الخميس، 7 مايو 2009

فخ الحل الوسط على الطريقه الاسرائيليه:حسن عبد العال

فخ الحل الوسط على الطريقة الإسرائيلية

حسن عبد العال

8-5-2009م

شهد التاريخ الحديث و المعاصر وسيلتين اثنتين لا ثالث لهما على صعيد إنهاء العنف الناجم عن الصراعات ذات المنشأ الاستعماري ، أولاهما العنف الوطني أو العنف المضاد الذي يفضي إلى تحقيق الأهداف التي تسعى إليها حركات التحرر في البلدان المستعمَرة ، و ثانيهما الجنوح نحو التفاوض من قبل قطبي الصراع و التفاوض في مثل هذه الحالة يقوم على مبدأ أو فكرة التسوية ، و للتسوية بحسب فقهاء القانوني الدولي شكلان رئيسان لا ثالث لهما . أولاهما " التسوية الكاملة " و هي تقوم على فكرة العدالة ومبدؤها إحقاق الحق كاملا ً غير منقوص . و ثانيهما "التسوية السياسية" و هي الأوسع انتشارا على صعيد تسوية الصراعات الدولية و تقوم على عكس سابقتهاعلى مبدأ التنازلات المتبادلة التي تفضي إلى وصول الطرفين المتفاوضين إلى ما بات يعرف بـ " الحل الوسط" . و الحل الوسط في غالب الأحيان هو حل وسط على الحق المُطالَب به من قبل الفريق المُعتدى عليه ، الذي يقر للفريق الغاصب بحصته في القسمة المجحفة التي تقرها التسوية السياسية التي يصفها بعض فقهاء القانون الدولي و العلوم السياسية بوصف "التسوية الناقصة" لأنها على عكس التسوية الكاملة أو العادلة ، تقوم على مبدأ " قسمة التفاحة إلى نصفين".التسوية على المسار الفلسطيني الاسرائيلي تقوم على أساس التسوية السياسة و ليس على أساس من التسوية الكاملة 0 أي وفق التسوية الناقصة " السياسية " التي تقوم على مبدأ قسمة التفاحة إلى نصفين ، و هو مبدأ اعتمدته و ما زالت في الغالب تعتمده الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية و الإقليمية و بشكل خاص في المشرق العربي على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي . و أول الغيث من هذا القبيل كان القرار الدولي الشهير رقم /181/ لعام 1947 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقر تسوية سياسية للصراع الدائر في فلسطين بين منظمات المستوطنين اليهود في فلسطين والمقاومة المسلحة للشعب الفلسطيني تقوم على مبدأ تقسيم فلسطين إلى دولتين ، فلسطينية تشكل 45.5 % من مساحة فلسطين ، و يهودية تشكل 55.5 % . أي على أساس من تسوية سياسية تقر بالواقع الراهن كما هو على الأرض و تعطي للفريق المغتصب للأرض نصفه الذي حصل عليه بالقوة الغاشمة و تترك لصاحب الحق النصف الثاني. و من هذا القبيل أيضا القرارين الدوليين الشهيرين /242/ لعام 1967 و 338 لعام 1973 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي فكلاهما يقوم على مبدأ التسوية السياسية التي برعت بها الأمم المتحدة – على صعيد التوصيف و الترسيم و الصياغة بالطبع – و ترجمته : انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها عام 1967 مقابل إنهاء حالة الحرب و الاعتراف المتبادل بين الدول العربية (المشمولة بالقرار ) و إسرائيل .بعد هذه المقدمة التي لابد منها مازال التساؤل قائما عن الكيفية التي تُجرى بها مباحثات التفاوض الفلسطينية الإسرائيلية المستندة إلى مبادئ اتفاق أوسلو التي تنص أصلا على مرجعية القرار الدولي 242 كأساس للعملية التفاوضية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي ، و هو أساس ينص على تسوية سياسية تتناول تطبيقاتها على صعيد هذا المسار قيام إسرائيل بالانسحاب النهائي من الضفة الغربية و قطاع غزة ، و الاعتراف المتبادل الفلسطيني الإسرائيلي و تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.بداهة كان يتوقع المرء من التسوية السياسية المنشودة اعتراف فلسطيني بدولة إسرائيل و قيام الأخرى بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، أي من الضفة الغربية (بما فيها القدس) و قطاع غزة ، و هي تسوية تقوم على مبدأ التنازلات المتبادلة و " قسمة التفاحة إلى نصفين " كما ذهب في ذلك القرار الدولي رقم 242 لعام 1967. لكن الأمور لا تجري وفق الصورة المتخيلة للتسوية السياسية وفق التوصيف المذكور ، لأن الأداء التفاوضي لإسرائيلي على صعيد التسوية السياسية " الناقصة " يقوم على مبدأ التسوية السياسية على النصف الذي سبق و أقرته التسوية السياسية للطرف الآخر (الفلسطيني). أي على مبدأ قسمة التفاحة إلى (ربع) و (ثلاثة أرباع) . و الآلية بحسب المجريات التي سارت عليها الأمور منذ اتفاق أوسلوأصبحت مكشوفة بشكل سافر رغم تغطيتها ( و تبريرها و أدلجتها) أميركيا ً. و الطريقة ببساطة وفق آلية التفاوض الإسرائيلية تقوم على فكرة اعتماد مبدأ " الحل الوسط " و ووفق هذه الآلية المدمرة للمسار الفلسطيني الإسرائيلي ـ الفلسطيني ـ تتقدم إسرائيل دائما بمطالب مقابل – أو في مواجهة – المطالب الفلسطينية التي سبق و أقرتها لها المشروعية الدولية و التي يتحدد مجالها في النصف الذي حصل عليه الفلسطينيين من عملية القسمة وهكذا دائما وفق قواعد هذه اللعبة التي اخترعتها وتجيدها إسرائيل وأمام هذا الوضع الجديد ، الطارئ ، الناشئ بداهة وفي الظاهر عن تمسك الفريقين المتفاوضين كل بموقفه فان الأمر يحتاج دائما إلى اختراق الجدار وفك المعضلة و آلية ذلك تكمن في : " الحل الوسط " ، أي تنازل من الفريق الفلسطيني عن جزء من نصفه يعقبه تنازل من الفريق الإسرائيلي عن جزء من النصف الفلسطيني الذي ما زال في حيازته .و كما هو الأمر دائما وعلى صعيد كل ملف يتقدم الفريق الإسرائيلي بطلبات جديدة و طارئة يُخضع من خلالها كل ما سبق و اتفق عليه لتسوية جديدة قائمة على " حل وسط " لاحق على الحل الوسط السابق. و عليه وبحسب المشاهد الكاريكاتورية التي بدات عليها المفاوضات السابقة أصبحت واشنطن موطن كل اتفاق أول يقوم على أساس من حل وسط و شرم الشيخ ( أو العقبة ) موطن كل حل وسط ثان على الحل الوسط الأول. و أحيانا يتطلب الأمر حل وسط لاحق على الحلين السابقين. هكذا و على هذا المنوال على صعيد كل اتفاق و على صعيد كل ملف هنالك لازمة لا مفر منها ، أي لابد من " حل وسط " و بعد إقرار كل حل وسط لابد من لازمة لا مفر منها ، أي لابد من حل وسط جديد أو آخر ، أو أي حسب تعبير بيريز في تنظيره لهذه الآلية الجهنمية والمخادعه عام 2000 : " لابد من موقف ثالث ناجم عن تنازل كل طرف من طرفي التفاوض عن موقفه بطريقة توصل إلى موقف ثالث لم يفكرا به من قبل " ، و ترجمة ذلك وفق الأداء التفاوضي الإسرائيلي المفخخ : " لابد من حل ثالث في المرة الأولى ، و الثانية و الثالثة .. الخ و هكذا دواليك على صعيد كل مرحلة من مراحل التفاوض و على صعيد كل ملف . وكما كان عليه الأمر زمن الراحل عرفات سيكون عليه الأمر تماماً على المسار التفاوضي القادم زمن الرئيس الجديد محمود عباس. فاسرائيل ستستمر في نهجها المعهود وهذه المرة بمزيد من التفهم والمباركة الأميركية ، فالاحتكام إلى الحل الوسط والبحث عن موقف ثالث هو بحسب واشنطن التي جرت على عادتها في تغطية وتبرير وأدلجة هذه الآلية التفاوضية المعتمدة إسرائيليا هو تعبير عن جدارة المتفاوضين ومستواهم الحضاري اللائق0ـ انتهى ـ
المستقبل
1\2\2005م

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا

موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق