الثلاثاء، 19 مايو 2009

انحسار الدور الوظيفي لاسرائيل: حسن عبد العال

انحسار الدور الوظيفي لإسرائيــــــــل
حسن عبد العال
19-5-2009م

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، بدأت تبرز وجهتا نظر على صعيد التوقعات المتعلقة بمستقبل الدور الوظيفي لاسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط . فمن جهة أولى رأى البعض بأن الاعلان عن نهاية الحرب الباردة وما أعقبه من بروز نظام دولي جديد يقوم على هيمنة القطب الواحد ، والنزوع المتعاظم للولايات المتحدة نحو التحكم واطباق سيطرتها الكلية على العالم ، سيعمل بالضرورة على تعزيز الدور الوظيفي لإسرائيل وتوسيع المجال الجغرافي لهذا الدور ليتجاوز الشرق الأوسط العربي 0 ومن جهة أخرى يرى البعض الآخر ، ونحن من عداده ، بأن انهيار الاتحاد السوفييتي وما أعقبه من اعلان عن نهاية الحرب الباردة ، قد أدى بالضرورة إلى توجيه ضربة قاصمة للدور الوظيفي لاسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية والذي هو ـ أي دور " الدولة الوظيفية " ـ في حقيقة الأمر كان ومازال خياراً اسرائيليا تماماً ، أكثر من كونه خياراً أميركيا 0 وبحسب هذا البعض الذي يرى بأن النتيجة المنطقية لتبدد أجواء ما كان يصفه الأميركيون بالخطر السوفييتي على المصالح الحيوية لأميركا في منطقة الشرق الأوسط ، قد أدى ، فيما أدى – عمليا - إلى تقليص و تقزيم الدور الوظيفي المناط بدولة إسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في عموم منطقة الشرق الأوسط ، حيث أن تاريخ السنوات الخمسة عشر التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي ، وتفكك منظومة الدول الشيوعية السابقة ، لم يشهد واقعة واحدة لجأت فيها الولايات المتحدة لاسرائيل لأداء دور ما محدد في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، وانما على العكس من ذلك تماما فقد دشنت الولايات المتحدة بالتزامن مع نهاية الحرب الباردة ، نهجا يقوم على استبعاد إسرائيل من دائرة عملياتها الحربية في المنطقة واعتمادها في ذلك كليا على قوى ، أطلسية أو غير أطلسية ، حليفة من خارج منطقة الشرق الأوسط ، أو في حال اعتمادها بشكل أو بآخر على أنظمة من داخل حظيرة الشرق الأوسط فان إسرائيل ، وفق ما أصبحت تقتضيه المصلحة القومية للولايات المتحدة ، باتت مستبعدة كليا عن مثل هذا الدور ، لأن مشاركتها باتت تضر بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط أكثر بكثير من النفع الذي يمكن لها أن تقدمه 0 ومثالنا في ذلك استبعاد واشنطن لأي دور اسرائيلي في حربها الأولى على العراق عام 1991 ، رغم الرغبة العارمة التي أبدتها إسرائيل للمشاركة بفعالية في الحرب المذكورة ، واستبعادها بالتالي لأي دور إسرائيلي في حربها على أفغانستان ، ولأي دور في حربها الثانية على العراق ربيع عام 2003 أيضا وذلك برغم الرغبة العارمة التي أبدتها إسرائيل للمشاركة الفعلية في هذه الحرب التي كانت تنشد إسرائيل من خلال المشاركة الفعلية بها استعادة دورها الوظيفي ( العملي ) في خدمة المصالح و التوجهات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة بعدما أصبح هذا الدور مجرد نوع من الدعاية المضللة التي يروج لها في تل أبيب وواشنطن بهدف ضمان استمرار تدفق المساعدات الأميركية 0 أو مجرد تعبير عن واقعة سابقة ، وغير مستعادة ، تُذكر بالأدوار التي قامت بها إسرائيل في خدمة المصالح والتوجهات الاستراتيجية الأميركية في زمن الحرب الباردة0من خلال هذه المعطيات التي باتت تعبر حقيقة و فعلا ، بالتزامن مع نهاية الحرب الباردة ، عن تراجع الدور الوظيفي لإسرائيل في خدمة المصالح و التوجيهات الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ، لابد من الإشارة إلى أن هذه المعطيات ، رغم ما باتت تعبر عنه كحقائق ملموسة على الأرض ، لا تعني بالنتيجة ، و على المستوى النظري ، نهاية الدور الإسرائيلي المذكور في الخطاب الرسمي الأميركي 0 فإسرائيل ما زالت في الخطاب الرسمي الأميركي تمثل الذراع المديدة و الإداة الشديدة البأس و السريعة الحركة ، و في موقع الشريك الإستراتيجي الرئيسي الذي يتوجب على الولايات المتحدة المحافظة على مخصصاته السنوية التي تبلغ نسبتها خمس المساعدات السنوية الأميركية المقدمة لدول العالم ، إضافة إلى واجب تزويده ، و على الدوام ، بأرقى التقنيات الحربية بهدف الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري على كافة الأقطار المكونة للشرق الأوسط العربي . و على هذا الصعيد الأخير ، الذي بالرغم من كل ما سبق ، ما زال يشير إلى أن أميركا و إسرائيل لم تستسلما أمام هذه المعطيات فإن من الخطأ ، أمام الحرص الأميركي على الدور الإسرائيلي ، تصور اقتصار الخطاب الرسمي الأميركي على ترديد اسطوانة أهمية الدور الإسرائيلي في خدمة المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة من دون ربط ذلك بشواهد و مؤشرات ناجمة عن وقائع ، و إن تكن متواضعة بعض الشيء ، لتؤكد ذلك الدور . من هنا ، من هذه الزاوية التي تتعلق باقتناص الفرص المؤاتية و الكفيلة بإفساح المجال أمام إسرائيل للقيام بعمليات متواضعة تصب في المصلحة الإستراتيجية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ، يمكن لنا أن ندلف إلى حرب تموز (يوليو) الإسرائيلية الموجهة أميركيا ، و التي كان الهدف الحقيقي منها ، كما اتضح ذلك نقلا عن مصادر أصحاب القرار في واشنطن ، إعادة إقلاع المشروع الأميركي الخاص بالشرق الأوسط الكبير من خلال البوابة اللبنانية و بواسطة الأداة العسكرية الإسرائيلية الضاربة . و على هذا الصعيد الأخير ، أو بتعبير أدق على صعيد الحملة العسكرية التي أديرت إسرائيليا ، بطلب و دعم أميركيين ، فإن الأداء الإسرائيلي المرتبك و المتعثر على صعيد المواجهات العسكرية المباشرة فوق أرض الجنوب قد زاد الطين بلة على الصعيد العملي المتعلق بالدور الوظيفي لإسرائيل في خدمة المصالح و التوجهات الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط 0 و لعل أبلغ دليل على ذلك ما بتنا نشهده هذه الأيام على صعيد المراجعات الأميركية ، غير الرسمية و شبه الرسمية ، التي بدأت تظهر في واشنطن خلال و بعيد حرب تموز وأثرها على صعيد تقرير مدى المساهمة الإسرائيلية ، راهنا و مستقبلا ، في خدمة المصالح و التوجهات الإستراتيجية الأميريكية في المنطقة ، و لعل أبرزها على هذا الصعيد التقرير الدبلوماسي الأميركي الذي تسربت مضامينه في الآونة الأخيرة ، و الذي توصل إلى نتيجة مفادها ، و بصريح العبارة ، بأن الجيش الإسرائيلي : " لم يعد يشكل تلك القوة الرادعة التي يمكن أن تتكئ عليها الولايات لمتحدة في منطقة الشرق الأوسط " .
- انتهى -

المستقبل 5\10\2006م

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق