكرة السائدة التي كانت تصلح للكتابات و التحليلات الصحفية التي تقتصر على متابعة مجريات الأحداث اليومية على صعيد الإجراءات الأمنية في الداخل الأميركي ، أو على صعيد ما يسمى بمكافحة الإرهاب على الساحة الدولية ، لا تصلح في حال اعتبارها بداية ، أو " نقطة انطلاق " للباحثين في هذا المجال المتعلق بموضوعنا الذي بات تتطلب تناول السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ بداية مرحلة ما بعد 11 أيلول ، ليس انطلاقا من الحدث ، أو الحادثة كنقطة بدء ، و على الطريقة المضللة المعتمدة ( و المتعمدة ) من قبل واضعوا المشروع الذين حرصوا بدءاً من مادته الأولى على التأكيد بأن المشروع هو تعبير عن تحول السياسة الخارجية الأميركية بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001 (3) ، و إنما من خلال الحدث الأعظم بما لا يقاس ، السابق على حدث 11 أيلول بأكثر من عشرة أعوام ، و المتمثل بواقعة انهيار الاتحاد السوفييتي و منظومة دول حلف وارسو منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم ، و ما تبع ذلك من نهاية معلنة للحرب الباردة و النظام العالمي " ثنائي القطب " ، و بداية معلنة لنظام عالمي جديد " أحادي القطب " بدأت من خلاله ، و على طريقة المثل الشعبي القائل (غاب القط ، إلعب يا فأر ) تتفتح من جديد الشهية الأميركية القديمة ، و المتجددة دائما ، بالسيطرة على العالم من أقصاه الى أقصاه (4) ، ( بحسب ما أفادتنا به، و بكل وضوح و صراحة ، الدعوات الأميركية الجديدة التي بدأت تروج لفلسفة الهيمنة الأميركية على العالم ، و لنزعة الإمبراطورية الأميركية قبل أحداث 11 أيلول 2001) وذلك من خلال رسم حزمة من الاستراتيجيات ، أو التصورات الاستراتيجية ، التي تتوافق كل واحدة منها مع مجموعة دول قارية ، أو إقليمية ، في العالم (5). و من هذا المنظور الواسع ، من منظور التوجهات الإمبراطورية الأميركية للسيطرة و الهيمنة على العالم ، أو على الأقل من منظور التوجهات الإمبراطورية الأميركية للسيطرة و الهيمنة مباشرة و فعليا على " أوراسيا " في مرحلة أولى(6) التي بدأت منذ بداية التسعينيات تتضح و تنفضح ملامحها و غاياتها المغلفة بشعارات تقول ، على طريقة صموئيل هينتنغتون ، المفكر الأميركي الموظف في خدمة التوجهات الاستراتيجية و الأمنية للولايات المتحدة ، بالحاجة العالمية الى السيطرة و الهيمنة الأميركية ، و التظلل تحت رايتها الإمبراطورية التي ستجلب معها الى العالم الحرية ،و الديموقراطية ، و النمو ، و الازدهار الاقتصادي ، و السلم العالمي(7) ، يفهم المشروع الجيوستراتيجي* الأميركي المتعلق بالشرق الأوسط الكبير و آسيا الوسطى المتستر تحت عباءة التنمية و الإصلاح و محاربة الفقر و الإرهاب الذي جرى تسويقه لنظام شرق أوسطي جديد أوسع و أرحب و أشمل من الشرق الأوسط في صيغته الراهنة (8) ، و يشتمل على أقاليم و دول جديدة تفوق مساحتها و عدد سكانها مساحة و عدد سكان الدول المكونة للشرق الأوسط في صيغته التي ما تزال قائمة .
لماذا دول آسيا الوسطى السوفيتية السابقة ؟لا شك بأن إدراج دول إقليم آسيا الوسطى السوفييتية السابقة في قائمة الدول و الأقاليم المكونة للشرق الأوسط الكبير كان له وقع المفاجأة في الأوساط الدولية ، و بخاصة في أوساط الباحثين المتخصصين بتاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط . و ذلك ليس فقط لبعد هذا الإقليم عن دائرة الشرق الأوسط وافتقاره حتى لصفة الجوار . و إنما وبالقدر نفسه لغرابة هذا التوجه مع تاريخ النظرة الأميركية لجغرافية الشرق الأوسط في مرحلة ما قبل ظهور حقبة الحرب الباردة و تشكل النظام العالمي ثنائي القطب ، و التي يمكن لها أن تشكل حقيقة و فعلا صيغة غطاء تاريخية جاهزة و موثقة ، و فوق ذلك مثبتة علميا في أوساط البحث الجغرافي الأميركي منذ نهاية الأربعينيات من القرن المنصرم (9) ، و تتوافق بالتالي وإلى حد بعيد مع التوجهات الجيوستراتيجية الأميركية الساعية ، في زمن التوجهات العملانية القائمة على قدم و ساق لأحكام السيطرة على أوراسيا ، الى إقامة شرق أوسط جديد أوسع و أرحب و أشمل من الشرق الأوسط في صيغته السابقة التي تواكبت و تعايشت مع زمن الحرب الباردة و النظام العالمي السابق ثنائي القطب . فالصيغة الجغرافية الأميركية للشرق الأوسط في مرحلة ما قبل حقبة الحرب الباردة ، و بالتحديد منذ الحرب العالمية الثانية و بعيدها مباشرة ، كانت في الواقع صيغة لشرق أوسط كبير يشتمل على ثلاثة أقاليم جغرافية كبيرة ، أولها إقليم الهضبات الآسيوية الممتدة من بحر إيجه الى باكستان ، و يضم كلا من تركيا ، و إيران ، و أفغانستان ( و أيضا باكستان بحسب وصفات أميركية لاحقة لم تكن ترى مانعا من إدراجها ضمن حظيرة الشرق الأوسط ، رغم أنها تشكل نقطة انتقال نحو منطقة ثقافية أخرى(10) ) ، و ثانيها إقليم بلاد العرب و الهلال الخصيب . و ثالثها إقليم إفريقيا الشمالية(11). أي أن صيغة الشرق الأوسط وفق المنظور الأميركي الذي ساد خلال الحرب العالمية الثانية ، و بعيدها مباشرة ، كانت صيغة لشرق أوسط كبير يشمل دولا و أقاليم تقع على امتداد المسافة الفاصلة بين مراكش غربا و أفغانستان شرقا . و عليه فإن المساعي الجديدة للتوسع في المجال الجغرافي للشرق الأوسط كان بإمكانها أن تكتفي بالعودة إلى الصيغة الأميركية السابقة لتلبية حاجتها الجيوستراتيجية المستجدة إلى شرق أوسط كبير ، بديل عن الصيغة التي سبق و أن اعتمدت و جرى العرف الدولي على الأخذ بها منذ منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم ، من دون الحاجة إلى هذا التوسع المصطنع الذي يلحق إقليم و دول آسيا الوسطى بالشرق الأوسط . أما لماذا بادرت الولايات المتحدة إلى إدراج دول إقليم آسيا الوسطى ضمن حظيرة الشرق الأوسط ، رغم أنها بعيدة عن دائرة الشرق الأوسط ، حتى وفق المنظور الأميركي للمجال الجغرافي للشرق الأوسط الكبير الذي ساد خلال فترة الأربعينيات و حتى بداية فترة الخمسينيات ، فالسبب في تقديري عائد أساسا إلى واقعة عدم تمكن الولايات المتحدة من اتخاذ موقف حاسم في مسألة ترتيب إقليمي نهائي لهذه المنطقة الآسيوية ( كما هو الحال بالنسبة إلى دول إقليم القفقاس ) شبيه بالترتيب الذي حصل في الغرب بالنسبة إلى أوكرانيا و بيلوروسيا و دول البلطيق السوفيتية السابقة(12)، و تنازعها بين عدة خيارات ، كان آخرها خيار إلحاقها بخارطة الشرق الأوسط الكبير الذي اكتملت فكرة ضرورة الأخذ به بعد أكثر من عامين على بدء اجتياحها لأفغانستان (13) . و هو خيار متأخر ، و لكنه بات الأفضل من وجهة نظر الإدارة الاستراتيجية ، لأن إلحاق دول هذا الإقليم بالشرق الأوسط الكبير يجنب الولايات المتحدة مسألة تحمل عبء تشكيل إدارة استراتيجية خاصة به . و لقد وجد المخطط الأميركي عدة مسوغات و روابط لإلحاق دول آسيا الوسطى السوفيتية السابقة بالشرق الأوسط الكبير . منها ما هو روحي يتعلق بالإسلام ، و منها ما هو إقليمي يتعلق بارتباط أفغانستان المحتلة بإقليم آسيا الوسطى ، و منها ما يتعلق بالمصالح المادية ، و بخاصة النفطية ، للولايات المتحدة في هذه المنطقة من العالم . فعلى الصعيد الروحي فإن جمهرة سكان دول آسيا الوسطى تدين بالإسلام (14) مثلها في ذلك مثل كافة دول الشرق الأوسط الكبير – عدا إسرائيل – الممتدة من مراكش غربا إلى أفغانستان و باكستان شرقا . و ما دام الهدف المعلن لمشروع الشرق الأوسط الكبير هو تطويق الإسلام و إعادة تأهيل الشعوب الاسلامية بهدف مقاومة التطرف السياسي الإسلامي و قطع دابر الإرهاب الأصولي من خلال محاربة دعاته و معالجة الأسباب و الظروف المساعدة و المؤاتية له ، من فقر و جهل و تخلف ، فإن هذا الهدف بات يؤهل دول آسيا الوسطى للدخول ضمن دائرة المشروع الأميركي المتجه نحو إقامة الشرق الأوسط الكبير(15). أما على الصعيد الإقليمي فالمشروع الأميركي ، ومنذ بداية مرحلة مابعد حيازة أفغانستان التي كان من أحد أهداف احتلالها تأمين معبر استراتيجي يوصل إلى هذه المنطقة ( في ظل استحالة وجود معبر إيراني ، واضطراب الأحوال السياسة على الواجهة الغربية لحوض بحر قزوين ) بات يعتمد في مسألة ضم ، أو إلحاق ، دول آسيا الوسطى السوفييتية السابقة إلى حظيرة الشرق الأوسط الكبير على الواقعة ، أو الرابطة ، الإقليمية التي تربط أفغانستان ( التي لم يعد بالإمكان من المنظور الجيوستراتيجي الأميركي الراهن حتى مجرد تصورها خارج دائرة الشرق الأوسط) ، بدول آسيا الوسطى لأنها جزء من هذا الإقليم و مكون أساسي من مكوناته الجغرافية و البشرية . حيث أن دول آسيا الوسطى، من المنظور الجغرافي الذي باتت تتحزب له الولايات المتحدة و تعمل على إعادة إحياءه و استعادة صيغته القديمة التي ظلت سائدة حتى العشرينيات من القرن المنصرم ، هي ست دول و ليس خمسة دول (16), و هي جميعا كانت و مازالت تتواصل و تتداخل و تتشابك عبر روابط أثنية و عرقية ، إضافة إلى الرابطة الإقليمية التي تجمع بينهما . و على سبيل المثال فإن طاجيكستان لا ترتبط بأفغانستان بالرابطة الإقليمية فقط ، و إنما فوق ذلك بالنسيج البشري حيث أن عدد السكان الطاجيك الذين يعيشون في أفغانستان يعادل تقريبا عدد السكان الطاجيك في دولة طاجيكستان .كان هذا عن الرابطة الروحية التي تتمثل بالإسلام الذي يجمع بين شعوب و دول الشرق الأوسط بشعوب ودول آسيا الوسطى عبر الحلقة الأفغانية ، و عن الروابط الإقليمية و العرقية التي تربط شعوب ودول آسيا الوسطى السوفييتية السابقة بشعوب و دول منضوية تاريخيا ضمن حظيرة الشرق الأوسط ، مثل إيران التي تعتبر الوطن الأم لطاجيكستان الفارسية لغويا و ثقافيا ، و تركيا التي تعتبر الوطن الأم لكل من كازاخستان ، و أوزبكستان ، و قرغيرستان ، و تركمانستان ، التي تعتبر بمجموعها جزءا من العالم التركي و مكون أساسي من مكوناته تاريخيا و بشريا و جغرافيا (17) . أما على صعيد المصالح المادية المباشرة للولايات المتحدة في هذه المنطقة الغنية بثرواتها المعدنية المتنوعة و بمصادر الطاقة من غاز و نفط (18) فيمكن القول بالنقيضين على صعيد اعتبار النفط كعامل رئيس من العوامل التي دفعت بالولايات المتحدة نحو خيار ربط هذا الإقليم بالشرق الأوسط الكبير . ففي بداية الأمر ، أي خلال السنوات الإثني عشر اللاحقة على تفكك الاتحاد السوفيتي و حصول دول آسيا الوسطى على استقلالها ، أسوة بدول القفقاس و أوكرانيا و بيلوروسيا و دول البلطيق السوفيتية السابقة ، لم يكن عامل النفط يشكل لا من قريب و لا من بعيد عاملا من عوامل التفكير بمشروع إلحاق إقليم آسيا الوسطى بالشرق الأوسط الكبير، بقدر ما يمكن القول بأن عامل النفط . أي المخزون النفطي المستخرج من شواطئ دول آسيا الوسطى المطلة على بحر قزوين ، كان واحدا من جملة العوامل الأساسية التي حرضت الإدارة الأميركية على اتخاذ قرار بشأن غزو أفغانستان الطالبانية (تحت يافطة الحرب على الإرهاب) بهدف تأمين المعبر الأفغاني لخطوط نقل الغاز و النفط من بحر قزوين إلى موانئ التصدير الباكستانية المطلة على بحر العرب و ذلك بعدما عجزت الولايات المتحدة في الحصول على موافقة حكومة طالبان على مد خطوط نقل النفط و الغاز داخل أراضي أفغانستان (19) . و من هذا المنظور يفهم دور هذا العامل المتعلق بالمصالح النفطية للولايات المتحدة في هذه المنطقة من العالم باعتباره أحد العوامل التي دفعت بالولايات المتحدة إلى إلحاق هذا الإقليم الواعد بثرواته ، من نفط ، و غاز ، بالإدارة الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الكبير أو الأكبر .
مستقبل مشروع الشرق الأوسط الكبير :مع كتابة هذا البحث نكون قد دخلنا مع بداية ربيع عام 2008 و يكون قد مضى نحو أربعة أعوام على بداية طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير على مجلسي النواب و الشيوخ ، وأيضا على طرح المشروع المذكور على قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى الذي عقد في سي ايلند (الولايات المتحدة) بتاريخ العاشر من شهر حزيران (يونيو) من العام 2004 . و من خلال مقارنة بسيطة على صعيد مجريات المشروع و ردود الفعل الصاخبة المؤيدة أو المعارضة له في عام الإعلان عنه، و ما أعقب ذلك من جهود إعلامية و نشاطات سياسية للترويج لفكرته و تثبيتها ، وواقع المشروع اليوم ، يجد المراقب فرقا هائلا بين الحالتين حتى في الولايات المتحدة نفسها . فبالأمس كنا أمام مشروع متوثب و مدعوم من قبل إدارة لا تتوانى عن فرض مشاريعها بالقوة و الإكراه ، ضاربة بعرض الحائط بكل الاعتراضات مهما علا شأن أصحابها . و اليوم نحن أمام مشروع في حالة موت سريري ، أو بتعبير آخر في حالة احتضار ، و ذلك رغم أن الفترة التي تفصل بين الحالتين ، حالة الولادة و حالة الاحتضار ، لا تتعدى الأربع سنوات . و إن شئنا الدقة فالمشروع الأميركي دخل في حالة الموت السريري بعد أقل من عامين على ولادة فكرته ، و ذلك بفعل تعطل آلية قيادته التي أدت إلى إصابة المشروع بحالة من الشلل الكلي ، و العجز عن متابعة التقدم أمام العقبات التي اعترضت مساره . و هي عقبات ليست ناجمة عن مشروع عربي أو شرق أوسطي مضاد أدت إلى تعطيله أو حتى إلى مجرد تجميده ، لأن المشروع الأميركي الذي لم يُجابه سوى بمعارضات لفظية من جهات لا حول لها و لا قوة ، كان مقدرا له شق طريقه بسهولة ويُسر كما يخترق السكين قالب الزبدة . و إنما بفعل تجميده وايقاف عجلة حركته بطريقة ضمنية ، و غير معلنة ، من قبل الإدارة الأميركية التي بدأت تنتقل في حروبها و العراق ( وايضا لبنان خلال حرب تموز 2006 الأميركية والمداراة اسرائيليا ) (20) من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع ، الذي أًصبح يتخذ صفة الدفاع السلبي في أغلب الأحيان ، و البحث عن سبل تُخرج الولايات المتحدة من الوحل الأفغاني و العراقي الذي غرقت به ، بطريقة تحفظ للدولة العظمى شيئا من كرامتها ، أو شيء من ماء الوجه . فالتعثر و الارتباك الناجمان عن فشل الغزو العسكري الذي بدأت دلالاته تظهر و تستفحل شهرا بعد شهر منذ عام 2005 ، قد أديا بالضرورة إلى ما بتنا نشهده منذ أكثر من عامين من سكوت الدوائر المختصة في وزارة الخارجية الأميركية عن مشروع الشرق الأوسط الكبير. لأن دخول الولايات المتحدة في مرحلة الانتكاسات الإستراتيجية الناجمة عن خسائرها المتلاحقة في أفغانستان و العراق ، و عدم قدرتها على الحسم العسكري لصالحها في كلا البلدين ، قد تسبب بدوره في تعطيل غير متعمد للمشروع بفعل تعطل آلية تنفيذه ، التي تعتمد أولا و أخيرا على القاطرة الأميركية لمشروع الشرق الأوسط الكبير . ناهيك عن سبب آخر غير مباشربات يتداخل مع السبب الأفغاني و العراقي ، يؤثر و يتأثر به ، و إن بطريقة غير منظورة، و يتمثل في حالة التصدع العام في المشروع الإمبراطوري الأميركي الذي بدأت تصيب شظايا السياسات و الحروب الناجمة عنه الجسم الأميركي أكثر من غيره . و هذا كله بسبب سوء التقدير المتأصل في أوساط و مجالس دعاة الإمبراطورية ، و هو سوء تقدير يتعلق بداية و أساسا بقدرة و إمكانات الولايات المتحدة على لعب دورا إمبراطوري في القرن الحادي و العشرين شبيه بالدور الذي سجله التاريخ المكتوب للإمبراطورية الرومانية القديمة التي كانت تمتلك في حينها من المقومات التي تؤهلها للعب الدور على الصعيد العالمي ، ما تفتقر إليه الإمبراطورية الأميركية . فالولايات المتحدة ، القادرة حقيقة و فعلا على لعب دور الدولة الأقوى و الأعظم في العالم ، باتت ضحية هذا النزوع الإمبراطوري المستعر نحو احتلال منزلة الإمبراطورية الرومانية القديمة في القرن الحادي والعشرين ، لأن إمكاناتها المادية و البشرية لا تسمح لها بذلك ، كما يقول المحافظ القديم باتريك بوكانان (21) ( وأمثاله من أصحاب الرأي باتوا كثر في الولايات المتحدة ) الذي بدأ يفصح منذ سنوات ، و بالأخص من خلال كتابه الذي صدر عام 2005 بعنوان (عندما ضل اليمين طريقه ) ، و على طريقة شهد شاهد من أهلها ، عن قناعته القائلة بأن الولايات المتحدة هي أشبه ما تكون اليوم بالإمبراطورية الرومانية القديمة في زمن انحدارها ، و قبيل سقوطها التراجيدي المروع . و ما التماثل بين روما القديمة و واشنطن الحديثة سوى تماثل و التقاء في النهايات التراجيدية فقط ، و لا شيء من ذلك في البدايات التي تعلق عليها الآمال . و كل حديث خارج عن هذه الحقيقة التي باتت منظورة هو مجرد هراء بهراء .ختــام :أخيراً و في الختام لابد من استعادة و استذكار التاريخ ، أو بتعبير أكثر تحديداً ، تاريخ الأفكار و المشاريع التي سبق لها و أن تصدت لمسائل تشكيل أو إعادة تشكيل الشرق الأوسط لنقول ، على صعيد ما بتنا نشهده من نكوص و تراجع عملي ظاهر في مسيرة مشروع الشرق الأوسط الكبير ، بأن سياسات القوى العظمى التي قد ترى أحيانا بأن مصالحها الجيوسياسية باتت تتطلب تشكيل ، أو إعادة تشكيل ، وحدات إقليمية أو قارية في هذه المنطقة أو تلك من العالم ، ليست دائما متواكبة مع الظروف المؤاتية التي تقود دوما إلى النجاح . و هذا بتقديري ما حصل للمشروع الأميركي الذي أقلقنا بالأمس القريب ، و الذي بات يذكرنا اليوم بظاهرة الموت المبكر الذي كان من نصيب المشروع البريطاني الخاص بإقامة (إمبراطورية الشرق الأوسط ) ، الذي شكل في الأعوام 1919- 1921 ذروة الطموحات الإمبراطورية البريطانية الهادفة إلى إقامة شرق أوسط كبير يمتد من مصر غربا إلى أفغانستان شرقا ، و يشتمل فوق ذلك على منطقتي آسيا الوسطى (وكان يطلق عليها في ذلك الوقت اسم تركمانستان) و القفقاس (22) ، و الذي أصبح في خبر كان بعد أقل من عامين على إطلاق فكرته ، و ذلك في ظل تطورات متسارعة و متلاحقة شهدتها هذه المنطقة المراد بسط وإحكام السيطرة عليها و لم تكن في حسبان أصحاب المشروع الإمبراطوري البريطاني المذكور ، و التي تمثلت بداية في بدء وصول الرياح الثورية و التحررية القادمة من روسيا البلشفية إلى الأقاليم و المناطق الآسيوية المتاخمة لحدودها ، و بطريقة باتت تساهم في خلق ظروف و أجواء سياسية وتربة ممانعة للمشروع الاستعماري البريطاني الواضح الأهداف ، إضافة إلى بدء ظهور مفاعيل الصحوة والنهضة الوطنية في تركيا ، و إقدام إيران على رفض إبرام المعاهدة الإنكليزية –الإيرانية ، و إعلان أفغانستان على نحو غير متوقع عن استقلالها عن بريطانيا ، و غير ذلك من تطورات متلاحقة لم تكن في حسبان تشرشل ، وفريق عمله في وزارة المستعمرات ، عملت على دفن المشروع البريطاني في مهده و بقي حبرا على ورق . لأن التحولات والتطورات المفاجأة خلقت وقائع عنيدة على الأرض أجبرت بريطانيا ، التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الأولى على خصومها وحلفائها على حد سواء ، إلى الإنحناء أمام الرياح المعاكسة وإعلان تراجعها عن هذا المشروع الإمبراطوري الذي كان سيعمل في حال تحققه إلى إحالة الهند إلى إمبراطورية من الدرجة الثانية ، والى مجرد درة صغيرة في التاج البريطاني .
* كاتب فلسطيني مقيم بسورية الهوامش : للإطلاع على تغطية شاملة لتاريخ تعاطي بريطانيا مع مصطلح الشرق الأوسط ، والتعديلات العديدة التي أجرتها على توصيفه الجغرافي منذ بداية مرحلة تنفيذ اتفاقية سايكس ـ بيكو (1916 ) وحتى نهاية الحرب العالمية الثاني .. انظر :- حسن عبد العال ( بريطانيا فكرة الشرق الأوسط ) مجلة الفكر السياسي ، دمشق . العدد 11 و 12 ، خريف ـ شتاء 2001 - حسن عبد العال ( الشرق الأوسط : جغرافيا الخطوط السهلة الإزاحة ) صحيفة المستقبل ـ الملحق الثقافي الأسبوعي ( نوافذ ) بيروت بتاريخ 16/6/2002 ـ ملف بمناسبة مرور مئة عام على ولادة مصطلح الشرق الأوسط.1) (( أول مشروع قانون أميركي في مجلس الشيوخ حول الشرق الأوسط الأكبر و آسيا الوسطى )) – صحيفة النهار البيروتية ، بتاريخ 17/4/2004 . و كانت النهار قد حصلت على نص صيغة القانون المذكور و نشرت ما يتضمنه من مسوغات و بنود .2) يلحظ المشروع أهمية إشراك أوروبا في المسائل المتعلقة بالدعم و التمويل . كما يدعو الشريك الأوروبي في حلف شمال الأطلسي للتعاون مع الولايات المتحدة بهدف إحداث تبديل في سياسة و إستراتيجية الحلف المذكور في منطقة الشرق الأوسط ، أي رفع وتيرة الانغماس في شؤون و أحوال هذه المنطقة بعدما أصبحت التأثيرات الدائرة فوق ساحتها تمس الأمن الدولي – البنود (9) و (10) من نص مشروع القانون . 3) ركز المشروع على (10) بنود أساسية باعتبارها وقائع و أعمدة يستند إليها و يستمد منها مشروعية ، ومن هذه الوقائع و أهمها واقعة 11 أيلول ، التي جاء ذكرها في البند رقم (1) ، باعتبارها نقطة تحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة التي استوجبت و دعت إلى طرح فكرة إحداث مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي جاء ذكره في بنود لاحقة على أنه المجال الجغرافي الحيوي للإرهاب الحديث الذي بات يهدد الأمن العالمي .4) فكرة السيطرة و الهمينة الأميركية على العالم ليست فكرة أميركية جديدة تلازمت مع انبعاث النظام العالمي الجديد ، الوحيد القطب ، بقدر ما هي فكرة قديمة و متجدد (ومتجذرة) على الدوام . و يمكن للمرء إن شاء الاطلاع على تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ عهد الآباء المؤسسين ، أن يتثبت من وجود عدة محطات في هذا التاريخ سادت من خلالها و ازدهرت الفكرة و النزعة الإمبراطورية عند الأميركيين . و هي فكرة و نزعة تعتمد تصورات تقوم على أسانيد و ضلاضلات أيدلوجية و دينية تزعم بالأصل الإلهي للفكرة ، و بتكليف إلهي لأميركا بقيادة و إدارة شؤون العالم وإعادة صياغته من جديد ، و على طريقتها و نموذجها الذي باركه الرب . كما يمكن له أثناء التوقف عند كل محطة ، أو أي محطة من هذه المحطات ، سواء كانت قديمة أو حديثة و معاصرة ، أن يكتشف تلك الخلطة الأميركية الخاصة التي تجمع بين النزعة الاستعمارية للولايات المتحدة ، و التكليف الإلهي لهذه الأمة بقيادة العالم و إعادة صياغته من جديد (أي أمركته) تحت شعار "الرسالة العالمية لأميركا"لمزيد من الاطلاع على الأفكار و السياسات الأميركية النازعة نحو السيطرة العالمية منذ عهد الآباء المؤسسين و حتى نهاية القرن التاسع عشر ، انظر على سبيل المثال ، لا الحصر : ــ والتر أ . مكدوجال (أرض الميعاد و الدولة الصليبية : أميركا في مواجهة العالم منذ عام 1776) ـ 1997 ـ الترجمة العربية ، دار الشروق ، القاهرة 2000 . ــ منير العكش (تلمود العم سام : الأساطير التي تأسست عليها أميركا ) دار الريس ، بيروت 2004و لمزيد من الاطلاع التاريخي المفصل على الأفكار و السياسات الأميركية النازعة نحو الهيمنة والسيطرة العالمية قبيل و بعيد الحربين العالميتين الأولى و الثانية ، انظر على سبيل المثال ، لا الحصر : هنري كلود (إلى أين يسير الاستعمار الأميركي) باريس 1954 ـ الترجمة العربية : دار اليقظة العربية ، دمشق 1955 .5) يعتبر كتاب زبيغنيو بريجنسكي (رقعة الشطرنج العظمى) – واشنطن 1997 – نموذجا يساعد الاطلاع عليه في الوقوف ، و على نحو تفصيلي ، على المنحى العام لإستراتيجية الهيمنة الأميركية وطريقة عملها التي تقوم من وجهة نظر الإدارة الإستراتيجية على تقسيم العالم إلى وحدات جغرافية ، إقليمية أو قارية ، يكون لكل منها حسابات و معالجات إستراتيجية خاصة بها ، و ترتبط في النهاية وعلى نحو الإجمال بالإستراتيجية العامة للهيمنة الأميركية على العالم .6) بحسب فكرة الهيمنة الأميركية على العالم التي تقول بفكرة المرحلتين ، فإن أوراسيا (أي أوروبا وآسيا) هي رقعة الشطرنج التي يستطيع من يسيطر عليها بداية احتلال المكانة الأولى في العالم : فهي أكبر قارات العالم ، و فوق ذلك تمتاز بموقعها و مكانتها كقارة محورية جيوسياسيا. و القوة التي ستهيمن عليها ستسيطر على اثنتين من أهم المناطق المتقدمة و المنتجة اقتصاديا في العالم . فحوالي 75 في المائة من شعوب العالم تقطن في أوراسيا ، و معظم ثروات العالم تكمن و تتجمع فيها ، كما يبلغ إنتاج الناتج الوطني فيها نحو 60 في المائة من إجمالي الناتج الوطني للعالم ، و تحتوي على ثلاثة أرباع مصادر الطاقة العالمية . ــ زبيغنيو بريجنسكي (رقعة الشطرنج العظمى) دار علاء الدين ، دمشق 2001 ، صفحة 39 ، 40 .7) إثر انهيار الاتحاد السوفييتي ، و مع بداية ولاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون ، بدأت محطة جديدة من محطات سيطرة و ازدهار فكرة التفوق و الهيمنة ، و ضرورة إعادة صياغة العالم من جديد ، أي " أمركة العالم" كما سادت مقولة (إما أميركا ، أو الفوضى ) . و في هذا الخصوص و مواكبة منه مع التوجهات الأميركية الجديدة للسيطرة على العالم و أمركته ، و التي بدأت تظهر في قوالب جديدة تروج لفكرة إن ما هو جيد لأميركا هو نافع للعالم ، كتب المفكر الأميركي صموئيل هينتنغتون في مجلة الأمن الدولي (عدد ربيع عام 1993) : " عالما من دون تفوق الولايات المتحدة الأميركية سيكون عالما أكثر عنفا و اضطرابا ، عالما أقل ديموقراطية و أقل نموا اقتصاديا من عالم يمكن فيه للولايات المتحدة أن تحتل مركز الصدارة وتكون فيه في موقع صاحبة الرأي الحسم في المسائل المتعلقة بصياغة الشؤون العالمية " ، لأن التفوق الدائم للولايات المتحدة على المستوى العالمي بات بحسب هينتنغتون أمرا جوهريا " ليس فقط لمصلحة الأميركيين ولرفاهيتهم و أمنهم ، و إنما أيضا و على ذات المستوى لمستقبل الحرية و الديموقراطية في العالم قاطبة ، و لمستقبل الاقتصادات المفتوحة و النظام العالمي " .ـ حسن عبد العال ( فلسفة الهيمنة الأميركية على العالم ) صحيفة النور ، دمشق 5/2/2003 * تعرف " الجيوستراتيجيا " على أنها العلم الذي يبحث في مسائل الإدارة الإستراتيجية للمصالح الجيوسياسية للدول ، أي بحسب تعبير بريجنسكي المأخوذ من علم الجيوستراتيجيا : " الإدارة الإستراتيجية للمصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة ، القدية و المستجدة ، في العالم "8) من خلال مراجعة سريعة للمتابعات النقدية التي نشرت بأقلام عربية في الصحف يلاحظ المرء في حينه ، و للأسف ، بأن أصحاب المقالات المشككة و المنددة بمشروع الشرق الأوسط الكبير تناولوا المسألة من وجهة النظر الضيقة و المحدودة التي تعاملت مع المشروع كمنتوج إسرائيلي مسوق أميركيا. فالهدف الأعظم للمشروع ، كما جاء في غالبية المقالات المنوه عنها ، هو حماية و ضمان أمن إسرائيل و استحداث دور مركزي لها في مجال جغرافي أوسع و أشمل من الشرق الأوسط العربي الذي سبق وشكل سقف مشروع بيريز الشرق أوسطي ذو البعد الاقتصادي . و بتقديري فإن هذه النظرة الضيقة والمحدودة في النظر لأبعاد المشروع تنم عن عقدة إسرائيلية مستحكمة دفعت بأصحاب المراجعات والمتابعات النقدية للنظر إلى المشروع من ثقب الباب ، رغم أن الإمكانات كانت و ما تزال متوفرة للإطلالة عليه من منظار واسع ، من منظار التوجهات الإستراتيجية الأميركية للهيمنة على هذه المنطقة الجغرافية التي تشكل قلب أوراسيا التي هي بدورها تشكل صلب مشروع الهيمنة على العالم .مثال نموذجي عن هذه المتابعات و المراجعات النقدية للمشروع : ــ عبد العال الباقوري – صحافي مصري – (الشرق الأوسط الكبير مشروع أصوله شارونية) مجلة الحرية ، بيروت بتاريخ 21/3/2004 ــ ميشال إده – وزير لبناني سابق – (متغيرات المشروع الأميركي) صحيفة النهار ، بيروت ، بتاريخ 18/4/2004 .9) حول هذه المسألة يمكن العودة إلى كتاب كارلتون س.كون (القافلة ، قصة الشرق الأوسط) نيويورك 1951- الترجمة العربية ، دار الثقافة ، بيروت 1959 ، صفحة 10 .10) كارلتون س.كون – نفس المصدر السابق ، صفحة 1111) كوينسي رايت (السياسة الدولية في الشرق الأوسط)منشورات جامعة شيكاغو 1943 – أنظره في : ــ (الشرق الأوسط في مؤلفات الأميركيين) مكتبة الأنكلو المصرية ، القاهرة 1953 صفحة 111-112 12) لم تتمكن الولايات المتحدة ، بحكم موقعها الجديد كقوة عظمى و متفردة في قيادة النظام العالمي الجديد ، خلال العقد الأخير من القرن المنصرم و بداية الألفية الجديدة ، من ترتيب وضع إقليمي أو دولي للدول الآسيوية المستقلة ، مثل دول القفقاس و دول آسيا الوسطى . و بخصوص هذه الأخيرة كثيرا ما كانت تصدر عن جهات رسمية أميركية شكاوى تتحدث عن واقع هذه المنطقة التي باتت مثالا للفشل الاقتصادي و السياسي ، و لعدم الاستقرار و الطغيان السلطوي ، و بالتالي أرضا خصبة لنمو التطرف الإسلامي . و الجدير بالذكر بأن إدارة بوش أوفدت اليزابيت جونز (مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأوراسية) إلى هذه المنطقة بتاريخ 20 شباط من العام 2002 بقصد زيارة الجمهوريات الخمس ، التي بات للولايات المتحدة قواعد و مطارات عسكرية فوق أراضي البعض منها ، و عقد صفقات مع رؤوساء و قادة هذه الدول " تقوم من خلالها الولايات المتحدة بمساعدة هذه الدول على الاستقرار و تحسين أوضاعها الاقتصادية ، مقابل حدوث انفراج و تقدم في المسائل المتعلقة بالديموقراطية و حقوق الإنسان ، لأن الولايات المتحدة باتت تخشى من أن تتحول هذه المنطقة إلى مشكلة أمنية لها خلال العقد الأول من القرن الحادي و العشرين " . ــ ( مستقبل آسيا الوسطى ) ، صحيفة المستقبل ، بيروت 24/2/200213) تشكل مجموعة دول آسيا الوسطى و مجموعة دول القفقاس الثلاثة (أرمينيا ، و جورجيا ، و أذربيجان) ما يطلق عليه منطقة البلقان الأوراسية . و كانت فكرة جمع هذه الدول ضمن حظيرة إقليمية واحدةً من الخيارات العديدة التي شغلت الإدارة السابقة في الولايات المتحدة قبيل اندلاع الحرب بين أرمينيا و أذربيجان التي أدت على ما يبدو إلى تعطيل هذا الخيار و استبعاده .14) على غرار أفغانستان ، تعد دول آسيا الوسطى السوفيتية السابقة دولا مسلمة ، حيث يشكل المسلمون جمهرة سكانها .15) لابد من التذكير في محاولة لرفع الغطاء و كشف بطلان هذا المبرر أو المسوغ ، بأن ظاهرة استعداء الإسلام ، و إثارة حالة مصطنعة من الريبة تعمل على إثارة الخوف من الإسلام في أميركا ، هي ظاهرة سابقة على أحداث 11 أيلول 2001 بسنوات ، و هي وليدة حاجة أيدلوجية بدأت بالعمل عليها الولايات المتحدة في مرحلة البحث عن عدو مصطنع ، أو حتى متخيل ، بعد فقدان الولايات المتحدة الأميركية ( التي لا يستطيع نظامها السياسي العيش من دون عدو ) للعدو السوفييتي السابق . و هنا يكفي التذكير بكتاب هينتنغتون (صدام الحضارات) الذي بات يشكل الأساس الأيديولوجي للصناعة الأميركية التي تقوم على فبركة خطر الإسلام ، بأن هذا الكتاب صدر قبل أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 بخمسة أعوام (صدر عام 1996 ، رغم أن المادة التي شكلت أساسه نشرها هينتنغتون كبحث عام 1993) و بات منذ عام إصداره يشكل الأساس الأيديولوجي لظاهرة " الإسلاموفوبيا " – أي " رهاب الإسلام " – ليس في المجتمع الأميركي فحسب و إنما في الغرب عموما .16) أي من الشمال إلى الجنوب ، كلا من كازاخستان ، و أوزبكستان ، و تركمانستان ، و قرغيزستان ، وطاجيكستان ، و أفغانستان .17) و لهذا الأمر لابد من الملاحظة بأن صيغة مشروع الشرق الأوسط الكبير و آسيا الوسطى تعمدت (في البند الثامن) التأكيد على إعطاء دور محوري و أساسي لتركيا في إنجاح المشروع المذكور ، لكونها باتت الجهة الوحيدة شديدة التأثير ، ثقافيا و روحيا و جيوسياسيا ، على هذه المنطقة في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .18) تعتبر آسيا الوسطى منطقة غنية باحتياطاتها من نفط و غاز ، بالإضافة إلى الفلزات المعدنية المهمة ، بما فيها الذهب . و تتصدر كازاخستان و تركمانستان دول هذه المنطقة باعتبارهما دولتان مطلتان على بحر قزوين الغني باحتياجاته الهائلة من نفط و غاز ، و تمتلكان حصتان من أصل خمسة حصص للاستثمار موزعة على الدول المطلة على بحر قزوين ( و هي روسيا و إيران و أذربيجان و كازاخستان و تركمانستان) . و تُعتبر إيران الدولة ذات الحصة الأقل نظرا لضيق المنطقة الإيرانية المطلة على البحر المذكور . أما كازاخستان فهي صاحبة الحصة الأوفر ، لأن امتداد سواحلها من الشمال والشرق هي الأطول على هذا البحر الذي كان يوصف بالأمس القريب على أنه ( بحيرة روسية )019) على الرغم من غزوها لأفغانستان فإن الولايات المتحدة ، و بعد مرور نحو سبعة أعوام على الغزو المذكور ، ما زالت فاقدة السيطرة كلياً على غالبية المناطق الأفغانية التي من المفترض أن تمر من خلالها أنابيب النفط . و لهذا الأمر باتت حتى اليوم مضطرة للقيام بمشاريع استجرار نفط دول آسيا الوسطى المطلة على بحر قزوين عبر خطوط تصل بين حقول النفط في كازاخستان و تركمانستان والأراضي التركية أو الروسية .20) تعد حرب تموز (يوليو) 2006 دليلا صارخا على الحالة المأساوية التي وصل إليها مشروع الشرق الأوسط الكبير ، كما تعتبر نتائجها على الصعيد العسكري نتائج عكسية تماما ، أدت إلى مزيد من التعثر في طريق المشروع المذكور رغم أن المراد كان العكس تماما ، أي إعادة الحياة للمشروع و نقله من الحفرة التي علق بها في أفغانستان و العراق عبر صدمة جديدة تعيد إليه شيئا من ديناميكية . فعلى الصعيد الأول كان اعتراف الولايات المتحدة منذ الأيام الأولى ، و على لسان وزيرة خارجيتها ، بأن الحرب في حد ذاتها هي وسيلة لتفعيل و إعادة إقلاع مشروع الشرق الأوسط الكبير ، اعترافا بدوره بحالة السبات الذي بات عليه المشروع قبل الحرب المذكورة ، و بضرورة إحداث هزة أو صدمة عنيفة لإعادة شيء من حيوتيه . و على الصعيد الثاني فقد تسبب الإخفاق الإسرائيلي في الحرب المذكورة بإحداث نوع من الضربة القاضية ، غير المتوقعة ، للمشروع على المستويين الآني و المستقبلي . فعلى الجانب الأول كان لفشل إحداث الصدمة المأمول بها مفعول عكسي تماما زاد من الآثار السيئة على المشروع أثرا جديدا ظهر في حينه ، و على الجانب الثاني أدى الإخفاق الإسرائيلي إلى إحداث نوع من القناعة في واشنطن بأن إسرائيل ، التي كانت تمثل تاريخياً ذراع أميركا الطويل في هذه المنطقة ، باتت اليوم في الحسابات المستقبلية الأميركية قصيرة الذراع ، ولم يعد يصلح الإعتماد عليها في الظروف الاستثنائية والصعبة كالتي استجدت وتسببت باعاقة وتعثر مشروع الشرق الأوسط الكبير.ـ حسن عبدالعال ( إنحسار الدور الوظيفي لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ) صحيفة النور ، دمشق 8/11/200621) باتريك بوكنان (أميركا لا تحتمل ثمن الطموحات الإمبراطورية) مجلة أميركان كونسرفتيف – الترجمة العربية ، صحيفة الجزيرة بتاريخ 15/5/2004 .22) انظر حول هذه المسألة التاريخية المتعلقة بولادة مشروع " إمبراطورية الشرق الأوسط و الأسباب و العوامل التي أدت إلى تعطيله في : ــ عبد الفتاح إبراهيم (على طريق الهند) رسالة لأهالي بغداد 1935 صفحة 326 – 330 .


حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق