الثلاثاء، 5 مايو 2009

مايحكم السياسه الخارجيه الاميركيه ,ضعف أمريكا لاقوتها:حسن عبد العال



ما يحكم السياسة الخارجية الأميركية ، ضعف أمريكا لا قوتها




حسن عبد العال




5-5-2009م




إيمانويل تود مؤرخ ديموغرافي وباحث واسع المعرفة في قضايا الاجتماع والسياسة وتاريخ العلاقات الدولية …. الخ وهو أمر يمكن أن يلحظه كل من اطلع على كتابه الأخير الذي أصدره تود وأرسله إلى الناشر الفرنسي قبل شهر فقط على بدء العدوان الأميركي على العراق 0 وأعتقد أن هذا الأمر كان من حسن طالع تود ( وليس من سوء حظه ) لأنه ظهر لنا كمتنبئ صائب في نظرته المسبقة للحدث والقائلة - بطرية لاتخلوا من الجرم ـ بأن أية مغامرة عسكرية يمكن أن تقدم عليها واشنطن في أي بلد من البلدان الضعيفة المسماة تحت يافطة " محور الشر " ستظهر على الملىء مدى هشاشة وارتباك الولايات المتحدة وضعفها الفاضح بطريقة لايمكن إخفاءها 0 وبأن الطريقة الاستعراضية التي اختارت بها إظهار قوتها بعد 11 أيلول من خلال استهداف مراكز دولية ضعيفة ( مثل العراق ) سترتد عليها وستظهر للعالم كاريكاتورية أميركا الضعيفة التي تلجأ الى اخفاء ضعفها أمام العالم عبر ممارسة استعراض القوة0ما يحكم السياسة الخارجية الأميركية هو ضعف الولايات المتحدة ، وليس قوتها 0 هذه مسألة محورية في معالجة المؤرخ الديموغرافي تود للسياسة الخارجية الأميركية النازعة بصلافة نحو السيطرة العالمية ، والتي تريد واعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، إلى عصرها الذهبي السابق - إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ـ ولكن من غير طائل 0 فالعالم الحر الذي لم يكن ليتصور تطوره وتقدمه من دون مظلة أميركا وحمايتها ولي إلى غير رجعه ، لأن حلفاء أميركا التقليديين القدامى من أوروبيين ويابانيين ما عادوا في حاجة إلى أميركا ، وباتوا متقدمين عليها على الصعيد الاقتصادي الذي كان ومازال يشكل العامل الرئيسي للقوة0وبحسب تود فان هذا العامل الحاسم الذي بات يشكل عصب القوة المنظورة لكل من اوربا الموحدة واليابان ما كان ليظهر قط في تجلياته الحالية ، التي تعبر عن تفوق اقتصاديات كل من أوروبا واليابان على أميركا ، لولا انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي أضر بها - على عكس ما يوحيه الظاهر – أكثر مما نفعها ، وذلك بفعل خلقه لظاهرة انفراج سياسي جديد على الساحة الدولية أتاحت لأوروبا واليابان سبل التعبير السياسي عن مركزها كقوتان اقتصاديتان ، ليس فقط من دون حماية أميركية ، وإنما على الأخص من خلال المباراة مع أميركا ومجاراتها رأسا برأس على مركز الصدارة العالمية0هذه المعادله الجديدة الناجمة عن نهاية الحرب الباردة ، هي معادلة مدمرة لمنزلة أميركا العالمية داخل الأسرة الدولية المسماة بالعالم الحر ، والتي سبق وحصلت عليها الولايات المتحدة بامتياز خلال العقود الأربع التي تلت الحرب العالمية الثانية ، وبالتالي هي معادلة مدمرة لأميركا التي تقلصت قوتها الاقتصادية العالمية إلى النصف تقريبا ( قياسا مع أميركا زمن مشروع مارشال ، حيث كانت تشكل لوحدها نحو 65 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي ) 0 فالعالم الحر الذي لم يكن قادراً على العيش من دون حماية أميركية ( أوروبا واليابان ) أصبح قادراً على العيش واحتلال مركز الصدارة العالمية من دون أميركا ، في وقت أصبحت فيه أميركا التي فقدت ثقلها الاقتصادي السابق وعصرها الذهبي السالف على العكس من ذلك تماما ، أي باتت غير قادرة على الوقوف على أرجلها من دون العالم ( الحر ) ، وبالأخص من دون استمرار المحافظة على مركزها القديم الذي كان يؤهلها وبامتياز لاحتلال دور الدولة الزعيمة والقائدة للعالم الحر على كافة الأصعدة ، وبالأخص منها العسكرية والاقتصادية والثقافية 0 بحيث باتت نغمة ما سمي بـ " عالمية أميركا " و " حاجة العالم المستمرة إلى أميركا " ، مجرد نغمة بائسة في الفكر السياسي الأميركي الذي مازال يعبر عن هذه الفكرة بطريقة الاستعلاء ، في حين هي فكرة متهافتة قائمة أصلا على أساس من الواقع المعاش الذي بات يفصح بجلاء وصدقية الأرقام بان اميركا المغرورة التي لاتعترف بمظاهر ضعفها وأزماتها البنيوية المستعصية ، والتي باتت مجرد ثقب اسود في الاقتصاد العالمي ، (تستهلك اكثر مما ينتج ) أصبحت غير قادرة على العيش من دون العالم ، أي بصريح العبارة من دون التطفل والسلبطة والاستئثار بالمكاسب والامتيازات وانتزاعها من الغير ، بهدف إعادة التوزان ما أمكن ، وردم الهوة السحيقة التي باتت تفصل بين ما تنتجه الولايات المتحدة وما تستهلكه 0 وبحسب الأرقام التي يوردها تود ويستطيع القارئ الاطلاع عليها من خلال الدوريات المتخصصة والصفحات الاقتصادية في الصحف ، فان أميركا التي كانت في عصرها الذهبي السابق تصدر أكثر مما تستورد ، بات الميزان التجاري يعمل في غير صالحها ويسجل أرقام عجز مرعبة ( نحو نصف تريليون دولار سنويا ، منها عجز بقيمة 103 مليار دولار مع تجارة الصين وحدها - عام 2002- ) باتت تعكس عاما بعد عام درجة الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاقتصاد الأميركي ، ودرجة الانحدار التي باتت تشكل الصورة الحقيقة لأميركا التي أصبحت بالنسبة للاقتصاد العالمي كما سبق القول مجرد ثقب اسود في هذا الاقتصاد ، " تبتلع البضائع والرساميل المستوردة من كافة أرجاء المعمورة ، من دون أن تكون قادرة على أن تقدم بالمقابل السلع الأميركية المتكافئة مع حجم هذه البضائع والرساميل."* * *أميركا التي شبهها البعض بالعملاق الجريح ، لكونها فقدت منزلتها في الصدارة الاقتصادية في عالم كان في مجمله دونها وفرة وثروة ، أميركا هذه التي فقدت قيمتها الأخلاقية ومنزلتها الثقافية تحاول الآن عن طريق السياسة والعسكرة والحرب خلق الاضطراب وإشاعة الفوضى في العلاقات الدولية ، بهدف استعادة منزلة الولايات المتحدة التي يعرف قادتها ومنظريها بأنها باتت مستحيلة في عالم يسوده الاستقرار والسلم الدوليين 0 وأمام هذه المعضلة التي باتت تواجه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ينصح تود العالم وبشكل خاص أوروبا الموحدة ( التي باتت تشكل ثقلا يفوق ثقل الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي ) بإحكام العقل وعدم التورط في الوقت الحاضر بأية مجابهة مع أميركا ، كالتي تحصل على الصعيد التجاري أو السياسي والإعلامي ، وتركها تستهلك نفسها بنفسها 0 لأن أميركا التي تحولت في مفهوم قادة أوروبا من دولة " حامية " إلى دولة " نهابة " لن تكون قادرة حتى على تحمل أعباء وأثقال سياستها الخارجية الرعناء في زمن الإفلاسات والبطالة والعجز الدوري الفاضح في الموازنة الفيدرالية وفي الميزان التجاري.....الخ .ـ انتهى ـ
الكتاب : ما بعد الامبراطورية 0 دراسة في تفكك النظام الأميركي الكاتب : إيمانويل تودالناشر : دار الساقي ، بيروت 2003
المستقبل 13\10\2003م
حسن عبد العال












موبايل:00963944094429





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق