الجمعة، 25 يونيو 2010

بـريــطانــــيا وفكرة الشرق الأوسط : حسن عبد العال

بـريــطانــــيا وفكرة الشرق الأوسط

حسن عبد العال

25-6-2010م

هنالك فكرة خاطئة تقول بأن فكرة مصطلح الشرق الأوسط تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية التي شهدت مع مطلع الأربعينيات إنشاء بريطانيا (مركز تموين الشرق الأوسط) ومقره في القاهرة، وإعلان بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية كل على حدة عن تشكيل قيادة عسكرية مستقلة لكل منهما في القاهرة الأولى عرفت باسم (مركز قيادة الشرق الأوسط) التي كانت تشمل صلاحياتها المنطقة الممتدة من مصر وليبيا غرباً إلى بغداد والبصرة شرقاً حيث منطقة انتشار الجيشانِ الثامن والتاسع والجيش العاشر। والثانية عرفت باسم (مركز إدارة القوات الأميركية العاملة في الشرق الأوسط) وهو مركز أنشئ مباشرة بعد الغارة الجوية اليابانية الشهيرة على القاعدة البحرية الأميركية في بير هاربر (تاريخ 7 ديسمبر 1941) وكانت تشمل صلاحياتها المنطقة الشاسعة الممتدة من شمال أفريقيا غرباً إلى منطقة الخليج العربي شرقاً وكانت هذه الأخيرة تعمل تحت اسم (قيادة منطقة الخليج التابعة للقوات المسلحة للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط) وكان إنشاء هذه ((المراكز)) التي اقترنت بتسمية (الشرق الأوسط) خلال الحرب العالمية الثانية عاملاً في خلق انطباع لدى الكتاب والباحثين المختصين في شؤون المشرق العربي وجواره بعد الحرب العالمية الثانية بأن التسمية التي تقرن المشرق العربي وجواره باسم ((الشرق الأوسط)) بدأت منذ بداية الأربعينات। ومثل هذه الفكرة الخاطئة عن ولادة فكرة ومصطلح الشرق الأوسط والقائمة أساساً على الانطباع الخاطئ الذي انطبع في الأذهان والعقول بفعل تأسيس المراكز المذكورة لا نجدها فقط عند كتاب عرب معارضين لفكرة ومصطلح الشرق الأوسط منذ نهاية الأربعينيات مثل المفكر القومي ساطع الحصري أو محبذين لفكرة ومصطلح الشرق الأوسط مثل الدكتور راشد البراوي صاحب الكتاب الشهير وقتذاك (حرب البترول في الشرق الأوسط)(1) الصادر عام 1947 وأعضاء مجلس ما عرف وقتذاك باسم (جمعية شؤون الشرق الأوسط)(2) التي أصدرت كتابها الأول صيف عام 1948 باسم (مشكلات الشرق الأوسط)(3)، أو البكباشي الباحث عبد الرحمن زكي في كتابه (الشرق الأوسط)(4) الصادر بدوره منذ بداية عام 1948، أو اليوزباشي صلاح محمد نصر واليوزباشي كمال الدين الحناوي في كتابهما المشترك (الشرق الأوسط في مهب الرياح)(5) الصادر عام 1949، أو لاحقاً عند الدكتور إبراهيم شريف في كتابه (الشرق الأوسط) الصادر عام 1965 الذي يربط بداية ظهور فكرة ومصطلح الشرق الأوسط مع ولادة (مركز تموين الشرق الأوسط) في مطلع الأربعينيات(6)॥ الخ। وإنما كان هذا الاعتقاد الخاطئ سائداً بدوره وسط الكتاب والباحثين الغربيين المختصين وقتذاك بشؤون المشرق العربي وجواره مثل المستشرق والعالم الأنثروبولوجي الأميركي كارلتون. س. كون في كتابه الصادر في نيويورك عام 1951 بعنوان (القافلة، قصة الشرق الأوسط) وفيه يجزم بأن مصطلح الشرق الأوسط نحت لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية واستخدم وقتذاك في تحديد المنطقة العسكرية التابعة للقيادة العسكرية البريطانية في القاهرة(7). وكانت هذه الموجة من مؤلفات نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات التي تقرن بداية نحت مصطلح الشرق الأوسط بسنوات الحرب العالمية الثانية عاملاً بدوره في خلق انطباع خاطئ لدى الكتاب والباحثين بأن تسمية المشرق العربي وجواره باسم (الشرق الأوسط) تعود إلى بداية الأربعينيات وما زالت الفكرة سائدة حتى تاريخه ليس فقط في أوساط المثقفين بشكل عام وإنما أيضاً في أوساط المثقفين المهتمين بالقضايا الستراتيجية والتاريخ العربي المعاصر. وبدوري كنت حتى سنوات خلت من أصحاب هذه الفكرة الخاطئة، لكن ملاحقة فكرة ومصطلح الشرق الأوسط والبحث في تاريخ علاقة وارتباط بريطانيا بفكرة ومصطلح الشرق الأوسط قاداني إلى نتيجة مغايرة تماماً لهذه الفكرة وهذا الانطباع الخاطئ الذي تكون لدى أجيال من المثقفين العرب منذ أكثر من خمسين عاماً وما يزال.‏ تعود فكرة ومصطلح الشرق الأوسط إلى بداية القرن العشرين. وكان أول من نقش هذا المصطلح (Middle East) مؤرخ البحرية الأميركية الأميرال ألفريد ثاير ماهان منذ عام 1902. وكان الشرق الأوسط في مفهوم الأميرال ماهان -وقتذاك- يختلف عن الشرق الأوسط في مفهومه الحالي الذي تغيرت معالمه ومجاله الجغرافي عدة مرات حتى استقر الرأي الغربي على صفته الحالية حيث كان يشمل وقتذاك حسب توصيف الأميرال ماهان له ((المنطقة الممتدة من الجزيرة العربية وشواطئها الممتدة على البحر الأحمر إلى الهند))(8)، مروراً بالخليج العربي الذي كان يشكل ((مركز الشرق الأوسط)) من وجهة نظر الستراتيجية البحرية للأميرال ماهان وقتذاك. ويعود اهتمام بريطانيا بالشرق الأوسط المترسم في صيغة الأميرال ماهان، كفكرة ومصطلح، بشكل خاص إلى عام 1902. وهو اهتمام تولد عنه تبني صيغة الشرق الأوسط كفكرة ومصطلح وكمجال جغرافي كان يشمل المنطقة الجغرافية التي كانت تعرف باسم (طريق الهند) وهي جغرافياً منطقة اهتمام لبريطانية منذ بداية حملة بونابرت على مصر (1798) التي قصد منها إضافة لاحتلال الأقطار المصرية والديار الشامية السيطرة على طريق الهند والحيلولة بين بريطانيا ودرة التاج البريطاني (الهند). وكانت بداية الاهتمام البريطاني بالشرق الأوسط المترسم بصيغة الأميرال الأميركي الفريد ماهان محصورة أساساً بالخبراء والباحثين البريطانيين الذين تبنوا فكرة الشرق الأوسط وتعاطوا بها فكرة ومصطلحاً في أبحاثهم ومؤلفاتهم مثل الصحفي البريطاني ف.شيرول في كتابه الصادر في لندن عام 1903 بعنوان (مسألة الشرق الأوسط، أو بعض المسائل السياسية للدفاع عن الهند). وكتاب أنجوس هاملتون الصادر في لندن عام 1909 بعنوان (مشكلات الشرق الأوسط)॥ الخ. وخلال هذه الفترة وحتى قيام الحرب العالمية الأولى امتد التعامل بمصطلح الشرق الأوسط إلى تقارير ومقالات وافتتاحيات صحيفة ((التايمز)) اللندنية وإلى بعض الساسة والرسميين الانكليز المعنيين بشؤون المشرق العربي وجواره في وزارتي الخارجية والمستعمرات مثل السير مارك سايكس المكلف بملف المشرق العربي في وزارة الخارجية البريطانية وقتذاك. واستمر التعامل مع مصطلح الشرق الأوسط الذي أصبح يعني في التوصيف البريطاني المعدل لصيغة ماهان في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى: ((الجزيرة العربية، والعراق، وإيران، وأفغانستان، وسورية، وفلسطين ومصر)) حتى عام 1916، عام إبرام معاهدة سايكس-بيكو. وكان ذلك يعني استبدال بريطانيا لمصطلح الشرق الأدنى الذي أطلقته فرنسا منذ نهاية القرن التاسع عشر على المشرق العربي الخاضع للسلطنة العثمانية (Proche-Orient) والذي كان يتطابق والاهتمامات السياسية والستراتيجية الفرنسية في ذلك الوقت بمصطلح جديد أقرب إلى وجهة النظر الستراتيجية البريطانية في هذه المنطقة من العالم. وخلال فترة ما بعد اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت سوريا والعراق بين فرنسا وانكلترا ووضعت لفلسطين نظاماً دولياً خاصاً بها منح انكلترا حق السيطرة على مينائي حيفا وعكا كما سبق وكفل لها حق السيطرة على طرق المواصلات الامبراطورية في الشرق بطريقة تتوافق وخطط الامبراطورية البريطانية للدفاع عن الهند وضمان السيطرة على طرق المواصلات الامبراطورية في الشرق(9). انحسر التعاطي البريطاني مع مصطلح الشرق الأوسط بمفهومه الواسع وقتذاك الذي كان يشمل أقطار المشرق العربي وإيران وأفغانستان وحل محله مصطلح (الشرقين الأدنى والأوسط) بحيث أصبح مصطلح الشرق الأدنى (Near East) يطلق على العراق وإيران وأفغانستان. أما مصطلح الشرق الأوسط (Middle East) فأصبح يقصد به الإشارة إلى تلك المنطقة من المشرق العربي التي كانت تضم مصر سورية ولبنان وفلسطين والجزيرة العربية. وخلال فترة التعامل البريطاني مع هذين المصطلحين (الشرق الأدنى) و(الشرق الأوسط) التي امتدت ربع قرن(10) -من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية- كثيراً ما كانت تتغير معالمهما الجغرافية في المذكرات البريطانية والوثائق الرسمية البريطانية تبعاً للتوجهات الجيوبولتيكية وللضرورات الحربية والجيوستراتيجيه التي كان يعود لها الفضل الأول والأخير في تبني هذين المصطلحين منذ عقود خلت. وعليه تبعاً لهذه التوجهات وهذه الضرورات كان الشرق الأدنى يتوسع أو يتقلص ويتحول أحياناً بقدرة قادر إلى (شرق أوسط) كما كانت الأقاليم والأقطار التي تنتمي إلى حظيرة الشرق الأوسط تزداد أو تنكمش تبعاً لهذه الضرورات الحربية والجيوستراتيجية التي غالباً ما كانت تخلط هذه الحظائر الإقليمية التي ابتكرتها بعضها بالبعض الآخر. ومن الإشارات الملفتة للنظر على هذا الصعيد وثيقة 6 آب (أغسطس) 1942 التي حررها ونستون تشرشل رئيس مجلس الوزراء البريطاني استجابة منه للضرورات الحربية والجيوستراتيجية الطارئة في الشرقين الأدنى والأوسط وبموجبها رسم تشرشل خارطة المنطقة من جديد بحيث أصبح معها الشرق الأدنى شرقاً أوسطاً، والشرق الأوسط شرقاً أدنى. وجاء في توصيفه الجديد -وقتذاك- للشرق الأدنى على أنه المنطقة التي تضم كلاً من (مصر وفلسطين وسورية) والشرق الأوسط على أنه المنطقة التي تضم كل من (العراق وإيران)(11) وكانت تصورات تشرشل تخطئ الاتجاه البريطاني التقليدي الذي يقول بأن (مصر وسوريا والمشرق وتركيا) هي من بلاد الشرق الأوسط لأنها في حقيقة الأمر تشكل الشرق الأدنى. كما يخطئ الاتجاه نفسه الذي يقول بأن (فارس والعراق) يشكلان الشرق الأدنى لأنهما في حقيقة الأمر يشكلان الشرق الأوسط، لا الأدنى(12).‏ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية شهدت الوثائق والمطبوعات الرسمية وشبه الرسمية البريطانية تجاهل مصطلح الشرق الأدنى بمفهومه الواسع الذي كان يشير إليه المصطلح الفرنسي(Proche-Orient) والضيق الذي كان يشير إليه المصطلح البريطاني السابق الذكر واستبداله نهائياً بمصطلح الشرق الأوسط (Middle East) بمفهومه الواسع الذي أصبح يضم الأقاليم والدول المكونة سابقاً للشرقين الأدنى والأوسط، إضافة إلى جزر متوسطية وأقطار إفريقية وأصبح الشرق الأوسط الجديد -وقتذاك- يشمل هذه القائمة من الأقطار الواردة في الوصفة البريطانية لعام 1946: (مالطة، طرابلس، برقة، مصر، قبرص، سورية، لبنان، فلسطين، شرق الأردن، العراق، إيران، مشيخات الخليج الفارسي1، بلاد العرب السعودية، اليمن، عدن ومحميتها، أرتيريا، أثيوبيا، الصومال الانكليزي والفرنسي والإيطالي، السودان المصري والانكليزي)(13) ومع نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات بدأت وزارة الخارجية البريطانية بتوصيف لاحق ومعدل للشرق الأوسط الذي أصبح يشمل هذه القائمة من الأقطار الواردة في الوصفة البريطانية لعام 1950: (مصر، تركيا، العراق، إيران، سورية، لبنان، إسرائيل، الأردن، العربية السعودية، إمارات الكويت والبحرين وقطر ومسقط، ومحمية عدن واليمن)(14).‏ وهذا يعني أن الوصفة البريطانية الأخيرة التي تزامنت مع بداية الخمسينات اختلفت عن سابقتها وصفة عام 1946 من حيث ضمها للدولة التركية إلى قائمة الدول المكونة للشرق الأوسط وإسقاطها بالتالي للعديد من الدول والأقطار الإفريقية والجزر المتوسطية مثل قبرص، ومالطة، وبرقة، وطرابلس، والسودان، وأريتريا، وأثيوبيا، والصومال. وما زالت هذه الوصفة البريطانية هي السائدة حتى تاريخه.‏ الهوامش:‏ 1.راشد البراوي (حرب البترول في الشرق الأوسط) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1947.‏ 2.أصدرت ((جمعية شؤون الشرق الأوسط)) خلال الفترة الممتدة من عام 1948 إلى عام 1953 سلسلة من المؤلفات التي تناولت موضوعاتها عناوين مرتبطة بالشرق الأوسط وأحواله السياسية والاقتصادية والستراتيجية الخ، وهي متفرعة عن كلية التجارة في جامعة فؤاد الأول وترأس مجلسها الدكتور راشد البراوي، وتعتبر الجمعية المذكورة بمثابة أول مركز لدراسات الشرق الأوسط في العالم العربي.‏ 3.جمعية شؤون الشرق الأوسط (مشكلات الشرق الأوسط) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1948.‏ 4.البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، يناير 1948.‏ 5.يوزباشي صلاح محمد نصر، يوزباشي كمال الدين الحناوي (الشرق الأوسط في مهب الرياح) مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1949.‏ 6.د.إبراهيم شريف (الشرق الأوسط) مكتبة دار الجمهورية للنشر، بغداد، 1965، صفحة 15.‏ 7.Carleton S.ccon: Caravan, the Story of the Middle East. NY, 1951, p.5‏ الترجمة العربية: كارلتون س.كون (القافلة، قصة الشرق الأوسط) دار الثقافة، بيروت، 1959، صفحة 10.‏ 8.برنار لويس (الغرب والشرق الأوسط) الترجمة العربية، بيروت 1965، صفحة 2 - ترجمة نبيل صبحي- (لا ذكر للناشر).‏ 9.عبد الفتاح إبراهيم (على طريق الهند) منشورات الأهالي، بغداد، ط2، 1935، صفحة 326.‏ 10.في المشرق العربي تعاطى المفكرون العرب منذ نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات مع الصيغة البريطانية للشرقين الأدنى والأوسط. وهذا ما نجده جلياً في كتاب عبد الفتاح إبراهيم (على طريق الهند) الصادر عن منشورات الأهالي في بغداد عام 1932 حيث تعامل مع وطنه العراق على أنه من بلدان الشرق الأدنى، كما تعامل مع مصر وسورية وفلسطين على أنها من بلدان الشرق الأوسط. كما نجده جلياً في الأبحاث والدراسات التي أصدرها الأمير شكيب أرسلان في مطلع الثلاثينات وألحقها بالطبعة العربية من كتاب ل.ستودارد -الجزء الرابع- (حاضر العالم الإسلامي) مثل دراساته ((في التطور الاقتصادي)) و((في التطور الاجتماعي)) و((القلق الاجتماعي والبلشفية)).‏ 11.من ونستون تشرشل إلى رئيس الوزارة بالوكالة، مذكرة بتاريخ 6 آب (أغسطس) 1942- انظر:‏ -ونستون تشرشل (تشرشل يتحدث عن الشرق) مكتبة بيروت، بيروت، 1951، صفحة 19.‏ 12.من تشرشل إلى ستالين، رسالة بتاريخ 1 آب (أغسطس) 1942- المصدر السابق صفحة 18.‏ 13.المصدر: البكباشي عبد الرحمن زكي (الشرق الأوسط) مكتبة النهضة المصرية، 1948 المقدمة.‏ 14.المصدر: ساطع الحصري (الشرق الأدنى والشرق الأوسط) -بحث- انظر:‏ ساطع الحصري (أبحاث مختارة في القومية العربية) دار المعارف، القاهرة، 1946، صفحة 170، 171.‏ 1 هكذا وردت في الأصل.
16\6\2007م



حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429

============================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق