الخميس، 14 مايو 2009

حقيقة ماجري في أوشيفتز:حسن عبد العال

حقيقة ما جرى في أوشفيتز

حسن عبد العال

14-5-2009م

مع بداية هذا العام الذي اعتبر عام المحرقة ، بدأت المنابر الصهيونية في إسرائيل بالعودة إلى ادارة الاسطوانة الصهيونية القديمة القائمة على التضليل وقلب حقائق الأمور رأساً على عقب في كل ما يتعلق بالدعوات ، وحتى بالوقائع المتعلقة بمشاريع تحرير اليهود من المعسكر المركزي للإبادة النازية في أوشفيتز ( جنوب بولونيا ) وذلك بهدف طمس الحقائق التي تجرم الحركة الصهيونية وتحدد مسؤوليتها التاريخية في التخلي المتعمد عن يهود أوروبا الشرقية ، وحصر المسؤولية بالحلفاء الذين تسببوا نتيجة امتناعهم عن التعامل بحدية مع الدعوات المتعلقة بانقاذ اليهود في المعسكرات النازية – بحسب الرواية الصهيونية القديمة الجديدة – بارتفاع عدد ضحايا النازية من اليهود إلى نحو 6 ملايين نسمة0 ولعل القارئ المطلع مازال يذكر مضمون الخطاب الذي ألقاء الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف في أوشفتيز أمام رؤساء وفود 44 دولة من الدول المشاركة في المناسبة الاحتفالية بمرور 60 عاماً على تحرير معسكر أوشفيتز الذي أقيم يوم 27/1/2005 ، حيث اتهم الحلفاء بالتخلي عن المعتقلين اليهود في معسكر أوشفيتز الذي كان قادراً على إبادة عشرة آلاف ضحية يوميا ، وامتناعهم عن تنفيذ الخطط الخاصة بتدمير المعسكر المذكور بواسطة الطائرات الحربية ، أو حتى مجرد تعطيل خطوط السكك الحديديه الموصلة اليه ، والتي بواسطتها كان النازيون يزودونه يوميا بعشرات الآلاف من المعتلين اليهود الذين كانوا يجلبون الى أوشفيتز بواسطة قوافل من القطارات التي كان يطلق عليها اسم " قوافل الموت "0حول مثل هذه الادعاءات المضللة التي مازالت إسرائيل تروجها في كل مناسبة احتفالية بذكرى المحرقة ، كما حصل في أوشفيتز بتاريخ 27/1/2005 ، وخلال الافتتاح الاحتفالي لمتحف المحرقة في القدس الذي أقيم مؤخراً بتاريخ 16/3/2005 وشارك فيه 15 رئيس دولة وحكومة ووزير خارجية 0 لابد من التذكير انصافاً للحقيقة والتاريخ بأن التاريخ الموثق للمحرقة يكذب هذا الادعاء ، القديم الجديد ، جملةً وتفصيلاً 0 فالحلفاء اللذين مازالت القيادات الصهيونية في إسرائيل والغرب تحملهم تبعات جريمة التخلي التاريخي عن معتقلي أوشفيتز من اليهود لم يتقاعسوا في أداء هذا الواجب الإنساني ، أو هذه المهمة التاريخية. و إنما الجهة التي تقاعست عن أداء هذا الواجب بحسب التاريخ الموثق للمحرقة الذي جُمع و كُتب من قبل مؤرخون يهود هي المنظمة الصهيونية العالمية التي كان يتزعمها حاييم وايزمن في الأربعينات ، و الوكالة اليهودية في فلسطين التي كان يتزعمها دافيد بن غوريون و موشيه شاريت في ذلك الوقت . و بحسب المعلومات التفصيلية المنقولة عن مؤرخي المحرقة من اليهود الذين ندين لهم بكشف زيف الرواية الصهيونية للهولوكست ، و من شهادات الناجين من المحرقة من اليهود ، بمن فيهم أعضاء ناشطون سابقا في الحركة الصهيونية في أوروبا الوسطى و الشرقية ، فإن الحركة الصهيونية ممثلة بمنظماتها العالمية و الإقليمية عملت خلال فترة تحضير الحلفاء للعمليات العسكرية الجوية التي كانت تستهدف معسكر أوشفيتز وخطوط السكك الحديديه المؤدية إليه ، على تعطيل خطط الحلفاء ، وبخاصة خطط بريطانيا ، بدعوى رفض الأخيرة نقل الناجين من أوشفيتز إلى فلسطين ، و الاستعاضة عن ذلك بنقلهم و تجميعهم في بعض المستعمرات البريطانية البعيدة عن أرض الميعاد . و بحسب التاريخ الموثق للمحرقة الذي جمعه ووضع فيه مؤلفات ، على مستوى رفيع من الدقة والأمانة التاريخية ، كتاب و باحثون و مؤرخون يهود معادون للصهيونية و مُجرمون لها و لتاريخها على هذا الصعيد الحافل بمظاهر التحالف و التنسيق المتبادل بين الحركة الصهيونية في أوروبا وفلسطين و النظام النازي في برلين على حل المسألة اليهودية لصالح مشاريع و أهداف الطرفين فإن تخلي الصهيونية عن المعتقلين اليهود في أوشفيتز ، لا بل تآمرها مع قادة فرق الموت النازية من خلال قيامها بتسهيل عمليات نقل اليهود بواسطة قطارات الموت إلى معسكرات الإبادة هو مجرد فصل من فصول كتاب أعظم شأنا يضم بين دفتيه فصولا أخرى عن مسارات أخرى تم فيها الالتقاء ( الصهيوني - النازي ) على صعيد الحل النهائي الصهيوني النازي للمسألة اليهودية . فالنازيون يريدون تطهير أوروبا من اليهود عبر ترحيلهم خارجها و إبادة كل من لم تتيسر له سبل الرحيل . و الصهاينة بدورهم يريدون بمعونة النازيين إرغام يهود أوروبا على مغادرة تجمعاتهم و التوجه إلى فلسطين . أما الباقي من اليهود الممتنعين عن التوجه إلى أرض الميعاد والذين كانوا يوصفون من قبل الصهاينة وقتذاك بـ " البغال الحرونه " أو من اليهود غير القادرين الوصول ، إليها فليسوا أهلا لصرف بنس واحد على إنقاذ أرواحهم .أوشفيتز بشيء من التفصيل :مع نهاية عام 1941 بدأ النازيون باعتماد الحل النهائي للمسالة اليهودية عبر استخدام وسائل مختلفة في التطهير العرقي بدءً من الإعدام الجماعي بالرشاشات لسكان الغيتوات اليهودية المرحلين من مناطق سكناهم إلى المعسكرات ، و انتهاءً بالقتل في غرف الغاز . و كان معسكر أوشفيتز هو المعسكر المركزي لعمليات الإبادة حيث كانت تجهيزاته كفيلة بإعدام أكثر من عشرة آلاف ضحية بغاز السيانيد يوميا . و بحكم الصدف و بفضل تمكن البعض من الفرار خارج المعتقل المذكور بدأت المعلومات تصل إلى المنظمات الصهيونية و الحلفاء عن عمليات الإبادة الجماعية التي تتم يوميا في أوشفيتز . و يذكر الحاخام س. شونفيلد الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة الإنقاذ اليهودية في بريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية في شهادة له نشرت في صحيفة التايمز اللندنية بتاريخ 6 حزيران ( يونيو) 1961 بأن بريطانيا ، و على عكس الادعاءات الصهيونية المتكررة التي صدرت بعيد الحرب و التي تتهم بريطانيا بالتقاعس و إهمال النداءات الصهيونية التي وجهت إليها لإنقاذ اليهود في مراكز تجمعاتهم ومعسكرات اعتقالهم من بطش النازية ، بدأت منذ بداية عام 1943 على المستويين الحكومي و البرلماني بإبلاغ المنظمة الصهيونية العالمية بخططها الخاصة بإنقاذ اليهود الخاضعين للحكم النازي في أوروبا الشرقية و توفير ملجأ آمن لهم في موريشوش و غيرها من المستعمرات البريطانية . و لكن الصهاينة عارضوا هذا المشروع الإنقاذي الذي عبر عن توافق الحكومة و البرلمان بدعوى عدم تضمنه العبارة الصريحة التي أصرت عليها المنظمة الصهيونية و التي تشير إلى " نقل اليهود الناجين إلى فلسطين دون غيرها ، على وجه التحديد " . واستناداً إلى هذه الحجة بحسب الحاخام البريطاني شونفيلد عطلت الصهيونية جهود الإنقاذ البريطانية، لأن حكومة صاحبة الجلالة " كانت تحرض على نقل الناجين إلى موريشوش ، و ليس إلى فلسطين ، تجنبا لإثارة النقمة العربية عليها " .على صعيد آخر لا يتعلق هذا المرة بتبرئة الحلفاء الذين اتهمهم مؤخراً الرئيس الإسرائيلي كتساف بالتقاعس و عدم اتخاذ أي إجراء كفيل بإنقاذ اليهود من المحرقة . و إنما يتعلق بالشهادات اليهودية التي تُجرم الحركة الصهيونية بالتقاعس و عدم اتخاذ أي إجراء كفيل بإنقاذ الأرواح اليهودية زمن المحرقة و بشكل خاص معتقلي أوشفيتز . فبحسب الحاخام السلوفاكي دوف.م فايسماندل الذي بعث في تموز (يوليو) 1943 برسالة إلى القادة الصهاينة المسؤولين عن لجان الإنقاذ اليهودية فإن الخطة التفصيلية التي وضعها لتحرير معتقلي أوشفيتز و طالبهم بالتعاون و التنسيق مع الحلفاء لتنفيذها قد تم تجاهلها من قبل القادة الصهاينة " الذين لم يوجهوا أي نداء للحلفاء بمساعدة أخوتهم اليهود " رغم أن خطته المزودة بخرائط تفصيلية كانت تنص على قصف السكك الحديدية الموصلة بأوشفيتز ، و قصف أفران الحرق ، و إنزال مظلي ... الخعلى الصعيد ذاته الذي يجرم الحركة الصهيونية ، دون غيرها ، بالتخلي عن يهود المعتقلات النازية ، و عدم التعاطي مع الأفكار و المشاريع و حتى الصفقات التي تكفل إنقاذهم ، لابد من التركيز بالصفقة التي عرضها الجنرال النازي إيخمان على لجنة الإنقاذ اليهودية في المجر في آذار (مارس) 1944 و بموجب هذه الصفقة التي عرفت باسم ( تحرير الأرواح مقابل سيارات الشحن ) تقدم إيخمان بعرض يتضمن التزام الجانب النازي بتحرير يهود المجر ، و عددهم وقتذاك أكثر من 700 ألف نسمة ، مقابل تعهد الحركة الصهيونية بتزويد الجانب النازي عشرة آلاف شاحنة . و بحسب التاريخ الموثق للهولوكوست طلب إيخمان شخصيا من " يوئيل براند " عضو لجنة الإنقاذ اليهودية في بودابست بأن يقابل حاييم وايزمن رئيس اللجنةالتنفيذية للوكالة اليهودية و يعرض عليه صفقة تحرير اليهود مقابل الشاحنات ، إضافة إلى تعهد إيخمان بأن الشاحنات المذكورة لن تستخدم على جبهة القتال مع الحلفاء و إنما حصرا على الجبهة الروسية . و بهدف تسهيل مهمته أكثر و تيسير الأمر على الصهاينة و عدم تحميلهم فوق طاقتهم ( رغم الدعم غير المحدود الذي كانوا يلقوه من الحلفاء ) أعلن إيخمان بأنه يقبل بتجزئة الصفقة ، إذا أرادوا ، و العمل تباعا على تحرير كل مائة ألف يهودي مجري مقابل ألف شاحنة فقط . و بحسب المعلومات المدونة عن مهمة براند فإن مبعوث لجنة الإنقاذ اليهودية في المجر طلب مقابلة حاييم وايزمن لأخذ موافقته على الصفقة ، لكن وايزمن الذي دعاه لمقابلته في اسطنبول لم يفي بوعده ( و لم يكن في اسطنبول أصلاً يوم اللقاء الموعود ) رغم معرفته المسبقة بالصفقة و بنتائجها المتوقعة على صعيد إنقاذ يهود المجر ، و اكتفى براند بلقاء بعض المبعوثين الصهاينة من الصف الثاني في اسطنبول . و من خلال اللقاء زودهم براند ببنود صفقة " الأرواح مقابل الشاحنات " وبكل ما فيها من التزامات صهيونية و نازية . كما زودهم على سبيل الاحتياط بخطة تفصيلية موضوعة من قبل لجنة الإنقاذ اليهودية في بودابست (مزودة بخارطة تفصيلية لمعسكر أوشفيتز من الداخل و الخارج ) تتضمن الأهداف المطلوب قصفها ، من حجرات غاز ، و خزانات وقود ، و مفاصل السكك الحديدية الموصلة للمعسكر . إضافة لتحديد المناطق المفصلية و الحساسة لإنزال المظليين ، كما قدم لهم قائمة بأسماء و عناوين المتطوعين اليهود في المجر الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في عمليات الاستطلاع و المراقبة الميدانية التي يمكن أن تحتاجها الفرق الخاصة التي يمكن أن ترسلها القيادات الصهيونية ، أو الحلفاء المقربين من وايزمن ، للقيام بأعمال تخريبية في أوشفيتز . و يذكر براند الذي تابع مهمته التي أوصلته إلى مدينة حلب بسوريا لمقابلة "موشيه شاريت " الرجل الثاني في الوكالة اليهودية في فلسطين الذي كان يحظى خلال فترة مهمته في مدينة حلب وقتذاك بحماية بريطانية . بأن جهوده لم تثمر شيئا لا على صعيد صفقة الأرواح مقابل الشاحنات، و لا حتى على الصعيد الآخر المتعلق بالإعداد للخطة العسكرية الموضوعة من قبل لجنة الإنقاذ اليهودية في المجر لتخريب معسكر أوشفيتز . و ذلك رغم اتصاله أكثر من مرة بالوكالة اليهودية في فلسطين و اللجنة التنفيذية لحزب ماباي الذي كان يشرف على تنظيم فرق الهاغانا العسكرية الصهيونية العاملة في فلسطين . فالكل كان يتهرب من المشؤولية و يتنصل من تحمل أي عبء على جبهة إنقاذ اليهود بمن فيهم ، و على رأسهم ، المسؤولين الصهاينة الكبار الذين كانوا يتهربون من لقائه رغم معرفتهم المسبقة بكل ما في جعبته من أفكار و مشاريع و صفقات تضعهم على المحك على جبهة إنقاذ اليهود . و يذكر الكاتب الصهيوني ( من تيار الصهيونية التنقيحية ) بن هخت Ben Hecht في كتابه (الخيانة) Perfidy - نيويورك 1961- بأن رئيس الدائرة السياسية اليهودية في فلسطين موشيه شاريت الذي كان يعرف كل ما بجعبة المبعوث المجري براند من خطط عسكرية ، إضافة إلى صفقة الأرواح مقابل الشاحنات ، قرر التملص من لقائه مستعينا هذه المرة بالإنكليز الذين زُودوا من قبل أنصار شاريت بمعلومات يدعي المتقدمين بها بأن براند هو عميل سري ألماني و يحمل جواز سفر ألماني صادر عن مقر قيادة إيخمان . و بفضل وشاية أنصار شاريت الذي استعان برجال الشرطة العسكرية وموظفي الاستخبارات البريطانية لتخليصه من ورطة اللقاء بالمبعوث براند ألقي القبض على براند من قبل مجموعة مداهمة تابعة للقوات البريطانية وأرسل مخفوراً إلى مقر القيادة العليا للقوات البريطانية في القاهرة حيث دفنت مهمته و مساعيه الإنقاذية هناك .
إشارت مرجعية :- ليني برينر ( الصهوينية في زمن الدكتاتورية ) لندن 1983 – الترجمة العربية صدرت عن مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت 1985.- فارس غلوب ( الصهوينية على خط النازية ) 0 شرق برس ، نيقوسيا 1989 - عبد الوهاب المسيري ( الأيدلوجية الصهيونية ) ، القسم الثاني – الكويت 1983- د0 عبدالرحيم أحمد حسين ( النشاط الصهيوني خلال الحرب العالمية الثانية ) – المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1984 .- المنظمة البريطانية المعادية للصهوينية ( التعاون الصهيوني النازي ) لندن 1981 ، الترجمة العربية ، بيروت 1990 .- انتهى-
الاسبوع الادبي

25\6\2005م

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق