الجمعة، 25 يونيو 2010

موت سريري لمشروع حديث الولادة : حسن عبد العال

موت سريري لمشروع حديث الولادة

حسن عبدالعال

25-6-2010م

بعد عامين على بدء الإعلان عن فكرة مبادرة " الشرق الأوسط الكبير " منتصف شهر آذار ( مارس ) من العام 2004 ، والتي تم عرضها تحت صيغة ( مشروع للشرق الأوسط الكبير ولآسيا الوسطى ) على مجلسي النواب والشيوخ ، بقصد اقراره كمشروع قانون منذ منتصف شهر نيسان ( ابريل ) من العام نفسه ، نتساءل ماذا بقي من هذه الفكرة وهذا المشروع بعد عامين على بدء الاعلان عن ولادة فكرته وبعد ردود الفعل ، المؤيدة أو الشاجبة له ، التي استنفذت في المشرق العربي وحده كماً هائلاً من الحبر والورق 0 وبالتالي نتساءل ماذا بقي من الالتزامات التي تعهدت بها لدعم المشروع ، تحت الضغوط الأميركية وعلى مضض ، مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى خلال انعقاد قمتها في سي ايلند ( الولايات المتحدة ) في العاشر من شهر حزيران ( يونيو ) من العام نفسه 2004 .أعتقد بأن ما بتنا نشهده منذ عام تقريبا داخل الإدارة الأميركية ، وبالأخص داخل وزارتي الدفاع والخارجية وفي أروقة البيت الأبيض ، من تخبط وارتباك ناجمان عن عدم قدرة الإدارة الأميركية الخروج من الورطة التي تسببت بها لنفسها في العراق ( وحتى أفغانستان ، ولكن بنسبة أقل ) لخير جواب على تساؤلنا عما بقي من هذه الفكرة وهذا المشروع بعد عامين على بدء الاعلان على ولادة فكرته0 فالولايات المتحدة باتت غارقة حتى أذنيها في الوحل العراقي والأفغاني ، وهي بالتالي باتت عاجزة وغير قادرة على انتشال نفسها من هذا الواقع بطريقة تظهرها ، رغم الخسائر الفادحة التي لحقت بها ، بمظهر الدولة القائدة للنظام العالمي التي أنجزت مهماتها وحققت الانتصار ، أو على الأقل بطريقة ما تحفظ لها ما أمكن شيئا من ماء الوجه . وهذا الوضع بالضرورة تسبب في اختفاء سريع لبريق مشروع الشرق الأوسط الكبير ، أو " الأكبر " الذي أصبح شغل الناس الشاغل على امتداد أكثر من عام كامل ، وامتد من الربع الثاني من العام 2004 حتى نهاية النصف الأول من العام 2005 ، لأن الولايات المتحدة التي ازدادت غرقا ، ومن غير طائل يذكر ، في العراق وأفغانستان باتت غير قادرة ، وبالتالي غير مهيأة في المستقبل المنظور على الأقل ، لأداء دور قيادي عملي من العيار الذي سبق واختبرناه منذ صيف عام 2004 في دفع المشروع نحو نهاياته التي كانت ترتجيها وتأمل بها 0 وهذا تسبب بدوره في تعطيل غير متعمد للمشروع بفعل تعطل آلية تنفيذه التي تعتمد اولا وأخيرا على القاطرة الأميركية لمشروع الشرق الأوسط الكبير 0 وبالتالي وعلى صعيد موازٍ فإن تراجع الأداء القيادي العملي للولايات المتحدة ، التي اتخذت صفة صاحبة المشروع وقاطرته ، أدى بدوره ، وإن بطريقة غير متعمدة ، إلى ايقاف الجهود الداعمة للمشروع الجيوستراتيجي الأميركي المغلف بالرغبة الدولية في دفع التنمية والاصلاحات السياسية والإدارية في الأقطار المكونة للشرق الأوسط الكبير ، من قبل الدول الصناعية الكبرى التي بتقديري راقتها حالة التعطيل غير المتعمد للمشروع بفعل تعطل آلية قيادته ، ليس بسبب تجميدها للاعتمادات والمساعدات والخبرات التي تعهدت بتقديمها إلى حظيرة الدول التي حددها المشروع خلال قمة سي ايلند ( حزيران 2004 ) ، وإنما لأنها بداهة كانت على بينة مسبقة قبل عرض فكرة المشروع رسميا عليها، بهدف إكسابه صفة دولية ، على أنه مشروع جيوستراتيجي الهدف منه حماية المصالح الأميركية على امتداد هذه المنطقة من العالم بمساعدة ، وليس بمشاركة ، الدول الصناعية الكبرى ، وبخاصة المنتمية إلى مجموعة الاتحاد الأوروبي ، التي كان المشروع الأميركي يسعى لتوظيفها في خدمة المشروع المقترح ، من خلال اعطائها دور عملي من ذلك النوع الذي اعتادت واشنطن على ادراجه تحت يافطة الشراكة الأميركية الأوربية في حلف الأطلسي0أخيرا وفي الختام لابد من التذكير بأن حالة الموت غير المعلن للمشروع الأميركي الحديث الولادة ، لاتعود فقط لظاهرة الغرق الأميركي المتعاظم في وحول العراق وأفغانستان ، وما تسبب به من حالة شلل وارتباك في أوساط وزارتي الخارجية والدفاع ، وداخل البيت الأبيض ، أدت بدورها إلى تعطيل آلية تنفيذ المشروع بتعطل قاطرته ، لأن هذه الظاهرة هي تعبير عن الأسباب المباشرة التي ساهمت بالحالة الميؤوس منها التي أصبح عليها المشروع . ولكن ماهو أبعد من ذلك بات يتمثل بالظاهرة الأعظم ، ظاهرة التصدع في المشروع الامبراطوري الأميركي الذي بدأت تصيب شظايا السياسات والحروب الناجمة عنه الجسم الأميركي أكثر من غيره 0 وهذا كله بسبب سوء التقدير المتأصل في أوساط ومجالس دعاة الإمبراطورية ، وبخاصة منهم فريق المحافظين الجدد 0 وهو سوء تقدير يتعلق بداية وأساسا بقدرة وامكانات الولايات المتحدة ( القادرة حقيقة وفعلا على لعب دور الدولة الأقوى والأعظم في العالم ) على لعب دور إمبراطوري في القرن الحادي والعشرين شبيه بالدور الذي سجله التاريخ المكتوب للإمبراطورية الرومانية القديمة ، التي كانت تمتلك في حينها من المقومات التي تؤهلها للعب الدور الإمبراطوري على الصعيد العالمي ، ما تفتقر إليه الإمبراطورية الأميركية المزعومة التي تقوم أركانها على الحلم الأميركي المعزز والمدعم بادعاءات أيدلوجية مضللة وكاذبة تدعي بالحق التاريخي بالإمبراطورية العالمية ، وفوق ذلك تقول بضرورتها لأسباب أخلاقية وإنسانية وتقدمية 0 ولعل المحافظ القديم ، باتريك بوكانان ، من خلال كتابه الأخير عن فريق المحافظين الجدد الذي حمل عنوان ( حيث ضل اليمين طريقه ) ـ نيويورك 2005 ـ كان خير من عبر ، وبشيء من المرارة ، عن كاريكاتورية المقارنة بين الإمبراطوريتين ، الأميركية والرومانية ، عندما أفصح عن قناعته القائلة بأن الولايات المتحدة هي أشبه ماتكون اليوم بالامبراطورية الرومانية في زمن انحدارها وقبيل سقوطها التراجيدي المروع 0 وبأن التماثل بين روما القديمة وواشنطن الحديثة هو تماثل والتقاء في النهايات فقط ، ولاشيء من ذلك في البدايات 0 وكل حديث خارج عن هذه الحقيقة هو مجرد هراء بهراء0
ـ انتهى ـ

حسن عبد العال
باحث فلسطيني مقيم في سوريا
mervat10mm@yahoo.com
موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق