الجمعة، 1 مايو 2009

هل ستصبح اسرائيل أرجنتين ثانية






هل ستصبح اسرائيل " أرجنتين ثانية " ؟

· حسن عبدالعال

2-5-2009

منذ عامين والاقتصاد الاسرائيلي يشهد سلسلة من التراجعات التي كما يبدو لانهاية منظورة لها 0 وبحسب " ديفيد كلاين " محافظ مصرف اسرائيل المركزي فان الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الاسرائيلي باتت ككرة الثلج التي تتضخم مع نهاية كل عام ، وبطريقة بات يخشى على البلاد من ان تصبح " أرجنتين ثانية " ] 1/3/2002 [. وهو مصير بات في حكم المؤكد في حال استمرار التدهور الاقتصادي وفق المعدلات والنسب السابقة التي جعلت في خبر كان نسبة النمو المرتفعة التي سجلت لاسرائيل عام 2000 وقدرت بنحو 6 في المئة ، وقلصتها حتى حدود 1 في المئة مرشحة للإنحدار نحو الصفر 0 كما قضت على السمة المتعارف عليها للاقتصاد الاسرائيلي كاقتصاد يحمل سمات البلدان المتقدمة ، وبدأت باكسابه صفات اقتصاد دولة من دول العالم الثالث حسب تعبير وزير المال السابق ، ابراهام شوحيط ، في " يديعوت أحرونوت " بتاريخ 19/11/2002 .
لاشك بأن عامل الانتفاضة هو العامل الأول في هذا التحول المتسارع للاقتصاد الاسرائيلي نحو الانحدار ، بفعل ماتسببه من خسائر تصل الى المليارات سنويا 0 وبحسب وزارة المال الاسرائيلية ، واستناداً الى حسابات النصف الأول من العام 2002 ، فان الانتفاضة الفلسطينية ستكلف اسرائيل في العام الحالي 2002 خسائر بقيمة 5 مليارات دولار في صورة نقص في الانتاج ] رويتر 22/7/2002 [ ، اي من دون احتساب الصور الأخرى التي ترهق الخزينة والمتثلة بأعباء البطالة وأكلاف الحرب على جبهة الانتفاضة التي تستنزف سنويا مليارات الشيكلان من أموال موازنة وزارة الدفاع والشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة ....الخ . فالانتفاضة التي يعترف خبراء الاقتصاد والمال في اسرائيل والمؤسسات المالية العالمية المختلفة بأنها كانت بمثابة المعول الأول الذي هوى على الاقتصاد الاسرائيلي المزدهر ، قضت على قطاعات هامة وصناعات بكاملها كانت ترفد الاقتصاد المذكور بعوامل نموه وازدهاره ، مثل قطاع السياحة ، والخدمات ، والبناء ، والزراعة ، والتصدير 000الخ ، أما العامل الثاني الذي زاد من وتيرة انحدار الاقتصاد الاسرائيلي فيتمثل في الركود الذي اصاب قطاع الصناعات المتقدمة وبخاصة التكنولوجيا العالية في اسرائيل بفعل الانكماش الذي اصاب هذه الصناعة في الولايات المتحدة منذ ربيع عام 2000 ، وبفعل انفجار اقتصاد الفقاعة في وول ستريت والهبوط السريع والمريع لأسهم شركات التكنولوجيا العالية في نيويورك التي تضم قائمتها نحو مائة شركة اسرائيلية 0 وبحسب وزارة المال الاسرائيلية فان هذا القطاع الهام الذي كان يشكل نحو 15 في المئة من الناتج المحلي المجمل في اسرائيل سيخسر هذا العام 5 مليارات من الدولارات 0 وبذلك ستكون خسائر اسرائيل هذا العام ، فقط من جراء نقص الانتاج الناجم عن استمرار الانتفاضة وتراجع قطاع التكنولوجيا العالية والكمبيوتر على صعيد المبيعات والاستثمارات ، نحو 50 مليار شيكل ( = 10.5 عشرة مليارات من الدولارات ) ] رويتر 22/7/2002 [ 0 وهو الأمر الذي انعكس على العائدات التي تجنيها الحكومة التي بدأت تحتاج سنويا ( في ظل الانتفاضة ) الى زيادة نفقات الدفاع بطريقة باتت تدفع نحو مجابهات مستمرة بين وزارة المال التي تعاني من انخفاض الايرادات وعجز الخزينة الناجم عن الانكماش وتراجع النمو ، ووزارة الدفاع التي باتت تحتاج كل فصل الى المزيد من المخصصات المالية الاضافية والطارئة التي تتطلبها مواجهة الجيش مع الانتفاضة0
مشهد الاقتصاد الاسرائيلي في عام 2002 في حكم وتقدير خبراء المال والاقتصاد من الاسرائيليين هو مشهد لظاهرة متحولة من السيء الى الأسوأ ، ولامؤشرات دالة على وقفه عند حدود عيبه في ظل استمرار الانتفاضة وانعدام فرص السلام على الجبهة الفلسطينية الاسرائيلية . وكما كان عام 2001 أسوأ على الصعيد الاقتصادي والمالي من عام 2000 وعام 2002 اسوأ بكل المقاييس من عام 2001 ، فان الأزمة التي باتت تتضخم فصلا بعد فصل على طريقة كرة الثلج ـ حسب تعبير محافظ المصرف المركزي الاسرائيلي ـ ستدفع بالضرورة في حال عدم تحقق أية معجزة * الى ترحم الاسرائيليين على أزمة عام 2002 علىالمستويين الاقتصادي والإجتماعي 0 وبحسب الأرقام عن ظاهرة كبر الأزمة المتدحرجة على طريقة كرة الثلج ، وبالتحديد على مستوى صناعة السياحة ، فان عدد السياح الأجانب الذين قدموا الى اسرائيل عام 2000 قدر بنحو 2.4 مليون سائح ، وبفعل الانتفاضة التي اندلعت خريف العام نفسه ، وبحسب المكتب المركزي الاسرائيلي للإحصاء ، فان العدد تقلص الى النصف عام 2001 بحيث لم تنعم اسرائيل سوى بقدوم 1.2 مليون سائح فقط 0 أما عام 2002 ، وبحسب الصدر ذاته ، فان اسرائيل التي استقبلت خلال النصف الأول من العام أقل من 400 سائح ، لايتوقع ان تستقبل على امتداد العام 2002 أكثر من 750 -800 سائح فقط ] رويتر 18/7/2002 [ ، وهذا بحد ذاته يعد بمثابة كارثة اقتصادية لاسرائيل التي صرفت المليارات من الدولارات على صناعتهما السياحية المزدهرة التي شكلت أحد الآمال الي علقتها اسرائيل على هذا القطاع على صعيد حفز النمو وزيادة الواردات لخزينة الدولة . كان هذا على صعيد الفنادق والمنشآت السياحية التي تراجعت بنسبة 50 في المئة وبلغت خسائرها نحو 3 مليارات دولار ، أما على صعيد قطاع المطاعم والمقاهي الذي لايعتمد أساسا على السياح الأجانب بقدر مايعتمد على السكان المقيمين في البلاد ، فبحسب احصاء اقتصادي صادر عن اتحاد أصحاب المطاعم في اسرائيل فان الأحداث الأمنية وتفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمان عن الانتفاضة ، قد أدى الى اغلاق ألف مطعم ومقهى من هذا القطاع الذي يضم نحو 8 آ لاف مطعم ومقهى ، وبأن انخفاض حجم المبيع الذي وصل عام 2002 الى رقم قياسي وصل الى حد 30 في المئة ، لن يشجع بدوره الآلاف من أصحاب المطاعم الأخرى على الاستمرار في هذا القطاع الذي يشغل نحو 100 ألف عامل اسرائيلي ] يديعوت أحرونوت " بتاريخ 16/11/2002 [ 0 وعلى هذا الصعيد الخاص بفقدان فرص العمل في القطاعات المختلفة من الاقتصاد الاسرائيلي أفادت الإذاعة الاسرائيلية نقلا عن تقرير صادر عن " مصرف اسرائيل المركزي " بتاريخ 2/8/2002 ، بأن نسبة البطالة في اسرائيل سترتفع وتزيد على نسبة 11 في المئة ، اي ستصل الى 300 ألف عاطل عن العمل خلال الشهور المتبقية من العام 2002 ، وكان مدير المعهد الاسرائيلي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية ، روبي نتانزون ، قد حذر منذ تموز الماضي بأن البطالة ستبلغ 12 في المئة في الشهور القليلة المقبلة 0 ومنذ شهر تقريبا ] 1/12/2002 [ ظهرت في القدس دراسة مالية صادرة عن شركة المعلومات التجارية " دان وبرادستريت " تقر بأن كل الدلائل باتت تشير الى ان استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية في اسرائيل سوف يهدد بالاغلاق نحو 40 شركة اسرائيلية كبيرة تُشغل نحو 240 ألف وظيفة خلال الأشهر الاثنى عشر المقبلة ] اي خلال عام 2003 [ وبأن حجم البطالة سيزيد في البلاد الى الضعفين ، اي ان العدد 270ألف الذي أقر به وزير المال سيلفان شالوم أمالم الصحفيين بتاريخ 26/7/2002 سيزيد 240 ألفا أخرى خلال العام 2003 ، وبأن نسبة البطالة ستزيد بما لايقاس عن النسبة التي تنبأ بها في نفس الشهر روبي نتانزون ـ وهي 12 في المئة كما نقلت عنه صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 16/7/2002 ـ وستفتقر نسبة البطالة الحالية الى الضعف تقريبا في العام 2003 . وهي نسبة لايمكن لأي مسؤول اسرائيلي حتى مجرد تخيلها ، علما بأن توقعات الخبراء الاسرائيليين تكاد تجمع بأن ساعة انفجار الكارثة الاجتماعية المقبلة موقوتة على مؤشر نسبة البطالة 13 في المئة ، باعتبار ان نسبة 12 في المئة المتوقعة نهاية العام هي أقصى مايمكن ان يتحمله المجتمع في هذه الدولة التي بات يخشى عليها من قبل الخبراء من رعاياها من خطر التحول الى " أرجنتين ثانية ".
أخيرا لابد من التنبيه الى مؤشرات الأزمة الاجتماعية المتزامنة مع التدهور الاقتصادي الذي بدأ يفعل فعله بتحويل اسرائيل " من دولة ذات سمات اقتصاد متقدم الى اقتصاد دولة من دول العالم الثالث " ـ حسب تعبير وزر المال السابق ابراهام شوحيط ـ وبحسب التقارير والمعلومات الواردة من اسرائيل فان التدهور الاقتصادي لم يتسبب فقط في تدهور منزلة اسرائيل وتصنيفها في أسفل لائحة النمو الاقتصادي العالمي ، وخفض مستوى تصنيفها لدى شركات تصنيف الائتمان العالمية ، وسحب المستثمرين الأجانب ( و الاسرائيليين ) لأموالهم المستثمرة داخل اسرائيل ] حسب " يديعوت أحرونوت " بتاريخ 13/12/2002 بلغت خسائر المستثمرين في سوق الأسهم الاسرائيلية من بداية العام حتى نهاية ربعه الثالث نحو 7.7 مليار دولار [ وإنما الىانخفاض مستوى المعيشة للسكان وزيادة عدد لفقراء المرشح للمضاعفة عام 2003 ، حيث من المتوقع رفدهم بفيالق من الوافدين الجدد لمعسكر الفقراء 0 وبحسب تقرير رسمي صادر عن المكتب الاسرائيلي للتأمينات الاجتماعية بتاريخ 3/11/2002 ُيستدل بأن عدد الاسرائيليين الذي يعيشون تحت خط الفقر زاد عام 2001 بنحو 84 ألف شخص وبأن هؤلاء الوافدين الجدد شكلوا مع سابقيهم حتى نهاية عام 2001 جيشا من الفقراء تعداده 1.17 مليون نسمة ، اي ما نسبته 19.6 في المئة من عدد السكان ] " رويتر " 14/11/2002 [ وبحسب مقال تحذيري ظهر مؤخراً في" يديعوت أحرنونوت " بعنوان ( الجياع سيخرجون الى الشوارع وينهبون ) فإن عدد النساء الإسرائيليات اللواتي يعشن تحت خط الفقرة هو مليون و 169 ألفاً ، وعدد الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر وصل الى 531 ألفاً 0 وفي اسرائيل كل انسان خامس ، وكل طفل رابع ، يعيش تحت خط الفقر 0 وبحسب " يوحنان شتيسمان " مدير عام التأمين الوطني فإن الاسرائيليين المرشحين للانضمام الى معسكر الفقراء خلال عامين سيصل الى 1.3 مليون شخص جديد نصفهم تقر يباً من الأطفال ] دافيد ريغب " يديعوت أحرونوت " : بتاريخ 8/11/2002 [ وهو الأمر الذي يعني بداهةً بأن التعداد العام لجيش الفقراء ستصل نسبته نحو 25 في المئة من عدد سكان اسرائيل مع نهاية العام المقبل 2003 وعلى أقل تقدير ** .



* مع ضرورة التذكير على هذا الصعيد بأن القرض الذي تسعى اسرائيل للحصول عليه بضمامات أميركية لايصل في حال تحققه إلى منزلة المعجزة التي نتحدث عنها 0 لأنه في حالة مثل حالة اسرائيل اليوم نوع من الترياق الذي يخفف الألم ولكنه لايشفي المريض.


** عبارة " جيش الفقراء " تستدعي التذكير بعبارة " فقراء الجيش " وعلى هذا الصعيد كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت " الإسرائيلية تحت عنوان ( في الجيش يقاتلون وفي البيت يجوعون ) بأن اللواء غابي اشنكاري ( قائد المنطقة الشمالية ) لاحظ بأن في قطعاته أعداداً من الجنود الذين يفضلون البقاء في الوحدة العسكرية والاستغناء عن حقهم في الاجازات الاسبوعية وعند الاستفسار عن السبب تبين له بأن يوم الاجازة بالنسبة لهؤلاء يعني يوم صيام عن الأكل ، لأن أسرهم تعيش ضائقة اقتصادية حادة بسبب الركود والبطالة . وبحسب الصحيفة فان قائد المنطقة الشمالية أوعز لضباطه بالسماح لمن يرغب من هؤلاء بالحصول على وجبة طعام ليوم واحد مع كل إجازة اسبوعية ] " يديعوت أحرونوت " 13/2/2002 [ .

نشرت في جريدة المستقبل 28-12-2002م
حسن عبد العال
كاتب فلسطيني مقيم في سوريا
حسن عبد العال
Mervat10mm@yahoo.com
موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق