السبت، 9 مايو 2009

الأصول الأيدلوجيه والمسبقات التاريخيه لجدار شارون

الأصول الأيدلوجية والمسبقات التاريخية لجدار شارون

حسن عبد العال

10-5-2009م

خلال العام الماضي ، والأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي ، صدرت عن مؤسسات بحثية دولية وفلسطينية وإسرائيلية ( مستقلة ) مجموعة لا يستهان بها من الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوعاتها على نحو محدد جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على امتداد الخط الأخضر بهدف الفصل نهائيا بين التجمعات البشرية الفلسطينية والإسرائيلية التي تقيم فوق أرض فلسطين التاريخية0 وهي في مجملها دراسات وأبحاث تتناول موضوعات متشعبة ، لكن متقاربة إلى حد بعيد ، وتتناول مسائل شتى تبدأ من محاولة إظهار مخالفة الجدار للقانون الدولي ، وكشف مساعي إسرائيل لتوسيع رقعتها الجغرافية من خلال ضم المستوطنات اليهودية القريبة من الخط الأخضر والتي تسكنها الغالبية العظمى من المستوطنين 0 وتنتهي باظهار الآثار المدمرة للجدار على المتضررين المباشرين من الفلسطينيين الذين سيصل عددهم بحسب التقرير الأخير الصادر عن مركز المعلومات لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( بتسيلم ) بتاريخ 20/4/2005 نحو نصف مليون فلسطيني يسكنون في 85 بلدة وقرية0الصحافي الفرنسي آلان مينارغ في كتابه الذي صدر في بارس خريف العام 2004 بعنوان Le Mur de Sharon لاتقتصر مساهمته على هذا الصعيد من خلال تقديمه اضافات وتفاصيل جديدة على كل ما سبقه في التصدي لمسألة الجدار الفاصل أو العازل ، ولكنه فوق هذا الاسهام الذي حمل بصمته الشخصية ( لكونه قام بدراسة الجدار الفاصل ميدانيا ، على الأرض ) و يعيد القارئ إلى المسبقات التاريخية ، والى الأساس الأيدلوجي ، لجدار شارون الحالي 0 يعييد القارئ إلى الجذور العنصرية لفكرة الجدار العازل ، كما تجلت في الفكر والعمل الصهيوني بعيد الحرب العالية الأولى في أوساط التجمع اليهودي في فلسطين ( اليشوف ) وخاصة في تفكير القائد الأبرز لليمين الصهيوني وقتذاك زئيف جابوتشكي الذي بدأ ينظر في أوساط اليشوف منذ عام 1923 لفكرة " جدار الحراب الحديدي اليهودي " الذي سيفصل بين اليهود والعرب في فلسطين ، وفي تفكير زعيم الصهوينية العمالية دافيد بن غوريون الذي بدأ ينظر لفكرة " جدار وأبراج " التي تقوم على أساس بناء جدار عازل من المستوطنات وبمراكز المراقبة يفصل التجمع اليهودي في فلسطين عن العرب 0 فالفكرة ليست بنت اليوم ، والبحث فيها لايقتصر على توجيهات شارون وحكومته في زمن الانتفاضة الثانية ، بقدر ما يتطلب البحث في الجذر التاريخي وفي الأساس الأيديولوجي للجدار من خلال العودة إلى المسبقات الفكرية والعملية لفكرة الجدار في الفكر والنشاط العنصري للحركة الصهوينية في فلسطين . ومن خلال هذا الخط الذي اعتمده مؤلف كتاب ( جدار شارون ) نعتقد بأن آلان مينارغ الصحافي الفرنسي الذي تعرض منذ خريف العام الماضي للتشهير والاتهام بمعاداة السامية مثل من خلال كتابه المرجعي جرأة لم نشهد مثلها منذ اعلان الأمم المتحدة عن تراجعها عام 1990 عن القرار الدولي رقم 3379 لعام 1975 الذي يربط الصهيونية بالعنصرية .اضافة إلى ذلك الربط المحرم على كل باحث أو صحافي غربي بين الأيدلولوجية العنصرية الصهيونية ومشروع الجدار الأخير / جدار شارون ، الذي يروج له في الاعلام الصهيوني على أنه مجرد جدار أمني هدفه حماية المدنيين الإسرائيليين داخل الخط الأخضر ، يبدي مينارغ جرأة اضافية من خلال تناول موضوع محرم آخر تمثل هذه المرة بالغمز من قناة اللقاء الأيدلوجي والتحالف السياسي الذي دشن منذ عام 1948 بين النظام السياسي لدولة إسرائيل الوليدة وقتذاك ونظام التمييز العنصري الذي أقامه البيض في جنوب أفريقيا ، ويعتبر وبحق على صعيد دراسة السوابق التاريخية لفكرة الجدار الأخير أن تاريخ العلاقات بين البلدين هو تاريخ اعجاب قادة إسرائيل بالتجربة العنصرية لقادة جنوب أفريقيا ، وبأن إسرائيل التي لاتحتاج أصلا إلى استيراد فكرة التمييز العنصري والفصل العنصري لكونها في صلب الأيدلوجيا الصهوينية بدأت منذ الخمسينات باستلهام التجربة الجنوب إفريقية التي نجحت باقامة معازل تفصل الأفارقة من سكان البلاد الأصليين وتحجبهم كليا عن عالم الرجل الأبيض 0 وبحسب مينارغ عل هذا الصعيد الذي قاده للبحث في العلاقات الإسرائيلية الجنوب إفريقية على هامش البحث الأساسي المتعلق بدراسة الجدار الأخير ، فان نظام الفصل العنصري (الآبار تيد ) الذي أقامته الأقلية البيضاء العنصرية عام 1948 ، بدأت إسرائيل بتطبيقه منذ بداية الخمسينات على فلسطييني عام 1948 من خلال القوانين الخاصة بمعاملة سكان إسرائيل من غير اليهود ، وبدأت بتوسيع نموذج الآبار تيد بعد حرب 67 بالنسبة لسكان الجولان والضفة الغربية وغزة 0 ولعل مايدهش القارئ لكتاب مينارغ عن جدار شارون قدرته المدهشة على توظيف معلوماته الثرية عن دولة الكيان العنصري الصهيوني لصالح فكرته عن الجدار العازل الذي يجب أن يبحث فيه ليس في جدار شارون الذي أعلن عنه رسميا لأول مرة في نهاية عام 2003 وبدأ بتنفيذه مع بداية عام 2004 ، وإنما في السوابق التاريخية للجدار المذكور قبل عام 1948 ، كما تبدت في تاريخ اليشوف في فلسطين ، وبعد عام 1948 كما تبدت في تاريخ دولة إسرائيل على امتداد النصف الثاني من القرن المنصرم ، ففي تاريخ إسرائيل بعد عام 1948 أنتج النظام السياسي الإسرائيلي القائل برفض الاختلاط داخل حدود الدولة بين اليهود وغير اليهود بهدف المحافظة على " نقاء الشعب اليهودي " حلول الفصل والحواجز وجدران التمييز بين اليهود والغوييم ( أي الأغيار من غير اليهود ) وأول الجدران هو الوضعية القانونية الخاصة بغير اليهود من سكان إسرائيل داخل الخط الأخضر الذين يحملون الجنسية الإسرائييلية 0 أما الجدار الثاني فهو اجتماعي وثقافي ولغوي0 أما الفصل الثالث فهو الفصل السكاني الذي يهدف إلى عدم الإختلاط بين اليهود والغوييم في إسرائيل وهو فصل مازالت تحرص عليه إسرائيل أكثر من أي وقت مضى بهدف الحفاظ على طابعها اليهودي وبالطريقة التي باتت تدفع كل باحث حر إلى حد توصيف إسرائيل كدولة تتبنى رسميا نظام التمييز والفصل العنصري.أخيرا وعلى هذا الصعيد المتعلق بالسوابق التاريخية للجدار الأخير / جدار شارون الذي ترى إسرائيل بأن فكرته تعود إلى زمن الانتفاضة الثانية يذكر مينارغ القارئ الفرنسي لكتابه إلى أن فكرة الجدار الأخيرة هي فكرة قديمة عند شارون وليست جديدة كما يدعي وتعود لعام 1973 وليس لعام 2002، وبحسب رون ناحمان رئيس بلدة مستوطنة أرييل فإن خارطة الجدار الأخير هي نسخة مماثلة لخارطة جدار أطلعه عليها شارون عام 1978 وأبلغه وقتها بأنه يعمل عليها منذ عام 1973 .الكتاب : جدار شارون
الكاتب : آلان مينارغ

الناشر : دار كنعان ، دمشق 2005

حسن عبد العال

ـ انتهى ـ

المستقبل 30\5\2005

حسن عبد العال

باحث فلسطيني مقيم في سوريا


موبايل:00963944094429

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق