الاثنين، 14 يونيو 2010

عن أمريكا المنهوبة من الداخل:حسن عبد العال




عن أمريكا المنهوبة من الداخل


حسن عبد العال


14-6-2010م


مع بداية الألفية الجديدة ، و بالتحديد مع بداية عهد بوش الابن ، بدأت تظهر في الولايات المتحدة موجة جديدة من المؤلفات الشعبية التي تتناول بالنقد الجارح النظام الأمريكي في شكله الحالي الذي بدأ يشكل قطيعة سافرة ، و غير مسبوقة ، ليس فقط مع التقاليد الأمريكية الموروثة التي أرساها الآباء المؤسسون، و إنما أيضا مع أمريكا الأمس ، أمريكا الستينات التي أصبحت كنموذج ، أو كمثال ، حلما للطبقات المثقفة و المتنورة في أوروبا التي كانت وقتذاك ما تزال أسيرة أطرها ووسائل عملها القديمة الموروثة عن مرحلة ما بين الحربين الأولى و الثانية . و يعتبر كتاب الصحافي الأميركي جيم هاي تاوير الذي حمل عنوان : THIEVES IN HIGH PLACES (لصوص في مناصب مرموقة )* إلى جانب كتاب مايكل مور ، الذي صدر منذ ثلاثة أعوام بعنوان (رجال بيض أغبياء) ، أحد أهم مؤلفات هذه الموجة التي تتناول بالنقد القاسي و الجارح النظام الأمريكي الحالي بأسلوب شعبي من ذلك النوع الذي يهدف إلى تحاشي أساليب الأكاديميين و لغتهم وذلك بهدف الانتشار و إيصال الفكرة إلى أكبر عدد ممكن من أبناء الأمة من الأمريكيين . و لقد اختار هاي تاوير في كتابه أسلوبا فجا و مباشرا ، ليس لأنه فجا ككاتب أو كصحفي ، و إنما لأسباب تعود أساسا إلى طبيعة النظام الأمريكي الحالي الذي بات يستدعي الحديث عنه ِ، بحسب العديد من هذا النوع من الكتاب الأمريكيين المعترضين ، ليس التحدث بفجاجة و إنما بلغة الشتائم أيضا . و لقد اتبع هاي تاوير هذا الأسلوب المناسب للمقام المناسب (والذي هو أيضا- أي الأسلوب- هو الصيغة الأقرب للمستاءين من الطبقات الوسطى و الشعبية) منذ بداية الصفحات الأولى من كتابه ، الذي لم يقتصر على مجرد توجيه الاتهامات للنظام الأمريكي في صورته القائمة اليوم ، بقدر ما حفل بالتعريفات التي اختارها لتوصيفه كنظام لم يعد يمثل ، كالعادة ، فريقا حكوميا في خدمة المصالح ، كما هو حال الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى نهاية عهد كلينتون ، و إنما فريقا حكوميا من أصحاب المصالح ، أو بتعبير أدق من تحالف أصحاب المصالح الذين بدءوا باحتلال البيت الأبيض ، و مقرات وزارة الدفاع ، و الخارجية ، و المالية، و الخدمات ، و كل مرفق من المرافق التي تعنى بالشؤون العامة ، من صناديق الإغاثة الاجتماعية حتى المكاتب التي تعنى بشؤون البيئة . و هذا في حد ذاته بات يشكل انقلابا على النظام الأمريكي و على الحياة السياسية الأمريكية بحسب هاي تاوير الذي نراه يحار من أين يبدأ و أين ينتهي في سرده للوقائع الفضائحية الدامغة التي تدلل عن صحة اتهاماته للنظام الأمريكي الحالي و تقدم لها كما ً لا يستهان به من الشواهد و الشهادات و الوثائق الدالة على صحة دعواه و توصيفاته الإتهامية ، و بالأخص أبرزها والتي تفيد بأن أمريكا التي كانت تفاخر بديموقراطيتها أصبحت اليوم ( أمة الكليبتوقراطية ) ، أي بحسب هاي تاوير الذي لم يترك قراء كتابه في حيرة أمام المعاني التي يعبر عنها من خلال هذا المصطلح ، ( أمة مدارة من قبل فريق من اللصوص ) و ( حكومة مركزية تنفذ مشروعا يقوم على نقل السلطة و الثروة القومية من الأغلبية إلى الأقلية ) ، أي بلغة بعض علماء الاقتصاد و السياسة من الأمريكيين الذين سبق و تعرفنا على بعض كتاباتهم ، إلى (عصبة أوليغارشية ) . و بتفصيل نأخذه من حكيم الرأسمالية الحديثة الأمريكي ليستر ثورو ، الذي سبق له و حذر منذ أكثر من عشرة أعوام من خلال كتابه الذي حمل عنوان (Head to Head ) -1993- من خطر وقوع بلده أمريكا في قبضة الأوليغارسية ، إلى أمة باتت مدارة كليا من قبل مجموعة أوليغارشية ، من أبناء الأسر الغنية ، تضع مصالحها الذاتية المباشرة في المقدمة عندما تتخذ القرارات العامة ، لأن هدفها تحقيق المزيد من الثروة وفق مبدأ ( إملىء صناديق ، و إمش ) الذي لا يمكن تحققه من خلال اتباع الطريقة التقليدية التي قامت عليها الحكومات السابقة التي اعتادت وضع المصلحة العامة للأمة في المقدمة 0 لأن هذه الطريقة التقليدية العرجاء التي كانت توفر للمسؤولين و متخذي القرارات الإثراء من خلال الحصص التي يحصلون عليها قانونيا من زيادة الثروة القومية (المتحققة بفصل مشاريعهم العامة) لا يمكن لها أن توفر الإثراء للمسوؤلين إلا على المدى البعيد و المتوسط ، في حين المطلوب هو زيادة الثروة بمعدلات أعلى و على المدى القصير و الأقصر .ملامح أمريكا في كتاب هاي تاوير هي ملامح أمة منهوبة من قبل قادتها و حماتها الجدد من أصحاب الثروات و أبناء الأسر الأوسع ثراء الذين بدأوا يشكلون ما يطلق عليه هاي تاوير عبارة اتحاد أصحاب المصالح أو ( النخب التنفيذية من أبناء الطبقات الثرية ) الذين أصبحوا يحكمون أمريكا و يطبقون الحصار عليها ( سياسيا و اقتصادايا و ثقافيا و أخلاقيا ) و ذلك كله بحسب هاي تاوير ، الذي لم يكن الأول ، و لن يكون الأخير في اكتشاف أسس هذه المشكلة ، بفصل اتفاق الحزبان الديموقراطي و الجمهوري على الأمة و اقتسام سلطتها و ثرواتها في زمن الطفرة الأوليغارشية الأخيرة التي بدأت تظهر ملامحها الأولية منذ منتصف الثمانينات ( من القرن المنصرم ) ، و الذي أدي ( أي الاتفاق التآمري ) إلى فتح الباب على مصراعيه أمام أسراب الجراد التي أطلقت منذ بداية الألفية الجديدة على المزرعة الأمريكية الوافرة الغلال و بدأت تأكل اليانع و الأخضر و تخلف للآخرين من أبناء الأمة الأمريكية اليابس و الأشد يباسا .
ـ انتهى ـ
* صدرت الترجمة العربية للكتاب ، و بنفس العنوان ، العام الماضي 2005 ، عن دار الأوائل بدمشق .



حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429
http://freepalestine1.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق