الأحد، 3 مايو 2009

أمريكا في قبضة الأليغارشيه:حسن عبد العال



أميركا في قبضة الأوليغارشية


حسن عبدالعال


3-5-2009م


القانون الذي سبق ووقعه منذ شهور ] تموز 2002 [ الرئيس الأميركي بوش ونص على وضع آلية لرقابة شركات المحاسبة ، ومضاعفة الحد الأقصى لعقوبة تحايل المدراء التنفيذيين في الشركات ، مازال ـ حتى في أميركا نفسها ـ عرضة للعديد من التساؤلات ، إن على صعيد التهرب من الاعتراف بحقيقة أزمة انهيار الشركات الكبرى ، وفضائح التحايل على المستثمرين والمساهمين " باعتبارها تعبير عن أزمة بنيوية في النظام الأميركي " أو على صعيد التساؤل عن جدية الرئيس صاحب فكرة القانون المذكور ، ومدى قدرته على معالجة الفساد المستشري في قطاع الأعمال مادام ينتمي هو ونائبه المتنفذ ، ديك تشيني ـ والعديد من أركان إدارته ومعاونيه ـ إلى هذا القطاع الذي تسبب بالأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عصفت بسوق وول ستريت وأودت بسمعة الاقتصاد الأميركي ومؤسساته التي تعتمد مبدأ السوق الحرة الانكلوساكسونية.على الصعيد الأول ، الخاص بالتساؤل عن جدوى التهرب من الاعتراف بحقيقة الأزمة المذكورة كأزمة بنيوية في النظام ، لابد من القول ، بأن هذا التساؤل يتناول داء أميركي عضال ، قديم ومتأصل ، لاشفاء الأميركيين منه عامة ، وبشكل خاص النظام الأميركي ] قديمه وحديثه [ الذي عودنا عندما يفشل على صعيد ما ، بالبحث لا عن الخلل في النظام الذي تسبب بالفشل ، وإنما عن الشياطين الذين تسببوا بعرقلة عمل النظام الأميركي المعصوم الذي بلغ في تطوره حد الكمال 0 أما على الصعيد الثاني الخاص بالتساؤل عن مدى جدية ، وبالتالي قدرة ، الرئيس صاحب فكرة القانون المذكور على معالجة الفساد المستشري في قطاع الأعمال ، فان الاجابة على هذا التساؤل على طريقة الـ " واشنطن بوست " وباقي الصحف القومية الأميركية التي واكبت في حينه أزمة الانهيار في سوق وول ستريت ، هي اجابة مضللة إلى حد بعيد وتتناول المسألة من وجهة نظر تتعلق بأشخاص المسؤولين ، وليس بطبيعة وتركيبة وقيادة النظام ، أي تتعلق بالرئيس بوش والاشارة إلى ماضيه كرجل أعمال وعضو مجلس ادارة سابق في شركة " هاركن " للطاقة ، لايخلو سجله من تعاملات مالية مشبوهة وشبيهة بأساليب تحايل المدراء التنفيذيين التي راجت واستشرت في موسم الانهيارات الأخيرة والمستمرة منذ صيف وخريف العام الحالي ] 2002 [ ، كما تتعلق بنائبه المتنفذ وأحد أبرز الصقور في الإدارة الأميركية الحالية ، ديك تشيني ، والاشارة إلى ماضيه كرجل أعمال ومدير سابق لشركة " هاليبرتون " للطاقة ، متهم وملاحق من قبل جماعة حقوقية أميركية تمثل الضحايا من حملة أسهم الشركة المذكورة 0وفي الحقيقة إن المسألة أخطر وأعمق بما لا يقاس من مجرد التشكيك بقدرة الرئيس ونائبه في التصدي لجرائم تحايل مدراء الشركات، باعتبارهما أصحاب سوابق من هذا القبيل ، لأن بوش وتشيني هما أكثر من ذلك ، ركنان أساسيان من أركان النظام الأوليغارشي الأميركي الحديث الذي بدأت تتضح ملامحه الأولية منذ بداية الثمانينات ، أي منذ تلك الفترة التي بدأت تشهد بداية سطوة اليمين الأميركي المحافظ الشديد القرب من عالم الأعمال ] وبشكل خاص القطاع الذي يشمل الشركات الأميركية العملاقة ، والأسر المئة الأكثر غنى في الولايات المتحدة الأميركية [ وهي السطوة التي أدت إلى تغير نحو الأسوأ في أداء النظام الأميركي ، على المستويين الاقتصادي والإجتماعي ، بفعل التحول " شبه الانقلابي " الذي طرأ على النظام الأميركي ، وانتقاله من نظام كان يدار من قبل " مؤسسة " ، إلى نظام اصبح يدرا من قبل " مجموعة أوليغارشية " 0 وهذا الانتقال الذي سبق وتتبأ به ، منذ نهاية الثمانينات ، الخبير الاقتصادي الأميركي " لستر ثارو " هو أساساً سبب المصائب والكوارث الاقتصادية والإجتماعية التي حلت بالولايات المتحدة منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ، أي منذ ذلك الوقت الذي أصبحت فيه أميركا ملغومة بالأوليغارشية وتفصح اتجاهات ونوازع مراكز النفوذ الجديدة فيها، والمتمثلة باليمين الأميريكي المحافظ ، بأن اميركا مقبلة على مرحلة قادمة سيغيب من خلالها النظام الأميركي المدار من قبل " مؤسسة ، ليحل محله نظام مختلف تحل فيه " مجموعة أوليغارشية " محل المؤسسة في إدارة النظام 0 وهنا لابد من القول بعبارة تدخلنا مباشرة في صلب المسألة ، بأن العالم الذي نعيشه اليوم إذا كان ضحية النظام الأميركي وتعدياته بمعزل عن طبيعة النظام ، أو من يديره ، فان المجتمع الأميركي الذي اصبح العقلاء فيه يحلمون ـ على طريقة ليبرالييي العالم الثالث ـ بمجتمع شبيه بمجتمعات أوروبا الرأسمالية ، هو ضحية النظام الأميركي الجديد المدار من قبل مجموعة أوليغار شية ، وليس من قبل مؤسسة 0 وبالاستناد إلى حكيم الرأسمالية الحديثة " لستر ثارو " الذي تفرد بتوقع هذه الظاهرة في التحول الأميركي نحو الأوليغارشية ، نشير من وجهة نظر الاقتصاد ، ووجهة نظر رسم السياسات الاجتماعية في الدولة ، بأن نتائج ادارة المجموعة الأليغارشية للنظام تؤدي إلى نتائج مأساوية ومدمرة ، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ، لايمكن لمثليها أن ينتج في حالة نظام مدار من قبل مؤسسة 0 فعلى مستوى " إدارة النظام " هنالك اختلافاً أساسياً بين طريقة عمل المؤسسة ، وطريقة المجموعة الأوليغارشية حيث أن الهدف الأساسي للمؤسسة في إدارة النظام هو كفالة نجاح النظام وتحسين أحوال الدولة على المدى البعيد ، من دون أن تلجأ إلى وضع مصالحها الذاتية في المقدمة واعطائها الأولوية على المصلحة العامة 0 اما المجموعة الأوليغارشية ، فانها على النقيض من ذلك لاتشعر بالاطمئنان نحو هذه الطريقة ، التي تقول باكتساب المصالح الذاتية من خلال العمل في صالح الخير العام ، لأنها ببساطة متناهية ، ليست على ثقة بأن نجاح البلد سيجلب لها النجاح الذي ترتأيه ، ولذلك تتجه هذه المجموعة مباشرة ، من خلال ادارتها للنظام ، للسعي نحو مصالحها الذاتية والآنية غير آبهة بالطريقة التي تعتمدها المؤسسة ، وغير آبهة بالتالي من الشرور والمآسي التي يمكن أن تلحق به طريقتها الأنانية بالاقتصاد والناس والمجتمع 0 وهي كما نعلم الطريقة التي اعتمدت نموذج السوق الحرة الأنكلوساكسونية ، المغرقة في حريتها وفرديتها ، باعتبارها النموذج الأجدى والأسرع لمضاعفة الثروات وتوسيع الأعمال من وجهة نظر اليمين الأميركي المحافظ ، الذي لايقدم نموذجه في السوق الحرة بهذه الطريقة الفجة والمنفرة ، وانما من خلال "منظور أيديولوجي" يُسَوق النموذج المذكور الذي فصل على قياس الأوليغارشية الجديدة ، على انه النموذج الذي يتوافق على نحو أمثل مع الصالح العام ، رغم معرفة مخاطره المباشرة على الأمن الاقتصادي للبشر وعلى استقرار حياتهم الإجتماعية وتدنى مستوى دخولهم ، وبالتالي مستوى معيشتهم 0 أو بتعبير أدق وأكثر وضوحاً على هذا الصعيد الأخير سرقة نسبة من مداخيلهم ومدخراتهم وتحويلها إلى القلة الأكثر غنى في الولايات المتحدة الأميركية وبشكل خاص إلى " اصحاب الأصول الرأسمالية ، والى الارستقراطية التكنولوجية الجديدة " ، كما سبق ولاحظ الخبير المالي الأميركي " فيليكس روهاتين " منذ منتصف التسعينات ، وكما حصل حقيقة وفعلاً من خلال عميلة اعادة هيكلة المجتمع الأميركي ، بطريقة قسرية ، ليتلائم مع مقتضيات الأسواق الحرة " عبر استخدام سلطة الحكومة الفيدرالية ، والشركات ، لتحقيق مستويات من التفاوت الاقتصادي في البلاد وبطريقة لم تعرف الرأسمالية مثيلاً لها منذ عشرينات القرن المنصرم " ـ حسب تعبير البرفسور جون جراي ـ ، وهي الطريقة التي أدت إلى زيادة هائلة قي ثروات الأسر المئة الأكثر غنى في الولايات المتحدة، والى زيادة حصتها من مجموع الثروة القومية ، وبالأخص الأسر الخمس الأولى ( من أصل المئة الأولى ) ، التي بدأت تحظى فوق ذلك بامتياز اعادة نظر في السياسات الضريبية ورسم سياسات ضريبية جديدة ، تصب جملاً وتفصيلا في صالحها وبطريقة لاتلزمها إلا بدفع القليل القليل ، مما كان يتوجب عليها اصلاً ، من الضرائب لصالح الخزينة العامة. *

* هذا الاتجاه في اعادة صياغة النظام الضريبي لصالح الأقلية الغنية هو سمة من سمات النظام الأوليغارشي الذي يحرص على اعادة صياغة النظام الضريبي لصالح الأغنياء بدعوى الحرص على الصالح العام ] رغم أن هذا الاتجاه لا يجلب معه سوى عجز دائم في الموازنة بفعل تراجع الإيرادات الضريبية [ 0 وعلى هذا الصعيد الخاص بابراز هذه السمة من سمات النظام الأوليغارشي لابد من التذكير بخطة بوش الأخيرة لتخفيض الضرائب بمعدل " تريليون دولار " في عشرة أعوام مقبلة والتي سبق وأقرها الكونغرس في نهاية شباط 2001 والتي تصب في مصلحة المكلفين الأكثر غنى في الولايات المتحدة ، وليس أصحاب الدخل المحدود والمتوسط : حيث أن نسبة " 43 " بالمئة من خفوض الضرائب الواردة على خطة بوش المذكورة والتي تقدم بها صاحبها بدعوى الحرص على الخير العام ، سيستفيد منها تحديداً " واحد في المئة " من أغنى المكلفين الأميركيين0
ـــ انتهـــــــى ـــ
جريده النور دمشق 15\1\2003


حسن عبد العال






موبايل:00963944094429


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق