الأحد، 31 مايو 2009

التحامل محل الحقيقه في تحديد صورة الآخر:حسن عبد العال









التحامل محل الحقيقة في تحديد صورة الآخر


حسن عبد العال


31-5-2009م


على طريقة اختيار المواضيع المنشورة التي تصلح لكي تكون تحت عنوان محدد، تم صدور هذا الكتاب لمؤلفه المرحوم ادوارد سعيد (توفي في أيلول 2003) الذي ما زال يحتل منزلة رفيعة في عالم الفكر المعاصر، والكتاب كما سبق القول هو حصيلة تجميع حزمة من المقالات والتعقيبات التي نشرها البروفسور ادوارد سعيد خلال الفترة الفاصلة بين صدور كتاب "الاستشراق" مروراً بفترة ما بعد أحداث 11 أيلول 2001 وحتى عام وفاته، والتي تندرج موضوعاتها حصراً تحت عناوين مثل صورة الاسلام في الغرب، او النظرة الغربية للاسلام... الخ. وبحسب صاحب الاستشراق فان متابعاته لتاريخ النظرة الغربية للاسلام منذ العصر الوسيط، ولاحقاً عصر النهضة، وحتى بداية الالفية الجديدة ظهر له وعلى نحو واضح ولا لبس فيه، على امتداد هذه الفترة الزمنية المديدة، بأن من الاستحالة العثور على حقبة من التاريخ الأوروبي (والأميركي) نوقش فيها الاسلام بشكل عام خارج اطار الانفعال والتحامل، او خارج اطار التعاطي وفق المصالح والأهداف السياسية الغربية. وبحسب سعيد فان تحرر أوروبا من مخلفات الخرافة والجهل. مع تقدم العلم والفكر الغربي منذ عصر الأنوار وحتى زماننا المعاصر لم يخلق على صعيد دراسة الاسلام رعيل من العلماء والمثقفين الغربيين الذين يتسمون بالنظرة الموضوعية التي يفترضها العلم الذي يجاهرون به، بحيث بقيت نظرة علماء ومثقفي عصر ما بعد الأنوار (أمثال سيلفستر دي ساسي، وادوارد لين، وأرنست رينان، ولويس ماسينيون... الخ) محكومة بذات النظرة السابقة التي نجدها عند الشارحين الأُول للاسلام أمثال بيتر المبجل وبارتيلمي دي هيربيلوت، أي اتسمت بالجدل المسيحي الانفعالي العنيف، اما في زماننا هذا الذي اصبح فيه العالم الاسلامي، أكثر من أي وقت مضى، مادة للاشباع الغربي الثقافي والاقتصادي، والذي قل نظيره في التاريخ، فقد غدا العالم الاسلامي، وبخاصة في ظل الهيمنة الأميركية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، مجرد عالم يحتمل وجهين لا ثالث لهما. فهو اما عالم موردين للنفط، أو عالم ارهابيين محتملين. او حسب المخيلة المريضة لوسائل الاعلام الأميركي مجرد مجموعات من الرعاع الذين يلوحون بسيوفهم ويمتلكون النفوذ، وانما يلقى رواجاً في أوساط باحثين وخبراء متخصصين بالاسلام والشرق الأوسط، من أمثال صموئيل هانتينغتون، وبرنار لويس. او من هم من صنف جوديث ميلر وأمثالها ممن يرجون لظاهرة ما يسمى ب "الشيطان الاسلامي" الذي حل، كخطر خارجي، محل الشيطان السوفييتي السابق. فحسب البروفسور ادوارد سعيد الذي راقب عن كثب هذه الظاهرة التي تقوم على أساس من التلفيق على الاسلام وتشويه صورته، فان مثل هذه الظاهرة في التسويق الاعلامي للاسلام في عالم الغرب على صعيد خبراء الاسلام باتت مجرد وسيلة تكفل لاصحابها خدمة انفسهم من ناحية ضمان الاستشارات التي تدر عليهم المال السخي، اضافة للنجومية المتأتية عن ظهورهم الدوري المتكرر على شاشات التلفزة، وتأمين العقود والاتفاقات المتعلقة بمؤلفاتهم التي يصورن من خلالها التهديد الاسلامي بطريقة مرعبة اقل ما يمكن القول عنها انها نتاج طريقة مخالفة للمنطق والواقع الى حد بعيد. وهذا الاستنتاج المروع في تصوير الاسلام بات يجد له مرتعاً خصباً في ظل الهجمة الأميركية الاسرائيلية المنظمة على الاسلام التي بدأت، من خلال استخدام عتادها الفكري من العيار الثقيل. في لعب ادوار قتالية مستميتة بهدف تشويه تعبير مجرد اسمه "الاسلام" وتشويه صورته بشكل متعمد بقصد اثارة ظاهرة الخوف من الاسلام بين الأميركيين والأوروبيين، الذين باتت تفرض عليهم رؤية اسرائيل كبديل متمدن وليبرالي في ملكوت الشرق الأوسط، مقابل للاسلام المتخلف والجاهل الذي بات ينظر اليه، او بتعبير آخر الذي باتوا يقصدون النظر اليه، كـ "تشوه نفسي" وليس كحضارة أو دين حقيقيين. او حتى في حال التعاطي الشكلي مع الاسلام كحضارة، تصويره كحضارة معادية ومدمرة للآخر الغربي وفق السيناريو الذي ابدعته مخيلة هانتينغتون. وايضاً كما في النقاشات التي شارك بها ما يسمى بـ "الخبراء بالاسلام" وبمنطقة الشرق الأوسط، والتي دارت عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 حيث تحولت الهجمات الرهيبة ذات الدوافع الانتحارية التي خطط لها ونفذها جماعة صغيرة من المقاتلين الذين يرفعون على طريقتهم الخاصة بهم راية الاسلام لتصير في افتتاحيات الصحف الكبرى دليلاً قاطعاً على صحة أفكار هانتينغتون، حيث بدأت المقالات الرئيسية التي تنشر في الصحف الأميركية والأوروبية بتبني مفردات التهويل بالخطر الاسلامي القادم بغية اذكاء سخط ونقمة الغربيين على الآخرين الذين يهددون حضارتهم. وعلى رأسهم بالطبع العرب من خلال تصويرهم بطريقة تجعل منهم جديرين بأن يكونوا أهدافاً مشروعة للارهاب الاسرائيلي المدعوم أميركياً.


الكتاب: الاسلام في عيون الغرب


الكاتب: ادوار سعيد


الناشر: دار الحصاد، دمشق 2006


المستقبل - الثلاثاء 27 حزيران 2006


- العدد 2307 - رأي و فكر - صفحة 15


27\6\2006م


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا


mervat10mm@yahoo.com

موبايل:00963944094429



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق