الاثنين، 14 يونيو 2010

عالـم ما بعد الهيمنــة الأميركيــة:حسن عبد العال

عالـم ما بعد الهيمنــة الأميركيــة

حسن عبد العال

14-6-2010م

بعد انقضاء أيام المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد مؤخرا في دافوس ، و ما شهده من انتقادات ، تارة للدور ، و تارة للأداء القيادي الأميركي في العالم ، بدأت الأصوات تعلو في الولايات المتحدة محذرة من أي جنوح يقود العالم إلى موقع يكون فيه خارج مظلة الهيمنة الأميركية , لأن في ذلك مخاطر لا تطال تأثيراتها الضارة أميركا فحسب و إنما ، بحسب دعواهم ، ستطال العالم بأسره . لأن البديل عن الهيمنة الأميركية و الدور القيادي للولايات المتحدة على الصعيد العالمي هو الفوضى ، و لا شيء آخر سوى الفوضى . و كأن العالم بحسب الخطاب الرسمي و الإعلامي الأميركي الذي اخترق مسامعنا مؤخرا بات محكوما بخيار : " إما أميركا أو الفوضى " . و لا سبيل لأي خيار آخر بديل كالذي يجري ترويجه و التنظير له منذ سنوات عن حاجة البشرية لنظام عالمي جديد "متعدد الأقطاب" يجري تسويقه ، ليس في مواجهة أميركا ، و إنما بالتعاون معها . و يكون فيه للولايات المتحدة ، إسوة بغيرها من الدول المنتمية إلى نادي الهيمنة الدولي المتعدد الأقطاب ، قسطا وافرا من النفوذ الذي يتناسب مع حجمها الدولي و منزلتها العالمية الحقيقية ، و ليس المتخلية . كما هو الحال على الصعيد الاقتصادي ، على سبيل المثال ، حيث لم تعد الولايات المتحدة تمثل القاطرة الوحيدة للاقتصاد العالمي ، و إنما ( كما بات يتبدى جليا للعيان مع بداية مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي سعرت وتيرة المنافسة على مركز الصدارة في الاقتصاد العالمي بين المراكز الرأسمالية الكبرى الثلاث المتمثلة بالولايات المتحدة ، و أوروبا الموحدة ، و اليابان ) مجرد قاطرة من جملة قاطرات باتت تمثل ، دولا ، و اتحادات قارية ، و اقتصادات متحفزة و بازغة تمثل مركزا رفيعا في الاقتصاد الدولي . و لكن يبدو أن مثل هذا المثال – كما في أمثلة كثيرة غيره – لم يغير في شيء العقلية الأميركية المفلسفة والمؤدلجة لنزعة الهيمنة على العالم ، لأنها باتت من صلب أيديولوجيتها و مكون أساسي من مكونات قواعد إيمانها ، حتى باتت فكرة الهيمنة في الخطاب الأميركي ، و على طريقة الرسالة الأميركية التي كان يروج لها منذ الثلاثينات و الأربعينات من القرن المنصرم ، هي " نعمة لأميركا " و في ذات الوقت ، و على قدر المساواة ، هي " رحمة للعالم " ، و ليست نقمة عليه . لأنه عالم مفتت إلى ذرات متناثرة ، و كيانات متصارعة ، أو هي ميالة إلى التصارع . و مازال بحاجة إلى قوة قادرة و مهيمنة تقوم بدور " الكبير " وسط تجمع من الصغار ، ليس فقط على صعيد السهر على مستقبل النظام العالمي ، و ضبط النزاعات التي تتسبب بها الأهواء و تنازع المصالح ، و إنما وبالقدر نفسه، قيادة العالم نحو مستقبل أفضل أكثر ديموقراطية ، و أكثر تحرراً ، و أكثر رفاهية ، و أكثر قدرة على صون النظام العالمي . و غير ذلك من مزايا باتت توجب على العالم الترحيب بالتفوق الأميركي ، و إتاحة المجال لأميركا لبسط و توسيع نفوذها ، والإنفراد لوحدها في إدارة و صياغة الشؤون العالمية . كما سبق و كتب في مجلة (الأمن الدولي) منذ ربيع عام 1993 صموئيل هنتنغتون الذي كان على الدوام سباقا في فلسفة التوجهات الاستراتيجية و الأمنية للولايات المتحدة .والغريب في الأمر ، بحسب المشهد الأميركي المنفعل من جراء الأصوات التي علت مؤخرا في دافوس منتقدة و منددة بالهيمنة الأميركية على العالم ، فإن جوقة المنفعلين المنددين و المحذرين من أية محاولات لتغيير ، أو حتى لمجرد تعديل و تصويب ، النظام العالمي الخاضع للهيمنة الأميركية ، لم يقتصر هذه المرة على المتشددين ، أو الدائرين في فلك تيار المحافظين الجدد ، أو بعض المقربين من سيد البيت الأبيض ، و إنما على خصومهم ، من المعتدلين ، الذين باتوا يرون في الهيمنة الأميركية على أنها شكل من أشكال نهاية التاريخ ، أو اكتمال التاريخ . و من عداد هؤلاء نذكر ، على سبيل المثال ، فريد زكريا في مقالته الافتتاحية في مجلة " نيوزويك" الأميركية بتاريخ 6 شباط ( فبراير ) 2007 ، والتي توجه فيها " لأولئك الذين ينتظرون بشوق نهاية الهيمنة الأميركية" ، بالحذر مما يتمنونه و العدول عن هذا الأمل : لأن عالما من دون الهيمنة الأميركية سيكون عالما تنقصه القيادة ، عالما ستستمر فيه المشاكل و يتم فيه تحويل المسؤولية من يد إلى أخرى بصورة لا نهاية لها إلى أن تنفجر المشكلات . و النتيجة التي يخلص إليها هي النتيجة ذاتها ، أي النتيجة القديمة و المتجددة دائما التي على ما يبدو باتت تعتمدها كافة أطياف و منوعات الفكر الأميركي : " إما أميركا أو الفوضى " ، و لا شيء آخر سوى الفوضى . مع ضرورة التذكير هنا بأن فريد زكريا من خلال مقالته الافتتاحية التي حملت عنوان : ( عالم ما بعد الولايات المتحدة ) ، لم يترك القارئ حائرا أمام ضبابية تعبير الفوضى لأن الفوضى بحسب التوصيف الذي بات يتبناه هو نظام " اللاقطبية " أو " النظام الدولي المتعدد الأقطاب " الذي بات ينشده و يجمع على ضرورته كل المستاءين من نظام الأحاية الأميركي .* * *لاشك بأن من البساطة القول ، في مواجهة هذه العقلية الأميركية السائدة ، بأن العالم في ظل الأحادية الأميركية بات أشبه بصندوق " باندورا " و " مقبرة " بات يدفن فيها إرث أكثر من خمسين عاماً من المعاهدات والمواثيق التي تنظم العلاقات الدولية ، بحسب تعبير المفكر الفرنسي ، البلغاري الأصل ، تزفيتان تودوروف في كتابه ( اللانظام العالمي الجديد ) ـ باريس صيف 2003 ـ ، كما أن من البساطة القول على طريقة العالم والمؤرخ الفرنسي إيمانويل تود في كتابه ( ما بعد الإمبراطورية ) ـ باريس 2003 ـ في مواجهة هذه العقلية الأميركية التي لاترى ، على المقلب الآخر ، بأن العالم قادر على العيش من دون الإقتصاد الأميركي ، والإدارة الأميركية للاقتصاد العالمي ، بأن أميركا بأمراضها وأزماتها البنيوية المستعصية ، والتي " باتت تستهلك أكثر مما تنتج "، هي التي تحتاج إلى العالم الذي بات يصونها ويحمي إقتصادها من الإنهيار ، بعدما أصبحت بالنسبة للاقتصاد العالمي تمثل مجرد " ثقب اسود " 0 لكن من الصعوبة ، كل الصعوبة ، تصور إمكان أية مراجعة أميركية تستند ، أو حتى تتعاطى بجدية ، مع مثل هذه المقولات والحقائق الصادرة من وراء الحدود ، لأن أميركا لا تستمع وتصغي إلا إلى " صوتها الداخلي "
ـ انتهى ـ


حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429
http://freepalestine1.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق