الثلاثاء، 5 مايو 2009

الاقتصاد الاميركي وأعباء النزعه الامبراطوريه:حسن عبد العال

" الاقتصاد الأميركي وأعباء النــــزعـة الإمبراطورية "
حسن عبد العال
6-5-2009م
الولايات المتحدة التي كانت مهيأة على الدوام للوفاء بمتطلبات النزعة الأمبراطورية المتأصلة في تاريخ السياسة الخارجية للولايات المتحدة لم تعد كما كانت عليه في السابق ، أي كما كانت عليه الأمور على امتداد تاريخها الحافل بالتمسك بالمبادئ الجيوبولتيكية المستمدة من فكرة " المجال الحيوي " الفاتحة للشهية ، والتي أدت في السابق استكمال الولايات المتحدة لتوسعها الإقليمي ، أو "القاري" ، ومازالت تؤدي إلى انبعاث أفكار ونظريات هي أشبه بـ " بيان مصير " جديد يدفع في إتجاه وضع استراتيجيات وخطط ومشاريع عملية تهدف إلى بسط السيطرة الأميركية على العالم . كما يمكن الجزم من خلال رصد أحوال الولايات المتحدة منذ الإعلان عن نهاية الحرب الباردة ، بأن نهاية الحرب المذكورة ، وما أفصحت عنه على صعيد قيادة النظام العالمي عن اندثار نظام القطبين وإنبعاث نظام القطب الواحد ، لم تكن المرحلة التاريخية الأمثل لانبعاث النزعة الإمبراطورية الجديدة والبدء برسم الخط ووضع المشاريع الإستراتجية الكفيلة ببسط الهيمنة الإمبراطورية على العالم0بقدر ما كانت , وإلى حد بعيد ، المرحلة الأسوأ في تاريخ النزعة الإمبراطورية للولايات المتحدة , وذلك لأسباب و عوامل " أميركية تماماً " تتعلق بالحالة العامة المتردية للولايات المتحدة ، وماتفصح عنه من ظواهر لم تعد خافية على أحد وتتعلق بعدم قدرة الولايات المتحدة على الوفاء باستحقاقات الامبراطورية على أكثر من صعيد ، وبشكل خاص على الصعيد الإجتماعي ( فالمجتمع الأميركي الذي بدأ التفكك والتمزق يفتك فيه منذ الثمانيات وحتى عصر الادارة الحالية لم يعد يصلح لدور الجبهة الخلفية المنيعة أو الرديف القومي للإمبراطورية ) وبشكل أكثر خصوصية ، أو بتعبير أدق " أكثر راهنية " على الصعيد الاقتصادي الذي تشكل وفرته وقوته ومناعته الأعمدة الفعلية التي تقوم عليها الإمبراطورية 0 ولعل مقارنة بسيطة بين أميركا في زمن الإعلان عن مشروع مارشال ( حزيران 1947) ، أي في مرحلة خروجها منتصرة مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، وأميركا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، تظهر بأن أميركا الأولى ، أي أميركا في زمن مشروع مارشال كانت قادرة على تحمل أعباء النزعة الأمبراطورية على كافة الصعد ، وبشكل خاص على الصعيد الاقتصادي حيث كانت تشكل حصة أميركا من الناتج القومي الإجمالي للعالم أكثر من النصف ، وكان نصيبها من قيمة الصادرات الصناعية العالمية أكثر من الثلث 0 أما اليوم في زمن ما بعد الحرب الباردة فان المعادلة باتت مقلوبة إلى حد بات يصعب تخيله ، والأسباب في ذلك عديدة ومتنوعة وعلى رأسها بالطبع حالة الإقتصاد الأميركي المتدهور الذي بات يدعو إلى دهشة المراقبين لمسيرة انتقاله المفاجئ من القمة إلى الحضيض ، أي من قمة الخمسينات والستينات ، والى حد ما السبعينات ، إلى الحالة المزرية التي بات عليها الآن في عهد الإدارة الحالية التي جاء سجلها الاقتصادي الموشح بالسواد ليتوج مسيرة عقدين من التردي و التعثر الذي أدخل الاقتصاد الأميركي في مرحلة " انعدام التوازن " إذا جاز هذا التعبير الملطف في وصف حالة الاقتصاد الأميركي الذي مازال يتخبط في دروب المتاهة التي ستزيد من حالة التردي والتدهور وستزيد من نسبة العجز ( في الميزان التجاري والموازنة الفدرالية ) ومن قيمة الدين بمقادير ونسب قياسية لايمكن للمرء حتى مجرد تخيلها0 وحتى لانتهم بالمبالغة نقول يكفي المرء مقارنة الأرقام الأميركية ، في الثمانينات التي بدأ فيها الانحدار الاقتصادي يرسخ اقدامه ، مع الأرقام الأميركية الخاصة بالسنوات الثلاث أو الأربع الأولى من الألفية الجديدة 0 ففي العام 1986 بدأت الولايات المتحدة بالاستدانة ( بعد أن كانت تمثل الدولة الدائنة الأولى في العالم ) وكانت قيمة الدين الأميركي في هذا الوقت من الثمانيات تحتسب بالمليارات ، وبعد سنوات ومع وصول قيمة الدين إلى أكثر من ألف مليار من الدولارات بدأت القيمة تحتسب بالتريليونات 0 وتبلغ قيمة الدين الأميركي اليوم أكثر من 6 تريليون دولار قابلة للزيادة حتى الضعف مع نهاية العقد الحالي استناداً إلى مؤشرات تصاعد العجز السنوي الدوري في الأعوام السابقة ، ومابات يوحي به الاقتصاد الأميركي الذي يعاني من أزمة " ذات منشأ بنيوي " من ازدياد وتصاعد وتيرة عجزه وفق متواليات هندسية وليس حسابية 0 أما عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة الذي بات يعكس أكثر من أي مظهر آخر حقيقة تدني مركز الولايات المتحدة في الانتاج الصناعي العالمي وتحولها بحكم الأزمة ذات المنشأ البنيوي المنوه عنها أعلاه إلى دولة تستهلك اكثر ما تنتج فقد وصل هذا العام بحسب تقديرات أميركية نحو 600 مليار دولار ( أي بزيادة 100 مليار عن العام 2003 ) 0 واذا أخذنا بمقياس العجز السنوي الدوري في الأعوام الست الماضية وما يوحي به من أرقام متصاعدة سنويا فان قيمة العجز باتت محكومة بالزيادة حتى الضعف على اقل تقدير مع نهاية العقد الحالي0 وهو الأمر الذي ينطبق على عجز الموازنة السنوية الذي وصل في السنة المالية الحالية بحسب تقديرات أميركية ذات صلة إلى نحو 500 مليار دولار ( أي بزيادة العجز 125 مليار دولار عن العام 2003 ، ونحو 340 مليار عن العام 2002 ) ومع نهاية العقد الحالي يتوقع أن يصل العجز السنوي في الموازنة أكثر من 3 تريليون دولار بفضل الانقلاب الذي حدث في النظام الأميركي وانتقاله الطوعي من أسلوب ادارة النظام من قبل مؤسسة ، إلى نظام يدار من قبل مجموعة أوليغارشية تستخدم النظام لجمع الثروات الخاصة وزيادة ثروات الأسرالغنية والشركات العملاقة عبر تشريعات تحد من الضرائب المفروضة على الأغنياء وتقلصها إلى أكثر من النصف ، وتستعيض عن المبالغ المعفاة التي تتسبب سنويا بزيادة عجز الموازنة عن طريق اللجوء إلى الاستدانة وزيادة عبء المدينونية0* * * هذه المؤشرات المأخوذة من حزمة مؤشرات دالة على عمق الأزمة البنيوية التي بات يعاني منها الاقتصاد الأميركي في طوره الجديد الذي بدأ يتمظهر للعيان كإقتصاد دخل في نفق العجز والتبعية ، باتت مؤشرات بلبغة الدلالة على أن الولايات المتحدة باتت عاجزة كليا عن تسديد الفواتير وتحمل عبء الطموحات الامبراطورية 0 وبأن البدء بمباشرة المشروع الامبراطوري في ظل اقتصاد منهك ومحكوم بقيود التبعية سوف يخلق على أرض الواقع جملة من الحقائق والوقائع المناقضة لأهداف مهندسي المشروع الامبراطوري ليس في هذه المنطقة أو تلك من العالم فحسب ، وإنما على صعيد الداخل الأميركي ، وعلى نحو خاص على صعيد مواجهة الاستحقاقات المتعلقة بالأزمات الإجتماعية ذات المنشأ الاقتصادي والتي باتت تتطلب في هذه المرحلة الشبيهة بفترة الكساد العظيم التي شهدتها أميركا في الثلاثينات تخلي التحالف المتمثل بالحكومة والشركات العملاقة والأسر الثرية عن بقرته المقدسة المتمثلة بعقيدة السوق الحرة الأنكلوساكسونية المنفلتة من أية قيود أو ضوابط والعودة إلى نظام دولة الرعاية عبر تشريعات حمائية طارئة مستمدة من روح النيوديل0ـ انتهى ـالمستقبل 9\11\2004م
حسن عبد العال
باحث فلسطيني مقيم في سوريا
موبايل:00963944094429


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق