السبت، 16 مايو 2009

ديمقراطيه لليهود ودوله ليست لكل مواطنيها: حسن عبد العال

ديموقراطية لليهود ودولة ليست لكل مواطنيها

حسن عبد العال

16-5-2009م

منذ عشرة أعوام وبالأخص مع بداية الألفية الجديدة بدأت تظهر في إسرائيل موجة ناشطة من المؤلفات والدراسات النقدية التي تبحث في توصيف الديموقراطية الاسرائيلية و تجهد في تحديد ماهيتها ومدى مطابقتها مع الديموقراطية الليبرالية السائدة في عالم الغرب الذي تدعي اسرائيل بأنها تنتمي اليه0 المفكر الفلسطيني وداعية الحقوق المدنية والسياسية عزمي بشارة من خلال كتابه الأخير ( من يهوديه الدولة حتى شارون : دراسة في تناقض الديموقراطية الاسرائيلية ) بجهد بدوره في تعرية ونقد ما يسمى بالاتجاه النقدي للديموقراطية اليهودية في اسرائيل والمتمثل بالموجة المنوه عنها أعلاه ، أو بتعبير أدق الأشكال العديده التي تمثلها هذه الموجه وهي أشكال تجمع في النهاية على الظهور بمظهر متناقض مع النتائج التي يمكن لها أن تنجم عن استخدام مناهج البحث والتحليل العلمي في الحالة موضوع البحث وهي هنا حالة النظام السياسي الاسرائيلي الذي يقول بدولة يهودية ديموقراطية 0 فهي تبحث في نواقص وعيوب الديموقراطية الاسرائيلية وفي ذات الوقت تساهم في تبرير هذه النواقص والعيوب بطريقة تصل أحيانا إلى تحويل النموذج موضوع النقد ( الديموقراطية اليهودية ) إلى نموذج نظري ، إلى نمط قائم وواقعي للديموقراطية ، بدل محاكمته نقديا والاعتراف بالبون الشاشع الذي يفصله عن النموذج النظري للديمرقراطية ، أي بدلا من جعل النموذج النظري ( وهو هنا نموذج الديموقراطية الليبرالية تحديدا ) أداة في نقد الواقع يتحول الواقع موضوع النقد إلى (نموذج نظري ) من خلال النظر إلى الواقع ، أو الحالة موضوع النقد ، كنمط خاص من أنماط الديموقراطية 0 أو في أحسن الأحوال تصوير الديموقراطية الاسرائيلية كديموقراطية ذات تناقضات ونواقص يمكن تجاوزها 0 وفي هذه الحالة لاتخرج اسرائيل من تعريف الديموقراطية ، وتبقى ضمن ملكوتها ، لأن مساهمات الباحثين الذي يعبرون عن هذا الشكل من اشكال النقد الاسرائيلي للديموقراطية اليهودية ، مازالوا يتهربون ، مثل غيرهم ، من الاقرار بالحقيقة التي تقول بأن هذه التناقضات والنواقض هي في حقيقتها تتعلق بطبيعة وبنية النظام السياسي الاسرائيلي وتحمل جيناته ، وبالتالي فهي تناقضات ونواقص لايمكن تجاوزها أو تلافيها لأنها جزء من مكونات النظام المذكور.في مساهمته المنوه عنها أعلاه يلجأ عزمي بشارة إلى استخدام النهج النقدي الذي سار عليه العديد من الباحثين الاسرائليين الذين قدموا من خلال معالجتهم التي وصفت بالنقدية توصيفات للديموقراطية الاسرائيلية تقوم على تسوية بين النتائج التي توصلوا اليها والديموقراطية المذكورة 0 ومن خلال استخدامه للنهج ذاته يصل بشارة إلى نتائج مغايرة تماما ، نتائج أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها نتيجة منطقية من نتائج استخدام أدوات التحليل العلمي الموضوعي للحالة موضوع الدرس من دون أية تعمية أو تحريف أو اجراء تسوية بين النموذج النظري والواقع0سمات الديموقراطية الإسرائيلية بحسب ما توصل اليه عزمي بشارة من خلال مساهمته في نقد وتشريح بنية الديموقراطية الاسرائيلية ليست سمات ديموقراطية ناقصة يمكن التغلب عليها بطريقة يمكن أن تؤدي إلى تقريب المسافة بين الديموقراطية الاسرائيلية والنموذج الديموقراطي ، كما يرى العديد من الليبراليين 0 ولاهي بنموذج خاص للديموقراطية كما يرى بعض آخر من النقاد الاسرائيليين الذين يسوقون للديموقراطية الاسرائيلية على أنها نموذج جديد ونمط خاص من أنماط الديموقراطية 0 فمن خلال توصيفه للديموقراطية الاسرائيلية ( أو الديموقراطية اليهودية ) يستعرض بشارة اشكالات الديموقراطية اليهودية من خلال تقاطعات ثلاثة عناصر اساسية دائمة الحضور وتشكل دحضا للديموقراطية اليهودية المزعومة وتنفي عنها صفة النموذج ، وحتى اندراجها ضمن خانة النماذج التي تقترب إلى حد ما من نموذج الديموقراطية النظرية ، أو الديموقراطية الليبرالية ، أي بمعنى وجود مسافة فلكية بين النموذج قيد الدرس ، نموذج الديموقراطية اليهودية ( التي تتطابق ونموذج الديموقراطية في دولة الابارتهايد) والنموذج النظري ، نموذج الديموقراطية الليبرالية 0 وأولى هذه الاشكالات يتمثل بواقعة عدم الفصل الأمة والقومية والدين ، أو عدم الفصل بين الدين والدولة في النظام السياسي الاسرائيلي ، وهو الأمر الذي يقود إلى الاشكال الثاني للديموقراطية الاسرائيلية وهو اشكال المواطنة في دولة تحرص على أن تعرف نفسها على أنها دولة يهودية أو " دولة اليهود " 0 فالدولة ليست يهودية بحكم الأغلبية اليهودية فيها ( نحو 80 في المئة من التعداد السكاني العام ) وانما بحكم الادعاء الأيديولوجي بكونها " دولة اليهود " حيثما كانوا 0 وعليه يتفرع عن هذه الاشكالية الثانية اشكاليتان ، الأولى اشكالية استحالة تحقيق المساواة في دولة اليهود " حيث مصدر الحقوق فيها يتحدد بالانتماء لليهودية " ، والثانية اشكالية المواطنة الصهيونية أو " المواطنة المؤدلجة " وهو أمر يتناقض كليا ومن حيث الاساس مع النموذج الديموقراطي ، مع مفهوم الديموقراطية الليبرالية ( لكونها محيدة أيدولوجيا ) 0 أما الاشكال الثالث الناجم عن الديموقراطية الاسرائيلية التي تعتمد مبدأ المواطنة الصهيونية التي تقوم على أساس من فكرة التمييز بين اليهود وغير اليهود بكل المسائل المتعلقة بمفهوم المواطن والمواطنة فيتعلق بدوره بالحريات المرتهنة والخاضعة في اسرائيل للسياسات الأمنية التي تتخذ كثير منن الأحيان من خلال تعاملها مع القسم غير اليهودي من مواطني الدولة سياسات دولة احتلال قمعية ، تماما كما هو الأمر في المناطق( أي في الضفة والقطاع )0 حيث تتخذ شكل " أبارتهايد كولونيالي ".* * *أخيرا وعلى هذا الصعيد المتعلق بتشريح بنية الديموقراطية الاسرائيلية بشكل عام وبنقد نقاد الديموقراطية المذكورة ( من الاسرائيليين ) بشكل خاص ، لم تفت عزمي بشاره من خلال مساهمته أهمية تذكير الاسرائيليين والعالم بجرأة وصراحة زعيم حركة " كاخ " الحاخام مئير كهانا الذي شرع منذ الثمانينات بوضع النقاط على الحروف في كل ما يتعلق بتناقض الصهيونية مع الديموقراطية ، او بتناقض الديموقراطية اليهودية مع الديموقراطية الغربية ( هنا وبهذا الخصوص لابد من التذكير بكتاب فيليب سيمونو ورافائيل ميرجي : كهانا ، الحاخام الذي يرعب اليهود – باريس 1989 ) فبحسب كهانا فالصهيونية والديموقراطية الغربية علاقتهما مستحيلة ، لايلتقيان ولايمكن لهما ان تتعايشان : " لأن الديموقراطية الليبرالية تدعو الى الاعتراف بحقوق متساوية للسكان في الدولة بغض النظر عن الأصول الدينية والعرقية لهذه المجموعة او تلك" وهذا في حد ذاته يشكل نفي للصهيونية التي لا يمكن ان تتعايش إلا مع ديموقراطية من نوع خاص بها ، ديموقراطية مفصلة على قدها ، أي مع " ديموقراطية يهودية " وعليه بحسب كهانا ( الذي طرد من الكنيست ومن الحياة السياسية الاسرائيلية بفعل جرأته على هذا الصعيد المحدد بنحو خاص ) فاسرائيل اليهودية لايمكن لها ان تتقبل الديموقراطية إلا في حالة واحدة " في حالة التزام هذه الديموقراطية على نحو كلي ومحدد بالشريعة اليهودية ، أي بقانون التوراة".
الكتاب : من يهودية الدولة حتى شارون
الكاتب : عزمي بشارة
الناشر : دار الشروق ، القاهرة 2005
المستقبل 24\8\2005م

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق