الخميس، 28 مايو 2009

عندما يحل فريق المصالح محل المؤسسه السياسيه:حسن عبد العال









عندما يحلّ فريق المصالح محلّ المؤسسة السياسية


حسن عبد العال


29-5-2009م


خلال الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، بدأت تظهر في الولايات المتحدة الأميركية، موجة من المؤلفات التي تكشف حقيقة وأبعاد التحولات الاقتصادية الداخلية التي شكلت منذ بداية الثمانينات قطيعة سافرة مع تقاليد أميركا الليبرالية التي سادت خلال الخمسينات والستينات وأدت إلى تعزيز دور الطبقة الوسطى الأميركية وأدت في ذات الوقت إلى تقليص الفجوة الرقمية بين الطبقات والشرائح الغنية والطبقات والشرائح التي تليها. وبحسب الاتجاه العام لهذه المؤلفات التي يتبنى أصحابها مبادئ وأفكارا لا تحيد عن الرأسمالية وتعتمدها كخيار وحيد فإن النموذج الجديد، نموذج السوق الحرة المنفلتة من أية ضوابط أو قيود، والذي اعتمدته أميركا منذ بداية الثمانينات كتعبير ناجم من شكل غير مسبوق من التحالف بين السلطة السياسية وأصحاب الشركات الكبرى والأسر الغنية، هو العامل الحاسم الذي قلب الأحوال الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية رأساً على عقب، وأدى إلى توسيع الفجوة الرقمية بين الأغنياء وأبناء الطبقة الوسطى، عبر وسيلة إعادة توزيع الثروة القومية بطريقة تقلص من حصة الطبقات والشرائح التي تشكل غالبية الأمة الأميركية، وبالمقابل تزيد من حصة الأسر الغنية على حساب الشرائح الوسطى والفقيرة.وإلى جانب هذه الموجة من المؤلفات التي لا تزال تغزو السوق الأميركية، بدأت تظهر منذ بداية الألفية الجديدة موجة من المؤلفات التي تتناول ذات المسألة التي استفاض في طرحها العديد من الدارسين المتخصصين، ولكن هذه المرة من خلال أدب هجائي شعبي يتناول التحولات الانقلابية الداخلية على طريقة مايكل مور في كتابه الذي صدر منذ ثلاثة أعوام بعنوان: "رجال بيض أغبياء"، أي يتناول التحولات الانقلابية الداخلية على المستويات الثلاثة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال مؤلفات هي في حقيقة الأمر نوع من التقارير التي تبرز الحقائق الخفية، أو البعيدة عن تناول الجمهور، وفق أساليب تعتمد الطرق الأكثر شعبية، والبعيدة كل البعد عن مناهج الدراسات الاكاديمية، ولكن من دون أن يعني ذلك أن هذه المؤلفات الشعبية التي تعتمد إثارة المعلومات هي أقل شأناً من سابقاتها على صعيد ربط الظواهر والنتائج بأسبابها القريبة أو المباشرة. وعلى هذا المستوى نقرأ كتاب الصحافي الأميركي جيم هاي تاوير: "لصوص في مناصب مرموقة" فمن خلال كتابه الذي يزيد على ثلاثمائة صفحة، والمدعم بكم هائل من الوثائق الدامغة التي تدين التحالف الجديد القائم بين السلطة السياسية والشركات الكبرى، يؤكد هاي تاوير الذي اتخذ لنفسه خطاً سياسياً يدين الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء، أن النظام الأميركي الحالي بدأ يلغي الحدود الفاصلة بين مراكز صنع القرار السياسي وعالم المال والأعمال، ليس بمعنى تغلغل السياسة في أوساط رجال المال وأصحاب الشركات الكبرى، إنما بالعكس، بمعنى اقتحام رجال المال والأعمال للكونغرس والبيت الأبيض واحتلالهم، من خلال ممثليهم، للمكاتب والمراكز المنوط بها صنع القرار السياسي على المستويين الداخلي والخارجي، إلى جانب رسم السياسات المالية والضريبية، إضافة إلى تلك المتعلقة بالعمالة والصحة والضمان... الخ. وبحسب هاي تاوير فإن هذه الظاهرة غير المسبوقة، أي ظاهرة ما أطلق عليه، اقتحام "النخبة التنفيذية المشتركة من أبناء الطبقات الأعلى الثرية" للكونغرس بمجلسيه، إضافة إلى البيت الأبيض والوزارات الأساسية، عملت لتحويل أميركا الديموقراطية إلى أمة مدارة من قبل حكومة تتسم بعملية نقل وتحويل الأموال والسلطة من الأغلبية إلى الأقلية. وعليه، بحسب هاي تاوير، لم يعد الرئيس الأميركي وأركان إدارته مجرد فريق يجد مصلحته في ارضاء أصحاب المصالح كما كان الأمر في السابق، وانما أصبح الرئيس ونائبه ووزير دفاعه وباقي عناصر إدارته من جماعة المصالح بعينها، حيث إن كلهم من أصحاب ومدراء الشركات الذين باتوا من داخل الإدارة، يعملون لمصالحهم الشخصية وزيادة ثرواتهم وثروات الطبقات الغنية التي ينتمون اليها، حتى باتت الحكومة الأميركية التي أصبح متخذو القرار فيها من مدراء وممثلي أصحاب الشركات الكبرى وممثليهم أشبه بـ"المول"، أي بمجمع تجاري يتم من خلاله "تسويق مصالح عدد غير محدود من الشركات الكبرى".أخيراً في كتاب هاي تاوير تصوير دقيق وتفصيلي لحالة الأمة التي لم تعد تدار كما في السابق، من قبل مؤسسة حكومية تحرص على التقاليد الأميركية الموروثة من عهد الآباء المؤسسين، وإنما باتت تدار من قبل عصبة أوليغارشية تدير البلاد وتنظم شؤون الأمة وفق سياسات تساهم وعلى نحو سريع، بزيادة ثروات كل الأعضاء المنتمين إلى نادي العصبة الأوليغارشية الحاكمة. وبحسب هاي تاوير والكثير ممن سبقوه في مؤلفاتهم التي تصدت لهذه الظاهرة، فإن هذه التحولات التي بدأت تدفع بالولايات المتحدة، منذ بداية الثمانينينات، للارتماء في أحضان الأوليغارشية باتت اليوم، وبعد أكثر من عقدين على بدء هذه التحولات، أشبه بالآلية التي تقود الأمة الأميركية إلى الوراء، إلى زمن شبيه بفترة العشرينات (من القرن المنصرم) يوم كانت أميركا تنقسم إلى أمتين متباعدتين: أمة فقيرة تشكل أكثر من 90 في المئة من السكان، وأمة غنية وذات ثراء فاحش تشكل أقل من 10 في المئة من السكان.


الكتاب: لصوص في مناصب مرموقة


الكاتب: جيم هاي تاوير


الناشر: دار الأوائل، دمشق 2005


المستقبل - الجمعة 5 أيار 2006 - العدد 2256 - رأي و فكر - صفحة 19


حسن عبد العال


باحث فلسطيني مقيم في سوريا



موبايل:00963944094429
=========================================


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق