الجمعة، 25 يونيو 2010

هل ستكون نهاية إسرائيل على الجبهة الديموغرافية : حسن عبد العال

هل ستكون نهاية إسرائيل على الجبهة الديموغرافية

حسن عبد العال *

25-6-2010م

منذ بداية صيف عام 2001 و إسرائيل تعيش في حالة من الذعر الناجمة عن سيل النبوؤات الديموغرافية المتشائمة حول مستقبل إسرائيل على جبهة المواجهة الديموغرافية مع الفلسطينيين سواء داخل الخط الأخضر ، حيث من المتوقع ان يشكل عرب 48 الذين يمثلون اليوم نحو 20 في المئة من التعداد العام لسكان إسرائيل ، نحو نصف سكان الدولة مع اقتراب نهاية النصف الأول من القرن الحالي على أبعد تقدير 0 او فوق أرض فلسطين التاريخية ، حيث من المتوقع ان يشكل الفلسطينيين أكثرية السكان مع حلول عام 2010 ، او على الأقل وصولهم الى نقطة التوازي العددي مع اليهود بحسب بعض التوقعات الصادرة عن جهات أكاديمية إسرائيلية كانت منذ سنوات خلت تتوقع لحظة الوصول الى نقطة التعادل الديموغرافي بين العرب واليهود فوق ارض فلسطين التاريخية عند منتصف العقد الثاني ، وبالتالي حدوث الكارثة الديموغرافية التي سيسجل من خلالها العرب السبق على جبهة المواجهة الديموغرافية والحصول على أكثرية عددية عام 2020 ، وأيضا بحسب توقعات فلسطينية تعنى بالمسألة الديموغرافية ، مثل مكتب الاحصاء الفلسطيني في رام الله الذي يقدر ، استنادا الى معطيات ديموغرافية فلسطينية ، وإسرائيلية أيضا ، بأن عدد السكان فوق أرض فلسطين التاريخية سيصل عام 2010 الى 12 مليون نسمة ، منهم 5.7 مليون يهودي و 6.3 مليون فلسطيني . ولعل مقارنة بسيطة بين الأرقام المعلنة عن التعداد العام للسكان فوق أرض فلسطين عام 2001 ، والتي قدرت عدد الفلسطينيين بنحو 4.9 مليون ( 1.2 مليون داخل الخط الأخضر و 3.7 مليون في الضفة والقطاع ) واليهود بنحو 5.2 مليون ، وتلك المتوقعة عن عام 2010 ، فإن مثل هذه المقارنة البسيطة باتت تشير الى بداية حدوث خلل هائل في موازين القوى الديموغرافية بين الكتلة السكانية اليهودية والكتلة الفلسطينية ابتداء من بداية الألفية الجديدة ، والى السرعة القياسية التي ستتم بها التحولات الانقلابية على جبهة المواجهة الديموغرافية بين الفلسطنيين واليهود والتي بموجبها من المتوقع ، سواء وفق المعطيات الديموغرافية الراهنة او المتوقعة على امتداد العقدين الأولين من القرن الحالي ، أن تنحسر نسبة السكان اليهود فوق أرض فلسطين التاريخية الى مادون 40 في المئة من التعداد العام للسكان المنتشرين بين البحر والنهر في حين ستزداد وباطراد نسبة الفلسطينيين الذين سيشكلون مع حلول عام 2020 ( عام الكارثة الديموغرافية الكبرى بحسب الوصف السائد في أوساط الديموغرافيين الاسرائيليين ) نحو 60 في المئة على اقل تقدير0أما على صعيد التحولات الديموغرافية المرتقبة داخل حدود إسرائيل المعترف بها دوليا ، والتي تشكل مساحتها أرض الحسم الرئيسة على جبهة المواجهة الديموغرافية بين اليهود والفلسطينيين ، وفق منظور الاتجاهات الأبرز في الفكر الديموغرافي الاسرائيلي ، والتي يمثلها على نحو خاص البروفسور أرنون سوفير ( من جامعة حيفا ) والبروفسور سيرجي دي لافرغولا ( من جامعة العبربة في القدس ) الى جانب العديد من الباحثين الداعين ، تحت ضغط التحولات الديموغرافية المرتقبة فوق ارض فلسطين التاريخية خلال العقدين الأوليين من القرن الحالي ، الى الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية التي نجحت إسرائيل في احتلالها عام 1967 ( بما فيها القدس الشرقية ) والانكفاء الى الداخل ، فان التقديرات عن التحولات الديموغرافية المرتقبة داخل الخط الأخضر خلال النصف الأول من القرن الحالي لم تعد بدورها مبشرة بالنسبة الى مستقبل الكتلة السكانية اليهودية التي مازالت تمثل حتى اليوم نحو 80 في المئة من التعداد العام لسكان إسرائيل وفق حسابات الأعوام 2004 – 2005 حيث من المتوقع انخفاض هذه النسبة الى 70 في المئة مع نهاية العقد الثاني ، والى 65 في المئة مع نهاية العقد الثالث ، والى أقل من 60 في المئة مع نهاية العقد الرابع ، وكل ذلك بفعل نسبة التكاثر الطبيعي المنخفضة عند اليهود التي لاتسمح بمضاعفة عددهم إلا كل 40 عاما ، مقارنة مع نسبة التكاثر الطبيعي المرتفعة عند الفلسطينيين والتي تمكنهم من مضاعفة عددهم كل 20 عاما فقط. ومع اقتراب العام 2048 ، الذي يتزامن مع مرور مائة عام على ولادة دولة إسرائيل ، من المتوقع مع حلول هذه المناسبة انحسار نسبة الكتلة السكانية اليهودية الى نحو 50 في المئة من التعداد العام للسكان داخل الخط الأخضر ، او بتعبير آخر داخل حدود إسرائيل المعترف بها دوليا 0 حيث ستشكل الكتلة السكانية الفلسطينية التي تحمل الجنسية الاسرائيلية نحو 50 في المئة من التعداد العام لسكان إسرائيل على اقل تقدير 0 وهو الأمر الذي بات يعني بداهة ، وفق هذا النوع من التوقعات الديموغرافية البعيدة الأجل التي لايزيدها هامش الخطأ فيها عادة عن 10 في المئة ، بأن إسرائيل لن يقدر لها الاحتفال ، وفق المراسم والطقوس الصهيونية المعتادة ، بمرور مائة عام على تأسيسها . ولعل من المفيد تذكير القارئ بأن هذه النتيجة التي تصلح كعنوان لكتاب ، او مقال مثير ، كانت خلال شهر نيسان من العام الماضي مثار نقاش واسع في الأوساط السياسية والأكاديمية الاسرائيلية التي تعنى بالمسألة الديموغرافية ، تضاربت فيه الآراء حول تقيم مقال نشرته مجلة " أتلانتيك " الأميركية التي تصدر في بوسطن حمل عنوان يوحي بهذه النتيجة : " هل ستبقى إسرائيل قائمة حتى عام الذكرى المئوية لتأسيسها ؟ " . وحول مدى جدية وموضوعية كاتبها " بنجامين شفارتس " ، الذي أثار موجة من الهم والغم داخل الأوساط السياسية والأكاديمية التي تعنى بالمسألة الديموغرافية في إسرائيل ، لابد من التذكير بأن شفارتس هو صحفي أميركي يهودي من كبار محرري المجلة المذكورة ، وذو صلات وثيقة مع أرنون سوفير وسيرجي دي لافرغولا ، وهما من كبار علماء الديموغرافيا في إسرائيل اللذان قدما له المعطيات الديموغرافية التي اعتمدها في مقاله والتي تشير بحسب تقديره ، وتقدير كل من سوفير ودي لافرغولا اللذان أكدا على الصفة العلمية لاستنتاجاته ، الى ان نسبة التكاثر الطبيعي العالية عند الفلسطينيين ستبتلع الدولة اليهودية قبل نهاية النصف الأول من القرن الحالي0وحول هذه النتيجة على جبهة المواجهة الديموغرافية بين اليهود والفلسطينيين فوق أرض فلسطين التاريخية ، أو داخل حدود إسرائيل المعترف بها دوليا ، لابد من التذكير بعدة عوامل مسببة للانخفاض الحالي ، والمتوقع مستقبلا، في معدلات النمو السكاني في أوساط الكتلة البشرية اليهودية التي تعتمد في نموها أساسا على عامل الهجرة اليهودية الكثيفة الوافدة الى إسرائيل ، الى جانب عامل التكاثر الطبيعي داخل الكتلة المذكورة . فالهجرة الايجابية التي شكلت تاريخيا العامل الحاسم في زيادة عدد السكان اليهود في فلسطين منذ عام 1948 ، والظاهرة الثورة ، اذا جاز التعبير ، التي زودت إسرائيل بأكثر من مليون يهودي خلال عقد التسعينات ( من القرن المنصرم ) ، باتت اليوم عاملا عديم الجدوى على الصعيد المذكور لأسباب وعوامل عديدة بعضها يتعلق بنضوب ينابيع الهجرة ( بعد تفريغ الخزان البشري اليهودي في الا تحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية خلال عقد التسعينات ) وبعضها الآخر يتعلق بانعدام ظاهرة " التجمعات اليهودية غير المستقرة " في العالم ، وهي كما نعلم التجمعات التي كانت ترفد إسرائيل بعشرات الآلاف من المهاجرين سنويا 0 ولعل من المفيد الاستعانة بالأرقام بهدف الاضاءة على عامل الهجرة اليهودية الحالية ، أي منذ بداية الألفية الجديدة ، بخصوص معرفة دوره الحالي والمستقبلي ، على صعيد النمو السكاني عند اليهود الإسرائيليين . فخلال العام 2000 الذي شكل الحد الفاصل بين موجة الهجرة الكثيفة التي بدأت مع بداية التسعينات ( من القرن المنصرم ) وموجة الهجرة الشحيحة التي بدأت مع بداية العام 2001 ، بلغت الهجرة اليهودية نحو 60 ألف مهاجر يهودي مثلت في ذلك العام ما نسبته 38 في المئة في الزيادة السكانية عند اليهود ، أي أقل من السنوات العشر السابقة التي ساهمت سنويا بأكثر من 50 في المئة من الزيادة السكانية 0 أما اليوم وفقا لمعدلات الهجرة الشحيحة ، التي بدأت تتزامن بدورها مع بداية سنوات الهجرة اليهودية السلبية من إسرائيل ، فان ميزان الهجرة الصافية سيساهم بأقل من 10 في المئة في حال استمرار الهجرة الايجابية بمعدلات تتراوح ما بين 20 -22 ألف مهاجر كما جرت عليه الأمور في سنوات 2002- 2005 ، مقابل استمرار الهجرة السلبية بمعدل 15 ألف مهاجر وفق المعلومات الرسمية الاسرائيلية عن الفترة ذاتها . أما في حال استنادنا الى المعطيات التي بات بالامكان الحصول عليها من خلال التقارير التي تصدر سنويا عن مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي والتي مازالت تشير على نحو مؤكد بالفشل الذريع لمشروع شارون الديموغرافي الطموح القاضي بجلب مليون مهاجر يهودي جديد خلال سنوات العقد الأول من القرن الحالي ( والتي كان آخرها التقرير الصادر بتاريخ 15/8/2005 ) فمن المتوقع بدءا من هذا العام ، وعلى امتداد العقدين الأوليين من القرن الحالي ان يستقر مؤشر " ميزان الهجرة الصافية " عند حدوث النقطة صفر ، وذلك استنادا الى العديد من التسريبات الصحفية الاسرائيلية التي كشفت أكثر من مرة ، على هذا الصعيد المحرم الخوض فيه في إسرائيل ، من معلومات تفيد بأن موجة الهجرة السلبية باتت تطغى على موجة الهجرة الايجابية منذ عام 2002 ( هآرتس ، بتاريخ 24/9/2002) . أما في حال اعتمادنا على المصادر الروسية المقربة من المهاجرين اليهود والتي نشرت في العديد من الصحف الروسية خلال صيف عام 2004 ( آب 2004 ) تقريرا يفيد بأن هجرة اليهود الروس من إسرائيل وعودتهم نهائيا الى روسيا ، او الاستقرار في بعض الدولة الأوروبية ( مثل ألمانيا ) بدأت تسجل منذ عام 2001 وخلال العامين 2002 – 2003 معدلات تتراوح مابين 15 – 18 ألف مهاجر سنويا ، فيمكن القول بأن الهجرة السلبية ، او المعاكسة ، في ظل الظروف الحالية التي بدأت تظهر إسرائيل في مظهر التجمع اليهودي الأقل استقرارا في العالم ، باتت تعني اليوم ومستقبلا ، بأنها ستكون أحد العوامل المثيرة ، ليس فقط في تآكل الكتلة السكانية اليهودية داخل إسرائيل ، وإنما أيضا ( في ظل انخفاض معدلات الهجرة اليهودية الإيجابية واستقرارها سنويا وفق معدلات تتراوح مابين 20 – 22 ألف مهاجر كحد أقصى ، وفق استطلاعات الديموغرافيين الإسرائيليين عن مستقبل الهجرة الايجابية خلال سنوات العقد الأول والثاني من الألفية الجديدة ) ستكون في ظل هذا الانخفاض الملموس اليوم والمتوقع مستقبلا في معدلات الهجرة الايجابية أحد الأسباب الرئيسية المهدده بإحداث ثغرة ثانية على جبهة الكتلة السكانية اليهودية في إسرائيل بطريقة تجعلها مجردة تماما من سلاح الهجرة الإيجابية ، ومحكومة بالتالي بالمعادلة الديموغرافية القاتلة التي تحدث عنها البروفسور أرنون سوفير منذ صيف عام 2001 والتي تفيد بأن انعدام عامل الهجرة اليهودية الكثيفة في النمو السكاني عند اليهود الإسرائيليين ، واقتصاره فقط على عامل التكاثر الطبيعي عندهم ، سيؤدي بالضرورة وفق هذا المسار الى انتصار الرحم الفلسطيني والحاق الهزيمة باليهود على جبهة المواجهة الديموغرافية مع الفلسطينيين بداية فوق أرض فلسطين التاريخية ، وفي مرحلة لاحقة داخل الخط الأخضر.
* كاتب فلسطينيـ انتهى ـ

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق