الأربعاء، 27 مايو 2009

نظام عالمي يكرس التخبط والفوضى:حسن عبد العال



نظام عالمي يكرِّس التخبط والفوضى


حسن عبد العال


27-5-2009م




تزفيتان تودوروف فيلسوف من أصل بلغاري مقيم في فرنسا منذ أكثر من 40 عاماً، يكتب بالفرنسية منذ الستينات وله عدد مهم من المؤلفات في مجالات عديدة تتراوح ما بين النظرية الأدبية وتاريخ الفكر وتحليل الثقافة.من خلال كتابه (اللانظام العالمي الجديد: تأملات مواطن أوروبي) الصادر بالفرنسية صيف عام 2003، أي بعد ثلاثة أشهر على بدء اجتياح القوات الأميركية للعراق، يحاول الفيلسوف تودوروف مجاراة زملائه الفرنسيين من اليمين واليسار والادلاء برأيه، أو ببيانه إن صح التعبير، بشأن التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة الدولية قبيل اجتياح العراق، وخلاله، وما رافق ذلك من ردود فعل واتجاهات متعارضة في أوساط المثقفين الفرنسيين، رغم وضوح وصلابة الموقف الرسمي الفرنسي المعرض والمستنكر للتوجهات الأميركية على المستوى الدولي عامة، وعلى صعيد المسألة العراقية بنحو خاص، ومن خلال هذه المساهمة تظهر معالجة تودوروف بداية من خلال التركيز على شقين، فهو من ناحية يعارض التفسيرات المتعددة التي عزت مسببات ودوافع الحرب المذكورة كمسببات ودوافع تتعلق بالمصلحة القومية للولايات المتحدة في مجال الأمن، وارتباط هذه الدوافع بدافع تمسكها بفكرة نشر الحرية خارج أراضيها، ومن ناحية أخرى، أو على صعيد الشق الثاني، يظهر تودوروف معارضته الأخلاقية لخيار الحرب، مستعيناً بكلاوزفيتز الذي ينكر على الجهة صاحبة القرار السياسي بالحرب اللجوء الى هذه الوسيلة، أو هذا الخيار، من دون استنفاد الوسائل أخرى، وبالتالي ينكر تودوروف على الولايات المتحدة حقها بشن الحرب لدواع ومببرات تتعلق بصيانة الأمن القومي للولايات المتحدة، وذلك لأسباب لا تتعلق فقط بالآثار السلبية للحملة الأميركية المذكورة على العالم وعلى التدخل الأميركي في الوقت نفسه، وإنما لأسباب تتعلق أيضاً بنهج التفرّد والهيمنة الذي بات يسيطر على الادارات الأميركية المتعاقبة منذ نهاية الحرب الباردة، وبخاصة خلال عهد إدارة بوش الابن، والذي بات يهدد بتبديد إرث أكثر من خمسين عاماً من المعاهدات والمواثيق والتي تنظم العلاقات الدولية، لمصلحة فرض نظام تسلطي جائر يقول بنظام عالمي جديد يكرّس أحقية زعامة الولايات المتحدة للعالم، والتحكم بمصيره منفردة، وبالطريقة التي تمهد وتيسّر لهذه الدولة الأقوى سبل تنفيذ مشروعها القائم على فرض الهيمنة العالمية عبر أشكال وأساليب وأدوات متنوعة بعضها يصلح لأوروبا ولا يصلح لأفغانستان أو العراق، وبعضها الآخر يصلح للدول ذات الأنظمة المعتدلة، أو غير المعادية لأميركا، ولا يصلح لأوروبا على سبيل المثال.في عودة لمحاذير نهج الهيمنة الذي تسبب بتفرّد الولايات المتحدة في معالجة المسألة العراقية، وبالطريقة التدميرية التي تمت تحت مظلة دعاوى ومبررات متهافتة تقول بمشروعية الحرب الاستباقية، يدعو تودوروف الى نظام دولي بديل يقوم على التعددية، أي على تعدد الأقطاب كما هو الحال في مجلس الأمن الدولي حيث تتشارك القوى العظمى في كل المسائل المتعلقة بإدارة وتنظيم وحل المشكلات الدولية. وحتى تتوفر إمكانات إقامة النظام البديل الذي يحتاج الى ظروف أو تحوّلات دولية جديدة لفرضه، يقترح تودوروف على أوروبا الحليفة التاريخية لأميركا، تحويل الاتحاد الأوروبي الي قوة عسكرية عظيمة الشأن بطريقة تكفل للاتحاد القيام بدور مميز في التوازن العالمي، وبالتالي تكفل لها ضمان الدفاع عن نفسها من دون معونة أحد وتكرّس سياسة دفاعية مستقلة بعد التخلص من الوصاية المزعجة للولايات المتحدة، وعلى هذا الصعيد الأخير يرى تودوروف أن لا ضرورة لتقليد الولايات المتحدة، أو منافستها، ولا حتى إقرار ميزانية عسكرية ضخمة بحجم الميزانية الأميركية، لكنه في ذات الوقت يقترح بأن تكون القوة الأوروبية قادرة على مجابهة الولايات المتحدة إذا اقتضت الحاجة لذلك، رغم أن احتمال حدوث صراع عسكري مع الولايات المتحدة لن تكون جزءاً من الاستراتيجية العسكرية للاتحاد، وإنما على العكس من ذلك حيث ستظل الولايات المتحدة بالنسبة لأوروبا بمثابة شريك عسكري متميّز وذلك في حال ارتداد الولايات المتحدة عن سياسات التفرد والهيمنة التي ما زالت تسيطر على صناع القرار في واشنطن، أما في حال استمرار الحال كما هو عليه فعلى أوروبا قطع هذه الشراكة واعتمادها منفردة في كل المسائل المتعلقة بالدفاع عن القارة الأوروبية.




الكتاب: اللانظام العالمي الجديدالكاتب: تزفيتان تودوروفالناشر:


دار المرساة، دمشق 2005


المستقبل - الاربعاء 9 تشرين الثاني 2005 - العدد 2093 - رأي و فكر - صفحة 19





حسن عبد العا ل




باحث فلسطيني مقيم في سوريا






موبايل:


00963944094429


===================================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق