الخميس، 21 مايو 2009

كيسنجر يدعم سياسه خارجيه تقوم على كبح أوربا وتقييد اليابان



كيسنجر يدعم سياسة خارجية تقوم على كبح أوروبا وتقييد اليابان




حسن عبد العال


21-5-2009م


مع نهاية الحرب الباردة، بدأت الساحة الأميركية تشهد موجه من المؤلفات التي تتناول حاجة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية جديدة متناسبة مع هذا التحول الذي أفضت نتائجه الأولية إلى فتح الباب على مصراعيه أمام بزوغ فجر نظام عالمي جديد أحادي القطب ، أهل الولايات المتحدة لاحتلال موقع الزعامة العالمية من دون منازع.ويمكن تقسيم هذه الموجه من المؤلفات إلى فرعين 0 الأول ، ويتمثل بموجة المؤلفات النظرية التي تتناول المبادئ التي يجب أن تحكم السياسة الخارجية والتي يتم انتقائها من حزمة المبادئ الراسخة التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة على امتداد تاريخها الدبلوماسي ،واعتماد ما يناسب منها المرحلة الجديدة 0 ومثالها كتاب الباحث في التاريخ الدبلوماسي للولايات المتحدة والتر أ 0 مكدوجال ( أرض الميعاد والدولة الصليبية : أميركا في مواجهة العالم منذ عام 1776 ) الذي صدر عام 1997 . والثاني ، يتناول طرح مناهج واستراتيجيات وسيناريوهات عملية مقترحة ترشد السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وتتعرض بشيء من التفصيل للخطوط العامة التي تحدد وتُأطر علاقة أميركا بالعالم على نحو الإجمال ، إضافة إلى تحديد اتجاهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة في كل منطقة جغرافية على حدة 0 ومثالها كتاب زبينغو بريجنسكي ( رقعة الشطرنج العظمى : التفوق الأميركي وضروراته الاستراتيجية الملحة ) الذي صدر بدوره عام 1997 ، وكتاب هنري كيسنجر ( هل تحتاج أميركا إلى سياسة خارجية ؟ : نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين ) الذي أنجز في ربيع عام 2001 ، وصدر بعد اندلاع أحداث أيلول ( سبتمبر ) 2001 بقليل 0 ومن خلال كتابه الذي صدر في ذروة استمرار واحتدام المناظرات والمساجلات الدائرة حول إختيار المبادئ الأمثل التي ستحكم السياسة الخارجية للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، وتراوحها بين اعتماد " القيم أو المصلحة " ، " المثالية أو الواقعية " يرى كيسنجر ، على الطريقة التقليدية التي تتطلب من كل مفكر أميركي يتدخل في رسم السياسة الخارجية لبلده أن يحدد قواعد إيمانه ، بأن التحدي الحقيقي يكمن في دمج الاثنين معا ، وبطريقة تذكرنا بالحقيقة الغريبة التي اعترف بها الكاتب الأمريكي أوجين ف 0 روستو في كتابه الذي صدر عام 1993 بعنوان ( Abreakfast For Bonaparte ) ومفادها بأنك إذا سألت كاتب أو مفكر أميركي ما عن المبادئ التي يختارها لكي تحكم السياسة الخارجية الأميركية . وهل يجب أن تتأسس على القوة أو الأخلاق ؟ ، على الواقعية أو على المثالية ؟ ، على البراجماتية أو على المبدأ ؟ . وهل ينبغي أن يكون هدفها حماية المصالح ام تشجيع القيم الأميركية ؟ ، وهل يجب أن نكون قوميين أو عالميين ، ليبراليين أو محافظين 0 عندها سيجيبك على الفور : بكل ما سبق ذكره0واستناداً على هذا المنظور الذي حدده لنفسه، وضع كيسنجر تصوراته للسياسة الخارجية الأميركية ووضع سيناريوهات لها بحسب كل منطقة جغرافية استنادا إلى الفكرة الطاغية المسيطرة عليه ، كما على غيره من الساسة والكتاب الأميركيين ، التي سبق وأن عبر عنها بفجاجة منذ عام 1991 عالم المستقبليات الأميركي ألفين توفلر من خلال كتابة ( تحول السلطة ) والقائلة بعالمية أميركا ، وبأن أميركا التي باتت ترتبط بعلاقات مصلحية وتجارية ، وأحيانا استراتيجية ، مع كافة أنحاء العالم باتت مضطرة للنظر الى أي اجراء يَحد ، ولو جزئيا ، من امتداداتها العالمية على انه إضرار بالمصالح القومية للولايات المتحدة يوجب على واشنطن اتباع سياسة الردع حتى عودة الأمور إلى سابق عهدها . وهذا ينطبق على الدول الحليفة التي بدأت تميل نحو القارية أو الاستقلالية مثل أوروبا واليابان ، أكثر مما ينطبق على الدول المصنفة أنها ليست كذلك0 وخاصة على امتداد قارتي أوروبا وآسيا حيث تتركز المصالح القومية والاستراتيجية الأساسية للولايات المتحدة في العالم .نحو سياسة خارجية رادعةلعزلــة أوروبا عن أميركــا :
فبالنسبة إلى أوروبا السائرة تحو التكامل ، والتي تغير خطابها كثيرا بعد أقل من عقد على انتهاء الحرب الباردة. يعلن كيسنجر بلغة دبلوماسية معتدلة بأنه كأميركي لايعارض المساعي الهادفة إلى انشاء أوروبا الموحدة ، وبالمقابل يعلن بلغة العصا معارضته الشديدة اللهجة للتغير الذي ترافق وتزامن مع المساعي المذكورة في الخطاب الأوربي الذي بدأ يتخذ ، على صعيد العلاقات والمشكلات الدولية ، نبرة استقلالية باتت تظهر أوروبا الموحدة بمظهر التمايز عن الولايات المتحدة ، وأحيانا تظهرها في موقع الناقد للسياسة العالمية للولايات المتحدة بطريقة لم تعهد العلاقات ( الرسمية ) الأميركية الأوروبية مثيلا لها من قبل0أما على صعيد الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أوروبا وأميركا فيرى كيسنجر ، المتوجس من مستقبل قريب تنحل فيه أواصر هذه الشراكة وأثر ذلك على الاستراتجية العالمية للولايات المتحدة ، بأن التغير في الخطاب الأوروبي ( من التطمينات والتأكيدات السابقة التي كانت تطلق في زمن الحرب الباردة والتي كانت تقول بأن الوحدة الأوروبية هي طريقة مثلى لتقوية الشراكة الأطلسية ، إلى القول على أنها وسيلة لخلق توازن مع الولايات المتحدة وإيجاد قوة أوروبية مستقلة قادرة على التصرف خارج اطار الناتو ) سوف يجبر الولايات المتحدة للدفاع عن شبكة مصالحها الأوروبية واللجوء إلى اجراءات انتقامية رادعة مضادة للاتحاد الأوروبي 0 وبحسب كيسنجر الذي لم يفصح عن طبيعة هذه الاجراءات ، فان النقمة الأميركية ستجعل الحياة في أوروبا الموحدة مشوبة بالقلق والخوف من المستقبل ، مما سيؤدي بأوروبا الدخول في درب المتاهة بفعل خسرانها لصديق داعم وحليف كبير ، أو في أفضل الأحوال عودة اوروبا إلى الطريق القديم الذي أدى سابقا إلى تدميرها مرتين خلال جيل واحد ( ويقصد الحرب العالمية الأولى والثانية )0أخيرا على هذا الصعيد المتعلق بهذا المسار الاستقلالي الذي بدأ يهدد أميركا بخسارة أوروبا بطريقة يمكن لها أن توجه ضربة قاصمة لاستراتيجية السيطرة الأميركية على العالم التي تحتاج على الدوام لشبكة من الحفاء الأقوياء وعلى رأسهم أوروبا واليابان ، يتقدم كيسنجر بعرض خيار ثالث يتمثل في حل وسط كفيل بتقديره بتجاوز العقبة الأوروبية القائمة على الاستقلالية والتمايز عن أميركا ، وفي ذات الوقت يتجاوز العقبة الأميركية القائمة على ردود الفعل الغاضبة والتلويح بالإجراءات الانتقامية الرادعه . وهذا الحل يعتمد في الدرجة الأولى على أوروبا ، المتسببة بالشر ، التي مازال ينظر إليها كيسنجر من خلال المنظار المتعالي الأميركي الذي ساد بعيد الحرب العالمية الثانية ، وخلال فترة المناقشات الداخلية التي سبقت إقرار مشروع مارشال ، كقارة ضالة لا يمكن لها أن تسترشد الطريق الصحيح وتصل إلى سن الرشد من دون صديق وحليف كبير كالولايات المتحدة 0 فالمطلوب من أوروبا التخلي عن هذه " السياسة الوقحة " – التعبير لكيسنجر بالطبع – التي تعتمدها فرنسا لنفسها وللاتحاد الأوروبي ، والقائمة على فكرة الاستقلالية والتمايز عن أميركا والظهور بمظهر القوة الأوروبية الموازية والمستقلة في آن معا 0 والاكتفاء بظهورها بمظهر أوروبا الموحدة " شريطة أن لا يكون هذا الظهور على حساب الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أميركا وأوروبا ". وبالمقابل ، على الجبهة الأميركية ، يطالب كيسنجر بالتخلي عن السياسة الأميركية السابقة التي تقوم على استظهار الشعارات القديمة عن التضامن الأطلسي ، والانحناء قليلا أمام المتغيرات التي بدأت تفعل فعلها على امتداد القارة الأوروبية خلال فترة ما بعد الحرب الباردة وجعلتها تراجع حساباتها القديمة في كافة المسائل المتعلقة بالشراكة الأطلسية . فالنموذج الموجه للاستشارات الأطلسية الذي مازال قائما حتى اليوم لابد من أن يتغير مع التوجه نحو وحدة أوروبية أوسع وأشمل تضم دولا من أوروبا الشرقية 0 أي بحسب الحل الوسط ، أو الطريق الثالث الذي يعرضه كسينجر : على أوروبا أن تتخلى عن نفسها و عن مستقبلها من خلال الأحجام عن قطف ثمار نتائج مرحلة ما بعد الحرب الباردة التي أهلتها للظهور بمظهر القارة ذات القدرات الاقتصادية و الجيوبولتيكية التي تجعلها في موقع اللاعب الأساسي على الصعيد العالمي . مقابل تخلي أميركا عن بعض المسائل الشكلية التي تتعلق على صعيد الشراكة الأطلسية التي تجمع بين أميركا و أوروبا ، بالشؤون الإدارية و الاستشارية و اللوجيستية .ربط اليابان بسلاسل عسكريــــة :تشكل آسيا القارة الثانية في شبكة الاهتمامات الأميركية . و لعلها القارة التي يشكل التعامل معها أمرا هو الأكثر تعقيدا نظرا لتنوع النظم السياسية و تنامي الروح القومية مقارنة بأوروبا الموحدة . و قد يستغرب البعض القول بأن اليابان ، الحليف الأساسي لأميركا في آسيا ، هي المشكلة الكبرى التي باتت تسيطر على واضعي السياسة الأميركية في منطقة آسيا - الهادي ، و ذلك ناجم عن الخوف من مستقبل قريب تجنح فيه اليابان نحو خيارات استقلالية تتحلل بموجبها من ارتباطاتها بالإستراتيجية الأميركية في آسيا – الهادي . فاليابان تعد نفسها ، أو بتعبير أدق تهيء نفسها بصبر و روية لذلك الدور منذ نهاية الحرب الباردة التي ساهمت النتائج الأولية الناجمة عن زوالها في خلق أجواء و أحداث تيارات يابانية جديدة غير رسمية ( و حتى شبه رسمية ) تقول بضرورة انتقال اليابان من واقعة كبلد يحتمي بالمظلة الأمنية الأميركية ، إلى بلد يعتمد على قواه الذاتية المستقلة في حماية نفسه من أي خطر خارجي محتمل . كما أدى ذلك إلى ازدياد اهتمام اليابان ببناء قدراتها العسكرية بحيث أصبحت ميزانيتها العسكرية ، التي تستهلك معظمها الخطط الدورية و المشاريع القومية المخصصة لبناء ترسانتها العسكرية ، هي الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة ( بعد ما كانت الثالثة بعد أميركا و روسيا ). و أمام هذه المشكلة التي لايتجاهل ذكرها في معرض حديثه عن واقع و مستقبل علاقة التحالف التي تجمع بين أميركا و اليابان في منطقة آسيا – الهادي ، يعلن كيسنجر بفجاحة عن أهمية استمرار الولايات المتحدة في التدخل في آسيا و المتمثل أساسا في الوجود العسكري الأميركي فوق الأراضي اليابانية باعتباره يشكل ، إضافة لجدارته على الصعيد الآسيوي العام ، جدوى إستراتيجية مماثلة على صعيد تقييد اليابان بسلاسل عسكرية تعمل على ضبطها و استمرار التزاماتها مع الولايات المتحدة ، و منعها من الانسياق وراء سياسات أمنية و خارجية تستند إلى دوافع قومية . و على صعيد مواز ينصح كيسنجر الولايات المتحدة بتحسين خطابها السياسي مع اليابان من خلال إعادة صياغة التحالف الأميركي الياباني بطريقة تُؤخذ بها و بجدية الأفكار اليابانية المتعلقة بتطوير هذا الحوار ، و بالتالي العمل على ظهوره ـ شكليا على الأقل ـ بمظهر تحالف قائم على نتائج ناجمة عن حوار بين حليفين متساويين . و الأهم من ذلك بحسب كيسنجر على الولايات المتحدة عدم الانجرار في آسيا نحو سياسات صقورية أو تصادمية مع هذه الدولة أو تلك ، لأن ذلك يؤدي من ناحية إلى ازدياد كراهية أميركا في آسيا ، ومن ناحية أخرى إلى زيادة تفكير اليابان ، التي باتت تحلم بسياسة أمنية و شبكة أمان مستقلة خاصة بها في آسيا ، في التحلل من الالتزامات الملقاة على عاتقها على صعيد التحالف الأميركي الياباني.
الكتاب : هل تحتاج أميركا إلى سياسة خارجية ؟


الكاتب : هنري كيسنجر


الناشر : دار الرأي ، دمشق 2006


النور الاسبوعيه


22\8\2007م


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429
===================================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق