الجمعة، 8 مايو 2009

من التحدي الامريكي الى تحدي امريكا:حسن عبد العال

من " التحدي الأميركي " إلــــى تحــدي أميــركـا

حسن عبد العال
9-5-2009م

التفوق الذي حققته " إيرباص" على "بوينغ" خلال العام الماضي من خلال استئثارها بحصة الأسد من العقود المبرمة مع الشركات و الدول التي بدأت ـ على طريقة الصين و ماليزيا ـ تفضل إيرباص على بوينغ ، هو تفوق له دلالة رمزية تفوق دلالتها المباشرة على صعيد المنافسة التجارية المحتدمة منذ بداية الألفية الجديدة بين عملاق الصناعة الأوروبية "إيرباص" و عملاق الصناعة الأميركية "بوينغ" . فالمنافسة المحتدمة منذ سنوات على مركز الصدارة العالمية في إنتاج و تسويق الطائرات المدنية العملاقة بين إيرباص و بوينغ هو في حقيقة الأمر مجرد شكل من أشكال المنافسة الدولية المحتدمة منذ عقدين على مركز الصدارة العالمية بين أوروبا و الولايات المتحدة ، و التي من خلالها ما تزال أوروبا القديمة المتجددة تسجل سبقا بعد آخر على أميركا التي باتت متخلفة عن ركب عالم الدول الصناعية المتقدمة . لا بل يمكن القول بما هو أهم على صعيد الدلالة الرمزية للحدث ، و أقصد بذلك على الصعيد السيكلوجي ، على صعيد الشفاء النهائي من عقدة نقص أوروبا القديمة - التي كانت تواجه عالم ما بعد الحرب الثانية بأدوات موروثة بالية - تجاه أميركا العملاقة ، أمة الأدوات الحديثة و العقول المبدعة و النظم المتطورة ، و التي تحولت إلى "مثال" عند الطبقات المثقفة التي كانت تحلم بأوروبا على الطريقة الأميركية ، بأوروبا وفق " النموذج المثال " أو " النموذج الحُلم " بحسب مفردات أهل أوروبا في تلك الأيام . فعلى ما يبدو فإن الزمن الذي كُتب فيه (التحدي الأميركي) قد أصبح زمنا من الماضي البعيد ، و حل محله بالتدريج و على امتداد العقود الثلاثة الماضية زمن آخر بديل ، زمن : تحدي أميركا . لا بل يمكن القول ، من خلال رصد و متابعة أفكار العديد من الكتاب و المفكرين الأميركيين المتأزمين من أحوال أميركا المترهلة و المراوحة في المكان منذ عقدين و أكثر بزمن نقيض سيدفع بأحدهم إلى تقليد صاحب ( التحدي الأميركي ) الفرنسي جان جاك سرفان شريبر و يطلع على العالم بكتاب أميركي يحمل في دلالته عبارة ( التحدي الأوروبي ) 0 فأوروبا اليوم باتت مثل أميركا الأمس قارة للنظم الحديثة و المتطورة التي أهلتها لشغل مركز لائق على جبهة الاقتصاد العالمي و التجارة الدولية . أما أميركا فهي اليوم مثل أوروبا الأمس باتت تحتاج إلى تطوير و تحديث ، لا بل إلى إعادة هيكلة وفق الطريقة القاسية التي أقدمت عليها أوروبا و صارت بفضلها على ما هي عليه اليوم .العملاق المعاق :صورة أميركا اليوم مقارنة بما كانت تمثله أميركا زمن مشروع مارشال في نهاية الأربعينات و بداية الخمسينات هي صورة عملاق مُعاق يعاني من هستيريا ناجمة عن ضمور في الأطراف . و للتعرف على نسبة الضمور و الوقوف على معرفة ما تبقي من عملاق الخمسينات يُستدل من التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في أبريل 1991 ، بأن مساهمة الولايات المتحدة لوحدها في الناتج القومي الإجمالي العالمي كانت خلال الأربعينات و الخمسينات تزيد على النصف ( من 60- 65 في المئة بحسب كتب التاريخ الاقتصادي) و بأن نسبة المساهمة الأميركية في الناتج العالمي المذكور تقلصت إلى أقل من الربع مع نهاية الثمانينات ، أي إلى ما نسبته من 22- 23 في المئة . أما على صعيد الوفرة و الغنى فإن أميركا التي كانت أغنى كثيرا من بقية دول العالم مجتمعة ، أصبحت في أواخر الثمانينات إلى جانب أوروبا و اليابان مجرد دولة ضمن مجموعة بلدان متساوية الثراء ، مع فارق بسيط يتمثل في أن الولايات المتحدة التي كانت تشغل مركز الدولة الدائنة الأولى في العالم بدأت بالاستدانة منذ منتصف الثمانينات وباتت اليوم تشغل مركز الدولة المدينة الأولى في العالم بحسب الاعتراف الرسمي الذي يفيد بأن قيمة ديون الدولة الاتحادية بلغ العام قبل الماضي 6.2 تريليون دولار ، أي ما يوازي قيمة الديون المترتبة على دول العالم مجتمعة . و هذا الرقم المرعب لا يشكل في حد ذاته سوى خُمس القيمة الحقيقية للدين العام الذي يشمل دين الحكومة الاتحادية ، و حكومات الولايات ، و دين الشركات الرأسمالية الكبرى ... الخ و الذي بلغ العام قبل الماضي نحو 30 تريليون دولار بحسب تقدير جون مكلوجلان المراقب المالي العام للولايات المتحدة ( مقابلة مع أن بي سي ، بتاريخ 1/2/2004 ) . أما على صعيد التجارة الخارجية التي بفضلها استطاعت الولايات المتحدة من قبل تغطية العالم من أقصاه إلى أقصاه بالسلع الأميركية ، فأن الولايات المتحدة بدأت منذ نهاية الثمانينات تفقد مركزها الدولي المرموق على هذا الصعيد و تتحول من دولة عظمى مُصدرة تتمتع بميزان تجاري راجح و بنسب مرتفعة كانت تثير حفيظة و حسد العالم قاطبة ، إلى دولة عظمى مستوردة للسلع الصناعية ، و غير الصناعية ، و عاجزة كليا عن وقف التدهور الذي بدأ يصيب ميزانها التجاري بفعل تحولها المدمر من دولة منتجة و مصدرة في آن ، إلى دولة باتت تنتج أقل مما تستهلك و تستهلك ضعف ما تنتج . و بحسب الأرقام المستقرة منذ سنوات فإن نسبة العجز التجاري للولايات المتحدة باتت محكومة بارتفاع سنوي و بشكل دوري متصاعد . و خلال العامين الماضيين ارتفع العجز السنوي في الميزان التجاري الأميركي من 500 مليار دولار عام 2003 ، إلى 600 مليار عام 2004 . و تغطية العجز تتم كما يعلم أهل الاختصاص وفق أساليب تحايل غير مشروعة يتم من خلالها التصرف بجزء من الأموال التي تتدفق سنويا على الولايات المتحدة على شكل استثمارات في الأسهم و سندات الخزينة ...... الخ و استخدام قسم منها في تغطية قيمة العجز و استخدام المتبقي في تلبية حاجات المجتمع الأميركي الذي بدأ يزداد نهماً في استهلاك السلع الأجنبية المستوردة عاما بعد عام ، و بطريقة باتت تزيد من معدلات تبعية الاقتصاد الأميركي للخارج.نظام اقتصادي دولي متعدد الأقطاب :كيف هو حال أميركا اليوم في زمن التحولات الاقتصادية الكبرى التي نقلت العالم من كونه "عالما اقتصاديا أحادي القطب " يدور حول الولايات المتحدة ، إلى كونه " عالما اقتصاديا ذا أقطاب ثلاثة " يجمع بين الولايات المتحدة ، و أوروبا المتحلقة حول ألمانيا ، و اليابان . و الذي من خلاله ، و على صعيد المباراة الاقتصادية بين المراكز الرأسمالية الكبرى الثلاث ، ما زالت أوروبا و اليابان تتمتعان بأنظمة مرنة و برامج متطورة تكفلان لهما السبق في لعبة الشطرنج الاقتصادية الدولية التي بدأت تُظهر مهارة اللاعب الأوروبي ، و مثيله الياباني ، مقارنة بالأميركي الذي بات عاجزا أمام هذين الندين الاقتصاديين و التكنولوجين القويين ، لا لشيء سوى لأسباب بسيطة في الظاهر تتعلق بثقافة أهل الكهف من الأميركيين الذين لا يريدون أن يعترفوا بأن العالم تغير و بات عليهم التكيف معه و الوفاء بما باتت تتطلبه المباراة الاقتصادية المعاصرة مع الأنداد الصاعدين من شروط و استحقاقات . و مازالوا راسخوا القناعة بسحر أنظمتهم الأرفع شأنا و الصالحة لكل زمان و مكان . و بأن العالم الذي كان يتكأ بالأمس على عكاكيز مشروع مارشال ما زال يعيش حتى اليوم في "قرن أميركا" . و بحسب حكيم الرأسمالية الحديثة ، الأميركي "ليستر ثارو" فإن هذه الثقافة المعيقة لكل تجدد كانت و ما زالت ، و ستظل ، تعيق اللاعب الأميركي الذي أصبح في لعبة الشطرنج الاقتصادية الدولية عاجزا عن تحريك وزيره ، أي فقد القدرة على تحريك القطعة الأقوى في لعبة الشطرنج الاقتصادية العالمية0كم قطعة خسرت أميركا :أخيرا ً و ما دمنا في معرض الحديث عن المباراة الاقتصادية الدولية على رقعة الشطرنج الاقتصادية بين اللاعب الأميركي الرديء الأداء و العاجز عن تحريك وزيره ، و أنداده من يابانيين و أوروبيين ، فلا بد من إظهار بعض النتائج الأولية المتوفرة عن المكاسب التي بدأت تجنيها أوروبا و اليابان على حساب الولايات المتحدة التي بدأت تفقد القدرة على المحافظة على المواقع المتقدمة التي كانت تشغلها حتى منتصف السبعينات . فعلى صعيد البنوك الخمسين الكبرى في العالم كانت الولايات المتحدة تمتلك 19 بنكا و أوروبا 16 و اليابان 11 ، و بحلول عام 1988 تقلصت حصة الولايات المتحدة من 19 بنكا إلى 5 بنوك فقط . أما أوروبا فقد حافظت على حصتها +1 ، أي أصبحت تمتلك 17 بنكا من مجموعة الخمسين الكبرى . أما حصة الأسد فكانت من نصيب اليابان التي أصبحت تمتلك 24 بنكا من الزمرة المذكورة ـ " ذي بروكنز ريفيو" ، عدد صيف 1990 ـ أما من فئة بنوك القمة العشرين في العالم فبحسب إحصاء عام 1990 فإن الولايات المتحدة لم تعد تملك منها شيئا يذكر – " ذي إيكونومست " ، بتاريخ 27 تموز ( يوليو ) 1991 ـ و من البنوك الكبرى و بنوك القمة إلى قائمة الشركات الصناعية المائة المصنفة الأولى في العالم . ففي عام 1970 كانت الولايات المتحدة تمتلك 64 شركة من أصل المائة ، في حين كانت أوروبا تمتلك26 شركة و اليابان 8 شركات فقط . و بحلول عام 1988 تقلصت حصة الولايات المتحدة من المائة الكبرى من 64 شركة إلى 42 شركة فقط ، في حين زادت حصة أوروبا من 26 إلى 33 شركة ، و اليابان من 8 إلى 15 . أما على صعيد المؤسسات العالمية العشر الكبرى العاملة في قطاع الخدمات فبحسب " فورشن" – عدد 26 آب 1991 – فإن اليابان باتت تمتلك 9 من أصل 10 و الولايات المتحدة تمتلك واحدة فقط من هذه المؤسسات العاملة في هذا القطاع الحيوي . و على صعيد المؤسسات الثلاث الكبرى التي تغطي حاجة العالم من الصناعات الكيميائية فبحسب صحيفة ذي إيكو نومست – بتاريخ 16 أيار 1987 – فإن المؤسسات الثلاث المذكورة هي مؤسسات تمتلكها أوروبا (ألمانيا تحديدا) . أما شركة دي بون عملاق الصناعة الأميركية على هذا الصعيد فلا تدخل ضمن التصنيف الثلاثي المذكور " لأن حجمها أقل بمقدار الثلث" .ـ انتهى ـ
المستقبل 16\1\2005م
حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق